[النساء : 33] وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا
(ولكل) من الرجال والنساء (جعلنا موالي) عصبة يعطون (مما ترك الوالدان والأقربون) لهم من المال (والذين عاقدت) بألف ودونها (أيمانكم) جمع يمين بمعنى القسم أو اليد الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث (فآتوهم) الآن (نصيبهم) حظوظهم من الميراث وهو السدس (إن الله كان على كل شيء شهيدا) مطلعا ومنه حالكم ، وهذا منسوخ بقوله {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض}
قوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم الآية أخرج أبو داود في سننه من طريق ابن إسحق عن داود بن الحصين قال كنت أقرأ على أم سعد ابنة الربيع وكانت مقيمة في حجر أبي بكر فقرأت والذين عاقدت أيمانكم فقالت لا ولكن والذين عقدت وإنما نزلت في أبي بكر وابنه حين أبى الإسلام فحلف أبو بكر أن لا يورثه فلما أسلم أمره أن يؤتيه نصيبه
يعني جل ثناؤه بقوله: "ولكل جعلنا موالي"، ولكلكم، أيها الناس، "جعلنا موالي"، يقول: ورثة من بني عمه وإخوته وسائر عصبته غيرهم. والعرب تسمي ابن العم المولى، ومنه قول الشاعر:
ومولىً رمينا حوله وهو مدغل بأعراضنا والمنديات سروع
يعني بذلك: وابن عم رمينا حوله، ومنه قول الفضل بن العباس:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا لا تظهرن لنا ما كان مدفونا
وبنحوما قلنا في ذلك أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال، حدثنا إدريس قال، حدثنا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: "ولكل جعلنا موالي"، قال: ورثة.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان"، قال: الموالي، العصبة، يعني: الورثة.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله: معه "ولكل جعلنا موالي"، قال: الموالي، العصبة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد قوله، "ولكل جعلنا موالي"، قال: هم الأولياء.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ولكل جعلنا موالي"، يقول: عصبة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ولكل جعلنا موالي"، قال: الموالى، أولياء الأب، أو الأخ، أو ابن الأخ، أو غيرهما من العصبة.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولكل جعلنا موالي"، أما "موالي"، فهم أهل الميراث.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولكل جعلنا موالي"، قال: الموالي، العصبة. هم كانوا في الجاهلية الموالي، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسما، فقال الله تبارك وتعالى: "فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" [الأحزاب: 5]، فسموا: الموالي، قال: والمولى اليوم موليان: مولى يرث ويورث، فهؤلاء ذوو الأرحام، ومولىً يورث ولا يرث، فهؤلاء العتاقة. وقال: ألا ترون قول زكريا: "وإني خفت الموالي من ورائي"؟ [مريم: 5] فالموالي ههنا الورثة.
ويعني بقوله: "مما ترك الوالدان والأقربون"، مما تركه والداه وأقرباؤه من الميراث.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: ولكلكم، أيها الناس، جعلنا عصبة يرثون به مما ترك والداه وأقرباؤه من ميراثهم.
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم: "والذين عقدت أيمانكم"، بمعنى: والذين عقدت أيمانكم الحلف بينكم وبينهم. وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين.
وقرأ ذلك آخرون: والذين عاقدت أيمانكم، بمعنى: والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلف بينكم وبينهم.
قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة أمصار المسلمين بمعنى واحد.
وفي دلالة قوله: "أيمانكم" على أنها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف، مستغنىً عن الدلالة على ذلك بقراءة قوله: عقدت، عاقدت. وذلك أن الذين قرأوا ذلك: عاقدت، قالوا: لا يكون عقد الحلف إلا من فريقين، ولا بد لنا من دلالة في الكلام على أن ذلك كذلك. وأغفلوا موضع دلالة قوله: "أيمانكم"، على أن معنى ذلك أيمانكم وأيمان المعقود عليهم، وأن العقد إنما هو صفة الأيمان دون العاقدين الحلف، حتى زعم بعضهم أن ذلك إذا قرئ: "عقدت أيمانكم"، فالكلام محتاج إلى ضمير صفة تقي الكلام، حتى يكون الكلام معناه: والذين عقدت لهم أيمانكم، ذهاباً منه عن الوجه الذي قلنا في ذلك، من أن الأيمان معني بها أيمان الفريقين.
