[النساء : 3] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ
ولما نزلت تحرَّجوا من ولاية اليتامى وكان فيهم من تحته العشر أو الثمان من الأزواج فلا يعدل بينهن فنزل: (وإن خفتم أ) ن (لا تقسطوا) تعدلوا (في اليتامى) فتحرَّجتم من أمرهم فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن (فانكحوا) تزوجوا (ما) بمعنى من (طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) أي اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ولا تزيدوا على ذلك (فإن خفتم أ) ن (لا تعدلوا) فيهن بالنفقة والقسم (فواحدة) انكحوها (أو) اقتصروا على (ما ملكت أيمانكم) من الإماء إذ ليس لهم من الحقوق ما للزوجات (ذلك) أي نكاح الأربع فقط أو الواحدة أو التسري (أدنى) أقرب إلى (ألا تعولوا) تجوروا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : معنى ذلك : وإن خفتم ، يا معشر أولياء اليتامى، أن لا تقسطوا في صداقهن فتعدلوا فيه ، وتبلغوا بصداقهن صدقات أمثالهن ، فلا تنكحوهن ، ولكن انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن، من واحدة إلى أربع ، وإن خفتم أن تجوروا -إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدة- فلا تعدلوا ، فانكحوا منهن واحدة، أو ما ملكت أيمانكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري ، عن عروة، عن عائشة : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء "، فقالت : يا ابن أختي ، هي اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في مالها وجمالها، ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة صداقها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما سواهن من النساء.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال، أخبرني عروة بن الزبير: أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تبارك وتعالى: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء "، قالت: يا ابن أختي ، هذه اليتيمة، تكون في حجر وليها تشاركه في ماله ، فيعجبه مالها وجمالها. فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط . في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال يونس بن يزيد قال ربيعة في قول الله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "، قال يقول: اتركوهن ، فقد أحللت لكم أربعاً.
حدثنا الحسن بن الجنيد وأخبرنا سعيد بن مسلمة قالا، أنبأنا إسمعيل بن أمية، عن ابن شهاب ، عن عروة قال : سألت عائشة أم المؤمنين فقلت : يا أم المؤمنين ، أرأيت قول الله : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء "؟ قالت : يا ابن أختي ، هي اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداق نسائها، فنهوا عن ذلك: أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا فيكملوا لهن الصداق ، ثم أمروا أن ينكحوا سواهن من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني الليث قال ، حدثني يونس ، عن ابن شهاب قال ، حدثني عروة بن الزبير: أنه سال عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل حديث يونس، عن ابن وهب.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الزهري عن عروة، عن عائشة، مثل حديث ابن حميد، عن ابن المبارك.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن هشام، عن أبيه ، عن عائشة قالت: نزل - تعني قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "، الآية- في اليتيمة تكون عند الرجل ، وهى ذات مال ، فلعله ينكحها لمالها وهي لا تعجبه ، ثم يضربها ويسيء صحبتها، فوعظ في ذلك.
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل ، جواب قوله : " وإن خفتم أن لا تقسطوا "، قوله: "فانكحوا".
وقال آخرون: بل معنى ذلك : النهي عن نكاح ما فوق الأربع ، حذاراً على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم. وذلك أن قريشاً كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل ، فإذا صار معدماً، مال على مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به . فنهوا عن ذلك ، وقيل لهم : إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها، فلا تعدلوا فيها، من أجل حاجتكم إليها لما يلزمكم من مؤن نسائكم ، فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النساء على أربع ، وإن خفتم أيضاً من الأربع أن لا تعدلوا في أموالهم ، فاقتصروا على الواحدة، أو على ما ملكت أيمانكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن سماك قال ، سمعت عكرمة يقول في هذه الآية : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "، قال : كان الرجل من قريش يكون عنده النسوة، ويكون عنده الأيتام ، فيذهب ماله ، فيميل على مال الأيتام ، قال : فنزلت هذه الآية: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ".
حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو الأحوص، عن سماك ، عن عكرمة في قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم "، قال : كان الرجل يتزوج الأربع والخمس والست والعشر، فيقول الرجل: ما يمنعني أن أتزوج كما تزوج فلان؟ فيأخذ مال يتيمه فيتزوج به ، فنهوا أن يتزوجوا فوق الأربع.
حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : قصر الرجال على أربع من أجل أموال اليتامى.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "، فإن الرجل كان يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى، فنهى الله عن ذلك.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن القوم كانوا يتحوبون في أموال اليتامى أن لا يعدلوا فيها، ولا يتحوبون في النساء أن لا يعدلوا فيهن ، فقيل لهم : كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن ، ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى الأربع ، ولا تزيدوا على ذلك . وإن خفتم أن لا تعدلوا أيضا في الزيادة عن الواحدة، فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن، من واحدة أو ما ملكت أيمانكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال : كان الناس على جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه ، قال : فذكروا اليتامى ، فنزلت : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم "، قال : فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في النساء.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "، إلى "أيمانكم"، كانوا يشددون في اليتامى ، ولا يشددون في النساء، ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهن ، فقال الله تبارك وتعالى: كما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى ، فخافوا في النساء، فانكحوا واحدة إلى الأربع. فإن خفتم أن لا تعدلوا، فواحدة أو ما ملكت أيمانكم.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " حتى بلغ " أدنى أن لا تعولوا "، يقول: كما خفتم الجور في اليتامى وهمكم ذلك ، فكذلك فخافوا في جمع النساء. وكان الرجل في الجاهلية يتزوج العشرة فما دون ذلك ، فأحل الله جل ثناؤه أربعاً، ثم صيرهن إلى أربع قوله: " مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة "، يقول : إن خفت أن لا تعدل في أربع فثلاث ، وإلا فثنتين، وإلا فواحدة . وإن خفت أن لا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء "، يقول : ما أحل لكم من النساء، "مثنى وثلاث ورباع"، فخافوا في النساء مثل الذي خفتم في اليتامى: أن لا تقسطوا فيهن.
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير قال : جاء الإسلام والناس على جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء فيتبعوه ، أو ينهوا عن شيء فيتجنبوه ، حتى سألوا عن اليتامى، فأنزل الله تبارك وتعالى : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال : بعث الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم والناس على أمر جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه. وكانوا يسألونه عن اليتامى فأنزل الله تبارك وتعالى : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع "، قال : فكما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى، فخافوا أن لا تقسطوا وتعدلوا في النساء.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "، قال: كانوا في الجاهلية ينكحون عشراً من النساء الأيامى، وكانوا يعظمون شأن اليتيم ، فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم ، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية، فقال : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع "، ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء "، كانوا في جاهليتهم لا يرزأون من مال اليتيم شيئاً، وهم ينكحون عشراً من النساء، وينكحون نساء آبائهم، فتفقدوا من دينهم شأن النساء، فوعظهم الله في اليتامى وفي النساء، فقال في اليتامى: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" إلى "إنه كان حوبا كبيرا"، ووعظهم في شأن النساء فقال : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" الآية، وقال : "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" [النساء: 22].
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع في قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " إلى "ما ملكت أيمانكم"، يقول : فإن خفتم الجور في اليتامى وغمكم ذلك ، فكذلك فخافوا في جمع النساء، قال : وكان الرجل يتزوج العشر في الجاهلية فما دون ذلك ، وأحل الله أربعاً، وصيرهم إلى أربع ، يقول : " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة "، وإن خفت أن لا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك.
وقال آخرون: معنى ذلك : فكما خفتم في اليتامى، فكذلك فتخوفوا في النساء أن تزنوا بهن ، ولكن انكحوا ما طاب لكم من النساء.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "، يقول: إن تحرجتم في ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيماناً وتصديقاً، فكذلك فتحرجوا من الزنا، وانكحوا النساء نكاحاً طيباً، " مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ".
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اللاتي أنتم ولاتهن، فلا تنكحوهن ، وانكحوا أنتم ما حل لكم منهن.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، عن عائشة : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "، قال : نزلت في اليتيمة تكون عند الرجل ، هو وليها وليس لها ولي غيره ، وليس أحد ينازعه فيها، ولا ينكحها لمالها، فيضر بها ويسيء صحبتها.
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا يونس، عن الحسن في هذه الآية : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم "، أي: ما حل لكم من يتاماكم من قراباتكم، " مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ".
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: تأويلها: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النساء، فلا تنكحوا منهن إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيه منهن ، من واحدة إلى الأربع . فإن خفتم الجور في الواحدة أيضاً، فلا تنكحوها، ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم ، فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهن.
وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه افتتح الآية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حقها وخلطها بغيرها من الأموال ، فقال تعالى ذكره : "وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا". ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرجوا فيه ، فالواجب عليهم من اتقاء الله والتحرج في أمر النساء، مثل الذي عليهم من التحرج في أمر اليتامى . وأعلمهم كيف التخلص لهم من الجور فيهن ، كما عرفهم المخلص من الجور في أموال اليتامى، فقال : انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم ، ما أبحت لكم منهن وحللته ، مثنى وثلاث ورباع . فإن خفتم أيضاً الجور على أنفسكم في أمر الواحدة، بأن لا تقدروا على إنصافها، فلا تنكحوها، ولكن تسروا من المماليك ، فإنكم أحرى أن لا تجوروا عليهن ، لأنهن أملاككم وأموالكم ، ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر، فيكون ذلك أقرب لكم إلى السلامة من الإثم والجور.
ففي الكلام -إذ كان المعنى ما قلنا- متروك استغني بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره . وذلك أن معنى الكلام : وإن خفتم أن لا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في حقوق النساء التي أوجبها الله عليكم ، فلا تتزوجوا منهن إلا ما أمنتم معه الجور مثنى وثلاث ورباع . وإن خفتم أيضاً في ذلك فواحدة. وإن خفتم في الواحدة، فما ملكت أيمانكم ، فترك ذكر قوله: فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في حقوق النساء، بدلالة ما ظهر من قوله تعالى : " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ".
فإن قال قائل ، فأين جواب قوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى "؟
قيل: قوله "فانكحوا ما طاب لكم"، غير أن المعنى الذي يدل على أن المراد بذلك ما قلنا قوله : " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا ".
وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى الإقساط في كلام العرب : العدل والإنصاف ، وأن القسط: الجور والحيف ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأما "اليتامى"، فإنها جمع لذكران الأيتام وإناثهم في هذا الموضع.
وأما قوله: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، فإنه يعني: فانكحوا ما حل لكم منهن ، دون ما حرم عليكم منهن ، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا ابن المبارك، عن إسمعيل بن أبي خالد عن أبي مالك قوله : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ما حل لكم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير في قوله: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، يقول: ما حل لكم.
فإن قال قائل : وكيف قيل : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ولم يقل: فانكحوا من طاب لكم؟ وإنما يقال: "ما"، في غير الناس.
قيل: معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه ، وإنما معناه : فانكحوا نكاحاً طيباً، كما:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، فانكحوا النساء نكاحاً طيباً.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
فالمعني بقوله : "ما طاب لكم"، الفعل ، دون أعيان النساء وأشخاصهن ، فلذلك قيل "ما" ولم يقل من، كما يقال : خذ من رقيقي ما أردت، إذا عنيت : خذ منهم إرادتك . ولو أردت : خذ الذي تريد منهم ، لقلت : خذ من رقيقي من أردت منهم . وكذلك قوله : "أو ما ملكت أيمانكم"، بمعنى : أو ملك أيمانكم.
وإنما معنى قوله: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع، كما قيل: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة" [النور: 4].
وأما قوله: "مثنى وثلاث ورباع"، فإنما ترك إجراؤهن ، لأنهن معدولات عن اثنين ، و ثلاث و أربع ، كما عدل عمر عن عامر ، و زفر عن زافر فترك إجراؤه . وكذلك ، أحاد و ثناء وموحد ومثنى ومثلث ومربع، لا يجرى ذلك كله للعلة التي ذكرت من العدول عن وجوهه. ومما يدل على أن ذلك كذلك ، وأن الذكر والأنثى فيه سواء، ما قيل في هذه السورة و سورة فاطر، [1]: "مثنى وثلاث ورباع" يراد به الجناح، والجناح ذكر-وأنه أيضاً لا يضاف إلى ما يضاف إليه الثلاثة و الثلاث وأن الألف واللام لا تدخله- فكان في ذلك دليل على أنه اسم للعدد معرفة، ولو كان نكرة لدخله الألف واللام، وأضيف كما يضاف الثلاثة والأربعة ومما يبين في ذلك قول تميم بن أبي بن مقبل:
ترى النعرات الزرق تحت لبانه أحاد ومثنى أصعقتها صواهله
فرد أحاد ومثنى، على النعرات وهي معرفة . وقد تجعلها العرب نكرة فتجريها، كما قال الشاعر:
وإن الغلام المستهام بذكره قتلنا به من بين مثنىً وموحد
بأربعة منكم وآخر خامس وساد مع الإظلام في رمح معبد
ومما يبين أن ثناء و أحاد غير جارية، قول الشاعر:
ولقد قتلتكم ثناء وموحداً وتركت مرة مثل أمس المدبر
وقول الشاعر:
منت لك أن تلاقيني المنايا أحاد أحاد في شهر حلال
ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرباع و المربع عن جهته . لم يسمع منها خماس ولا المخمس، ولا السباع ولا المسبع، وكذلك ما فوق الرباع إلا في بيت للكميت. فإنه يروى له في العشرة ، عشار وهو قوله:
فلم يستريثوك حتى رميـ ـت فوق الرجال خصالاً عشارا
يريد: عشراً، عشراً، يقال : إنه لم يسمع غير ذلك.
وأما قوله : " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة "، فإن نصب "واحدة"، بمعنى: فإن خفتم أن لا تعدلوا، فيما يلزمكم من العدل فيما زاد على الواحدة من النساء عندكم بنكاح ، فيما أوجبه الله لهم عليكم ، فانكحوا واحدة منهن.
ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالرفع ، كان جائزاً، بمعنى : فواحدة كافية، أو: فواحدة مجزئة، كما قال جل ثناؤه: "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان" [البقرة: 282].
وإن قال لنا قائل: قد علمت أن الحلال لكم من جميع النساء الحرائر، نكاح أربع، فكيف قيل : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، وذلك في العدد تسع؟
قيل : إن تأويل ذلك : فانكحوا ما طاب لكم من النساء، إما مثنى إن أمنتم الجور من أنفسكم فيما يجب لهما عليكم -وإما ثلاث ، إن لم تخافوا ذلك- وإما أربع ، إن أمنتم ذلك فيهن.
يدل على صحة ذلك قوله : " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة "، لأن المعنى: فإن خفتم في الثنتين فانكحوا واحدة. ثم قال : وإن خفتم أن لا تعدلوا أيضاً في الواحدة، فما ملكت أيمانكم.
فإن قال قائل : فإن أمر الله ونهيه على الإيجاب والإلزام حتى تقوم حجة بأن ذلك على التأديب والإرشاد والإعلام، وقد قال تعالى ذكره : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، وذلك أمر، فهل من دليل على أنه من الأمر الذي هو على غير وجه الإلزام والإيجاب؟
قيل: نعم ، والدليل على ذلك ، قوله: " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ". فكان معلوماً بذلك أن قوله: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، وإن كان مخرجه مخرج الأمر، فإنه بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف الناكح الجور فيه من عدد النساء، لا بمعنى الأمر بالنكاح ، فإن المعني به : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى، فتحرجتم فيهن ، فكذلك فتحرجوا في النساء، فلا تنكحوا إلا ما أمنتم الجور فيه منهن ، ما أحللته لكم من الواحدة إلى الأربع.
وقد بينا في غير هذا الموضع أن العرب تخرج الكلام بلفظ الأمر ومعناها فيه النهي أو التهديد والوعيد، كما قال جل ثناؤه : "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" [الكهف: 29]، وكما قال: "ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون" [النحل: 55- الروم: 34]، فخرج ذلك مخرج الأمر، والمقصود به التهديد والوعيد والزجر والنهي، فكذلك قوله : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، بمعنى النهي : فلا تنكحوا إلا ما طاب لكم من النساء.
وعلى النحو الذي قلنا في معنى قوله: "أو ما ملكت أيمانكم"، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم "، يقول : فإن خفت أن لا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "أو ما ملكت أيمانكم"، السراري.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع: " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم "، فإن خفت أن لا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا جويبر، عن الضحاك، قوله: " فإن خفتم أن لا تعدلوا "، قال: في المجامعة والحب.
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره : وإن خفتم أن لا تعدلوا في مثنى أو ثلاث أو رباع فنكحتم واحدة، أو خفتم أن لا تعدلوا في الواحدة فتسررتم ملك أيمانكم ، فهو "أدنى" يعني: أقرب ، " أن لا تعولوا "، يقول : أن لا تجوروا ولا تميلوا.
