[النساء : 40] إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا
(إن الله لا يظلم) أحدا (مثقال) وزن (ذرة) أصغر نملة بأن ينقصها من حسناته أو يزيدها في سيئاته (وإن تك) الذرة (حسنةً) من مؤمن ، وفي قراءة بالرفع فكان تامة (يضاعفها) من عشر إلى أكثر من سبعمائة وفي قراءة {يضعِّفها} بالتشديد (ويؤت من لدنه) من عنده مع المضاعفة (أجرا عظيما) لا يقدره أحد
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله"، فإن الله لا يبخس أحداً من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه، من ثواب نفقته في الدنيا، ولا من أجرها يوم القيامة، "مثقال ذرة"، أي: ما يزنها ويكون على قدر ثقلها في الوزن، ولكنه يجازيه به ويثيبه عليه، كما:
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: أنه تلا: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها"، قال: لأن تفضل حسناتي في سيئاتي بمثقال ذرة، أحب إلي من الدنيا وما فيها.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان بعض أهل العلم يقول: لأن تفضل حسناتي على سيئاتي ما يزن ذرة، أحب إلي من أن تكون لي الدنيا جميعاً.
وأما الذرة فإنه ذكر عن ابن عباس أنه قال فيها، كما:
حدثني إسحق بن وهب الواسطي قال، حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "مثقال ذرة"، قال: رأس نملة حمراء.
قال أبو جعفر: قال لي إسحق بن وهب: قال يزيد بن هرون: زعموا أن هذه الذرة الحمراء، ليس لها وزن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا، حدثنا أبو داود قال، حدثنا عمران، عن قتادة، عن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يظلم المؤمن حسنةً، يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنةً".
حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا جعفر بن عون قال، حدثنا هشام بن سعد قال، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: والذي نفسي بيده، ما أحدكم بأشد مناشدةً في الحق يراه مصيباً له، من المؤمنين في إخوانهم إذا رأوا أن قد خلصوا من النار، يقولون: أي ربنا، إخواننا، كان يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويجاهدون معنا، قد أخذتهم النار! فيقول الله لهم: اذهبوا، فمن عرفتم صورته فأخرجوه! ويحرم صورتهم على النار، فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، وإلى ركبتيه، وإلى حقويه، فيخرجون منها بشراً كثيراً، ثم يعودون فيتكلمون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خير فأخرجوه! فيخرجون منها بشراً كثيراً. ثم يعودون فيتكلمون، فلا يزال يقول لهم ذلك حتى يقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة فأخرجوه، فكان أبو سعيد إذا حدث بهذا الحديث قال: إن لم تصدقوا، فاقرأوا: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، فيقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً.
وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال آخرون في ذلك، بما:
حدثني به المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا صدقة بن أبي سهل قال، حدثنا أبو عمرو، عن زاذان قال: أتيت ابن مسعود فقال: إذا كان يوم القيامة، جمع الله الأولين والآخرين، ثم نادى مناد من عند الله: ألا من كان يطلب مظلمةً فليجئ إلى حقه فليأخذه! قال: فيفرح والله المرء أن يذوب له الحق على والده، أو ولده، أو زوجته، فيأخذ منه، وإن كان صغيراً، ومصداق ذلك في كتاب الله تبارك وتعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" [المؤمنون: 101]، فيقال له: ائت هؤلاء حقوقهم -أي: أعطهم حقوقهم- فيقول: أي رب، من أين وقد ذهبت الدنيا؟ فيقول الله لملائكته: أي ملائكتي، انظروا في أعماله الصالحة، وأعطوهم منها! فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة وهو أعلم بذلك منها: يا ربنا، أعطينا كل ذي حق حقه، وبقي له مثقال ذرة من حسنة فيقول للملائكة: ضعفوها لعبدي، وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة، ومصداق ذلك في كتاب الله: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، أي: الجنة، يعطيها. وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته، قالت الملائكة، وهو أعلم بذلك: إلهنا، فنيت حسناته وبقي سيئاته، وبقي طالبون كثير! فيقول الله: ضعفوا عليها من أوزارهم، واكتبوا له كتاباً إلى النار، قال صدقة: أو صكاً إلى جهنم- شك صدقة أيتهما قال.