وأما عاقدت أيمانكم، فإنه في تأويل: عاقدت أيمان هؤلاءأيمان هؤلاء، الحلف.
فهما متقاربان في المعنى، وإن كانت قراءة من قرأ ذلك: "عقدت أيمانكم" بغير ألف، أصح معنى من قراءة من قرأه عاقدت، للذي ذكرناه الدلالة المغنية في صفة الأيمان بالعقد، على أنها أيمان الفريقين، من الدلالة على ذلك بغيره.
وأما معنى قوله: "عقدت أيمانكم"، فإنه: وصلت وشدت ووكدت، "أيمانكم"، يعني: مواثيقكم التي واثق بعضكم بعضاً، "فآتوهم نصيبهم".
ثم اختلف أهل التأويل في معنى النصيب الذي أمر الله أهل الحلف أن يؤتي بعضهم بعضاً في الإسلام.
فقال بعضهم: هو نصيبه من الميراث، لأنهم في الجاهلية كانوا يتوارثون، فأوجب الله في الإسلام من بعضهم لبعض بذلك الحلف، وبمثله في الإسلام، من الموارثة مثل الذي كان لهم في الجاهلية. ثم نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسن بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري في قوله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيداً، قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ الله ذلك في الأنفال فقال: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم" [الأنفال:75].
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قول الله: والذين عاقدت أيمانكم، قال: كان الرجل يعاقد الرجل فيرثه، وعاقد أبو بكر رضي الله عنه مولىً فورثه.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: والذين عاقدت إيمانكم فآتوهم نصيبهم، فكان الرجل يعاقد الرجل: أيهما مات ورثه الآخر. فأنزل الله: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا" [الأحزاب: 6]، يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصيةً، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت. وذلك هو المعروف.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا، كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك. فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم. فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال فقال الله: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" [الأنفال: 75].
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة،: والذين عاقدت أيمانكم، قال: كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك. فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس، فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث، وهو السدس، ثم نسخ ذلك بالميراث، فقال: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض" [الأنفال: 75].
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا همام بن يحيى قال، سمعت قتادة يقول، في قوله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم، وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: هدمي هدمك، ودمي دمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فجعل له السدس من جميع المال، ثم يقتسم أهل الميراث ميراثهم. فنسخ ذلك بعد في الأنفال فقال: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" [الأنفال: 75]، فصارت المواريث لذوي الأرحام.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة قال: هذا حلف كان في الجاهلية، كان الرجل يقول للرجل: ترثني وأرثك، وتنصرني وأنصرك، وتعقل عني وأعقل عنك.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: والذين عاقدت أيمانكم، كان الرجل يتبع الرجل فيعاقده: إن مت، فلك مثل ما يرث بعض ولدي! وهذا منسوخ.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم، فإن الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث، وبقي تابعه ليس له شيء، فأنزل الله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم، فكان يعطى من ميراثه، فأنزل الله بعد ذلك: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" [الأنفال: 75].
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، فكان بعضهم يرث بعضاً بتلك المؤاخاة، ثم نسخ الله ذلك بالفرائض، وبقوله: "ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون".
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال، حدثنا إدريس بن يزيد قال، حدثنا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم، قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة، يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم. فلما نزلت هذه الآية: "ولكل جعلنا موالي"، نسخت.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: والذين عاقدت أيمانكم، الذين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فآتوهم نصيبهم"، إذا لم تأت رحم تحول بينهم. قال: وهو لا يكون اليوم، إنما كان في نفر آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانقطع ذلك. ولا يكون هذا لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، كان آخى بين المهاجرين والأنصار، واليوم لا يؤاخى بين أحد.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاية في أهل العقد بالحلف، ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضاً أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك، دون الميراث.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال، حدثنا إدريس الأودي قال، حدثنا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من النصر والنصيحة والرفادة، ويوصى لهم، وقد ذهب الميراث.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "والذين عقدت أيمانكم". قال: كان حلف في الجاهلية، فأمروا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والمشورة والنصرة، ولا ميراث.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة عن منصور، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من العون والنصر والحلف.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد في قول الله: والذين عاقدت أيمانكم، قال: كان هذا حلفاً في الجاهلية، فلما كان الإسلام، أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النصر والولاء والمشورة، ولا ميراث.
