[غافر : 37] أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ
37 - (أسباب السماوات) طرقها الموصلة إليها (فأطلع) بالرفع عطفا على أبلغ وبالنصب جوابا لابن (إلى إله موسى وإني لأظنه) أي موسى (كاذبا) في أن له إلاها غيري قال فرعون ذلك تمويها (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) طريق الهدى بفتح الصاد وضمها (وما كيد فرعون إلا في تباب) خسار
ذكر من قال ذلك : حدثنا أحمد بن هشام ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي صالح " أسباب السماوات " قال : طرق السماوات .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "أبلغ الأسباب * أسباب السماوات " قال : طرق السماوات .
وقال آخرون : عني بأسباب السموات : أبواب السموات .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا " وكان أول من بنى بهذا الآجر وطبخه " لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات " : أي أبواب السماوات .
وقال آخرون : بل عني به منزل السماء .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات " قال : منزل السماء .
وقد بينا فيما مضى قبل ، أن السبب : هو كل ما تسبب به إلى الوصول إلى ما يطلب من حبل وسلم وطريق وغير ذلك .
فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال :معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسباباً أتسبب بها إلى رؤية إله موسى ، طرقاً كانت تلك الأسباب منها ، أو أبواباً ، أو منازل ، أو غير ذلك .
وقوله : " فأطلع إلى إله موسى " اختلف القراء في قراءة قوله : " فأطلع " فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار < فأطلع > بضم العين : رداً على قوله : " أبلغ الأسباب " وعطفاً به عليه . وذكر عن حميد الأعرج أنه قرأ " فأطلع " نصباً جواباً لعلي ، وقد ذكر الفراء أن بعض العرب أنشده :
عل صروف الدهر أو دولاتها
يدلننا اللمة من لماتها
فتستريح النفس من زفراتها
فنصب فتستريح على أنها جواب للعل .
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الرفع في ذلك ، لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله : " وإني لأظنه كاذبا " يقول : إني لأظن موسى كاذباً فيما يقول ويدعي من أن له في السماء رباً أرسله إلينا .
وقوله : " وكذلك زين لفرعون سوء عمله " يقول الله تعالى ذكره : وهكذا زين الله لفرعون حين عتا عليه وتمرد ، قبيح عمله ، حتى سولت له نفسه بلوغ أسباب السموات ، ليطلع إلى إله موسى .
وقوله : " وصد عن السبيل " اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة : " وصد عن السبيل " بضم الصاد ، على وجه ما لم يسم فاعله .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وصد عن السبيل " قال : فعل ذلك به ، زين له سوء عمله ، وصد عن السبيل .
وقرأ ذلك حميد و أبو عمرو وعامة قراء البصرة < وصد > بفتح الصاد ، بمعنى : وأعرض فرعون عن سبيل الله التي ابتعث بها موسى استكباراً .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القاريء فمصيب .
وقوله : " وما كيد فرعون إلا في تباب " يقول تعالى ذكره : وما احتيال فرعون الذي يحتال للاطلاع إلى إله موسى ، إلا في خسار وذهاب مال وغبن ، لأنه ذهبت نفقته التي أنفقها على الصرح باطلاً ، ولم ينل بما أنفق شيئاً مما أراده ، فذلك هو الخسار والتباب .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " وما كيد فرعون إلا في تباب " يقول : في خسران .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " في تباب " قال : خسار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وما كيد فرعون إلا في تباب" أي : في ضلال وخسار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وما كيد فرعون إلا في تباب " قال : التباب والضلال واحد .
