[النساء : 135] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين) قائمين (بالقسط) بالعدل (شهداء) بالحق (لله ولو) كانت الشهادة (على أنفسكم) فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق ولا تكتموه (أو) على (الوالدين والأقربين إن يكن) المشهود عليه (غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) منكم وأعلم بمصالحهما (فلا تتبعوا الهوى) في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له (أن) لا (تعدلوا) تميلوا عن الحق (وإن تلووا) تحرفوا الشهادة ، وفي قراءة {تلُوا} بحذف الواو الأولى تخفيفا (أو تعرضوا) عن أدائها (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) فيجازيكم به
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين الآية أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال لما نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم اختصم اليه رجلان غني وفقير وكان صلى الله عليه وسلم مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغنى والفقر
وهذا تقدم من الله تعالى ذكره إلى عباده المؤمنين به وبرسوله : أن يفعلوا فعل الذين سعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر بني أبيرق أن يقوم بالعذر لهم في أصحابه ، وذبهم عنهم ، وتحسينهم أمرهم بأنهم أهل فاقة وفقر. يقول الله لهم : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط"، يقول : ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام بالقسط - يعني : بالعدل - "شهداء لله".
و الشهداء جمع شهيد.
ونصبت الشهداء على القطع مما في قوله : "قوامين" من ذكر "الذين آمنوا"، ومعناه : قوموا بالقسط لله عند شهادتكم - أو: حين شهادتكم . "ولو على أنفسكم"، يقول : ولو كانت شهادتكم على أنفسكم ، أو على والدين لكم أو أقربيكم ، فقوموا فيها بالقسط والعدل ، وأقيموها على صحتها بأن تقولوا فيها الحق ، ولا تميلوا فيها لغني لغناه على فقير، ولا لفقير لفقره على غني ، فتجوروا. فإن الله الذي سوى بين حكم الغني والفقير فيما ألزمكم ، أيها الناس ، من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل ، "أولى بهما"، وأحق منكم ، لأنه مالكهما وأولى بهما دونكم ، فهو أعلم بما فيه مصلحة كل واحد منهما في ذلك وفي غيره من الأمور كلها منكم ، فلذلك أمركم بالتسوية بينهما في الشهادة لهما وعليهما، "فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، يقول : فلا تتبعوا أهواء أنفسكم في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها- لغني على فقير، أو لفقير على غني - إلى أحد الفريقين ، فتقولوا غير الحق ، ولكن قوموا فيه بالقسط ، وأذوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها، بالعدل لمن شهدتم له وعليه. فإن قال قائل : وكيف يقوم بالشهادة على نفسه الشاهد بم القسط ؟ وهل يشهد الشاهد على نفسه ؟ قيل : نعم ، وذلك أن يكون عليه حق لغيره فيقر له به ، فذلك قيام منه له بالشهادة على نفسه.
قال أبو جعفر: وهذه الآية عندي تأديب من الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن يفعلوا ما فعله الدين عذروا بني أبيرق ، في سرقتهم ما سرقوا، وخيانتهم ما خانوا ممن ذكر قبل ، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم لهم عنده بالصلاح. فقال لهم : إذا قمتم بالشهادة لإنسان أو عليه ، فقولوا فيها بالعدل ، ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآبائكم وأقربائكم ، ولا يحملنكم غنى من شهدتم له أو فقره أو قرابته ورحمه منكم ، على الشهادة له بالزور، ولا على ترك الشهادة عليه بالحق وكتمانها.
وقد قيل إنها نزلت تأديبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله"، قال : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم، واختصم إليه رجلان : غني وفقير، وكان ضلعه مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغني ، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير، فقال : "إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، الآية.