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج، قال ابن جريج: والذين عاقدت أيمانكم، أخبرني عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهداً يقول: هو الحلف: "عقدت أيمانكم". قال: "فآتوهم نصيبهم"، قال: النصر.
حدثنى زكريا بن يحيى قال، حدثنا حجاج، قال ابن جريج، أخبرني عطاء قال: هو الحلف. قال: "فآتوهم نصيبهم"، قال: العقل والنصر.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: والذين عاقدت أيمانكم، قال: لهم نصيبهم من النصر والرفادة والعقل.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: "والذين عقدت أيمانكم"، قال: هم الحلفاء.
حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا عباد بن العوام، عن خصيف، عن عكرمة مثله.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، أما "عقدت أيمانكم"، فالحلف، كالرجل في الجاهلية ينزل في القوم فيحالفونه على أنه منهم، يواسونه بأنفسهم، فإذا كان لهم حق أو قتال كان مثلهم، وإذا كان له حق أو نصرة خذلوه. فلما جاء الإسلام سألوا عنه، وأبى الله إلا أن يشدده. و"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يزد الإسلام الحلفاء إلا شدة".
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية، فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصيةً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال، حدثني سعيد بن المسيب: أن الله قال: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم، قال سعيد بن المسيب: إنما نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالاً غير أبنائهم ويورثونهم، فأنزل الله فيهم، فجعل لهم نصيباً في الوصية، ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة، وأبى الله للمدعين ميراثاً ممن ادعاهم وتبناهم، ولكن الله جعل لهم نصيباً في الوصية.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله: "والذين عقدت أيمانكم"، قول من قال: والذين عقدت أيمانكم على المحالفة، وهم الحلفاء. وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها، أن عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق، على نحو ما قد ذكرنا من الرواية في ذلك.
فإذ كان الله جل ثناؤه إنما وصف الذين عقدت أيمانهم ما عقدوه بها بينهم، دون من لم تعقد عقداً بينهم أيمانهم، وكانت مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين من آخى بينه وبينه من المهاجرين والأنصار، لم تكن بينهم بأيمانهم، وكذلك التبني، كان معلوماً أن الصواب من القول في ذلك قول من قال: هو الحلف، دون غيره، لما وصفنا من العلة.
وأما قوله: "فآتوهم نصيبهم"، فإن أولى التأويلين به، ما عليه الجميع مجمعون من حكمه الثابت، وذلك إيتاء أهل الحلف الذي كان في الجاهلية دون الإسلام، بعضهم بعضاً أنصباءهم من النصرة والنصيحة والرأي، دون الميراث. وذلك لصحة الخبر "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية، فلم يزده الإسلام إلا شدة".
حدثنا بذلك أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل بن يونس، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آلى طلحة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام، وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة. وما يسرني أن لي حمر النعم، وأني نقضت الحلف الذي كان في دار الندوة".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التوأم الضبي: "أن قيس بن عاصم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف فقال: لا حلف في الإسلام، ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية".
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التوأم، "عن قيس بن عاصم: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف، قال فقال: ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن داود بن أبي عبد الله، عن ابن جدعان، عن جدته، عن أم سلمة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة".
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا حسين المعلم، وحدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هرون قال، حدثنا حسين المعلم، وحدثنا حاتم بن بكر الضبي قال، حدثنا عبد الأعلى، عن حسين المعلم، قال، حدثنا أبي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم فتح مكة: فوا بحلف، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفاً في الإسلام".
حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد الله الصفار قالا، حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال، حدثني سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية، فلم يزده الإسلام إلا شدة".