يقال منه: عال الرجل فهو يعول عولاً وعيالة، إذا مال وجار. ،جمنه : عول الفرائض، لأن سهامها إذا زادت دخلها النقص.
وأما من الحاجة، فإنما يقال : عال الرجل عيلة، وذلك إذا احتاج ، كما قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
بمعنى: يفتقر.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا يونس، عن الحسن: " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، قال: العول الميل في النساء.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثني حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله : " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، يقول : لا تميلوا.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، أن لا تميلوا.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا داود بن أبي هند، عن عكرمة: " أن لا تعولوا "، قال: أن لا تميلوا، ثم قال : أما سمعت إلى قول أبي طالب:
بميزان قسط وزنه غير عائل
حدثني المثنى قال ، حدثنا حجاج قال ، حدثنا حماد بن زيد، عن الزبير، عن حريث، عن عكرمة في هذه الآية: " أن لا تعولوا "، قال : أن لا تميلوا، قال: وأنشد بيتاً من شعر زعم أن أبا طالب قاله:
بميزان قسط لا يخس شعيرةً ووازن صدق وزنه غير عائل
قال أبو جعفر ويروى هذا البيت على غير هذه الرواية:
بميزان صدق لا يغل شعيرةً له شاهد من نفسه غير عائل
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: " أن لا تعولوا "، قال: أن لا تميلوا.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم، عن أبي إسحق الكوفي قال : كتب عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه عليه فيه : إني لست بميزان لا أعول.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثام بن علي قال ، حدثنا إسمعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك في قوله " أدنى أن لا تعولوا "، قال : لا تميلوا.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، أدنى أن لا تميلوا.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " أن لا تعولوا "، قال: تميلوا.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع: " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، يقول: أن لا تميلوا.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، يقول : تميلوا.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " أدنى أن لا تعولوا "، يعني: أن لا تميلوا.
حدثنا محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، يقول : ذلك أدنى أن لا تميلوا.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين، عن أبي مالك في قوله: " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، قال : أن لا تجوروا.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون، وعارم أبو النعمان قالا، حدثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك مثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن يونس، عن أبي إسحق، عن مجاهد: " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، قال : تميلوا.
حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: " ذلك أدنى أن لا تعولوا "، ذلك أقل لنفقتك ، الواحدة أقل من ثنتين وثلاث وأربع ، وجاريتك أهون نفقة من حرة، " أن لا تعولوا "، أهون عليك في العيال.
فيها أربع عشرة مسألة:
الأولى- قوله تعالى:" وإن خفتم" شرط، وجوابه فانكحوا .أي إن خفتم ألا تعدلوا في مهورهن وفي النفقة عليهن، " فانكحوا ما طاب لكم" أي غيره، وروى الأئمة واللفظ لمسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة في قول الله تعالى:" وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " قالت:
يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، وذكر الحديث، وقال ابن خويز منداد: ولهذا قلنا إنه يجوز أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه، ويبيع من نفسه من غير محاباة .
وللموكل النظر فيما اشترى وكيله لنفسه أو باع منها. وللسلطان النظر فيما يفعله الوصي من ذلك، فأما الأب فليس لأحد عليه نظر ما لم تظهر عليه المحاباة فيعترض عليه السلطان حينئذ وقد مضى في البقرة القول في هذا. وقال الضحاك والحسن وغيرهما: إن الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام: من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء، فقصرتهن الآية على أربع، وقال ابن عباس وابن جبير وغيرهما: المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء، لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء وخفتم من الأضداد فإنه يكون هذا المخوف منه معلوم الوقوع، وقد يكون مظنوناً، فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف، فقال أبو عبيدة: خفتم بمعنى أيقنتم وقال آخرون: خفتم ظننتم. قال ابن عطية: وهذا الذي اختاره الحذاق وأنه على بابه من الظن لا من اليقين التقدير من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها. وتقسطوا معناه تعدلوا يقال: أقسط الرجل إذا عدل.
وقسط إذا جاء وظلم صاحبه. قال الله تعالى:" وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا" [الجن :15]يعني الجائرون و"قال عليه السلام:
المقسطون في الدين على منابر من نور يوم القيامة " يعني العادلين ، وقرأ ابن وثاب والنخعي تقسطوا فتح التاء من قسط على تقدير زيادة لا كأنه قال: وإن خفتم أن تجوروا .
الثانية- قوله تعالى:" فانكحوا ما طاب لكم من النساء " إن قيل: كيف جاءت ما للآدميين وإنما أصلها لما لا يعقل فعنه أجوبة خمسة الأول- أن من و ما قد يتعاقبان، قال الله تعالى:"والسماء وما بناها" [الشمس:5] أي ومن بناها، وقال " فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع" [النور:45] فمنا ههنا لمن يعقل وهن النساء لقوله بعد ذلك من النساء مبيناً لمبهم وقرأ ابن أبي عبلة من طاب على ذكر من يعقل. الثاني- قال البصريون: ما تعق للنعوت كما تقع لما لا يعقل يقال: ما عندك؟ فيقال: ظريف وكريم. فالمعنى فانكحوا الطيب من النساء أي الحلال وما حرمه الله فليس بطيب. وفي التنزيل" وما رب العالمين" [الشعراء:23] فأجابه موسى على وفق ما سأل، وسيأتي الثالث- حكي بعض الناس أن ما في هذه الآية ظرفية، أي ما دمتم تستحسنون النكاح. قال ابن عطية: وفي هذا المنزع ضعف. جواب رابع- قال الفراء : ما ههنا مصدر وقال النحاس: وهذا بعيد جداً، لا يصح فانكحوا الطيبة. قال الجوهري: طاب الشيء يطيب طيبة وتطياباً قال علقمة :
كأن تطيابها في الأنف مشموم
جواب خامس- وهو أن المراد بما هنا العقد، أي فانكحوا نكاحاً طيباً. وقراءة ابن أبي عبلة ترد هذه الأقوال الثلاثة. وحكي أبو عمرو بن العلاء أن أهل مكة إذا سمعوا الرعد قالوا: سبحان ما سبح له الرعد. أي سبحان من سبح له الرعد. ومثله قولهم: سبحان ما سخركن لنا . أي من سخركن. واتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " ليس له مفهوم، إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة: اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً كمن خاف. فدل على أن الآية نزلت جوباً لمن خاف ذلك، وإن حكمها أعم من ذلك .
الثالثة - تعلق أبو حنيفة بهذه الآية في تجويزه نكاح اليتيمة قبل البلوغ. وقال: إنما تكون يتيمه قبل البلوغ، وبعد البلوغ هي امرأة مطلقة لا يتيمة، بدليل أنه لو أراد البالغة لما نهى عن حطها عن صداق مثلها، لأنها تختار ذلك فيجوز إجماعاً. وذهب مالك والشافعي والجمهور من العلماء إلى أن ذلك لا يجوز حتى تبلغ وتستأمر لقوله تعالى:" ويستفتونك في النساء" [النساء : 127] والنساء اسم ينطلق على الكبار كالرجال في الذكور، واسم الرجل لا يتناول الصغير، فكذلك اسم النساء والمرأة لا يتناول الصغيرة .
وقد قال : "في يتامى النساء " [النساء:127] والمراد به هناك اليتامى هنا، كما قالت عائشة رضي الله عنها فقد دخلت اليتيمة الكبيرة في الآية فلا تزوج إلا بإذنها، ولا تنكح الصغيرة إذ لا إذن لها، فإذا بلغت جاز نكاحها لكن لا تزوج إلا بإذنها كما رواه الدارقطني من حديث محمد بن إسحاق "عن نافع عن ابن عمر قال:
زوجني خالي قدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان بن مظعون، فدخل المغيرة بن شعبة على أمها، فأرغبها في المال وخطبه إليها، فرفع شأنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قدامة : يا رسول الله ابنه أخي وأنا وصي أبيها ولم أقصر بها، زوجتها من قد علمت فضله، وقرابته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها يتيمة واليتيمة أولى بأمرها فنزعت مني وزوجها المغيرة بن شعبة " قال الدارقطني: لم يسمعه محمد بن إسحاق من نافع، وإنما سمعه من عمر بن حسين عنه ورواه ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين بن نافع "عن عبد الله بن عمر: أنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون قال: فذهبت أمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي تكره ذلك فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها ففارقها . وقال : ولا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن فإذا سكتت فهو إذنها فتزوجها بعد عبد الله المغيرة بن شعبة " .فهذا يرد ما يقوله أبو حنيفة: من أنها إذا بلغت لم تحتج إلى ولي، بناء على أصله في عدم اشتراط الولي في صحة النكاح، وقد مضى في البقرة ذكره، فلا معنى لقولهم، إن هذا الحديث محمول على غير البالغة "لقوله :
إلا بإذنها" فإنه كان لا يكون لذكر اليتيم معنى والله أعلم .