قوله تعالى : " أسباب السماوات " ( أسباب السماوات ) بدل من الأول . وأسباب السماء أبوابها في قول قتادة و الزهري و السدي و الأخفش ، وأنشد :
ومن هاب أسباب المناي ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
وقال أبو صالح : أسباب السموات طرقها . وقيل : الأمور التي تستمسك بها السموات . كرر أسباب تفخيماً ، لأن الشيء إذا أبهم ثم أوصح كان تفخيماً لشأنه . والله أعلم . " فأطلع إلى إله موسى " فأنظر إليه نظر مشرف عليه . توهم أنه جسم تحويه الأماكن . وكان فرعون يدعى الألوهية ويرى تحقيقها بالجلوس في مكان مشرف وقراءة العامة ( فأطلع ) بالرفع نسقاً على قوله : ( أبلغ ) وقرأ الأعرج و السلمي و عيس و حفص ( فأطلع ) بالنصب ، قال أبو عبيدة : على جواب ( لعل ) بالفاء . النحاس : ومعنى النصب خلاف معنى الرفع ، لأن معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت . ومعنى الرفع ( لعلي أبلغ الأسباب ) ثم لعلي أطلع بعد ذلك ، إلا أن ثم أشد تراخياً من الفاء . " وإني لأظنه كاذبا " أي وإني لأظن موسى كاذباً في ادعائه إلهاً دوني ، وإنما أفعل ما أفعل لإزاحة العلة . وهذا يوجب شك فرعون في أمر الله . وقيل : إن الظن بمعنى اليقين أي وأنا أتيقن أنه كاذب ، وإنما أقول ما أقوله لإزالة الشبة عمن لا أتيقن ما أتيقنه .
قوله تعالى : " وكذلك زين لفرعون سوء عمله " أي كما قال هذا المقالة وارتاب زين له الشيطان أو زين الله سوء عمله أي الشرك والتكذيب . " وصد عن السبيل " قراءة الكوفيين ( وصد ) على ما لم يسم فاعله وهو اختيار أبي عبيد و أبي حاتم ، ويجوز على هذه القراءة ( وصد) بكسر الصاد نقلت كسرة الدال على الصاد ، وهي قراءة يحيى بن وثاب و علقمة وقرأ ابن أبي إسحاق و عبد الرحمن بن بكرة ( وصد عن السبيل ) بالرفع والتنوين . الباقون ( وصد ) بعفتح الصاد والدال . أي صد فرعون الناس عن السبيل . " وما كيد فرعون إلا في تباب " أي في حسران وضلال ، ومنه : " تبت يدا أبي لهب " [ المسد : 1] وقوله : " وما زادوهم غير تتبيب" [ هود : 101] وفي موضع " غير تخسير " [ هود : 63] فهد الله صرحه وغرقه هو وقومه على ما تقدم .
يقول تعالى مخبراً عن فرعون وعتوه وتمرده وافترائه في تكذيبه موسى عليه الصلاة والسلام أنه أمر وزيره هامان أن يبني له صرحاً وهو القصر العالي المنيف الشاهق وكان اتخاذه من الاجر المضروب من الطين المشوي كما قال تعالى: "فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً" ولهذا قال إبراهيم النخعي كانوا يكرهون البناء بالاجر وأن يجعلوه في قبورهم رواه ابن أبي حاتم, وقوله " لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات " إلخ قال سعيد بن جبير وأبو صالح أبواب السموات وقيل طرق السموات "فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً" وهذا من كفره وتمرده أنه كذب موسى عليه الصلاة والسلام في أن الله عز وجل أرسله إليه قال الله تعالى: "وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل" أي بصنيعه هذا الذي أراد أن يوهم به الرعية أنه يعمل شيئاً يتوصل به إلى تكذيب موسى عليه الصلاة والسلام ولهذا قال تعالى: "وما كيد فرعون إلا في تباب" قال ابن عباس ومجاهد يعني إلا في خسار.