حدثنا حميد بن مسعدة ومحمد بن عبد الأعلى قالا، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا عبد الرحمن بن إسحق، وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحق، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي، فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه". زاد يعقوب في حديثه عن ابن علية، قال: وقال الزهري: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يصب الإسلام حلفاً إلا زاده شدة. قال: ولا حلف في الإسلام. قال: وقد ألف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار".
حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا محمد بن إسحق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: "لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، قام خطيباً في الناس فقال: يا أيها الناس، ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة، ولا حلف في الإسلام".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثنا سليمان بن بلال قال، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قال أبو جعفر: فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحاً وكانت الآية إذا اختلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ، غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ -مع اختلاف المختلفين فيه، ولوجوب حكمها ونفي النسخ عنها وجه صحيح- إلا بحجة يجب التسليم لها، لما قد بينا في غير موضع من كتبنا الدلالة على صحة القول بذلك، فالواجب أن يكون الصحيح من القول في تأويل قوله: "والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، هو ما ذكرنا من التأويل، وهو أن قوله: "عقدت أيمانكم" من الحلف، وقوله: "فآتوهم نصيبهم" من النصرة والمعونة والنصيحة والرأي، على ما أمر به من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخبار التي ذكرناها عنه، دون قول من قال: معنى قوله: فآتوهم نصيبهم، من الميراث، وأن ذلك كان حكماً ثم نسخ بقوله: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" [الأنفال: 75]، ودون ما سوى القول الذي قلناه في تأويل ذلك.
وإذ صح ما قلنا في ذلك، وجب أن تكون الآية محكمة لا منسوخةً.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فآتوا الذين عقدت أيمانكم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرأي، فإن الله شاهد على ما تفعلون من ذلك، وعلى غيره من أفعالكم، مراع لكل ذلك، حافظ، حتى يجازي جميعكم على جميع ذلك جزاءه، أما المحسن منكم المتبع أمري وطاعتي فبالحسنى، وأما المسيء منكم المخالف أمري ونهيي فبالسوأى.
ومعنى قوله: "شهيدا"، ذو شهادة على ذلك.
فيه خمس مسائل :
الأولى - بين تعالى أن لكل إنسان ورثة وموالي فلينتفع كل واحد بما قسم الله له من الميراث ولا يتمنى مال غيره وروى البخاري في كتاب الفرائض من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس : " ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم " [النساء :33] قال :
كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه ، لأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت " ولكل جعلنا موالي " قال: نسختها" والذين عقدت أيمانكم " قال أبو الحسن بن بطال : وقع في جميع النسخ " ولكل جعلنا موالي " قال : نسخها " والذين عقدت أيمانكم " وكذا رواه الطبري في روايته ، وروى عن جمهور السلف أن الآية الناسخة لقوله :" والذين عقدت أيمانكم " قوله تعالى في الأنفال :" وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض " [الأنفال :75] روي هذا عن ابن عباس وقتادة والحسن البصري، وهو الذي أثبته أبو عبيد في كتاب الناسخ والمنسوخ له وفيها قول آخر رواه الزهري عن سعيد بن المسيب قال: أمر الله عز وجل الذين تبنوا غير أبنائهم في الجاهلية وورثوا في الإسلام أن يجعلوا لهم نصيباً في الوصية ورد الميراث إلى ذوي الرحم والعصبة وقال طائفة: قوله تعالى :" والذين عقدت أيمانكم " محكم وليس بمنسوخ ، وإنما أمر الله المؤمنين أن يعطوا الحلفاء أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك ذكره الطبري عن ابن عباس ." والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " من النصرة والنصيحة والرفادة ويوصى لهم وقد ذهب الميراث وهو قول مجاهد والسدي.
قلت واختاره النحاس، ورواه عن سعيد بن جبير، ولا يصح النسخ فإن الجمع ممكن كما بينه ابن عباس فيما ذكره الطبري ورواه البخاري عنه في كتاب التفسير وسيأتي ميراث ذو الأرحام في الأنفال إن شاء الله .
