[النساء : 86] وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
(وإذا حييتم بتحية) كأن قيل لكم سلام عليكم (فحيوا) المحيي (بأحسن منها) بأن تقولوا له: عليك السلام ورحمة الله وبركاته (أو ردوها) بأن تقولوا له كما قال أي الواجب أحدهما والأول أفضل (إن الله كان على كل شيء حسيبا) محاسبا فيجازي عليه ومنه رد السلام ، وخصت السنة الكافر والمبتدع والفاسق والمُسَلِّم على قاضي الحاجة ومن في الحمام والآكل فلا يجب الرد عليهم بل يكره في غير الأخير ويقال للكافر: وعليك
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "وإذا حييتم بتحية"، إذا دعي لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة، "فحيوا بأحسن منها أو ردوها"، يقول : فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم ، "أو ردوها" يقول : أو ردوا التحية .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة التحية التي هي أحسن مما حي به المحيى، والتي هي مثلها. فقال بعضهم : التي هي أحسن منها: أن يقول المسلم عليه إذا قيل : السلام عليكم ، : وعليكم السلام ورحمة الله ، ويزيد على دعاء الداعي له . والرد أن يقول : السلام عليكم مثلها، كما قيل له ، أو بقول : وعليكم السلام ، فيدعو للداعي له مثل الذي دعا له .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"، يقول : إذا سلم عليك أحد فقل أنت : وعليك السلام ورحمة الله، أو تقطع إلى السلام عليك، كما قال لك .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء قوله : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"، قال : في أهل الإسلام .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج فيما قرىء عليه ، عن عطاء قال : في أهل الإسلام .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن شريح أنه كان يرد: السلام عليكم، كما يسلم عليه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن ابن عون وإسماعيل بن أبي خالد، عن إبراهيم أنه كان يرد: السلام عليكم ورحمة الله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عطية، عن ابن عمر: أنه كان يرد: وعليكم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فحيوا بأحسن منها أهل الإسلام ، أو ردوها على أهل الكفر.
ذكر من قال ذلك :
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسياً، فإن الله يقول : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا سالم بن نوح قال ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها"، للمسلمين ، "أو ردوها"، على أهل الكتاب .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها"، للمسلمين ، "أو ردوها"، على أهل الكتاب .
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها"، يقول : حيوا أحسن منها، أي : على المسلمين ، "أو ردوها"، أي : على أهل الكتاب.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد في قوله : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"، قال : قال أبي : حق على كل مسلم حيي بتحية أن يحيي بأحسن منها، وإذا حياه غير أهل الإسلام ، أن يرد عليه مثل ما قال .
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل الآية، قول من قال : ذلك في أهل الإسلام ، ووجه معناه إلى أنه يرد السلام على المسلم إذا حياه تحية أحسن من تحيته أو مثلها. وذلك أن الصحاح من الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه واجب على كل مسلم رد تحية كل كافر بأخس من تحيته . وقد أمر الله برد الأحسن والمثل في هذه الآية، من غير تمييز منه بين المستوجب رد الأحسن من تحيته عليه ، والمردود عليه مثلها، بدلالة يعلم بها صحة قول من قال : عني برد الأحسن : المسلم ، وبرد المثل : أهل الكفر.
والصواب -إذ لم يكن في الآية دلالة على صحة ذلك ، ولا صحة أثر لازم عن الرسول صلى الله عليه وسلم -أن يكون الخيار في ذلك إلى المسلم عليه : بين رد الأحسن ، أو المثل ، إلا في الموضع الذي خص شيئاً من ذلك سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون مسلما لها. وقد خصت السنة أهل الكفر بالنهي عن رد الأحسن من تحيتهم عليهم أو مثلها، إلا بأن يقال : وعليكم ، فلا ينبغي لأحد أن يتعدى ما حد في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما أهل الإسلام ، فإن لمن سلم عليه منهم في الرد من الخيار، ما جعل الله له من ذلك .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل ذلك بنحو الذي قلنا ، خبر. وذلك ما:
حدثني موسى بن سهل الرملي قال ، حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي قال ، حدثنا هشام بن لاحق ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، "عن سلمان الفارسي قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله . فقال : وعليك ورحمة الله . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله . فقال له رسول الله : وعليك ورحمة الله وبركاته . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . فقال له : وعليك . فقال له الرجل : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان فسلما عليك ، فرددت عليهما أكثر مما رددت علي ! فقال : إنك لم تدع لنا شيئا، قال الله : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"، فرددناها عليك".
