[النساء : 38] وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا
(والذين) عطف على الذين قبله (ينفقون أموالهم رئاء الناس) مرائين لهم (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) كالمنافقين وأهل مكة (ومن يكن الشيطان له قرينا) صاحبا يعمل بأمره كهؤلاء (فساء) بئس (قرينا) هو
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأعتدنا للكافرين بالله من اليهود الذين وصف الله صفتهم، عذاباً مهيناً، "والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس".
"والذين" في موضع خفض، عطفاً على "الكافرين".
وقوله: "رئاء الناس"، يعني: ينفقه مراءاة الناس، في غير طاعة الله أو غير سبيله، ولكن في سبيل الشيطان، "ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر"، يقول: ولا يصدقون بوحدانية الله، ولا بالمعاد إليه يوم القيامة -الذي فيه جزاء الأعمال- أنه كائن.
وقد قال مجاهد: إن هذا من صفة اليهود وهو بصفة أهل النفاق الذين كانوا أهل شرك، فأظهروا الإسلام تقيةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به، وهم على كفرهم مقيمون، أشبه منه بصفة اليهود. لأن اليهود كانت توحد الله وتصدق بالبعث والمعاد. وإنما كان كفرها، تكذيبها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد، ففي فصل الله بين صفة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وصفة الفريق الآخر الذين وصفهم في الآية قبلها، وأخبر أن لهم عذاباً مهيناً، بـالواو الفاصلة بينهم، ما ينبئ عن أنهما صفتان من نوعين من الناس مختلفي المعاني، وإن كان جميعهم أهل كفر بالله. ولو كانت الصفتان كلتاهما صفة نوع من الناس، لقيل إن شاء الله: "وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا"، "الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس"، ولكن فصل بينهم بـالواو لما وصفنا.
فإن ظن ظان أن دخول الواو غير مستنكر في عطف صفة على صفة لموصوف واحد في كلام العرب، فإن ذلك، وإن كان كذلك، فإن الأفصح في كلام العرب إذا أريد ذلك، ترك إدخال الواو. وإذا أريد بالثاني وصف آخر غير الأول، إدخال الواو. وتوجيه كلام الله إلى الأفصح الأشهر من كلام من نزل بلسانه كتابه، أولى بنا من توجيهه إلى الأنكر من كلامهم.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ئناؤه: ومن يكن الشيطان له خليلاً وصاحباً، يعمل بطاعته، ويتبع أمره، وترك أمر الله في إنفاقه ماله رئاء الناس في غير طاعته، وجحوده وحدانية الله والبعث بعد الممات، "فساء قرينا"، يقول: فساء الشيطان قريناً.
وإنما نصب القرين، لأن في ساء ذكراً من الشيطان، كما قال جل ثناؤه: "بئس للظالمين بدلا" [الكهف: 50]، وكذلك تفعل العرب في ساء ونظائرها، ومنه قول عدي بن زيد:
عن المرء لا تسأل، وأبصر قرينه فإن القرين بالمقارن مقتد
يريد: بـالقرين، الصاحب والصديق.
فيه مسألتان:
الأولى -قوله تعالى :" والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس " الآية : عطف تعالى على " الذين يبخلون " :" الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس " وقيل، هو عطف على الكافرين فيكون في موضع خفض ومن رأى زيادة الواو أجاز أن يكون الثاني عنده خبراً للأول قال الجمهور نزلت في المنافقين لقوله تعالى :" رئاء الناس" والرئاء من النفاق مجاهد: في اليهود وضعفه الطبري، لأنه تعالى نفى عن هذه الصنفة الإيمان بالله واليوم الآخر، واليهود ليس كذلك قال ابن عطية : وقول مجاهد متجه على المبالغة والإلزام، إذ إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان من حيث لا ينفعهم وقيل: نزلت في مطعمي يوم بدر ، وهم رؤساء مكة أنفقوا على الناس ليخرجوا إلى بدر قال ابن العربي: ونفقة الرئاء تدخل في الأحكام من حيث إنها لا تجزء
قلت: ويدل على ذلك من الكتاب قوله تعالى :" قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم " [ التوبة : 53] وسيأتي .
الثانية - قوله تعالى :" ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا " في الكلام إضمار تقديره " ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " فقرينهم الشيطان " ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا " والقرين: المقارن أي الصاحب والخليل وهو فعيل من الإقران، قال عدي بن زيد:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينة فكل قرين بالمقارن يقتدي
والمعنى من قبل الشيطان في الدنيا فقد قارنه ويجوز أن يكون المعنى من قرن به الشيطان في النار فساء قريناً أي فبئس الشيطان قريناً، وهو نصب على التمييز .
يقول تعالى ذاماً الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين والإحسان إلى الأقارب, واليتامى, والمساكين, والجار ذي القربى, والجار الجنب, والصاحب بالجنب, وابن السبيل, وما ملكت أيمانكم من الأرقاء, ولا يدفعون حق الله فيها, ويأمرون الناس بالبخل أيضاً, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأي داء أدوأ من البخل". وقال: "إياكم والشح, فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا, وأمرهم بالفجور ففجروا".