وحدثت عن محمد بن عبيد، عن هرون بن عنترة، عن عبد الله بن السائب قال: سمعت زاذان يقول: قال عبد الله بن مسعود: يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة، فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان ابن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه! فتفرح المرأة أن يذوب لها الحق على أبيها، أو على ابنها، أو على أخيها، أو على زوجها، ثم قرأ ابن مسعود: "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" [المؤمنون: 101]، فيغفر الله تبارك وتعالى من حقه ما شاء، ولا يغفر من حقوق الناس شيئاً، فينصب للناس فيقول: ائتوا إلى الناس حقوقهم! فيقول: رب فنيت الدنيا، من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول: خذوا من أعماله الصالحة، فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر مظلمته. فإن كان ولياً لله، ففضل له مثقال ذرة، ضاعفها له حتى يدخله بها الجنة، ثم قرأ علينا: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة"، وإن كان عبداً شقياً، قال الملك: رب فنيت حسناته، وبقي طالبون كثير! فيقول: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صكوا له صكاً إلى النار.
قال أبو جعفر: فتأويل الآية على تأويل عبدالله هذا: إن الله لا يظلم عبداً وجب له مثقال ذرة قبل عبد له آخر في معاده ويوم لقائه فما فوقه، فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه، ولكنه يأخذه منه له، ويأخذ من كل ظالم لكل مظلوم تبعته قبله، "وإن تك حسنة يضاعفها"، يقول: وإن توجد له حسنة يضاعفها، بمعنى: يضاعف له ثوابها وأجرها، "ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، يقول: ويعطه من عنده أجراً عظيماً، والأجر العظيم، الجنة، على ما قاله عبد الله.
ولكلا التأويلين وجه مفهوم، أعني التأويل الذي قاله ابن مسعود، والذي قاله قتادة، وإنما اخترنا التأويل الأول، لموافقته الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع دلالة ظاهر التنزيل على صحته، إذ كان في سياق الآية التي قبلها، التي حث الله فيها على النفقة في طاعته، وذم النفقة في طاعة الشيطان. ثم وصل ذلك بما وعد المنافقين في طاعته، بقوله: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما".
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "وإن تك حسنة".
فقرأت ذلك عامة قرأة العراق: "وإن تك حسنة" بنصب الحسنة، بمعنى: وإن تك زنة الذرة حسنةً، يضاعفها.
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة: وإن تك حسنة، برفع الحسنة، بمعنى: وإن توجد حسنة، على ما ذكرت عن عبد الله بن مسعود من تأويل ذلك.
وأما قوله: "يضاعفها"، فإنه جاء بـالألف، ولم يقل: يضعفها، لأنه أريد به في قول بعض أهل العربية: يضاعفها أضعافاً كثيرة، ولو أريد به في قوله: يضعف ذلك ضعفين لقيل: يضعفها بالتشديد.
ثم اختلف أهل التأويل في الذين وعدهم الله بهذه الاية ما وعدهم فيها.
فقال بعضهم: هم جميع أهل الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم. واعتلوا في ذلك بما:
حدثنا الفضل بن الصباح قال، حدثنا يزيد بن هرون، عن مبارك بن فضالة، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي قال: لقيت أبا هريرة فقلت له: إنه بلغنى أنك تقول: إن الحسنة لتضاعف ألف ألف حسنة! قال: وما أعجبك من ذلك؟ فوالله لقد سمعته -يعني النبى صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة!.