وقال آخرون في ذلك نحو قولنا: إنها نزلت في الشهادة، أمراً من الله المؤمنين أن يسووا- في قيامهم بشهاداتهم - لمن قاموا بها، بين الغني والفقير.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين"، قال: أمر الله المؤمنين أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم ، ولا يحابوا غنيا لغناه ، ولا يرحموا مسكيناً لمسكنته ، وذلك قوله : "إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، فتذروا ا لحق ، فتجوروا. حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن يونس ، عن ابن شهاب في شهادة الوالد لولده وذي القرابة قال : كان ذلك فيما مضى من السنة في سلف المسلمين ، وكانوا يتأولون في ذلك قول الله : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما" الآية، فلم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده ، ولا الولد لوالده ، ولا الأخ لأخيه ، ولا الرجل لامرأته ، ثم دخل الناس بعد ذلك ، فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم ، فتركت شهادة من يتهم ، إذا كانت من أقربائهم ، وصار ذلك من الولد والوالد، والأخ والزوج والمرأة، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله"، إلى آخر الآية، قال : لا يحملك فقر هذا على أن ترحمه فلا تقيم عليه الشهادة. قال : يقول هذا للشاهد.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله" الآية، هذا في الشهادة. فأقم الشهادة، يا ابن آدم ، ولو على نفسك ، أو الوالدين ، أو على ذوي قرابتك ، أو شرف قومك. فإنما الشهادة لله وليست للناس ، وإن الله رضي العدل لنفسه ، والإقساط والعدل ميزان الله في الأرض ، به يرد الله من الشديد على الضيف ، ومن الكاذب على الصادق ، ومن المبطل على المحق. وبالعدل يصدق الصادق ، ويكذب الكاذب ، ويرد المعتدي ويرنخه تعالى ربنا وتبارك. وبالعدل يصلح الناس ، يا ابن آدم ، "إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما"، يقول : أولى بغنيكم وفقيركم. قال : وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام قال : يا رب ، أي شيء وضعت في الأرض أقل؟، قال : العدل أقل ما وضعت في الأرض. فلا يمنعك غنى غني ولا فقر فقير أن تشهد عليه بما تعلم ، فإن ذلك عليك من الحق ، وقال جل ثناؤه : "فالله أولى بهما".
وقد قيل : "إن يكن غنيا أو فقيرا"، الآية، أريد: فالله أولى بغنى الغني وفقر الفقير. لأن ذلك منه لا من غيره ، فلذلك قال : "بهما"، ولم يقل به.
وقال آخرون : إنما قيل : "بهما"، لأنه قال : "إن يكن غنيا أو فقيرا"، فلم يقصد فقيراً بعينه ولا غنياً بعينه ، وهو مجهول. وإذا كان مجهولاً جاز الرد منه بالتوحيد والتثنية والجمع.
وذكر قائلو هذا القول ، أنه في قراءة أبي : فالله أولى بهم.
وقال آخرون : أو بمعنى الواو في هذا الموضع.
وقال آخرون : جاز تثنية قوله : "بهما"، لأنهما قد ذكرا، كما قيل. "وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما" [النساء:12].
وقيل : جاز، لأنه أضمر فيه من ، كأنه قيل : إن يكن من خاصم غنياً أو فقيراً- بمعنى : غنيين أو فقيرين - "فالله أولى بهما".
وتأويل قوله : "فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، أي : عن الحق ، فتجوروا بترك إقامة الشهادة بالحق. ولو وجه إلى أن معناه : فلا تتبعوا أهواء أنفسكم هرباً من أن تعدلوا عن الحق في إقامة الشهادة بالقسط ، لكان وجهاً.
وقد قيل : معنى ذلك: فلا تتبعوا الهوى لتعدلوا، كما يقال : لا تتبع هواك لترضي ربك، بمعنى : أنهاك عنه ، كما ترضي ربك بتركه.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : عنى : "وإن تلووا"، أيها الحكام ، في الحكم لأحد الخصمين على الآخر، "أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا".
ووجهوا معنى الآية إلى أنها نزلت في الحكام ، على نحو القول الذي ذكرنا عن السدي من قوله : إن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا قبل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا، حدثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قول الله : "وإن تلووا أو تعرضوا"، قال : هما الرجلان يجلسان بين يدي القاضي ، فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر. وقال آخرون : معنى ذلك : وإن تلووا، أيها الشهداء، في شهاداتكم فتحرفوها ولا تقيموها، أو تعرضوا عنها فتتركوها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "وإن تلووا أو تعرضوا"، يقول : إن تلووا بألسنتكم بالشهادة، أو تعرضوا عنها.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله"، إلى قوله : "وإن تلووا أو تعرضوا"، يقول : تلوي لسانك بغير الحق ، وهي اللجلجة، فلا تقيم الشهادة على وجهها. والإعراض، الترك.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله : "وإن تلووا"، أي تبدلوا الشهادة، "أو تعرضوا"، قال : تكتموها.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وإن تلووا"، قال : بتبديل الشهادة ، و الإعراض كتمانها. حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "وإن تلووا أو تعرضوا"، قال : إن تحرفوا أو تتركوا.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "وإن تلووا أو تعرضوا"، قال : تلجلجوا، أو تكتموا. وهذا في الشهادة.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وإن تلووا أو تعرضوا"، أما "تلووا"، فتلوي للشهادة فتحرفها حتى لا تقيمها، وأما "تعرضوا"، فتعرض عنها فتكتمها، وتقول : ليس عندي شهادة!