الثانية- كل في كلام العرب ومعناها الإحاطة والعموم فإذا جاءت مفردة فلا بد أن يكون في الكلام حذف عند جميع النحويين، حتى أن بعضهم أجاز مررت بكل مثل قبل وبعد وتقدير الحذف: ولكل واحد جعلنا موالي، يعني ورثة " والذين عقدت أيمانكم " يعني بالحلف عن قتادة وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف ثم نسخ .
الثالثة- قوله تعالى :" موالي " اعلم أن المولى لفظ مشترك يطلق على وجوه فيسمى المعتق مولى والمعتق مولى. ويقال: المولى الأسفل والأعلى أيضاً ويسمى الناصر المولى ومنه قوله تعالى " وأن الكافرين لا مولى لهم " [ محمد : 11] ويسمى ابن العم مولى والجار مولى ، فأما قوله تعالى :" ولكل جعلنا موالي " يريد عصبة "لقوله عليه السلام:
ما أبقت السهام فالأولى عصبة ذكر " ومن العصبات المولى الأعلى لا الأسفل، على قول أكثر العلماء لأن المفهوم في حق المعتق أنه المنعم على المعتق كالموجد له فاستحق ميراثه لهذا المعنى . وحكى الطحاوي عن الحسن بن زياد أن المولى الأسفل يرث من الأعلى واحتج فيه بما روي أن رجلاً أعتق عبداً له فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام المعتق قال الطحاوي: ولا معارض لهذا الحديث فوجب القول له : ولأنه إذا أمكن إثبات الميراث للمعتق على تقدير أنه كان كالموجود له فهو شبيه بالأب، والمولى الأسفل شبيه بالابن، وذلك يقتضي التسوية بينهما في الميراث، والأصل أن الاتصال يعم وفي الخبر:
"مولى القوم منهم " والذين خالفوا هذا وهم الجمهور قالوا: الميراث يستدعي القرابة ولا قرابة ، غير أنا أثبتنا للمعتق الميراث بحكم الإنعام على المعتق فيقتضي مقابلة الإنعام بالمجازاة وذلك لا ينعكس في المولى الأسفل. وأما الابن فهو أولى الناس بأن يكون خليفة أبيه وقائماً مقامه، وليس المعتق صالحاً لأن يقوم مقام معتقه، وإنما المعتق قد أنعم عليه فقابله الشرع بأن جعله أحق بمولاه المعتق، ولا يوجد في المولى الأسفل، فظهر الفرق بينهما والله أعلم .
الرابعة- قوله تعلى :" والذين عقدت أيمانكم " روى علي بن كبشة عن حمزة " عقدت" بتشديد القاف على التكثير والمشهور عن حمزة " عقدت أيمانكم" مخففة القاف، وهي قراءة عاصم والكسائي، وهي قراءة بعيدة لأن المعاقدة لا تكون إلا من اثنين فصاعداً فبابها فاعل، قال أبو جعفر النحاس: وقراءة حمزة تجوز على غموض في العربية يكون التقدير فيها والذين عقدتهم أيمانكم الحلف، وتعدى إلى مفعولين وتقديره: عقدت لهم أيمانكم الحلف ثم حذفت اللام مثل قوله تعالى :" وإذا كالوهم " [ المطففين :3] أي كالوا لهم وحذف المفعول الثاني، كما يقال : كلتك أي كلت لك براً، وحذف المفعول الأول لأنه متصل في الصلة .
الخامسة - قوله تعالى :" إن الله كان على كل شيء شهيدا" أي قد شهد معاقدتكم إياهم وهو عز وجل يحب الوفاء .
قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح وقتادة وزيد بن أسلم والسدي والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم, في قوله "ولكل جعلنا موالي" أي ورثة, وعن ابن عباس في رواية: أي عصبة, قال ابن جرير: والعرب تسمي ابن العم مولى, كما قال الفضل بن عباس:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا لا يظهرن لنا ما كان مدفونا
قال: ويعني بقوله "مما ترك الوالدان والأقربون", من تركة والديه وأقربيه من الميراث, فتأويل الكلام: ولكلكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثونه مما ترك والداه وأقربوه من ميراثهم له. وقوله تعالى: "والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" أي والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم, فآتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة, إن الله شاهد بينكم في تلك العهود والمعاقدات, وقد كان هذا في ابتداء الإسلام, ثم نسخ بعد ذلك وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا, ولا ينشئوا بعد نزول هذه الاية معاقدة. قال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد, حدثنا أبو أسامة عن إدريس, عن طلحة بن مصرف, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس "ولكل جعلنا موالي" قال: ورثة, "والذين عقدت أيمانكم" كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم, فلما نزلت "ولكل جعلنا موالي" نسخت, ثم قال " والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له, ثم قال البخاري: سمع أبو أسامة إدريس, وسمع إدريس عن طلحة, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو أسامة, حدثنا إدريس الأودي, أخبرني طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله "والذين عقدت أيمانكم" الاية, قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه بالأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم, فلما نزلت "ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون" نسخت, ثم قال: "والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم", وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح, حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء, عن ابن عباس, قال: "والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" فكان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل ويقول: ترثني وأرثك, وكان الأحياء يتحالفون, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام فلا يزيده الإسلام إلا شدة, ولا عقد ولا حلف في الإسلام" فنسختها هذه الاية " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ", ثم قال: وروي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والحسن وابن المسيب وأبي صالح وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة والسدي والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان, أنهم قالوا: هم الحلفاء. وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا شريك عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس ـ ورفعه ـ قال: "ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا حدة شدة". وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا وكيع عن شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحدثنا أبو كريب, حدثنا مصعب بن المقدام عن إسرائيل بن يونس, عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة, عن عكرمة, عن ابن عباس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا حلف في الإسلام, وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة, وما يسرني أن لي حمر النعم وأني نقضت الحلف الذي كان في دار الندوة", هذا لفظ ابن جرير. وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري, عن محمد بن جبير بن مطعم, عن أبيه, عن عبد الرحمن بن عوف, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي, فما أحب أن لي حمر النعم, وإني أنكثه" قال الزهري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم يصب الإسلام حلفاً إلا زاده شدة" قال "ولا حلف في الإسلام", وقد ألف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار. وهكذا رواه الإمام أحمد عن بشر بن المفضل, عن عبد الرحمن بن إسحاق, عن الزهري بتمامه, وحدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا هشيم, أخبرني مغيرة عن أبيه, عن شعبة بن التوأم, عن قيس بن عاصم: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف, قال: فقال "ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به, ولا حلف في الإسلام" وهكذا رواه أحمد عن هشيم, وحدثنا أبو كريب, حدثنا وكيع عن داود بن أبي عبد الله, عن ابن جدعان عن جدته, عن أم سلمة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "لا حلف في الإسلام, وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة". وحدثنا أبو كريب, حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح, قام خطيباً في الناس فقال "يا أيها الناس ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة, ولا حلف في الإسلام" ثم رواه من حديث حسين المعلم وعبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالله بن محمد, حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن زكريا, عن سعد ابن إبراهيم, عن أبيه, عن جبير بن مطعم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة". وهكذا رواه مسلم عن عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده مثله, ورواه أبو داود عن عثمان, عن محمد بن أبي شيبة, عن محمد بن بشر وابن نمير