الرابعة - وفي تفسير عائشة للآية من النفقة ما قال به مالك من صداق المثل، والرد إله فيما فسد من الصداق ووقع الغبن في مقداره، لقولها: بأدنى من سنة صداقها فوجب أن يكون صداق المثل معروفاً لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم . وقد قال مالك: للناس مناكح عرفت لهم وعرفوا لها. أي صدقات وأكفاء. وسئل مالك عن رجل زوج ابنته من ابن أخ له فقير فاعترضت أمها فقال: إني لأرى لها في ذلك متكلماً فسوغ لها في ذلك الكلام حتى يظهر هو نظره ما يسقط اعتراض الأم عليه. وروي لا أرى بزيادة الألف والأول أصح. وجائز لغير اليتيمة أن تنكح بأدنى من صداق مثلها لأن الآية إنما خرجت في اليتامى. هذا مفهومها وغير اليتيمة بخلافها .
الخامسة: فإذا بلغت اليتيمة وأقسط والولي في صداقها جاز له أن يتزوجها، ويكون هو الناكح والمنكح على ما فسرته عائشة. وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأبو ثور، وقاله من التابعين الحسن وربيعة، وهو قول الليث. وقال زفر والشافعي: لا يجوز له أن يتزوجها إلا بإذن السلطان، أو يزوجها منه ولي لها هو أقعد بها منه، أو مثله في القعدد، وأما أن يتولى طرفي العقد بنفسه فيكون ناكحاً منكحاً فلا. واحتجوا بأن الولاية شرط من شروط العقد "لقوله عليه السلام:
لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" فتعديد الناكح والمنكح والشهود واجب، فإذا اتحد اثنان منها سقط واحد من المذكورين. وفي المسألة قول ثالث، وهو أن تجعل أمرها إلى رجل يزوجها منه. روي هذا عن المغيرة بن شعبة، وبه قال أحمد ذكره ابن المنذر.
السادسة - قوله تعالى:" ما طاب لكم من النساء " معناه ما حل لكم، عن الحسن وابن جبير وغيرهما. واكتفى بذكر من يجوز نكاحه، لأن المحرمات من النساء كثير وقرأ ابن إسحاق والجحدري وحمزة طاب بالإمالة وفي مصحف أبي طيب بالياء، فهذا دليل الإمالة من النساء دليل على أنه لا يقال النساء إلا لمن بلغ الحلم. وواحد النساء نسوة، ولا واحد لنسوة من لفظه، ولكن يقال امرأة .
السابعة- قوله تعالى:" مثنى وثلاث ورباع " وموضعها من الإعراب نصب على البدل من ما وهي نكرة لا تنصرف، لأنها معدولة وصفة، كذا قال أبو علي. وقال الطبري: هي معارف، لأنها لا يدخلها الألف واللام، وهي بمنزلة عمر في التعريف، قاله الكوفي. وخطأ الزجاج هذا القول. وقيل: لم ينصرف لأنه معدول عن لفظه ومعناه فأحاد معدول عن واحد واحد، ومثنى عن اثنين اثنين، وثلاث معدولة عن ثلاثة ثلاثة، ورباع عن أربعة أربعة. وفي كل واحد منها لغتان: فعال ومفعل، يقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع، وكذلك إلى معشر وعشار، وحكي أبو إسحاق الثعلبي لغة ثالثة: أحد وثلث وربع مثل عمر وزفر، وكذلك قرأ النخعي في هذه الآية، وحكي المهدوي عن النخعي وابن وثاب ثلاث وربع بغير ألف في ربع فهو مقصور من رباع اسخفافاً كما قال:
أقبل سيل جاء من عند الله يحرد حرد الجنة المغلة
قال الثعلبي: ولا يزاد من هذا البناء على الأربع إلا بيت جاء عن الكميت:
فلم يستريثوك حتى رمي ت فوق الرجل خصالاً عشارا
يعني طعنت عشرة وقال ابن الدهان: وبعضهم يقف على المسموع وهو من أحاد إلى رباع ولا يعتبر بالبيت لشذوذه وقال أبو عمرو بن الحاجب: ويقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع. وهل يقال فيما عداه إلى التسعة أولا يقال ؟ فيه خلاف أصحها أنه لا يثبت وقد نص البخاري في صحيحه على ذلك .
وكونه معدولاً عن معناه أنه لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد غير المعدولة، تقول: جاءني اثنان وثلاثة، ولا يجوز مثنى وثلاث حتى يتقدم قبله جمع، مثل جاءني القوم أحاد وثناء وثلاث ورباع من غير تكرار. وهي في موضع الحال هنا وفي الآية، وتكون صفة، ومثال كون هذه الأعداد صفة يتبين في قوله تعالى:" أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع" [فاطر :1] فهي صفة للأجنحة وهي نكرة وقال ساعدة بن جؤبة:
ولكنما أهلي بواد أنيسه ذئاب تبغى الناس مثنى وموجد
وأنشد الفراء :
قتلنا به من بين مثنى وموحد بأربعة منكم وآخر خامس
فوصف ذئاباً وهي نكرة بمثنى وموحد، وكذلك بيت الفراء، أي قتلنا به ناساً، فلا تنصرف إذاً هذه الأسماء في معرفة ولا نكرة. وأجاز الكسائي والفراء صرفه في العدد على أنه نكرة. وزعم الأخفش أنه إن سمي به صرفه في المعرفة والنكرة، لأنه قد زال عنه العدل.
الثامنة- أعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع، كما قاله من بعد فهمه للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن الواو جامعة، وعضد ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نكح تسعاً، وجمع بينهن في عصمته، والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر فجعلوا مثنى مثل اثنين، وكذلك ثلاث ورباع. وذهب بعض أهل الظاهر أيضاً إلى أقبح منها، فقالوا بإباحة الجميع بين ثمان عشرة، تمسكاً منه بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار والواو للجميع، فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين وكذلك ثلاث ورباع. وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع وأخرج مالك في موطئه، والنسائي والدارقطني في سننهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة:
اختر منهم أربعاً وفارق سائرهن" وفي كتاب أبو داود "عن الحارث بن قيس قال:
أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اختر منهم أربعاً" و"قال مقاتل: إن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر، فلما نزلت هذه الآية أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق أربعاً ويمسك أربعاً " كذا قال : قيس بن الحارث والصواب أن ذلك كان حارث بن قيس الأسدي كما ذكر أبو داود. وكذا روى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير: أن ذلك كان حارث بن قيس، وهو المعروف عند الفقهاء، وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذلك من خصوصياته، على ما يأتي بيانه في الأحزاب وأما قولهم: إن الواو جامعة، فقد قيل ذلك، لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات. والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة، وكذلك تستقبح ممن يقول: أعط فلاناً أربعة ستة ثمانية، ولا يقول ثمانية عشر. وإنما الواو في هذا الموضع بدل ، أي انكحوا ثلاثاً بدلاً من مثنى، ورباع بدلاً من ثلاث، ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو. ولو جاء بأو لجاز ألا يكون لصاحب المثنى ثلاث، ولا لصاحب الثلاث رباع وأما قولهم: إن مثنى تقتضي اثنين، وثلاث ثلاثة، ورباع أربعة، فتحكم بما لا يوافقكم أهل اللسان عليه، وجهالة منهم. وكذلك جهل الآخرين، بأن مثنى تقتضي اثنين اثنين، وثلاث ثلاثة ثلاثة، ورباع أربعة أربعة، ولم يعلموا أن اثنين اثنين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، حصر للعدد. ومثنى وثلاث ورباع بخلافها، ففي العدد المعدول عند العرب زيادة معنى ليست في الأصل، وذلك أنها إذا قالت: جاءت الخيل مثنى، إنما تعني بذلك اثنين اثنين، أي جاءت مزدوجة قال الجوهري: وكذلك معدول العدد. وقال غيره: إذا قلت جاءني قوم مثنى أو ثلاث أو أحاد أو عشار، فإنما تريد أنهم جاءوك واحداً واحداً، أو اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو عشرة عشرة، وليس هذا المعنى في الأصل: لأنك إذا قلت جاءني قوم ثلاثة ثلاثة، أو قوم عشرة عشرة، فقد حصرت عدة القوم بقولك ثلاثة وعشرة، فإذا قلت جاءوني رباع وثناء فلم تحصر عدتهم. وإنما تريد أنهم جاءوك أربعة أربعة أو اثنين اثنين. وسواء كثر عددهم أو أقل في هذا الباب، فقصرهم كل صيغة على أقل ما تقتضيه بزعمه تحكم .