فإن قال قائل : أفواجب رد التحية على ما أمر الله به في كتابه؟
قيل : نعم ، وبه كان يقول جماعة من المتقدمين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قال ، أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : ما رأيته إلا يوجبه ، قوله : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها".
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان، عن رجل ، عن الحسن قال : السلام تطوع ، والرد فريضة.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : إن الله كان على كل شيء مما تعملون ، أيها الناس ، من الأعمال ، من طاعة ومعصية، حفيظاً عليكم ، حتى يجازيكم بها جزاءه ، كما:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "حسيبا"، قال : حفيظاً.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
وأصل الحسيب في هذا الموضع عندي ، فعيل من الحساب الذي هو في معنى الإحصاء، يقال منه : حاسبت فلاناً على كذا وكذا، و فلان حاسبه على كذا، و هو حسيبه ، وذلك إذا كان صاحب حسابه .
وقد زعم بعض أهل البصرة من أهل اللغة: أن معنى الحسيب في هذا الموضع ، الكافي . يقال منه : أحسبني الشيء يحسبني إحساباً، بمعنى كفاني ، من قولهم : حسبي كذا وكذا.
وهذا غلط من القول وخطأ. وذلك أنه لا يقال في أحسبني الشيء، أحسب على الشيء ، فهو حسيب عليه، وإنما يقال : هو حسبه وحسيبه ، والله يقول : "إن الله كان على كل شيء حسيبا".
فيه اثنتا عشرة مسألة:
الأولى- قوله تعالى :" وإذا حييتم بتحية" التحية تفعلة من حييت الأصل تحيية مثل ترضية وتسميه فأدغموا الياء في الياء. والتحية السلام، وأصل التحية الدعاء بالحياة والتحيات لله ، أي السلام من الآفات وقيل: الملك قال عبد الله بن صالح العجلي: سألت الكسائي عن قوله التحيات لله ما معناه؟ فقلت التحيات مثل البركات، فقلت : ما معنى البركات؟ فقال: ما سمعت فيها شيئاً وسألت عنها محمد بن الحسن فقال : هو شيء تعبد الله به عبادة فقدمت الكوفة فلقيت عبد الله بن إدريس فقتل: إني سألت الكسائي ومحمداً عن قوله التحيات لله فأجاباني بكذا وكذا قال عب الله بن إدريس: إنهما لا علم لهما بالشعر وبهذه الأشياء التحية الملك وأنشد :
أؤم بها أنا قابوس حتى أنيخ على تحيته بجندي
وأنشد ابن خويز منداد:
أسير به إلى النعمان حتى أنيخ على تحيته بجندي
يريد على ملكه وقال آخر:
ولكل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية
وقال القتيبي: إنما قال التحيات لله على الجمع لأنه كان في الأرض ملوك يحيون بتحيات مختلفات فيقال لبعضهم : أبيت اللعن ولبعضهم : أسلم وأنعم ولبعضهم : عش ألف سنة فقيل: لنا قولوا التحيات لله ، أي الألفاظ التي تدل على الملك ، ويكنى بها عنه الله تعالى . ووجه النظم بما قبل أنه قال : إذا خرجتم للجهاد كما سبق به الأمر فحييتم في سفركم بتحية الإسلام فلا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً، بل ردوا جواب السلام فإن أحكام الإسلام تجري عليهم.
الثانية- واختلف العلماء في معنى الآية وتأويلها فروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أن هذه الآية في تشميت العاطس والرد على المشمت وهذا ضعيف إذ ليس في الكلام دلالة على ذلك أما الرد على المشمت فمما يدخل بالقياس في معنى رد التحية وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك عنه والله أعلم وقال ابن خويز منداد: وقد يجوز أن تحمل هذه الآية على الهبة إذا كانت للثواب فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن شاء ردها وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها .
قلت: ونحو هذا قال أصحاب أبي حنيفة قالوا: التحية هنا الهدية لقوله تعالى : " أو ردوها " ولا يمكن رد السلام بعينه وظاهر الكلام يقتضي أداء التحية بعينها وهي الهدية فأمر بالتعويض أن قبل أو الرد بعينه، وهذا لا يمكن في السلام وسيأتي بين حكم الهبة للثواب والهدية في سورة الروم عند قوله:" وما آتيتم من ربا" [الروم:39] إن شاء الله تعالى : والصحيح أن التحية ههنا السلام، لقوله تعالى " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " [المجادلة : 8] وقال النابغة الذبياني:
تحييهم بيض الولائد بينهم وأكسية الإضريج فوق المشاجب
أراد : ويسلم عليهم وعلى هذا جماعة المفسرين وإذا ثبت هذا وتقرر ففقه الآية أن يقال: أجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها، ورده فريضة لقوله تعالى :" فحيوا بأحسن منها أو ردوها" واختلفوا إذا رد واحد من جماعة هل يجزئ أو لا فذهب مالك والشافعي إلى الأجزاء وأن المسلم قد رد عليه مثل قوله، وذهب الكوفيون إلى أن رد السلام من الفروض المتعينة قالوا: والسلام خلاف الرد لأن الابتداء به تطوع ورده فريضة ولو رد غيره المسلم عليهم لم يسقط ذلك عنهم فرض الرد فدل على أن رد السلام يلزم كل إنسان بعينه، حتى قال قتادة والحسن: إن المصلي يرد السلام كلاماً إذا سلم عليه ولا يقطع ذلك عليه صلاته لأنه فعل ما أمر به والناس على خلافة احتج الأولون بما رواه أبو داود "عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
يجزئ من الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم " وهذا نص في موضع الخلاف، قال أبو عمر: وهو حديث حسن لا معارض له وفي إسناده سيعد بن خالد وهو سعيد بن خالد الخزاعي مدني ليس به بأس عند بعضهم وقد ضعفه بعضهم منهم أبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وجعلوا حديثه هذا منكراً، لأنه انفرد فيه بهذا الإسناد على أن عبد الله بن الفضل لم يسمع من عبد الله بن أبي رافع بينهما الأعرج في غير ما حديث والله أعلم واحتجوا أيضاً "بقوله عليه السلام:
يسلم القليل على الكثير " ولما أجمعوا على أن الواحد يسلم على الجماعة لا يحتاج إلى تكريره على عداد الجماعة، كذلك يرد الواحد عن الجماعة وينوب عن الباقين كفروض الكفاية وروى مالك "عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم واحد من القوم أجزأ عنهم" قال علماؤنا: وهذا يدل على أن الواحد يكفي في الرد لأنه لا يقال أجزأ عنهم إلا فيما قد وجب والله أعلم
قلت: هكذا تأول علماؤنا هذا الحديث وجعلوه حجة في جواز رد الواحد، وفيه قلق .
الثالثة -قوله تعالى :" فحيوا بأحسن منها أو ردوها" رد الأحسن أن يزيد فيقول: عليك السلام ورحمة الله لمن قال: سلام عليك فإن قال: سلام عليك ورحمة الله زدت في ردك : وبركاته وهذا هو النهاية فلا مزيد قال الله تعالى مخبراً عن البيت الكريم " رحمة الله وبركاته " [هود : 73] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، فإن انتهى بالسلام غايته زدت في ردك الواو في أول كلامك فقلت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، والرد بالمثل أن تقول لمن قال السلام عليك : عليك السلام إلا أنه ينبغي أن يكون السلام كله بلفظ الجماعة وإن كان المسلم عليه واحداً روى الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: إذا سلمت على الواحد فقل: السلام عليكم فإن معه الملائكة وكذلك الجواب يكون بلفظ الجمع : قال ابن أبي زيد: يقول السلام عليكم ويقول الراد عليكم السلام، أو يقول السلام عليكم كما قيل له وهو معنى قوله :" أو ردوها" ولا تقل في ردك: سلام عليك .