وقوله تعالى: "ويكتمون ما آتاهم الله من فضله" فالبخيل جحود لنعمة الله لا تظهر عليه ولا تبين, لا في مأكله ولا في ملبسه ولا في إعطائه وبذله, كما قال تعالى: "إن الإنسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد" أي بحاله وشمائله "وإنه لحب الخير لشديد" وقال ههنا "ويكتمون ما آتاهم الله من فضله" ولهذا توعدهم بقوله: "وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً" والكفر هو الستر والتغطية, فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها فهو كافر لنعم الله عليه, وفي الحديث "إن الله إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن يظهر أثرها عليه", وفي الدعاء النبوي "واجعلنا شاكرين لنعمتك, مثنين بها عليك قابليها, وأتممها علينا" وقد حمل بعض السلف هذه الاية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتمانهم ذلك, ولهذا قال تعالى: "وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً", رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس, وقاله مجاهد و غير واحد, ولا شك أن الاية محتملة لذلك, والظاهر أن السياق في البخل بالمال, وإن كان البخل بالعلم داخلاً في ذلك بطريق الأولى, فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء, وكذلك الاية التي بعدها وهي قوله "الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس" فإنه ذكر الممسكين المذمومين وهم البخلاء, ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يمدحوا بالكرم, ولا يريدون بذلك وجه الله, وفي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسجر بهم النار وهم: العالم, والغازي, والمنفق المراؤون بأعمالهم, "يقول صاحب المال: ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك, فيقول الله: كذبت إنما أردت أن يقال: جواد فقد قيل" أي فقد أخذت جزاءك في الدنيا وهو الذي أردت بفعلك, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لعدي بن حاتم "إن أباك رام أمراً فبلغه". وفي حديث آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد الله بن جدعان: هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه ؟ فقال: "لا, إنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين", ولهذا قال تعالى: " ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " الاية, أي إنما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها الشيطان, فإنه سول لهم وأملى لهم, وقارنهم فحسن لهم القبائح, ولهذا قال تعالى: "ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً", ولهذا قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
ثم قال تعالى: " وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله " الاية, أي وأي شيء يضرهم لو آمنوا بالله وسلكوا الطريق الحميدة, وعدلوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله ورجاء موعوده في الدار الاخرة لمن أحسن عملاً, وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها, وقوله "وكان الله بهم عليماً" أي وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة, وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه, ويلهمه رشده, ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه, وبمن يستحق الخذلان والطرد عن الجناب الأعظم الإلهي الذي من طرد عن بابه, فقد خاب وخسر في الدنيا والاخرة, عياذاً بالله من ذلك.
قوله 38- "والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس" عطف على قوله "الذين يبخلون" ووجه ذلك أن الأولين قد فرطوا بالبخل وبأمر الناس به وبكتم ما آتاهم الله من فضله، وهؤلاء أفرطوا ببذل أموالهم في غير مواضعها لمجرد الرياء والسمعة كما يفعله من يريد أن يتسامع الناس بأنه كريم، ويتطاول على غيره بذلك ويشمخ بأنفه عليه، مع ما ضم إلى هذا الإنفاق الذي يعود عليه بالضرر من عدم الإيمان بالله وباليوم الآخر. قوله "ومن يكن الشيطان له قريناً" في الكلام إضمار، والتقدير، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فقرينهم الشيطان "ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً" والقرين المقارن، وهو الصاحب والخليل. والمعنى: من قبل الشيطان في الدنيا فقد قارنه فيها، أو فهو قرينة في النار فساء الشيطان قريناً.
38-"والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر"، محل الذين نصب، عطفاً على الذين يبخلون ، وقيل: خفض عطفاً على قوله:"وأعتدنا للكافرين"نزلت في اليهود وقالالسدي: في المنافقين، وقيل: في مشركي مكة/ المتفقين على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم .
"ومن يكن الشيطان له قريناً"، صاحباً وخليلاً"فساء قريناً"، أي: فبئس الشيطان قريناً وهو نصب على التفسير ، وقيل: على القطع بإلقاء الألف واللام كما تقول: نعم رجلاً عبد الله، وكما قال تعالى:"بئس للظالمين بدلاً" (الكهف-50) " ساء مثلاً"(الأعراف -177).
38- "والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس" عطف على الذين يبخلون، أو الكافرين. وإنما شاركهم في الذم والزهيد لأن البخل والسرف الذي هو الإنفاق لا على ما ينبغي من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم، أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله: "ومن يكن الشيطان له قريناً". "ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر" ليتحروا بالإنفاق مراضيه وثوابه وهم مشركو مكة. وقيل هم المنافقون. "ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً" تنبيه على أن الشيطان قرنهم فحملهم على ذلك وزينة لهم كقوله تعالى: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين". والمراد إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة، ويجوز أن يكون وعيداً لهم بأن يقرن بهم الشيطان في النار.
38. And (also) those who spend their wealth in order to be seen of men, and believe not in Allah nor the Last Day. Whoso taketh Satan for a comrade, a bad comrade hath he.
38 - Not those who spend of their substance, to be seen of men, but have no faith in God and the last day: if any take the evil one for their intimate, what a dreadful intimate he is