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: "وإن تلووا"، فتكتموا الشهادة، يلوي ببعض منها، أو يعرض عنها فيكتمها، فيأبى أن يشهد عليه ، يقول : أكتم عنه لأنه مسكين أرحمه! فيقول : لا أقيم الشهادة عليه. وبقول : هذا غني أبقيه وأرجو ما قبله ، فلا أشهد عليه! فذلك قوله : "إن يكن غنيا أو فقيرا".
حدثناابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وإن تلووا"، تحرفوا ، "أو تعرضوا"، تتركوا.
حدثنا محمد بن عمارة قال ، حدثنا حسن بن عطية قال ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : "وإن تلووا"، قال : إن تلجلجوا في الشهادة فتفسدوها، "أو تعرضوا"، قال : تتركوها.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر، عن الضحاك في قوله : "وإن تلووا أو تعرضوا"، قال : إن تلووا في الشهادة، أن لا تقيمها على وجهها، "أو تعرضوا"، قال : تكتموا الشهادة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال ، حدثنا شيبان ، أنه كان يقول : "وإن تلووا أو تعرضوا"، يعني : تلجلجوا، "أو تعرضوا"، قال : تدعها فلا تشهد.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "وإن تلووا أو تعرضوا"، أما "تلووا"، فهو أن يلوي الرجل لسانه بغير الحق. يعني : في الشهادة.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، تأويل من تأوله ، أنه لي الشاهد شهادته لمن يشهد له وعليه ، وذلك تحريفه إياها بلسانه ، وتركه إقامتها، ليبطل بذلك شهادته لمن شهد له ، وعمن شهد عليه.
وأما إعراضه عنها، فإنه تركه أداءها والقيام بها، فلا يشهد بها.
وإنما قلنا: هذا التأويل أولى بالصواب ، لأن الله جل ثناؤه قال : "كونوا قوامين بالقسط شهداء"، فأمرهم بالقيام بالعدل شهداء. وأظهر معاني الشهداء، ما ذكرنا من وصفهم بالشهادة.
واختلفت القرأة في قراءة قوله : "وإن تلووا".
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار سوى الكوفة : "وإن تلووا" بواوين: من : لواني الرجل حقي ، والقوم يلووني دين - وذلك إذا مطلوه - ليا.
وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة : وإن تلووا بواو واحدة.
ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان:
أحدهما : أن يكون قارئها أراد همز الواو لانضمامها، ثم أسقط الهمز، فصار إعراب الهمز في اللام إذ أسقطه ، وبقيت واو واحدة. كأنه أراد :تلووا ثم حذف الهمز. وإذا عني هذا الوجه ، كان معناه معنى من قرأ : "وإن تلووا"، بواوين ، غير أنه خالف المعروف من كلام العرب. وذلك أن الواو الثانية من قوله :"تلووا" واو جمع ، وهي علم لمعنى، فلا يصح همزها، ثم حذفها بعد همزها، فيبطل علم المعنى الذي له أدخلت الواو المحذوفة.
والوجه الآخر: أن يكون قارئها كذلك ، أراد: أن تلوا من الولاية، فيكون معناه: وأن تلوا أمور الناس وتتركوا. وهذا معنى - إذا وجه القارىء قراءته على ما وصفنا، إليه - خارج عن معاني أهل التأويل ، وما وجه إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون، تأويل الآية.
قال أبو جعفر: فإذ كان فساد ذلك واضحاً من كلا وجهيه ، فالصواب من القراءة الذي لا يصلح غيره أن يقرأ به عندنا : "وإن تلووا أو تعرضوا"، بمعنى : اللي الذي هو مطل.