وقوله: 37- "أسباب السموات" بيان للأسباب، لأن الشيء إذا أبهم ثم فسر كان أوقع في النفوس، وأنشد الأخفش عند تفسيره للآية بيت زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
وقيل أسباب السموات الأمور التي يستمسك بها "فأطلع إلى إله موسى" قرأ الجمهور بالرفع عطفاً على أبلغ، فهو على هذا داخل في حيز الترجي. وقرأ الأعرج والسملي وعيسى بن عمر وحفص بالنصب على جواب الأمر في قوله: "ابن لي" أو على جواب الترجي كما قال أبو عبيدة وغيره. قال النحاس: ومعنى النصب خلاف معنى الرفع، لأن معنى النصب: متى بلغت الأسباب اطلعت، ومعنى الرفع: لعلي أبلغ الأسباب ولعلي أطلع بعد ذلك، وفي هذا دليل على أن فرعون كان بمكان من الجهل عظيم، وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جداً "وإني لأظنه كاذباً" أي وإني لأظن موسى كاذباً في ادعائه بأن له إلهاً، أو فيما يدعيه من الرسالة "وكذلك زين لفرعون سوء عمله" أي ومثل ذلك التزيين زين الشيطان لفرعون سوء عمله من الشرك والتكذيب، فتمادى في الغي واستمر على الطغيان "وصد عن السبيل" أي سبيل الرشاد. قرأ الجمهور "وصد" بفتح الصاد والدال: أي صد فرعون الناس عن السبيل، وقرأ الكوفيون "وصد" بضم الصاد مبنياً للمفعول، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، ولعل وجه الاختيار لها منهما كونها مطابقة لما أجمعوا عليه في "زين" من البناء للمفعول، وقرأ يحيى بن وثاب وعلقمة صد بكسر الصاد، وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة بفتح الصاد وضم الدال منوناً على أنه مصدر معطوف على سوء عمله: أي زين له الشيطان سوء العمل والصد "وما كيد فرعون إلا في تباب" التباب: الخسار والهلاك ومنه "تبت يدا أبي لهب".
37. " أسباب السموات "، يعني: طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء، " فأطلع إلى إله موسى "، قراءة العامة برفع العين نسقاً على قوله: ((أبلغ الأسباب))، وقرأ حفص عن عاصم بنصب العين وهي قراءة حميد الأعرج، على جواب ((لعل)) بالفاء، " وإني لأظنه "، يعني موسى، " كاذباً "، فيما يقول أن له رباً غيري، " وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل "، قرأ أهل الكوفة ويعقوب: ((وصد)) بضم الصاد نسقاً على قوله: (( زين لفرعون )) قال ابن عباس: صده الله عن سبيل الهدى. وقرأ الآخرون بالفتح أي: صد فرعون الناس عن السبيل. " وما كيد فرعون إلا في تباب "، يعني: وما كيده في إبطال آيات موسى إلا في خسار وهلاك
37-" أسباب السموات " بيان لها أو في إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها . " فأطلع إلى إله موسى " عطف على " أبلغ " . وقرأ حفص بالنصب على جواب الترجي ولعله أراد أن يبني له رصداً في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية ، فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله إياه ، أو إن يرى فساد قول موسى بأن أخباره من إله السماء يتوقف على إطلاعه ووصوله إليه ، وذلك لا يتأتى إلا بالصعود إلى السماء وهو مما لا يقوى عليه الإنسان ، وذلك لجهله بالله وكيفية استنبائه . " وإني لأظنه كاذباً " في دعوى الرسالة . " وكذلك " ومثل التزيين ، " زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل " سبيل الرشاد ، والفاعل على الحقيقة هو الله تعالى ويدل عليه أنه قرئ زين بالفتح وبالتوسط الشيطان . وقرأ الحجازيان و الشامي و أبو عمرو "و صد" الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده : " وما كيد فرعون إلا في تباب " أي خسار .
37. The roads of the heavens, and may look upon the God of Moses, though verily I think him a liar. Thus was the evil that he did made fair seeming unto Pharaoh, and he was debarred from the (right) way. The plot of Pharaoh ended but in ruin.
37 - The ways and means of (reaching) the heavens, and that I may mount up to the God of Moses: but as far as I am concerned, I think (Moses) is a liar! Thus was made alluring, in Pharaoh's eyes, the evil of his deeds, and he was hindered from the Path; and the plot of Pharaoh led to nothing but perdition (for him).