الرابعة - والاختيار في التسليم الأدب فيه تقديم اسم الله تعالى على اسم الملخوق قال الله تعالى :"سلام على إل ياسين " [الصافات :130] وقال في قصة إبراهيم عليه السلام: " رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت " [هود:73] وقال مخبراً عن إبراهيم " سلام عليك " وفي صحيحي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعاً فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك -قال - فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله -قال - فزادوه ورحمة الله - قال - فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن"
قلت: فقد جمع هذا الحديث مع صحته فوائد سبع : الأولى- الإخبار عن صفة خلق آدم الثانية - أنا ندخل الجنة عليها بفضله الثالثة -تسليم القليل على الكثير الرابعة -تقديم اسم الله تعالى الخامسة - الرد بالمثل لقولهم : السلام عليكم السادسة- الزيادة في الرد السابعة -إجابة الجميع بالرد كما يقول الكوفيون والله أعلم.
الخامسة -فإن رد فقد اسم المسلم عليه لم يأت محرماً ولا مكروهاً لثبوته "عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال للرجل الذي لم يحسن الصلاة وقد سلم عليه.
وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل " وقالت عائشة ك
وعليه السلام ورحمة الله حين أخبرها أن جبرائيل يقرأ عليها السلام. أخرجه البخاري وفي حديث عائشة من الفقه أن الرجل إذا أرسل إلى رجل بسلامة فعليه أن رد كما يرد لعيه إذا شافهه و"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
إن أبي يقرئك السلام فقال: عليك وعلى أبيك السلام" وقد روى النسائي وأبو داود من "حديث جابر بن سليم قال:
لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله فقال: لا تقل عليك السلم فإن عليك السلام تحية الميت ولكن قل السلام عليك " وهذا الحديث لا يثبت إلا أنه لما جرت عادة العرب بتقديم اسم المدعو عليه في الشر كقولهم : عليه لعنه الله وغضب الله قال الله " وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " [ص:78] وكان ذلك أيضاً دأب الشعراء وعادتهم في تحية الموتى كقولهم :
عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما
وقال الآخر وهو الشماخ:
عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق
نهاه عن ذلك لا أن ذاك هو اللفظ المشروع في حق الموتى "لأنه عليه السلام ثبت عنه أنه سلم على الموتى كما سلم على الأحياء فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون فقالت عائشة : قلت يا رسول الله كيف أقول إذا دخلت المقابر؟ قال:
قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين" الحديث وسيأتي في سورة ألهاكم إن شاء الله تعالى .
قلت: وقد يحتمل أن يكون حديث عائشة وغيره في السلام على أهل القبور جميعهم إذا دخلها وأشرف عليها، وحديث جابر بن سليم خاص بالسلام على المرور المقصود بالزيادة والله أعلم.
السادسة - من السنة تسليم الراكب على الماشي والقائم على القاعد والقليل على الكثير هكذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يسلم الراكب " فذكره فبدأ بالراكب لعلو مرتبته ولأن ذلك أبعد له من الزهو وكذلك قيل في الماشي مثله وقيل : لما كان القاعد على حال وقار وثبوت وسكون فله مزية بذلك على الماشي لأن حاله على العكس من ذلك وأما تسليم القليل على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين وأكثريتهم وقد زاد البخاري في هذا الحديث .
"ويسلم الصغير على الكبير " وأما تسليم الكبير على الصغير فروى أشعث عن الحسن أنه كان لا يرى التسليم على الصبيان، قال: لأن الرد فرض والصبي لا يلزمه الرد فلا ينبغي أن يسلم عليهم.وروي عن ابن سيرين أنه كان يسلم على الصبيان ولكن لا يسمعهم وقال أكثر العلماء: التسليم عليهم أفضل من تركه . وقد جاء في الصحيحين عن سيارة قال:
كنت أمشي مع ثابت فمر بصبيان فسلم عليهم وذكر أنه كان يمشي مع أنس فمر بصبيان فسلم عليهم لفظ مسلم وهذا من خلقه العظيم صلى الله عليه وسلم فمر وفيه تدريب للصغير وحض على تعليم السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة فيه فلتقتد:
السابعة- وأما التسليم على النساء فجائز إلا على الشابات منهن خوف الفتنة من مكالمتهن بنزعة شيطان أو خائنة عين . وأما المتجالات والعجز فحسن للأمن فيما ذكرناه، هذا قول عطاء وقتادة، وإليه ذهب مالك وطائفة من العلماء، ومنعه الكوفيون إذا لم يكن منهن ذوات محرم وقالوا: لما سقط عن النساء الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصلاة سقط عنهم رد السلام فلم يسلم عليهن والصحيح الأول لما خرجه البخاري عن سهل بن سعد قال :
كنا نفرح بيوم الجمعة قلت ولم ؟ قال : كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة قال ابن مسلمة : نخل بالمدينة- فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا فنسلم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله، وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة تكركر أي تطحن قاله القتبي
الثامنة- والسنة في السلام والجواب الجهر ولا تكفي الإشارة بالإصبع والكف عند الشافعي وعندنا تكفي إذا كان على بعد روى ابن وهب عن ابن مسعود قال: السلام اسم من أسماء الله عز وجل وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب، وروى الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث قال: إذا سلم الرجل على القوم كان له فضل درجة فإن لم يردوا عليه ردت عليه الملائكة ولعنتهم فإذا رد المسلم أسمع جوابه لأنه إذا لم يسمع المسلم لم يكن جوباً له ألا ترى أن المسلم إذا سلم بسلام لم يسمعه المسلم عليه لم يكن ذلك منه سلاماً فكذلك إذا أجاب بجواب لم يسمع منه فليس بجواب و"روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا سلمتم فأسمعوا وإذا رددتم فأسمعوا وإذا قعدتم فاقعدوا بالأمانة ولا يرفعن بعضكم حديث بعض " قال ابن وهب: وأخبرني أسامة بن زيد بن نافع قال: كنت أساير رجلاً من فقهاء الشام يقال له عبد الله بن زكريا فحبستني دابتي تبول، ثم أدركته ولم أسلم لعيه فقال: ألا تسلم ؟ فقلت: إنما كنت معك آنفاً، فقال: وإن صح لقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يتسايرون فيفرق بينهم الشجر فإن التقوا سلم بعضهم على بعض.
التاسعة- وأما الكافر فحكم الرد عليه أن يقال له : وعليكم قال ابن عباس وغيره : المراد بالآية : " وإذا حييتم بتحية " فإذا كانت من مؤمن " فحيوا بأحسن منها " وإن كانت من كافر فردوا على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال لهم:
"وعليكم" وقال عطاء: الآية في المؤمنين خاصة ومن سلم من غيرهم قيل له : عليك كما جاء في الحديث .
قلت: فقد جاء إثبات الواو وإسقاطها في صحيح مسلم:
عليك بغير واو وهي الرواية الواضحة المعنى وأما مع إثبات الواو ففيها إشكال لأن الواو العاطفة تقتضي التشريك فيلزم منه أن يدخل معهم فيهما دعوا به علينا من الموت أو من سامة ديننا، فاختلف المتأولون لذلك على أقوال: أولاها أن يقال: إن الواو على بابها من العطف غير أنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا كما قال صلى الله عليه وسلم وقيل هي زائدة وقيل: للاستنئاف والأولى أولى ورواية حذف الواو أحسن معنى وإثباتها أصح رواية وأشهر وعليها من العلماء الأكثر .
العاشرة - واختلف في رد السلام على أهل الذمة هل هو واجب كالرد على المسلمين وإليه ذهب ابن عباس والشعبي وقتادة تمسكاً بعموم الآية وبالأمر بالرد عليهم في صحيح السنة وذهب مالك فيما روى عنه أشهب وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب فإن رددت فقل: عليه واختار ابن طاوس أن يقول في الرد عليهم: علاك السلام أي ارتفع عنك واختار بعض علماؤنا السلام (بكسر السين ) يعني به الحجارة وقول مالك وغيره في ذلك كاف شاف كما جاء في الحديث وسيأتي في سورة مريم القول في ابتدئهم بالسلم عند قوله تعالى إخباراً عن إبراهيم في قوله لأبيه " سلام عليك " [مريم 47] وفي صحيح مسلم "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " وهذا يقتضي إفشاءه بين المسلمين دون المشركين والله أعلم .
الحادية عشرة -ولا يسلم على المصلي فإن سلم عليه فهو بالخيار إن شاء رد بالإشارة بإصبعه وإن شاء أمسك حتى يفرغ من الصلاة ثم يرد ولا ينبغي أن يسلم على من يقضي حاجته فإن فعل لم يلزمه أن يرد عليه دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فيمثل هذه الحال فقال له:
"إذا وجدتني أو رأيتني على هذه الحال فلا تسلم علي فإنك إن سلمت علي لم أرد عليك " ولا يسلم على من يقرأ فيقطع عليه قراءته، وهو بالخيار إن شاء رد وإن شاء أمسك حتى يفرغ ثم يرد، ولا يسلم على من دخل الحمام وهو كاشف العورة، أو كان مشغولاً بما له دخل بالحمام ومن كان بخلاف ذلك سلم عليه .