وأما اختلاف علماء المسلمين في الذي يتزوج خامسة وعنده أربع وهي :
التاسعة- فقال مالك والشافعي: عليه الحد إن كان عالماً. وبه قال أبو ثور. وقال الزهري: يرجم إذا كان عالماً، وإن كان جاهلاً أدنى الحدين الذي هو الجلد، ولها مهرها ويفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً. وقالت طائفة: لا حد عليه في شيء من ذلك هذا قول النعمان وقال يعقوب ومحمد: يحد في ذات المحرم ولا يحد في غير ذلك من النكاح.
وذلك مثل أن يتزوج مجوسية أو خمسة في عقدة أو تزوج متعة أو تزوج بغير شهود، أو أمةً تزوجها بغير إذن مولاها. وقال أبو ثور: إذا علم أن هذا لا يحل له يجب أن يحد فيه كله إلا التزوج بغير شهود. وفيه قول ثالث قاله النخعي في الرجل ينكح الخامسة متعمداً قبل أن تنقضي عدة الرابعة من نسائه: جلد مائة ولا ينفى فهذه فتيا علمائنا في الخامسة على ما ذكره ابن المنذر فكيف بما فوقها
العاشرة- ذكر الزبير بن بكار حدثني إبراهيم الحزامي عن محمد بن معن الغفاري قال: أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه، وهو يعمل بطاعة الله عز وجل فقال لها: نعم الزوج زوجك، فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب فقال له كعب الأسدي: يا أمير المؤمنين هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه. فقال عمر: كما فهمت كلامها فاقض بينهما. فقال كعب: علي بزوجها فأتي به فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك قال: أفي طعام أم شراب؟ قال: لا فقالت المرأة :
يا أيها القاضي الحكيم رشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده
زهده في مضجعي تعبده فاقض القضا كعب ولا تردده
نهاره وليلة ما يرقده فلست في أمر النساء أحمده
فقال زوجها:
زهدي في فرشها وفي الحجل أني أمرؤ أذهلني ما قد نزل
في سورة وفي السبع الطول وفي كتاب الله تخويف جلل
فقال كعب:
إن لها عليك حقاً يا رجل نصيبها في أربع لمن عقل
فأعطها ذاك ودع عنك العلل
ثم قال: إن الله عز وجل قد احل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، فلك ثلاثة أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك. فقال عمر، والله ما أدري من أي أمريك أعجب؟ أمن فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة. و"روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة تحدثنا أنس بن مالك :
أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تستعدي زوجها، فقالت: ليس لي ما للنساء، زوجي يصوم الدهر. قال: لك يوم وله يوم، للعبادة يوم وللمرأة يوم"
الحادية عشرة- قوله تعالى:" فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة " قال الضحاك وغيره: في الميل والمحبة والجماع والعشرة والقسم بين الزوجات الأربع والثلاث والاثنين ، فواحدة. فمنع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في القسم وحسن العشرة. وذلك دليل على وجوب ذلك، والله أعلم. وقرئت بالرفع، أي فواحدة فيها كفاية أو كافية. وقال الكسائي: فواحدة تقنع. وقرئت بالنصب بإضمار فعل، أي فانكحوا واحدةً.
الثانية عشرة- قوله تعالى:" أو ما ملكت أيمانكم" يريد الإماء، وهو عطف على فواحدة أي إن خاف ألا يعدل في واحدة فما ملكت يمينه. وفي هذا دليل على ألا حق لملك اليمين في الوطء ولا القسم، لأن المعنى " فإن خفتم أن لا تعدلوا " في القسم "فواحدة أو ما ملكت أيمانكم" فجعل ملك اليمين كله بمنزلة واحدة، فانتفى بذلك أن يكون للإماء حق في الوطء أو في القسم. إلا أن ملك اليمين في العدل قائم بوجوب حسن الملكة والرفق بالرقيق. وأسند تعالى الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكنها. ألا ترى أنها المنفقة؟ كما "قال عليه السلام:
حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" وهي المعاهدة المبايعة، وبها سميت الألية يميناً، وهي المتلقية لرايات المجد كما قال:
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
الثالثة عشرة- قوله تعالى:" ذلك أدنى أن لا تعولوا " أي ذلك أقرب إلى ألا تميلوا عن الحق وتجوروا، عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. يقال: عال الرجل يعول إذا جار ومال. ومنه قولهم: عال السهم عن الهدف مال عنه. قال ابن عمر: إنه لعائل الكيل والوزن، قال الشاعر:
قالوا اتبعنا رسول الله واطرحوا قول الرسول وعالوا في الموازين
أي جاروا. وقال أبو طالب:
بميزان صدق لا يغل شعيرةً له شاهد من نفسه غير عائل
يريد غير مائل. وقال الآخر:
ثلاثة أنفس وثلاث ذود لقد عال الزمان على عيالي
أي جار ومال وعال الرجال يعيل إذا افتقر فصار عالةً. ومنه قوله تعالى:" وإن خفتم عيلة" [التوبة : 28] ومنه قول الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وهو عائل وقوم عيلة، والعيلة العالية الفاقة، وعالني الشيء يعولني إذا غلبني وثقل علي، وعال الأمر اشتد وتفاقم. وقال الشافعي ألا تعولوا ألا تكثر عيالكم. قال الثعلبي: وما قال هذا غيره، وإنما يقال: أعال يعيل إذا كثر عياله. وزعم ابن العربي أن عال على سبعة معان لا ثامن لها، عال مال، الثاني زاد الثالث جار، الرابع افتقر الخامس أثقل، حكاه ابن دريد قالت الخنساء:
ويكفي العشيرة ما عالها
السادس عال قام بمئونة العيال، ومنه "قوله عليه السلام:
وابدأ بمن تعول" السابع عال غلب، ومنه عيل صبره. أي غلب، ويقال: أعال الرجل كثر عياله. وأما عدل بمعنى كثر عياله فلا يصح .
قلت: أما قول الثعلبي ما قاله غيره فقد أسنده الدارقطني في سننه عن زيد بن أسلم، وهو قول جابر بن زيد، فهذان إمامان من علماء المسلمين وأئمتهم قد سبقا الشافعي إليه. وأما ما ذكره ابن العربي من الحصر وعدم الصحة فلا يصح. وقد ذكرنا: عال الأمر اشتد وتفاقم حكاه الجوهري. وقال الهروي في غريبة: وقال أبو بكر: يقال عال الرجل في الأرض يعيل فيها أي ضرب فيها. وقال الأحمر: يقال عالني الشيء يعيلني عيلاً ومعيلاً إذا أزعجك و أما عال كثر عياله فذكره الكسائي وأبو عمر الدوري وابن الأعرابي قال الكسائي أبو الحسن علي بن حمزة : العرب تقول عال يعول وأعال يعيل أي كثر عياله. وقال أبو حاتم: كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا، ولعله لغة. قال الثعلبي المفسر: قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب: سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماماً في اللغة غير مدافع فقال: هي لغة حمير وأنشد:
وإن الموت يأخذ كل حي لا شك وإن أمشى وعالا
يعني وإن كثرت ماشيته وعياله. وقال أبو عمير بن العلاء: لقد كثرت وجوه العرب حتى خشيت أن آخذ عن لاحن لحناً. وقرأ طلحة بن مصرف إلا تعيلوا وهي حجة الشافعي رضي الله عنه. قال ابن عطية: وقدح الزجاج وغيره في تأويل عال من العيال بأن قال: إن الله تعالى قد أباح كثرة السراري وفي ذلك تكثير العيال، فكيف يكون أقرب إلى ألا يكثر العيال. وهذا القدح غير صحيح، لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع، وإنما العيال القادح الحرائر ذوات الحقوق الواجبة. وحكي ابن الأعرابي أن العرب تقول: عال الرجل إذا كثر عياله .