وقال آخرون: بل ذلك: المهاجرون خاصة، دون أهل البوادي والأعراب. واعتلوا في ذلك بما:
حدثني محمد بن هرون أبو نشيط قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن عبد الله بن عمير قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" [الأنعام: 60] قال: فقال رجل: فما للمهاجرين؟ قال، ما هو أعظم من ذلك: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، وإذا قال الله لشيء: عظيم، فهو عظيم.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عني بهذه الآية المهاجرون دون الأعراب. وذلك أنه غير جائز أن يكون في أخبار الله أو أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم شيء يدفع بعضه بعضاً. فإذ كان صحيحاً وعد الله من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة من الجزاء عشر أمثالها، ومن جاء بالحسنة منهم أن يضاعفها له، وكان الخبران اللذان ذكرناهما عنه صلى الله عليه وسلم صحيحين، كان غير جائز ألا يكون أحدهما مجملاً والآخر مفسراً، إذ كانت أخباره صلى الله عليه وسلم يصدق بعضها بعضاً. وإذ كان ذلك كذلك، صح أن خبر أبي هريرة معناه أن الحسنة لتضاعف للمهاجرين من أهل الإيمان ألفي ألف حسنة، وللأعراب منهم عشر أمثالها، على ما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن قوله: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" [الأنعام: 60]، يعني: من جاء بالحسنة من أعراب المؤمنين فله عشر أمثالها، ومن جاء بالحسنة من مهاجريهم يضاعف له ويؤته الله من لدنه أجراً -يعني يعطه من عنده- "أجرا عظيما". يعني: عوضاً من حسنته عظيماً، وذلك العوض العظيم، الجنة، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا صدقة بن أبي سهل قال، حدثنا أبو عمرو، عن زاذان، عن ابن مسعود: "ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، أي: الجنة يعطيها.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عباد بن أبي صالح، عن سعيد بن جبير قوله: "ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، قال: الأجر العظيم، الجنة.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، قال: "أجرا عظيما"، الجنة.
قوله تعالى :" إن الله لا يظلم مثقال ذرة" لأي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة بل يجازيهم بها ويثبيهم عليها. والمراد من الكلام أن الله تعالى لا يظلم قليلاً ولا كثيراً كما قال تعالى :" إن الله لا يظلم الناس شيئا" [ يونس :44] والذرة: النملة الحمراء عن ابن عباس وغيره وهي أصغر النمل . وعنه أيضاً رأس النملة. وقال يزيد بن هارون : زعموا أن الذرة ليس لها وزن ، ويحكي أن رجلاً وضع خبزاً حتى علاه الذر مقدار ما يستره ثم وزنه فلم يزد على وزن الخبز شيئاً .
قلت: والقرآن والسنة يدلان على أن للذرة وزناً، كما أن للدينار ونصفه وزناً والله أعلم .
وقيل: الذرة الخردلة، كما قال تعالى :" فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها " [ الأنبياء : 47] وقيل غير هذا وهي في الجملة عبارة عن أقل الأشياء وأصغرها وفي صحيح مسلم "عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطي بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكفار فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها "
قوله تعالى :" وإن تك حسنة يضاعفها " أي يكثر ثوباها، وقرأ أهل الحجاز حسنة بالرفع والعامة بالنصب فعلى هذا الأول تك بمعنى تحدث فهي تامة وعلى الثاني هي الناقصة أي أن تك فعلته حسنة وقرأ الحسن نضاعفها بنون العظمة والباقون بالياء وهي أصح لقوله ويؤت وقرأ أبو رجاء يضعفها والباقون يضاعفاها وهما لغتان معناهما التكثير وقال أبو عبيدة " يضاعفها " معناه يجعله أضعافاً كثيرة ويضاعفها بالتشديد يجعلها ضعفين " من لدنه " من عنده وفيه أربع لغات لدن ولدن ولد ولدى فإذا أضافوه إلى أنفسهم شددوا النون، ودخلت عليه من حيث كانت من الداخلة لابتداء الغاية ولدن كذلك فلما تشاكلا حسن دخول من عليها ولذلك قال سيبويه في لدن: إنه الموضع الذي هو أول الغاية :" أجرا عظيما" يعني الجنة وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري الطويل - حديث الشفاعة - وفيه :
"حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشده لله في استقضاء الحق من المؤمنين يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقية وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد من أمرتنا به فيقول جل وعز: ارجعوا فيم وجدتم في قبله مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قبله مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً لم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيراً" وكان أبو سعيد بن الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما" وذكر الحديث وروي عن ابن مسعود "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
يؤتى بالعبد يوم القيامة فيوقف وينادي مند على رؤوس الخلائق هذا فلان بن فلان من كان له لعيه حق فليأت إلى حقه ثم يقول آت هؤلاء حقوقهم فيقول يا رسول رب من أين لي وقد ذهبت الدنيا عني فيقول الله تعالى للملائكة انظروا إلى أعماله الصالحة فأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة يا رب وهو أعلم بذلك منهم قد أعطى لكل ذي حق حقه وبقي مثقال ذرة من حسنة فيقول الله تعالى للملائكة ضعفوها لعبدي وأدخلوا بفضل رحمتي الجنة ومصداقة " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها " وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة إلهنا فنيت حسناته وبقيت سيئاته وبقي طالبون كثر فقولن تعالى خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكاً إلى النار" فالآية على هذا التأويل في الخصوم وأنه تعالى لا يظلم مثقال ذرة للخصم على الخصم يأخذ له منه ولا يظلم مثقال ذرة تبقى له بل يثيبه عليها ويضعفها له فذلك قوله تعالى وإن تك حسنة يضاعفها و"روى أبو هريرة قال سمعت رسو الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إن الله سبحانه يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة " وتلا " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما" قال عبيدة قال أبو هريرة : وإذا قال الله " أجرا عظيما" فمن الذي يقدر قدره وقد تقدم عن ابن عباس وابن مسعود: أن هذه الآية التي هي خير مما طلعت عليه الشمس .
