[غافر : 4] مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ
4 - (ما يجادل في آيات الله) القرآن (إلا الذين كفروا) من أهل مكة (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) للمعاش سالمين فإن عاقبتهم النار
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أبي مالك في قوله ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا قال نزلت في الحرث بن قيس السهمي
يقول تعالى ذكره : ما يخاصم في حجيج الله وأدلته على وحدانيته بالأنكار لها ، إلا الذين جحدوا توحيده .
وقوله : " فلا يغررك تقلبهم في البلاد " يقول جل ثناؤه : فلا يخدعك يا محمد تصرفهم في البلاد وبقاؤهم ومكثهم فيها ، مع كفرهم بربهم ، فتحسب أنهم إنما أمهلوا وتقلبوا ، فتصرفوا في البلاد مع كفرهم بالله ، ولم يعاجلوا بالنقمة والعذاب على كفرهم لأنهم على شيء من الحق ، فإنا لم نمهلهم لذلك ولكن ليبلغ الكتاب أجله ، ولتحق عليهم كلمة العذاب ، عذاب ربك .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة " فلا يغررك تقلبهم في البلاد " أسفارهم فيها ، ومجيئهم وذهابهم . ثم قص على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصص الأمم المكذبة رسلها ، وأخبره أنهم كانوا من جدالهم لرسله على مثل الذي عليه قومه الذين أرسل إليهم ، وأنه أحل بهم من نقمته عند بلوغهم أمدهم بعد إعذار رسله إليهم وإنذارهم بأسه ما قد ذكر في كتابه ، إعلاماً منه بذلك نبيه أن سنته في قومه الذين سلكوا سبيل أولئك في تكذيبه وجداله سنته من إحلال نقمته بهم ، وسطوته بهم ، فقال تعالى ذكره : كذبت قبل قومك المكذبين لرسالتك إليهم رسولاً المجادليك بالباطل ، قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهم الأمم الذين تحزبوا وتجمعوا على رسلهم بالتكذيب لها ، كعاد وثمود ، وقوم لوط ، وأصحاب مدين وأشباههم .

قوله تعالى : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " بسجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر ، والمراد الجدال بالباطل ، من الطعن فيها ، والقصد إلى إدحاض الحق ، وإطفاء نور الله تعالى . وقد دل على ذلك في قوله تعالى " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " [ غافر : 5] فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها ، وحل مشكرها ، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ، ورد أهل الزيغ بها وعنها ، فأعظم جهاد في سبيل الله . وقد مضى هذا المعنى في ( البقرة ) عند قوله تعالى : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " [البقرة : 258] مستوفى . " فلا يغررك " وقرئ : ( فلا يغرك ) " تقلبهم " أي تضرفهم " في البلاد " فإني وإن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم . قال ابن عباس : يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن . وقيل : (لا يغررك ) ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا . وقال الزجاج : (لا يغررك ) سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك . وقال أبو العالية : آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن : قوله : ( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ) وقوله : " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " [ البقرة : 176] .
يقول تعالى ما يدفع ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان "إلا الذين كفروا" أي الجاحدون لايات الله وحججه وبراهينه "فلا يغررك تقلبهم في البلاد" أي في أموالها ونعيمها وزهرتها كما قال جل وعلا: "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد" وقال عز وجل: "نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ" ثم قال تعالى مسلياً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه بأن له أسوة فيمن سلف من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنه قد كذبهم أممهم وخالفوهم وما آمن بهم منهم إلا قليل فقال: "كذبت قبلهم قوم نوح" وهو أول رسول بعثه الله ينهى عن عبادة الأوثان "والأحزاب من بعدهم" أي من كل أمة "وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه" أي حرصوا على قتله بكل ممكن ومنهم من قتل رسوله "وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق" أي ما حلوا بالشبهة ليردوا الحق الواضح الجلي.
وقد قال أبو القاسم الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عارم أبو النعمان حدثنا معتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان باطلاً ليدحض به حقاً فقد برئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم" وقوله جلت عظمته: "فأخذتهم" أي أهلكتهم على ما صنعوا من هذه الاثام والذنوب العظام "فكيف كان عقاب" أي فكيف بلغك عذابي لهم ونكالي بهم قد كان شديداً موجعاً مؤلماً. قال قتادة كان شديداً والله. وقوله جل جلاله: "وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار" أي كما حقت كلمة العذاب على الذين كفروا من الأمم السالفة كذلك حقت على المكذبين من هؤلاء الذين كذبوك وخالفوك يا محمد بطريق الأولى والأحرى لأن من كذبك فلا وثوق له بتصديق غيرك, والله أعلم.
ثم لما ذكر أن القرآن كتاب الله أنزله ليهتدي به في الدين ذكر أحوال من يجادل فيه لقصد إبطاله فقال: 4- "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا" أي ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا، والمراد الجدال بالباطل والقصد إلى دحض الحق كما في قوله: "وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق"، فأما الجدال لاستيضاح الحق ورفع اللبس والبحث عن الراجح والمرجوح وعن المحكم والمتشابه ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن، وردهم بالجدال إلى المحكم فهو من أعظم ما يتقرب المتقربون، وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب فقال: "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه" وقال: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" وقال "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" "فلا يغررك تقلبهم في البلاد" لما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر، نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يغتر بشيء من حظوظهم الدنيوية فقال: فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة في البلاد وما يحصلونه من الأرباح ويجمعونه من الأموال فإنهم معاقبون عما قليل وإن أمهلوا فإنهم لا يهملون. قال الزجاج: لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم، فإن عاقبتهم الهلاك. قرأ الجمهور "لا يغررك" بفك الإدغام. وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير بالإدغام.
4. " ما يجادل في آيات الله "، في دفع آيات الله بالتكذيب والإنكار، " إلا الذين كفروا "، قال أبو العالية : آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآنك " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا "، " إن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " (البقرة-176).
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا محمد بن خالد ، أخبرنا داود بن سليمان ، أخبرنا عبد الله بن حميد ، حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن ليث عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن جدالاً في القرآن كفر ".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتمارون في القرآن، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله عز وجل بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوه، وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه ".
قوله تعالى: " فلا يغررك تقلبهم في البلاد "، تصرفهم في البلاد للتجارات وسلامتهم فيها مع كفرهم، فإن عاقبة أمرهم العذاب، نظيره قوله عز وجل: " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد " (آل عمران-196).
4-" ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق لقوله : " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " وأما الجدال في لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " إن جدالاً في القرآن كفر " بالتنكير مع أنه ليس جدالاً فيه على الحقيقة ." فلا يغررك تقلبهم في البلاد " فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال :
4. None argue concerning the revelations of Allah save those who disbelieve, so let not their turn of fortune in the land deceive thee (O Muhammad).
4 - None can dispute about the signs of God but the unbelievers. Let not, then, strutting about through the land deceive thee!