الرابعة عشرة- تعلق بهذه الآية من أجاز للمملوك أن يتزوج أربعاً، لأن الله تعالى قال: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء " يعني ما حل مثنى وثلاث ورباع ولم يخص عبداً من حر. وهو قول داود والطبري وهو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه على ما في موطئه، وكذلك روى عنه ابن القاسم وأشهب. وذكر ابن المواز أن ابن وهب روى عن مالك أن العبد لا يتزوج إلا اثنتين، قال وهو قول الليث. قال أبو عمر: قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد: لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين، وبه قال أحمد وإسحاق. وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف في العبد لا ينكح أكثر من اثنتين، ولا أعلم لهم مخالفاً من الصحابة. وهو قول الشعبي وعطاء وابن سيرين، والحكم وإبراهيم وحماد. والحجة لهذا القول القياس الصحيح على طلاقه وحده. وكل من قال حده نصف حد الحر، وطلاقه تطليقتان وإيلاؤه شهران، ونحو ذلك من أحكامه فغير بعيد أن يقال: تناقض في قوله ينكح أربعاً والله أعلم .

يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة, وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم, ولهذا قال: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" قال سفيان الثوري عن أبي صالح: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك. وقال سعيد بن جبير: لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم, يقول: لا تبذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام. وقال سعيد بن المسيب والزهري: لا تعط مهزولاً وتأخذ سميناً. وقال إبراهيم النخعي والضحاك: لا تعط زائفاً وتأخذ جيداً. وقال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم, ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول: شاة بشاة, ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم. وقوله "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" قال مجاهد وسعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين: أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعاً. وقوله: "إنه كان حوباً كبيراً" قال ابن عباس: أي إثماً كبيراً عظيماً. وروى ابن مردويه عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله "حوباً كبيراً" قال: "إثماً كبيراً" ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكديمي وهو ضعيف وروي هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي في سنن أبي داود "اغفر لنا حوبنا وخطايانا". وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى أبي عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس, أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوباً" قال ابن سيرين: الحوب الإثم, ثم قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي حدثنا بشر بن موسى, حدثنا هوذة بن خليفة, حدثنا عوف عن أنس أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب, فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن طلاق أم أيوب لحوب" فأمسكها, ثم روى ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث علي بن عاصم عن حميد الطويل, سمعت أنس بن مالك أيضاً يقول: أراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن طلاق أم سليم لحوب" فكف. والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه. وقوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ", أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء, فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه. وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج, أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق, وكان يمسكها عليه, ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه " وإن خفتم أن لا تقسطوا " أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. ثم قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله. حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ", قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها, فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره, فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن. ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق, وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاية فأنزل الله "ويستفتونك في النساء", قالت عائشة: وقول الله في الاية الأخرى "وترغبون أن تنكحوهن" رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال, فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال. وقوله: "مثنى وثلاث ورباع" أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين وإن شاء ثلاثاً, وإن شاء أربعاً. كما قال الله تعالى: "جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع" أي منهم من له جناحان, ومنهم من له ثلاثة, ومنهم من له أربعة, ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه, بخلاف قصر الرجال على أربع, فمن هذه الاية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء, لأن المقام مقام امتنان وإباحة, فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة, وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة, أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع. وقال بعضهم: بلا حصر. وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيحين, وأما إحدى عشرة كما جاء في بعض ألفاظ البخاري: وقد علقه البخاري وقد روينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة, ودخل منهن بثلاث عشرة, واجتمع عنده إحدى عشرة, ومات عن تسع. وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع, ولنذكر الأحاديث في ذلك, قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا معمر عن الزهري, قال ابن جعفر في حديثه: أنبأنا ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اختر منهن أربعاً" فلما كان في عهد عمر طلق نساءه, وقسم ماله بين بنيه, فبلغ ذلك عمر فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك, ولعلك لا تمكث إلا قليلا. وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك ولامرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال. وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرهم, من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس, وعبد الرحمن بن محمد المحاربي, والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ, عن معمر بإسناده مثله إلى قوله: "اختر منهن أربعاً" وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد, وهي زيادة حسنة وهي مضعفة لما علل به البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي حيث قال بعد روايته له سمعت البخاري يقول: هذا الحديث غير محفوظ. والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري. حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة ـ فذكره. قال البخاري: وإنما حديث الزهري عن سالم, عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال. وهذا التعليل فيه نظر, والله أعلم ـ وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلاً. وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلاً. قال أبو زرعة: وهو أصح. وقال البيهقي: ورواه عقيل عن الزهري: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد. وقال أبو حاتم: وهذا وهم إنما هو الزهري, عن محمد بن سويد. بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فذكره. قال البيهقي: ورواه يونس وابن عيينة عن الزهري عن محمد بن أبي سويد وهذا كما علله البخاري وهذا الإسناد الذي قدمناه من مسند الإمام أحمد, رجاله ثقات على شرط الشيخين ثم قد روي من غير طريق معمر بل والزهري. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا أبو علي الحافظ, حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي, حدثنا أبو بريد عمرو بن يزيد الجرمي, أخبرنا سيف بن عبيد الله حدثنا سرار بن مجشر, عن أيوب, عن نافع وسالم, عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة فأسلم وأسلمن معه, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً. هكذا أخرجه النسائي في سننه, قال أبو علي بن السكن: تفرد به سرار بن مجشر وهو ثقة. وكذا وثقه ابن معين قال أبو علي: وكذا رواه السميدع بن واهب عن سرار. قال البيهقي: وروينا من حديث قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس, وعروة بن مسعود الثقفي وصفوان بن أمية يعني حديث غيلان بن سلمة. فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوغ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن معه فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال, فإذا كان هذا في الدوام, ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب, (حديث آخر في ذلك) روى أبو داود وابن ماجه في سننهما من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل وعند ابن ماجه بنت الشمردل, حكى أبو داود أن منهم من يقول الشمرذل بالذال المعجمة عن قيس بن الحارث, وعند أبي داود في رواية الحارث بن قيس بن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اختر منهن أربعاً", وهذا الإسناد حسن: ومجرد هذا الاختلاف لا يضر مثله لما للحديث من الشواهد. (حديث آخر في ذلك) قال الشافعي في مسنده: أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية الديلي رضي الله عنه, قال: أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى" فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها. فهذه كلها شواهد بصحة ما تقدم من حديث غيلان كما قاله البيهقي رحمه الله. وقوله: " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ", أي فإن خشيتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن, كما قال تعالى, " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري فإنه لا يجب قسم بينهن, ولكن يستحب فمن فعل فحسن, ومن لا فلا حرج, وقوله: " ذلك أدنى أن لا تعولوا " قال بعضهم ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم, قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشافعي رحمهم الله, وهو مأخوذ من قوله تعالى: "وإن خفتم عيلة" أي فقراً "فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء" وقال الشاعر:
فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وتقول العرب: عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر ولكن في هذا التفسير ههنا نظر, فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراري أيضاً والصحيح قول الجمهور " ذلك أدنى أن لا تعولوا " أي لا تجوروا, يقال: عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار, وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة:
بميزان قسط لا يخيس شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل
وقال هشيم عن أبي إسحاق قال: كتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان لا أعول. رواه ابن جرير, وقد روى ابن أبي حاتم وأبو حاتم ابن مردويه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم, حدثنا محمد بن شعيب عن عمر بن محمد بن زيد عن عبد الله بن عمر عن هشام بن عروة, عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ذلك أدنى أن لا تعولوا " قال: "لا تجوروا" قال ابن أبي حاتم: قال أبي, هذا حديث خطأ, والصحيح: عن عائشة موقوف, وقال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس وعائشة ومجاهد وعكرمة والحسن وأبي مالك وأبي رزين والنخعي والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان أنهم قالوا: لا تميلوا, وقد استشهد عكرمة رحمه الله ببيت أبي طالب الذي قدمناه, ولكن ما أنشده كما هو المروي في السيرة, وقد رواه ابن جرير ثم أنشده جيداً واختار ذلك. وقوله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: النحلة المهر, وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة: نحلة فريضة, وقال مقاتل وقتادة وابن جريج: نحلة أي فريضة. زاد ابن جريج: مسماة, وقال ابن زيد: النحلة في كلام العرب: الواجب, يقول: لا تنكحها إلا بشيء واجب لها, وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب, ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذباً بغير حق, ومضمون كلامهم: أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتماً, وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنع المنيحة ويعطي النحلة طيباً بها كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيباً بذلك فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالاً طيباً, ولهذا قال: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن السدي عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة عن علي قال: إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك فليبتع بها عسلاً ثم ليأخذ ماء السماء فيجتمع هنيئاً مريئاً شفاء مباركاً. وقال هشيم عن سيار عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك, ونزل "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي, حدثنا وكيع عن سفيان عن عمير الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن بن البيلماني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" قالوا: يا رسول الله فما العلائق بينهم ؟ قال: "ما تراضى عليه أهلوهم" وقد روى ابن مردويه من طريق حجاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمر بن الخطاب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنكحوا الأيامى ـ ثلاثا ـ" فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ما العلائق بينهم ؟ قال: "ماتراضى عليه أهلوهم" ابن البيلماني ضعيف ثم فيه انقطاع أيضاً.