الثانية عشرة- قوله تعالى :" إن الله كان على كل شيء حسيبا" معناه حفيظاً وقيل: كافياً من قولهم: أحسبني كذا أي كفاني ومثله حسبك الله وقال قتادة محاسباً كما يقال : أكيل بمعنى مواكل. وقيل: هو فعيل من الحساب، وحسنت هذه الصفة هنا لأن معنى الآية في أن يزيد الإنسان أو ينقص أو يوفى قدر ما يجيء به روى النسائي "عن عمران بن حصين قال:
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فسلم فقال: السلام عليكم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: عشر ثم جاء أخر فسلم فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: عشرون ثم جلس ثم جاء آخر فسلم فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ثلاثون" وقد جاء هذا الخبر مفسراً وهو أن من قال لأخيه المسلم: سلام عليكم كتب له عشر حسنات، فإن قال: السلام عليكم ورحمة الله كتب له عشرون حسنة، فإن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة، وكذلك لمن رد من الأجر والله أعلم .
يأمر تعالى عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يباشر القتال بنفسه, ومن نكل عنه فلا عليه منه, ولهذا قال "لا تكلف إلا نفسك" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن عمرو بن نبيح, حدثنا حكام, حدثنا الجراح الكندي عن أبي إسحاق, قال: سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة من العدو فيقاتل فيكون ممن قال الله فيه: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" ؟ قال: قد قال الله تعالى لنبيه: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين". ورواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود, عن أبي بكر بن عياش, عن أبي إسحاق, قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين, أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال: لا, إن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم وقال: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك" إنما ذلك في النفقة وكذا رواه ابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش وعلي بن صالح, عن أبي إسحاق, عن البراء به. ثم قال ابن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا أحمد بن النضر العسكري, حدثنا مسلم بن عبد الرحمن الجرمي, حدثنا محمد بن حمير, حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق, عن البراء, قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين" الاية, قال لأصحابه: "وقد أمرني ربي بالقتال فقاتلوا" حديث غريب.
وقوله: "وحرض المؤمنين" أي على القتال ورغبهم فيه وشجعهم عليه, كما قال لهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر وهو يسوي الصفوف: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض" وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك, فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالله ورسوله, وأقام الصلاة وآتى الزكاة, وصام رمضان, كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها". قالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس بذلك ؟ فقال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبييل الله, بين كل درجتين كما بين السماء والأرض, فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة, وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة" وري من حديث عبادة ومعاذ وأبي الدرداء, نحو ذلك. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا سعيد, من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً, وجبت له الجنة", قال: فعجب لها أبو سعيد, فقال: أعدها علي يا رسول الله, ففعل, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة, ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض". قال: وما هي يا رسول الله ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" , رواه مسلم. وقوله: "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا" أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء. ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله, ومقاومتهم ومصابرتهم. وقوله تعالى: "والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً" أي هو قادر عليهم في الدنيا والاخرة كما قال تعالى: " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض " الاية.
وقوله: "من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها" أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك, "ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها" اي يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته, كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: "اشفعوا تؤجروا, ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء", وقال مجاهد بن جبر: نزلت هذه الاية في شفاعات الناس بعضهم لبعض. وقال الحسن البصري: قال الله تعالى: "من يشفع" ولم يقل من يشفع, وقوله: "وكان الله على كل شيء مقيتاً". قال ابن عباس وعطاء وعطية وقتادة ومطر الوارق "مقيتاً" أي حفيظاً. وقال مجاهد: شهيداً, وفي رواية عنه: حسيباً. وقال سعيد بن جبير والسدي وابن زيد: قديراً. وقال عبد الله بن كثير: المقيت الواصب, وقال الضحاك المقيت الرزاق, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبد الرحيم بن مطرف, حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل عن رجل. عن عبد الله بن رواحة, وسأله رجل عن قول الله تعالى: "وكان الله على كل شيء مقيتا" قال: مقيت لكل إنسان بقدر عمله.