يقول تعالى مخبراً: إنه لا يظلم أحداً من خلقه يوم القيامة مثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة, بل يوفيها له ويضاعفها له إن كانت حسنة, كما قال تعالى: "ونضع الموازين القسط" الاية, وقال تعالى مخبراً عن لقمان أنه قال: " يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله " الاية, وقال تعالى: " يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " وفي الصحيحين من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل, وفيه "فيقول الله عز وجل ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان, فأخرجوه من النار" وفي لفظ: "أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان, فأخرجوه من النار فيخرجون خلقاً كثيراً" ثم يقول أبو سعيد: اقرؤوا إن شئتم "إن الله لا يظلم مثقال ذرة" الاية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا عيسى بن يونس عن هارون بن عنترة, عن عبد الله بن السائب, عن زاذان, قال: قال عبد الله بن مسعود: يؤتى بالعبد والأمة يوم القيامة فينادي مناد على رؤوس الأولين والاخرين: هذا فلان بن فلان, من كان له حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو أمها أو أخيها أو زوجها, ثم قرأ "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" فيغفر الله من حقه ما يشاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئاً, فينصب للناس فينادى: هذا فلان بن فلان, من كان له حق فليأت إلى حقه. فيقول: رب فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم ؟ فيقول: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته, فإن كان ولياً لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة ثم قرأ علينا "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها" قال: ادخل الجنة وإن كان عبداً شقياً قال الملك: رب فنيت حسناته وبقي طالبون كثير, فيقول: خذوا من سيئاتهم فأضعفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكاً إلى النار, ورواه ابن جرير من وجه آخر عن زاذان به نحوه ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو نعيم, حدثنا فضيل يعني ابن مرزوق عن عطية العوفي حدثني عبد الله بن عمر, قال: نزلت هذه الاية في الأعراب "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" قال رجل: فما للمهاجرين يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: ما هو أفضل من ذلك "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما", وحدثنا أبو زرعة, حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير, حدثني عبد الله بن لهيعة, حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قوله: "وإن تك حسنة يضاعفها" فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة ولا يخرج من النار أبداً, وقد استدل له بالحديث الصحيح أن العباس قال: يا رسول الله, إن عمك أبا طالب كان يحوطك وينصرك, فهل نفعته بشيء ؟ قال "نعم هو في ضحضاح من نار, ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار" وقد يكون هذا خاصاً بأبي طالب من دون الكفار بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا عمران, حدثنا قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الاخرة, وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة" وقال أبو هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك في قوله: "ويؤت من لدنه أجراً عظيماً": يعني الجنة, نسأل الله رضاه والجنة, وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا سليمان يعني ابن المغيرة, عن علي بن زيد, عن أبي عثمان, قال: بلغني عن أبي هريرة أنه قال: بلغني أن الله تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة, قال: فقضي أني انطلقت حاجاً أو معتمراً, فلقيته فقلت: بلغني عنك حديث أنك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يجزى العبد بالحسنة ألف ألف حسنة" فقلت: ويحكم ما أحد أكثر مني مجالسة لأبي هريرة, وما سمعت هذا الحديث منه فتحملت أريد أن الحقه فوجدته قد انطلق حاجاً, فانطلقت إلى الحج في طلب هذا الحديث فلقيته فقلت: يا أبا هريرة: إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة قال: يا أبا عثمان, وما تعجب من ذا والله يقول "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" ويقول " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " والذي نفسي بيده لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة" قال: وهذا حديث غريب, وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير, ورواه أحمد أيضاً فقال: حدثنا مبارك بن فضالة عن علي بن زيد, عن أبي عثمان النهدي, قال أتيت أبا هريرة, فقلت له: بلغني أنك تقول: إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة ! قال: وما أعجبك من ذلك ؟ فوالله لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة", ورواه ابن أبي حاتم من وجه آخر فقال: حدثنا أبو خلاد وسليمان بن خلاد المؤدب, حدثنا محمد الرفاعي عن زياد بن الجصاص, عن أبي عثمان النهدي, قال: لم يكن أحد أكثر مجالسة مني لأبي هريرة, فقدم قبلي حاجاً وقدمت بعده, فإذا أهل البصرة يأثرون عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة" فقلت: ويحكم ما كان أحد أكثر مجالسة مني لأبي هريرة, وما سمعت منه هذا الحديث, فهممت أن ألحقه فوجدته قد انطلق حاجاً, فانطلقت إلى الحج أن ألقاه في هذا الحديث, ورواه ابن أبي حاتم من طريق أخرى فقال: حدثنا بشر بن مسلم, حدثنا الربيع بن روح, حدثنا محمد بن خالد الذهبي, عن زياد الجصاص, عن أبي عثمان قال: قلت: يا أبا هريرة سمعت إخواني بالبصرة يزعمون أنك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة" فقال أبو هريرة: والله بل سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة" ثم تلا هذه الاية " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " وقوله تعالى: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً" يقول تعالى مخبراً عن هول يوم القيامة وشدة أمره وشأنه, فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة حين يجيء من كل أمة بشهيد, يعني الأنبياء عليهم السلام, كما قال تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء" الاية، وقال تعالى: "ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم" الاية, وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف, حدثنا سفيان عن الأعمش, عن إبراهيم عن عبيدة, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقرأ علي" فقلت: يا رسول الله آقرأ عليك, وعليك أنزل ؟ "قال نعم إني أحب أن أسمعه من غيري" فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الاية: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً" فقال "حسبك الان" فإذا عيناه تذرفان, ورواه هو ومسلم أيضاً من حديث الأعمش به, وقد روي من طرق متعددة عن ابن مسعود فهو مقطوع به عنه ورواه أحمد من طريق أبي حيان وأبي رزين عنه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا, حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري, حدثنا فضيل بن سليمان, حدثنا يونس بن محمد بن فضالة الأنصاري عن أبيه, قال: وكان أبي ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر, فجلس على الصخرة التي في بني ظفر اليوم, ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم قارئاً فقرأ حتى أتى على هذه الاية "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا" فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اضطرب لحياه وجنباه, فقال: "يا رب, هذا شهدت على من أنا بين ظهريه, فكيف بمن لم أره", وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان, عن المسعودي, عن جعفر بن عمرو بن حريث, عن أبيه, عن عبد الله هو ابن مسعود في هذه الاية, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شهيد عليهم ما دمت فيهم, فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم". وأما ما ذكره أبو عبد الله القرطبي في التذكرة حيث قال: باب ما جاء في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته, قال: أخبرنا ابن المبارك, أخبرنا رجل من الأنصار عن المنهال بن عمرو أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس من يوم إلا تعرض فيه على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية, فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم, فلذلك يشهد عليهم, يقول الله تعالى: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً" فإنه أثر وفيه انقطاع, فإن فيه رجلاً مبهماً لم يسم, وهو من كلام سعيد بن المسيب لم يرفعه, وقد قبله القرطبي فقال بعد إيراده: قد تقدم أن الأعمال تعرض على الله كل يوم اثنين وخميس, وعلى الأنبياء والاباء والأمهات يوم الجمعة, قال: ولا تعارض, فإنه يحتمل أن يخص نبينا بما يعرض عليه كل يوم, ويوم الجمعة مع الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. وقوله تعالى: "يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً" أي لو انشقت وبلعتهم مما يرون من أهوال الموقف وما يحل بهم من الخزي والفضيحة والتوبيخ, كقوله: "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه" الاية, وقوله: "ولا يكتمون الله حديثاً" إخبار عنهم بأنهم يعترفون بجميع ما فعلوه ولا يكتمون منه شيئاً. وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا حكام, حدثنا عمرو عن مطرف, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال له: سمعت الله عز وجل يقول ـ يعني إخباراً عن المشركين يوم القيامة أنهم قالوا ـ "والله ربنا ما كنا مشركين" وقال في الاية الأخرى: "ولا يكتمون الله حديثاً" فقال ابن عباس: أما قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام, قالوا: تعالوا فلنجحد, فقالوا "والله ربنا ما كنا مشركين" فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم "ولا يكتمون الله حديثاً"، وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن رجل, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أشياء تختلف علي في القرآن, قال: ما هو ؟ أشك في القرآن ؟ قال: ليس هو بالشك, ولكن اختلاف قال: فهات ما اختلف عليك من ذلك, قال أسمع الله يقول "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" وقال "ولا يكتمون الله حديثاً" فقد كتموا. فقال ابن عباس: أما قوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره ولا يغفر شركاً جحد المشركون, فقالوا "والله ربنا ما كنا مشركين" رجاء أن يغفر لهم, فختم الله على أفواههم, وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون, فعند ذلك "يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً" وقال جويبر عن الضحاك: إن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس, قول الله تعالى: "يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً" وقوله: "والله ربنا ما كنا مشركين", فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك, فقلت: ألقى على ابن عباس متشابه القرآن, فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله تعالى جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد, فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئاً إلا ممن وحده, فيقولون: تعالوا نجحد: فيسألهم فيقولون "والله ربنا ما كنا مشركين" قال: فيختم الله على أفواههم ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين. فعند ذلك يتمنون لو أن الأرض سويت بهم "ولا يكتمون الله حديثاً" رواه ابن جرير.
قوله 40- "إن الله لا يظلم مثقال ذرة" المثقال مفعال من الثقل كالمقدار من القدر، وهو منتصب على أنه نعت لمفعول محذوف: أي لا يظلم شيئاً مثقال ذرة. والذرة واحدة الذر. وهي النمل الصغار، وقيل: رأي النملة، وقيل: الذرة الخردلة، وقيل: كل جزء من أجزاء الهباء الذي يظهر فيما يدخل من الشمس من كوة أو غيرها ذرة. والأول هو المعنى اللغوي الذي يجب حمل القرآن عليه. والمراد من الكلام أن الله لا يظلم كثيراً ولا قليلاً: أي لا يبخسهم من ثواب أعمالهم ولا يزيد في عقاب ذنوبهم وزن ذرة فضلاً عما فوقها. قوله: "وإن تك حسنة يضاعفها" قرأ أهل الحجاز "حسنة" بالرفع. وقرأ من عداهم بالنصب، والمعنى على القراءة الأولى: إن توجد حسنة، على أن كان هي التامة لا الناقصة، وعلى القراءة الثانية: إن تك فعلته حسنة يضاعفها، وقيل إن التقدير: إن تك مثقال الذرة حسنة، وأنث ضمير المثقال لكونه مضافاً إلى المؤنث والأول أولى. وقرأ الحسن " يضاعفها " بالنون، وقرأ الباقون بالياء، وهي الأرجح لقوله "ويؤت من لدنه أجراً عظيماً" وقد تقدم الكلام في المضاعفة والمراد مضاعفة ثواب الحسنة.[
40-"إن الله لا يظلم مثقال ذرة" أدخل ابن عباس يده في التراب ثم نفخ فيها وقال: كل واحد من هذه الأشياء ذرة ، والمراد أنه لا يظلم . لا قليلاً ولا كثيراً] ونظمه: وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الاخر وأنفقوا فإن الله لا يظلم أي: لا يبخس ولا ينقص أحداً من ثواب عمله مثقال ذرة، وزن ذرة، والذرة: هي النملة الحمراء الصغيرة وقيل: الذر أجزاء الهباء في الكوة وكل جزء منها ذرة ولا يكون لها وزن ، وهذا مثل ، يريد : إن الله لا يظلم شيئاً، كما قال في آية أخرى:" إن الله لا يظلم مثقال " يونس-44).
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو كبر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد أنا الحسين بن الفضل البجلي انا عفان أنا همام انا قتادة عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله لايظلم المؤمن حسنةً ، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزي بها في الآخرة قال: وأما الكفار فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيراً".