قوله 3- " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا " وجه ارتباط الجزاء بالشرط أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه ولياً لها ويريد أن يتزوجها فلا يقسط لها في مهرها: أي يعدل فيه ويعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج، فنهاهم الله أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى ما هو لهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى ما هو لهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، فهذا سبب نزول الآية كما سيأتي، فهو نهي يخص هذه الصورة. وقال جماعة من السلف: إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء، فقصرهم بهذه الآية على أربع، فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا ألا يقسطوا في اليتامى فكذلك يخافون ألا يقسطوا في النساء، لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء والخوف من الأضداد، فإن المخوف قد يكون معلوماً، وقد يكون مظنوناً، ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية، فقال أبو عبيدة: "خفتم" بمعنى أيقنتم. وقال آخرون "خفتم" بمعنى ظننتم. قال ابن عطية: وهو الذي اختاره الحذاق وأنه على بابه من الظن لا من اليقين، والمعنى: من غلب على ظنه التقصير في العدل لليتيمة فليتركها وينكح غيرها. وقرأ النخعي وابن وثاب "تقسطوا" بفتح التاء من قسط: إذا جار، فتكون هذه القراءة على تقدير زيادة لا، كأنه قال: وإن خفتم أن تقسطوا. وحكى الزجاج أن أقسط يستعمل استعمال قسط، والمعروف عند أهل اللغة أن أقسط بمعنى عدل، وقسط بمعنى جار، وما في قوله "ما طاب" موصولة، وجاء بما مكان من لأنهما قد يتعاقبان فيقع كل واحد منهما مكان الآخر كما في قوله "والسماء وما بناها" " فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ". وقال البصريون: إن ما تقع للنعوت كما تقع لما لا يعقل، يقال ما عندك، فيقال: ظريف وكريم، فالمعنى: فانكحوا الطيب من النساء: أي الحلال، وما حرمه الله فليس بطيب، وقيل: إن ما هنا مدية: أي ما دمتم مستحسنين للنكاح، وضعفه ابن عطية. وقال الفراء: إن ما ها هنا مصدرية. قال النحاس: وهذا بعيد جداً. وقرأ ابن أبي عبلة "فانكحوا ما طاب". وقد اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له، وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة، ومن في قوله "من النساء" إما بيانية أو تبعيضية، لأن المراد غير اليتائم. قوله "مثنى وثلاث ورباع" في محل نصب على البدل من ما كما قاله أبو علي الفارسي، وقيل على الحال، وهذه الألفاظ لا تتصرف للعدل والوصفية كما هو مبين في علم النحو والأصل: انكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً.
وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع، وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة، وأن كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد، كما يقال للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، أو هذا المال الذي في البدرة درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته أو عين مكانه، أما لو كان مطلقاً كما يقال: اقتسموا الدراهم، ويراد به ما كسبوه فليس المعنى هكذا. والآية من الباب الآخر لا من الباب الأول. على أن من قال لقوم يقتسمون مالاً معيناً كثيراً: اقتسموه مثنى وثلاث ورباع، فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وبعضه أربعة أربعة كان هذا هو المعنى العربي، ومعلوم أنه إذا قال القائل جاءني القوم مثنى وهم مائة ألف، كان المعنى أنهم جاؤوه اثنين اثنين، وهكذا في جاء القوم ثلاث ورباع، والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد كما في قوله "اقتلوا المشركين" "أقيموا الصلاة" "آتوا الزكاة" ونحوها، فقوله "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" معناه لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، هذا ما تقتضيه لغة العرب. فالآية تدل على خلاف ما استدلوا بها عليه، ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة " فإنه وإن كان خطاباً للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد. فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن.
وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة، فكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربي، ولو قال: انكحوا اثنتين وثلاثاً وأربعاً كان هذا القول له وجه وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا، وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون أو، لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره، وذلك ليس بمراد من النظم القرآني. وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب ثلث وربع بغير ألف. قوله " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة " فانكحوا واحدة كما يدل على ذلك قوله "فانكحوا ما طاب" وقيل: التقدير فالزموا أو فاختاروا واحدة. والأول أولى، والمعنى: فإن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجات في القسم ونحوه فانكحوا واحدة، وفيه المنع من الزيادة على الواحدة لمن خاف ذلك. وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف. قال الكسائي: أي فواحدة تقنع، وقيل التقدير: فواحدة فيها كفاية، ويجوز أن تكون واحدة على قراءة الرفع خبر مبتدأ محذوف: أي فالمقنع واحدة. قوله "أو ما ملكت أيمانكم" معطوف على واحدة: أي فانكحوا واحدة أو انكحوا ما ملكت أيمانكم من السراري وإن كثر عددهن كما يفيده الموصول. والمراد نكاحهن بطريق الملك لا بطريق النكاح، وفيه دليل على أنه لا حق للمملوكات في القسم كما يدل على ذلك جعله قسيماً للواحدة في الأمن من عدم العدل، وإسناد الملك إلى اليمين، لكونها المباشرة لقبض الأموال وإقباضها ولسائر الأمور التي تنسب إلى الشخص في الغالب، ومنه:
إذا ما راية نصبت لمجد تلقاها عرابة باليمين
قوله " ذلك أدنى أن لا تعولوا " أي: ذلك أقرب إلى ألا تعولوا: أي تجوروا، من عال الرجل يعول: إذا مال وجار، ومنه قولهم عال السهم عن الهدف: مال عنه، وعال الميزان إذا مال، ومنه:
قالوا اتبعنا رسول الله واطرحوا قول الرسول وعالوا في الموازين
ومنه قول أبي طالب:
بميزان صدق لا يغل شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل
ومنه أيضاً:
فنحن ثلاثة وثلاث ذود لقد عال الزمان على عيال
والمعنى: إن خفتم عدم العدل بين الزوجات، فهذه التي أمرتم بها أقرب إلى عدم الجور، ويقال: عال الرجل يعيل: إذا افتقر وصار عالة، ومنه قوله تعالى "وإن خفتم عيلة"، ومنه قول الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وقال الشافعي " أن لا تعولوا " ألا تكثر عيالكم. قال الثعلبي: وما قال هذا غيره، وإنما يقال أعال يعيل: إذا كثر عياله. وذكر ابن العربي أن عال تأتي لسبعة معان: الأول عال مال. الثاني زاد. الثالث جار. الرابع افتقر. الخامس أثقل. السادس قام بمؤونة العيال، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "وابدأ بمن تعول". السابع عال غلب، ومنه عيل صبري، قال ويقال أعال الرجل: كثر عياله. وأما عال بمعنى كثر عياله فلا يصح، ويجاب عن إنكار الثعلبي لما قاله الشافعي، وكذلك إنكار ابن العربي لذلك، بأنه قد سبق الشافعي إلى القول به زيد بن أسلم وجابر بن زيد وهما إمامان من أئمة المسلمين لا يفسران القرآن هما والإمام الشافعي بما لا وجه له في العربية. وقد أخرج ذلك عنهما الدارقطني في سننه. وقد حكاه القرطبي عن الكسائي وأبي عمر الدوري وابن الأعرابي، وقال أبو حاتم: كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا ولعله لغة. وقال الثعلبي: قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب: سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماماً في اللغة غير مدافع، فقال: هي لغة حمير، وأنشد:
وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أمشى وعالا
أي: وإن كثرت ماشيته وعياله. وقرأ طلحة بن مصرف " أن لا تعبدوا " قال ابن عطية: وقدح الزجاج في تأويل عال من العيال بأن الله سبحانه قد أباح كثرة السراري، وفي ذلك تكثير العيال، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثروا، وهذا القدح غير صحيح، لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع، وإنما العيال الحرائر ذوات الحقوق الواجبة. وقد حكى ابن الأعرابي أن العرب تقول: عال الرجل إذا كثر عياله، وكفى بهذا.
وقد ورد عال لمعان غير السبعة التي ذكرها ابن العربي، منها عال: اشتد وتفاقم، حكاه الجوهري، وعال الرجل في الأرض: إذا ضرب فيها، حكاه الهروي، وعال: إذا أعجز، حكاه الأحمر، فهذه ثلاثة معان غير السبعة، والرابع عال كثر عياله، فجملة معاني عال أحد عشر معنى.
