[غافر : 62] ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
62 - (ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان
يقول تعالى ذكره : الذي فعل هذه الأفعال ، وأنعم عليكم هذه النعم أيها الناس ، الله ما لككم ومصلح أموركم ، وهو خالقكم وخالق كل شيء " لا إله إلا هو " يقول : لا معبود تصلح له العبادة غيره ، " فأنى تؤفكون " يقول : فأي وجه تأخذون ، وإلى أين تذهبون عنه ، فتعبدون سواه ؟
قوله تعالى : " ذلكم الله ربكم خالق كل شيء " بين الدلالة على وحدانيته وقدرته . " لا إله إلا هو فأنى تؤفكون " أي كيف تنقلبون وتنصرفون عن الإيمان بعد أن تبينت لكم دلائله كذلك ، أي كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه فـ " كذلك يؤفك " يصرف عن الحق " الذين كانوا بآيات الله يجحدون " .
يقول تعالى ممتناً على خلقه بما جعل لهم من الليل الذي يسكنون فيه يستريحون من حركات ترددهم في المعايش بالنهار وجعل النهار مبصراً أي مضيئا ليتصرفوا فيه بالأسفار وقطع الأقطار والتمكن من الصناعات "إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون" أي لا يقومون بشكر نعم الله عليهم, ثم قال عز وجل: "ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو" أي الذي فعل هذه الأشياء هو الله الواحد الأحد خالق الأشياء الذي لا إله غيره ولا رب سواه "فأنى تؤفكون" أي فكيف تعبدون من الأصنام التي لا تخلق شيئاً بل هي مخلوقة منحوتة.
وقوله عز وجل: "كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون" أي كما ضل بعبادة غير الله كذلك أفك الذين من قبلهم فعبدوا غيره بلا دليل ولا برهان بل بمجرد الجهل والهوى. وجحدوا حجج الله وآياته وقوله تعالى: "الله الذي جعل لكم الأرض قراراً" أي جعلها لكم مستقراً بساطاً مهاداً تعيشون عليها وتتصرفون فيها وتمشون في مناكبها وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم "والسماء بناء" أي سقفاً للعالم محفوظاً "وصوركم فأحسن صوركم" أي فخلقكم في أحسن الأشكال ومنحكم أكمل الصور في أحسن تقويم "ورزقكم من الطيبات" أي من المآكل والمشارب في الدنيا فذكر أنه خالق الدار والسكان والأرزاق فهو الخالق الرازق كما قال تعالى في سورة البقرة: " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ". وقال تعالى ههنا بعد خلق هذه الأشياء: "ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين" أي فتعالى وتقدس وتنزه رب العالمين كلهم ثم قال تعالى: "هو الحي لا إله إلا هو" أي هو الحي أزلاً وأبداً لم يزل ولا يزال وهو الأول والاخر والظاهر والباطن "لا إله إلا هو" أي لا نظير له ولا عديل "فادعوه مخلصين له الدين" أي موحدين له مقرين بأنه لا إله إلا هو الحمد لله رب العالمين. قال ابن جرير: كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال لا إله إلا الله أن يتبعها بالحمد لله رب العالمين عملاً بهذه الاية. ثم روي عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق عن أبيه عن الحسين بن واقد عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين وذلك قوله تعالى: "فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين" وقال أبو أسامة وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير قال إذا قرأت " فادعوا الله مخلصين له الدين " فقل لا إله إلا الله وقل على أثرها الحمد لله رب العالمين ثم قرأ "فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين". قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير حدثنا هشام يعني ابن عروة بن الزبير عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن بدر المكي قال كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله, لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن, لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهن دبر كل صلاة ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن هشام بن عروة وحجاج بن أبي عثمان وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن أبي الزبير عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وذكر تمامه.
62- "ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو" بين سبحانه في هذا كمال قدرته المقتضية لوجوب توحيده قرأ الجمهور "خالق" بالرفع على أنه خبر بعد الخبر الأول عن المبتدأ، وقرأ زيد بن علي بنصبه على الاختصاص "فأنى تؤفكون" أي فكيف تنقلبون عن عبادته وتنصرفون عن توحيده.
62. " ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ".
62-" ذلكم " المخصوص بالأفعال المقتضية للألوهية والربوبية . " الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو " أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة وتقررها ، وقرئ خالق بالنصب على الاختصاص فيكون " لا إله إلا هو " استئنافاً بما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة . " فأنى تؤفكون " فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره .
62. Such is Allah, your Lord, the Creator of all things. There is no God save Him. How then are ye perverted?
62 - Such is God, your Lord, the Creator of all things. There is no god but He: then how ye are deluded away from the Truth!