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو الطيب الربيع بن محمد بن أحمد بن حاتم البزار الطوسي أنا أحمد ابن محمد بن الحسن أن محمد بن يحيى حدثهم ، اخبرنا عبد الرزاق وأخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أخبرنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا ، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: فيقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار، قال: فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه فيخرجونهم ، فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا ، قال: ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول: من كان في قلبه مثقال ذرة ، قال أبو سعيد رضي الله عنه: فمن لم يصدق هذا فليقرأ هذه الآية: " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " قال: فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحد فيه خير ، ثم يقول الله عز وجل: شفعت الملائكة ، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنين ، وبقي أرحم الراحمين ، قال: فيقبض قبضة من النار، أو قال: قبضتين لم يعملوا لله خيراً قط قد احترقوا حتى صاروا حمماً فيؤتى بهم إلى ماء يقال له : ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، قال: فتخرج أجسادهم مثل اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم: عتقاء الله فيقال لهم : ادخلوا الجنة فما تمنيتم او رأيتم من شيء فهو لكم، قال فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين قال: فيقول فإن لكم أفضل منه ، فيقولون : ربنا وما أفضل من ذلك؟ فيقول: رضاي عنكم فلا أسخط عليكم أبداً".
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله بن الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن ليث بن سعد حدثني عامر بن يحيى عن أبي عبد الرحمن المعافري ثم الجيلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول الله :أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول: لا يارب، فيقول: أفلك عذر أو حسنة؟ فبهت الرجل، قال: لا يارب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وأنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فيقول: احضر وزنك ، فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول:إنك لا تظلم ، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، قال: فلا يثقل مع اسم الله شيء" وقال قوم : هذا في الخصوم.
وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد ألا من كان يطلب مظلمة فيجىء إلى حقه فليأخذه ، فيفرح المرء أن يذوب له الحق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه، فيأخذ منه وإن كان صغيراً، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى:"فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" ، ويؤتى بالعبد فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين : هذا فلان ابن فلان فمن كان له عليه حق فليأت إلى حقه فيأخذه ، ويقال آت هؤلاء حقوقهم ، فيقول: يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا، فيقول الله عز وجل لملائكته انظروا في أعماله الصالحة فأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة: يا ربنا بقى له مثقال ذرة من حسنة ، فيقول: ضعفوها لعبدي وادخلوه بفضل رحمتي الجنة. ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى:"إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنةً يضاعفها"، وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة : إلهنا فنيت حسناته وبقي طالبون؟ فيقول الله عز وجل: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صكوا له صكاً إلى النار.
فمعنى الآية على هذا التأويل :أن الله لا يظلم مثقال ذرة للخصم على الخصم بل أخذ له منه ولا يظلم مثقال ذرة تبقى له بل يثيبه عليها ويضعفها له ، فذاك قوله تعالى:" وإن تك حسنةً يضاعفها"، قرأ أهل الحجاز" حسنة" بالرفع،أي: وإن توجد حسنة، وقرأ الآخرون بالنصب على معنى: وإن تك زنة الذرة حسنةً يضاعفها،أي: يجعلها أضعافاً كثيرة." ويؤت من لدنه أجرا عظيما "، قال أبو هريرة رضي الله عنه: إذا قال الله تعالى أجراً عظيماً فمن يقدر قدره؟.
40"إن الله لا يظلم مثقال ذرة" لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شيء كالذرة. وهي النملة الصغيرة. ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء، والمثقال مفعال من الثقل، وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظم جزاؤه. "وإن تك حسنةً" وإن يكن مثقال الذرة حسنة وأنت الضمير لتأنيث الخبر، أو لإضافة المثقال إلى مؤنث. وحذف النون من غير قياس تشبيهاً بحروف العلة. وقرأ ابن كثير و نافع "حسنة" بالرفع على كان التامة. "يضاعفها" يضاعف ثوابها وقرأ ابن كثير و ابن عامر ويعقوب يضعفها وكلا هما بمعنى. "ويؤت من لدنه" ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضل زائداً على ما وعد في مقابلة العمل "أجراً عظيماً" عطاء جزيلاً، وإنما سماه أجراً لأنه تابع للأجر مزيداً عليه.
40. Lo! Allah wrongeth not even of the weight of an ant; and if there is a good deed, He will double it and will give (the doer) from His presence an immense reward.
40 - God is never unjust in the least degree: if there is any good (done), he doubleth it, and giveth from his own presence a great reward.