وأبي أسامة, ثلاثتهم عن زكريا وهو ابن أبي زائدة بإسناده مثله, ورواه ابن جرير من حديث محمد بن بشر به. ورواه النسائي من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق عن زكريا, عن سعد بن إبراهيم, عن نافع بن جبير بن مطعم, عن أبيه به. وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة عن أبيه, عن شعبة بن التوأم, عن قيس بن عاصم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف فقال "ما كان حلف في الجاهلية فتمسكوا به, ولا حلف في الإسلام" وكذا رواه شعبة عن مغيرة وهو ابن مقسم عن أبيه به. وقال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين, قال: كنت أقرأ على أم سعد بنت سعد بن الربيع مع ابن ابنها موسى بن سعد وكانت يتيمة في حجر أبي بكر, فقرأت عليها " والذين عقدت أيمانكم " فقالت: لا ولكن "والذين عقدت أيمانكم" قالت: إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى أن يسلم, فحلف أبو بكر أن لا يورثه, فلما أسلم حين حمل على الإسلام بالسيف, أمر الله أن يؤتيه نصيبه, رواه ابن أبي حاتم, وهذا قول غريب, والصحيح الأول, وأن هذا كان في ابتداء الإسلام يتوارثون بالحلف ثم نسخ وبقي تأثير الحلف بعد ذلك, وإن كانوا قد أمروا أن يوفوا بالعهود والعقود, والحلف الذي كانوا قد تعاقدوه قبل ذلك, وتقدم في حديث جبير بن مطعم وغيره من الصحابة: لا حلف في الإسلام, وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة, وهذا نص في الرد على من ذهب إلى التوارث بالحلف اليوم, كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه, ورواية عن أحمد بن حنبل, والصحيح قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه, ولهذا قال تعالى: "ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون" أي ورثة من قراباته من أبويه وأقربيه, هم يرثونه دون سائر الناس, كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" أي اقسموا الميراث على أصحاب الفروض الذين ذكرهم الله في آيتي الفرائض, فما بقي بعد ذلك فأعطوه للعصبة. وقوله "والذين عقدت أيمانكم" أي قبل نزول هذه الاية فآتوهم نصيبهم, أي من الميراث, فأيما حلف عقد بعد ذلك فلا تأثير له, وقد قيل: إن هذه الاية نسخت الحلف في المستقبل وحكم الحلف الماضي أيضاً, فلا توارث به, كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو أسامة, حدثنا إدريس الأودي, أخبرني طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: "فآتوهم نصيبهم", قال: من النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث. ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي أسامة, وكذ روي عن مجاهد وأبي مالك نحو ذلك. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله "والذين عقدت أيمانكم" قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الاخر, فأنزل الله تعالى " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا " يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية فهو لهم جائز من ثلث مال الميت, وهذا هو المعروف, وهكذا نص غير واحد من السلف أنها منسوخة بقوله " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا " وقال سعيد بن جبير: "فآتوهم نصيبهم", أي من الميراث, قال: وعاقد أبو بكر مولى فورثه, رواه ابن جرير. وقال الزهري عن ابن المسيب: نزلت هذه الاية في الذين كانوا يتبنون رجالاً غير أبنائهم ويورثونهم, فأنزل الله فيهم, فجعل لهم نصيباً في الوصية, ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة, وأبى الله أن يكون للمدعين ميراث ممن ادعاهم وتبناهم, ولكن جعل لهم نصيباً من الوصية, رواه ابن جرير, وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله فآتوهم نصيبهم, أي من النصرة والنصيحة والمعونة, لا أن المراد "فآتوهم نصيبهم" من الميراث حتى تكون الاية منسوخة, ولا أن ذلك كان حكماً ثم نسخ بل إنما دلت الاية على الوفاء بالحلف المعقود على النصرة والنصيحة فقط, فهي محكمة لا منسوخة, وهذا الذي قاله فيه نظر, فإن من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونة, ومنه ما كان على الإرث كما حكاه غير واحد من السلف, وكما قال ابن عباس: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه حتى نسخ ذلك, فكيف يقولون إن هذه الاية محكمة غير منسوخة ؟ والله أعلم.
قوله 33- "ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون" أي: جعلنا لكل إنسان ورثة موالي يلون ميراثه، فلكل مفعول ثان قدم على الفعل لتأكيد الشمول، وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها: أي ليتبع كل أحد ما قسم الله له من الميراث، ولا يتمن ما فضل الله به غيره عليه- وقد قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله بعدها " والذين عقدت أيمانكم " وقيل: العكس كما روى ذلك ابن جرير. وذهب الجمهور إلى أن الناسخ لقوله " والذين عقدت أيمانكم " قوله تعالى " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض " والموالي جمع مولى، وهو يطلق على المعتق والمعتق والناصر وابن العم والجار وقيل: والمراد هنا العصبة: أي ولكل جعلنا عصبة يرثون ما أبقت الفرائض. قوله " والذين عقدت أيمانكم " المراد بهم موالي الموالاة: كان الرجل من أهل الجاهلية يعاقد الرجل: أي يحالفه فيستحق من ميراثه نصيباً، ثم ثبت في صدر الإسلام بهذه الآية، ثم نسخ بقوله " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ". وقراءة الجمهور عاقدت وروي عن حمزة أنه قرأ عقدت بتشديد القاف على التكثير: أي والذين عقدت لهم أيمانكم الحلف، أو عقدت عهودهم أيمانكم، والتقدير على قراءة الجمهور: والذين عاقدتهم أيمانكم فآتوهم نصيبهم: أي ما جعلتموه لهم بعقد الحلف.