وقوله: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" أي إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم, أو ردوا عليه بمثل ما سلم, فالزيادة مندوبة, والمماثلة مفروضة, قال ابن جرير: حدثنا موسى بن سهل الرملي, حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي, حدثنا هشام بن لاحق عن عاصم الأحول, عن أبي عثمان النهدي, عن سلمان الفارسي, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله, فقال: "وعليك السلام ورحمة الله", ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته, فقال له: "وعليك", فقال له الرجل: يا نبي الله, بأبي أنت وأمي, أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال: "إنك لم تدع لنا شيئاً, قال الله تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" فرددناها عليك", وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقاً, فقال: ذكر عن أحمد بن الحسن الترمذي حدثنا عبد الله بن السري أبو محمد الأنطاكي, قال أبو الحسن, وكان رجلاً صالحاً: حدثنا هشام بن لاحق فذكره بإسناده مثله, ورواه أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن قانع, حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثنا أبي, حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان فذكره مثله, ولم أره في المسند, والله أعلم.
وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, إذ لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كثير أخو سليمان عن كثير, حدثنا جعفر بن سليمان بن عوف, عن أبي رجاء العطاردي, عن عمران بن حصين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: السلام عليكم يا رسول الله فرد عليه ثم جلس فقال: "عشر", ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله يا رسول الله, فرد عليه ثم جلس, فقال: "عشرون", ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, فرد عليه, ثم جلس فقال: "ثلاثون", وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير وأخرجه الترمذي والنسائي والبزار من حديثه, ثم قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف, وقال البزار: قد روي هذا عن البني صلى الله عليه وسلم من وجوه هذا أحسنها إسناداً وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي, حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسياً, ذلك بأن الله يقول: فحيوا بأحسن منها أو ردوها, وقال قتادة: فحيوا بأحسن منها, يعني للمسلمين, أو ردوها يعني لأهل الذمة, وهذا التنزيل فيه نظر كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به, فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام, رد عليه مثل ما قال, فأما أهل الذمة فلا يبدؤون بالسلام ولا يزادون, بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم, فقل: وعليك" في صحيح مسلم عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه". وقال سفيان الثوري, عن رجل, عن الحسن البصري, قال: السلام تطوع والرد فريضة, وهذا الذي قال هو قول العلماء قاطبة, أن الرد واجب على من سلم عليه, فيأثم إن لم يفعل, لأنه خالف أمر الله في قوله: فحيوا بأحسن منها أو ردوها وقد جاء في الحديث الذي رواه (أبو داود بسنده إلى أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده, لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم") .
وقوله: "الله لا إله إلا هو" إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات وتضمن قسماً لقوله: "ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه" وهذه اللام موطئة للقسم, فقوله الله لا إله إلا هو خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والاخرين في صعيد واحد, فيجازي كل عامل بعمله, وقوله تعالى: "ومن أصدق من الله حديثاً" أي لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ووعده ووعيده, فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
قوله 86- "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" التحية تفعلة من حييت، والأصل تحيية مثل ترضية وتسمية فأدغموا الياء في الياء وأصلها الدعاء بالحياة. والتحية: السلام، وهذا المعنى هو المراد هنا، ومثله قوله تعالى " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " وإلى هذا ذهب جماعة المفسرين، وروي عن مالك أن المراد بالتحية هنا تشميت العاطس. وقال أصحاب أبي حنيفة، التحتية هنا الهدية لقوله "أو ردوها" ولا يمكن رد السلام بعينه، وهذا فاسد لا ينبغي الالتفات إليه. والمراد بقوله "فحيوا بأحسن منها" أن يزيد في الجواب على ما قاله المبتدئ بالتحتية، فإذا قال المبتدئ: السلام عليكم، قال المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله، وإذا زاد المبتدئ لفظاً زاد المجيب على جملة ما جاء به المبتدئ لفظاً أو ألفاظاً نحو: وبركاته ومرضاته وتحياته.