3-وقوله تعالى:" وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع "والآية : اختلفوا في تأويلهم ، فقال بعضهم : معناه إن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن إذا نكحتموهن فانكحوا غيرهن من الغرائب مثنى وثلاث ورباع.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عنالزهريقال: كان عروة بن الزبير يحدث أنه سأل عائشة رضي الله عنها " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء "قالت: هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها ، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء، قالت عائشة رضي الله عنها: ثم استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى:"ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن" إلى قوله تعالى " وترغبون أن تنكحوهن"، فبين الله تعالى في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال أو مال، رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء،قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها.
قالالحسن: كان الرجل من أهل المدينة يكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لأجل مالها وهي لا تعجبه كراهية ان يدخله غريب فيشاركه في مالها ، ثم يسيء صحبتها ويتربص بها أن نموت ويرثها، فعاب الله تعالى ذلك ، وأنزل الله هذه الآية.
وقال عكرمة: كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء والأكثر فإذا صار معدماً من مؤن نسائه مال إلى يتيمه الذي في حجره فأنفقه ، فقيل لهم: لا تزيدوا على أربع حتى لا يحوجكم إلى أخذ أموال اليتامى، وهذه رواية طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال بعضهم: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء، فيتزوجون ما شاؤوا وربما عدلوا وربما لم يعدلوا، فلما أنزل الله تعالى في أموال اليتامى "وآتوا اليتامى أموالهم " أنزل هذه الآية " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " يقول كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء في الضعف كاليتامى، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي، ثم رخص في نكاح أربع فقال:" فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا "فيهن"فواحدة" ، وقالمجاهد: معناه إن تحرجتم من ولاية اليتامى وأموالهم إيماناً فكذلك تحرجوا من الزنا فانكحوا النساء الحلال نكاحاً طيباً ثم بين لهم عدداً، وكانوا يتزوجون ماشاؤوا من غير عدد، قوله تعالى"فانكحوا ما طاب لكم من النساء" أي: من طاب كقوله تعالى:"والسماء وما بناها"(الشمس -5) أي ومن بناها " قال فرعون وما رب العالمين"(الشعراء-23) والعرب تضعمن وما كل واحدة موضع الأخرى ، كقوله تعالى "فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين" (النور-45) ، وطاب أي: حل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، معدولات عن اثنين وثلاث، وأربع ، ولذلك لا ينصرفن ، والواو بمعنى أو ، للتخيير، كقوله تعالى"أن تقوموا لله مثنى وفرادى" (سبأ-46) :" أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع "(غافر-1) وهذا إجماع أن أحداً من الأمة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة، وكانت الزيادة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، لا مشاركة معه لأحد من الأمة فيها ، وروي "أن قيس بن الحارث كان تحته ثمان نسوة فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :طلق أربعاً وأمسك أربعاً قال فجعلت أقول للمرأة التي لم تلد يا فلانة أدبري والتي قد ولدت يا فلانة أقبلي" وروي "أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشرة نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعاً وفارق سائرهن".
وإذا جمع الحر بين أربع نسوة حرائر يجوز، فأما العبد فلا يجوز له أن ينكح أكثر من امرأتين عند أكثر أهل العلم أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد الخطيب أناعبد العزيز أحمد الخلال أناأبو العباس الأصم أناالربيع أنا الشافعي أناسفيان عنمحمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عنسليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ينكح العبد امرأتين ويطلق طلقتين وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تكن تحيض فبشهرين أو شهر ونصف) وقال ربيعة: يجوز للعبد أن ينكح أربع نسوة كالحر.
"فإن خفتم"، خشيتم، وقيل: علمتم، " أن لا تعدلوا "، بين الأزواج الأربع، "فواحدة" أي: فانكحوا واحدةً. وقرأ أبو جعفر" فواحدة " بالرفع، "أو ما ملكت أيمانكم"، يعني السراري لا يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم في الحرائر،ولا قسم لهن، ولا وقف في عددهن، وذكر الأيمان بيان، تقديره: أو ما ملكتم، وقال بعض أهل المعاني: أو ما ملكت أيمانكم أي: ما ينفذ فيه أقاسمكم ، جعله من يمين الحلف ، لا يمين الجارحة "ذلك أدنى"،أقرب، " أن لا تعولوا " أي: لا تجوروا ولا تميلوا، يقال: ميزان عائل،أي: جائر مائل، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال مجاهد :أن لا تضلوا ، وقال الفراء : أن لا تجاوزوا ما فرض الله عليكم ، وأصل العول: المجاوزة ، ومنه عول الفرائض، وقال الشافعي رحمه الله ، أن لا تكثر عيالكم ، وما قاله أحد إنما يقال من كثرة العيال: أعال يعيل إعالة ، إذا كثر عياله ، وقال أبو حاتم : كان الشافعي رضي الله عنه أعلم بلسان العرب منا ولعله لغة ، ويقال: هي لغة حمير، وقرأ طلحة بن مصرف " أن لا تعولوا " وهي حجة لقول الشافعي رضوان الله عليه.
3" وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " أي إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن، فتزوجوا ما طاب لكم من غيرهن. إذ كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال فيتزوجها ضناً بها، فربما يجتمع عنده منهن عدد ولا يقدر على القيام بحقوقهن. أو إن خفتم أن لا تعدلوا في حقوق اليتامى فتحرجتم منها فخافوا أيضاً أن لا تعدلوا بين النساء فانكحوا مقداراً يمكنكم الوفاء بحقه، لأن المتحرج من الذنب ينبغي أن يتحرج من الذنوب كلها على ما روي: أنه تعالى لما عظم أمر اليتامى تحرجوا من ولاية اليتامى ولا يتحرجون من الزنى، فقيل لهم إن خفتم أن لا تعدلوا في أمر اليتامى فخافوا الزنى، فانكحوا ما حل لكم. وإنما عبر عنهن بما ذهاباً إلى إجراء لهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن، ونظيره " أو ما ملكت أيمانكم " وقرئ " تقسطوا " بفتح التاء على أن " لا " مزيدة أي إن خفتم أن تجوروا. " مثنى وثلاث ورباع " معدولة عن أعداد مكررة وهي: ثنتين ثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً. وهي غير منصرفة للعدل والصفة فإنها بنيت صفات وإن كانت أصولها لم تبن لها. وقيل لتكرير العدل فإنها معدولة باعتبار الصفة والتكرير منصوبة على الحال من فاعل طاب ومعناها: الإذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه ومختلفين كقولك: اقتسموا هذه البدرة درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، ولو أفردت كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التوزيع ولو ذكرت بأو لذهب تجويز الاختلاف في العدد. " فإن خفتم أن لا تعدلوا " بين هذه الأعداد أيضاً. " فواحدة " فاختاروا أو فانكحوا واحدة وذروا الجمع. وقرئ بالرفع على أنه فاعل محذوف أو خبره تقديره فتكفيكم واحدة، أو فالمقنع واحدة. " أو ما ملكت أيمانكم " سوى بين الواحدة من الأزواج والعدد من السراري لخفة مؤنهن وعدم وجوب القسم بينهن " ذلك " أي التقليل منهن أو اختيار الواحدة أو التسري. " أدنى أن لا تعولوا " أقرب من أن لا تميلوا، يقال عال الميزان إذا مال وعال الحاكم إذا جار، وعول الفريضة إذا الميل عن حد السهام المسماة. وفسر بأن لا تكثر عيالكم على أنه من عال الرجل عياله يعولهم إذا مانهم، فعبر عن كثرة العيال بكثرة المؤمن على الكناية. ويؤيده قراءة " فلا تميلوا " من أعال الرجل إذا كثر عياله، ولعل المراد بالعيال الأزواج وإن أريد الأولاد فلأن التسري مظنة قلة الولد بالإضافة إلى التزوج لجواز العزل فيه كتزوج الواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع.
3. And if ye fear that ye will not deal fairly by the orphans, marry of the women, who seem good to you, two or three or four; and if ye fear that ye cannot do justice (to so many) then one (only) or (the captives) that your right hands possess. Thus it is more likely that ye will not do injustice.
3 - If ye fear that ye shall not be able to deal justly with the orphans, marry women of your choice, two, or three, or four; but if ye fear that ye shall not be able to deal justly (with them). then only one, or (a captive) that your right hands possess. that will be more suitable, to prevent you from doing injustice.