33-قوله تعالى:"ولكل جعلنا موالي"أي: ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا موالي،أي: عصبة يعطون"مما ترك الوالدان والأقربون" ، والوالدان والأقربون هم المورثون ، (وقيل: معناه ولكل جعلنا موالي أي: ورثة، مما ترك أي: من الذين تركهم ويكون" ما" بمعنى(من) ثم فسر"الموالي" فقال: الوالدان والأقربون هم الوارثون.)
"والذين عقدت أيمانكم"، قرأ أهل الكوفة "عقدت"بلا ألف أي: عقدت لهم أيمانكم، وقرأ الآخرون:" عقدت أيمانكم " والمعاقدة: المحالفة والمعاهدة من والأيمان جمع يمين، من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد . ومحالفتهم أن الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من مال الحليف، وكان ذلك ثابتاً في ابتداء الإسلام فذلك قوله تعالى:"فآتوهم نصيبهم" أي: أعطوهم حظهم من الميراث، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى"وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله"(الأحزاب-6).
وقال إبراهيم ومجاهد: أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث ، وعلى هذا تكون هذه الآية غير منسوخة لقوله تعالى:"أوفوا بالعقود"(المائدة-1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم فتح مكة: " لا تحدثوا حلفاً في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا فيه فإنه لم يزيده الإسلام إلا شدة".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين قدموا المدينة وكان يتوارثون بتلك المؤاخاة دون الرحم، فلما نزلت"ولكل جعلنا موالي" نسخت، ثم قال:"والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من النصر والرفادة والنصيحة ، وقد ذهب الميراث فيوصي له . وقال سعيد بن المسيب: كانوا يتوارثون بالتبني وهذه الآية فيه ثم نسخ."إن الله كان على كل شيء شهيداً".
33" ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون " أي ولكل تركة جعلنا وراثاً يلونها ويحرزونها، ومما ترك بيان لكل مع الفصل بالعامل. أو لكل ميت جعلنا وراثاً مما ترك على أن من صلة موالي. لأنه في معنى الوارث، وفي ترك ضمير كل والوالدان والأقربون استئناف مفسر للموالي، وفيه خروج الأولاد فإن الأقربون لا يتناولهم كما لا يتناول الوالدين، أو لكل قوم جعلناهم موالي حظ مما ترك الوالدان والأقربون، على إن جعلنا موالي صفة كل والراجع إليه محذوف على هذا فالجملة من مبتدأ وخبر. " والذين عقدت أيمانكم " موالى الموالاة، كان الحليف يورث السدس من مال حليفه فنسخ بقوله: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض " وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقد على أن يتعاقلا ويتوارثا صح وورث. أو الأزواج على أن العقد عقد النكاح وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط وخبره. " فآتوهم نصيبهم " أو منصوب بمضمر يفسره ما بعده كقولك: زيداً فاضربه أو معطوف على الوالدان، وقوله فآتوهم جملة مسببة عن الجملة المتقدمة مؤكدة لها، والضمير للموالي. وقرأ الكوفيون " عقدت " بمعنى عقدت عهودهم إيمانكم فحذف العهود وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه ثم حذف كما حذف في القراءة الأخرى. " إن الله كان على كل شيء شهيدا " تهديد على منع نصيبهم.
33. And unto each We have appointed heirs of that which parents and near kindred leave; and as for those with whom your right hands have made a covenant, give them their due. Lo! Allah is ever fitness over all things.
33 - To (benefit) every one, we have appointed sharers and heirs to property left by parents and relatives. to those, also, to whom your right hand was pledged, give their due portion. for truly God is witness to all things.