قال القرطبي: أجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها، ورده فريضة لقوله "فحيوا بأحسن منها أو ردوها" واختلفوا إذا رد واحد من جماعة هل يجزئ أو لا؟ فذهب مالك الشافعي إلى الإجزاء، وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجزئ عن غيره، ويرد عليهم حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجزئ من الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم" أخرجه أبو داود، وفي إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني وليس به بأس، وقد ضعفه بعضهم. وقد حسن الحديث ابن عبد البر. ومعنى قوله "أو ردوها" الاقتصار على مثل اللفظ الذي جاء به المبتدئ، فإذا قال السلام عليكم، قال المجيب: وعليكم السلام. وقد ورد في السنة المطهرة في تعيين من يبتدئ بالسلام ومن يستحق التحية ومن لا يستحقها ما يغني عن البسط ها هنا. قوله "إن الله كان على كل شيء حسيباً" يحاسبكم على كل شيء، وقيل: معناه حفيظاً، وقيل: كافياً من قولهم أحسبني كذا: أي كفاني، ومثله "حسبك الله".
86-قوله تعالى:"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"، التحية: هي دعاء الحياة ، والمراد بالتحية ها هنا ، السلام ، يقول: إذا سلم عليكم مسلم فأجيبوا بأحسن منها أو ردوها كما سلم ، فإذا قال: السلام عليكم ، فقل: وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله ، فقل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد مثله ، وروي أن رجلاً سلم على ابن عباس رضي الله عنهما،قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم زاد شيئاً، فقال ابن عباس: إن السلام ينتهي إلى البركة.
وروي عن عمران بن حصين: "أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم ، فرد عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :عشر ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه فجلس، فقال:عشرون ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،فرد عليه ، فقال :ثلاثون".
واعلم أن السلام سنة ورد السلام فريضة، وهو فرض على الكفاية ، وكذلك السلام سنة على الكفاية فإذا سلم واحد من جماعة كان كافياً في السنة ، وإذا سلم واحد على جماعة ورد واحد منهم سقط الفرض عن جميعهم.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير الكوفي أنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا بن إسماعيل أنا قتيبة أنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم :أي الإسلام خير؟قال:"أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " ومعنى قوله:أي الإسلام خير، يريد أي خصال الإسلام خير.
وقيل:"فحيوا بأحسن منها"، معناه أي إذا كان الذي سلم مسلماً،"أو ردوها"بمثلها إذا لم يكن مسلماً.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله / بن عمر رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم : فإنما يقول السام عليكم ، فقل عليك".
قوله تعالى:" إن الله كان على كل شيء حسيبا " أي: على كل شيء من رد السلام بمثله أو بأحسن منه حسيباً أي: محاسباً مجازياً ، وقال مجاهد : حفيظاً ، وقال أبو عبيدة : كافياً ، يقال: حسب هذا أي كفاني.
86" وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " الجمهور على أنه في السلام، ويدل على وجوب الجواب إما بأحسن منه وهو أن يزيد عليه ورحمة الله، فإن قاله المسلم زاد وبركاته وهي النهاية وإما برد مثله لما روي "أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليك. فقال: وعليك السلام ورحمة الله. وقال آخر: السلام عليك ورحمة الله فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. وقال آخر: السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك. فقال الرجل: نقصتني فأين ما قال الله تعالى وتلا الآية. فقال صلى الله عليه وسلم: إنك لم تترك لي فضلاً فردت عليك مثله". وذلك لاستجماعه أقسام المطالب السالمة عن المضار وحصول المنافع وثباتها ومنه قيل، أو للترديد بين أن يحيى المسلم ببعض التحية وبين أن يحيى بتمامها، وهذا الوجوب على الكفاية وحيث السلام مشروع فلا يرد في الخطبة، وقراءة القرآن، وفي الحمام، وعند قضاء الحاجة ونحوها. والتحية في الأصل مصدر حياك الله على الإخبار من الحياة، ثم استعمل للحكم والدعاء بذلك، ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام. وقيل المراد بالتحية العطية وواجب الثواب أو الرد على المتهب، وهو قول قديم للـشافعي رضي الله تعالى عنه. " إن الله كان على كل شيء حسيبا " يحاسبكم على التحية وغيرها.
86. When ye are greeted with a greeting, greet ye with a better than it or return it. Lo! Allah taketh count of all things.
86 - When a (courteous) greeting is offered you, meet it with a greeting still more courteous, or (at least) of equal courtesy. God takes careful account of all things.