فيكون تأويل الكلام : وإن تدفعوا القيام بالشهادة على وجهها لمن لزمكم القيام له بها، فتغيروها وتبدلوا، أو تعرضوا عنها فتتركوا القيام له بها، كما يلوي الرجل دين الرجل فيدافعه بأدائه إليه على ما وجب عليه له مطلاً له، كما قال الأعشى:
يلوينني ديني النهار، وأقتضي ديني إذا وقذ النعاس الرقدا
وأما تأويل قوله : "فإن الله كان بما تعملون خبيرا"، فإنه أراد: "فإن الله كان بما تعملون"، من إقامتكم الشهادة وتحريفكم إياها، وإعراضكم عنها بكتمانكموها، "خبيرا"، يعني ذا خبرة وعلم به ، يحفظ ذلك منكم عليكم ، حتى يجازيكم به جزاءكم في الآخرة، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، يقول : فاتقوا ربكم في ذلك.
فيه عشر مسائل:
الأولى- قوله تعالى:" كونوا قوامين " قوامين بناء مبالغة، أي ليتكرر منكم القيام بالقسط، وهو العدل في شهادتكم على أنفسكم، وشهادة المرء على نفسه إقراره بالحقوق عليها ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما ثم ثنى بالأقربين إذ هم مظنة المودة والتعصب، فكان الأجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه ، فجاء الكلام في السورة في حفظ حقوق الخلق في الأموال .
الثانية - لا خلاف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الآية، وأن شهادة الولد على الوالدين الأب والأم ماضية، ولا يمنع ذلك من برهما، بل من برهما أن يشهد عليهما ويخلصهما من الباطل، وهو معنى قوله تعالى :" قوا أنفسكم وأهليكم نارا " [التحريم : 6] فإن شهد لهما أو شهدا له وهي :
الثالثة- فقد اختلف فيها قديماً وحديثاً فقال ابن شهاب الزهري: كان من مضى من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالدين والأخ، ويتأولون في ذلك قول الله تعالى : " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " فلم يكن أحد يتهم في ذلك من السلف الصالح رضوان الله عليهم. ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم فتركت شهادة من يتهم وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والزوجة، وهو مذهب الحسن والنخعي والشعبي وشريح ومالك والثوري والشافعي وابن حنبل، وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً، وروى عن عمر بن الخطاب أنه أجازه، وكذلك روي عن عمر بن عبد العزيز، وبه قال إسحاق والثوري والمزني، ومذهب مالك جواز شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلاً إلا في النسب، وروى عنه ابن وهب أنه لا يجوز إذا كان في عياله أو نصيب من مال يرثه، وقال مالكو أبو حنيفة: شهادة الزوج لزوجته لا تقبل لتواصل منافع الأملاك بينهم وهي محل الشهادة، وقال الشافعي: تجوز شهادة الزوجين بعضها لبعض، لأنها أجنبيان وإنما بينهما عقد الزوجية وهو معرض للزوال والأصل قبول الشهادة إلا حيث خص فيما عدا المخصوص فبقي على الأصل، وهذا ضعيف فإن الزوجية توجب الحنان والمواصلة والألفة والمحبة، فالتهمة قويه ظاهرة:
وقد روى أبو داود من حديث سليمان بن موسى "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
أن رسول الله رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم"، قال الخطابي: ذو الغمر هو الذي بينه وبين المشهود عليه عداوة ظاهر، فترد شهادته عليه للتهمة وقال أبو حنيفة: شهادته على العدو مقبولة إذا كان عدلاً، والقانع السائل والمستطعم وأصل القنوع السؤال، ويقال في القانع: إنه المنقطع إلى القوم يخدمهم ويكون في حوائجهم وذلك مثل الأجير أو الوكيل ونحوه .
ومعنى رد هذه الشهادة التهمة في جر المنفعة إلى نفسه، لأن القانع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم من نفع وكل من جر إلى نفسه بشهادة نفعاً فشهادته مردودة كمن شهد لرجل على شراء دار هو شفيعها، أو كمن حكم له على رجل بدين وهو مفلس، فشهد المفلس على رجل بدين ونحوه قال الخطابي: ومن رد شهادة القانع لأهل البيت بسبب جر المنفعة فقياس قوله أن يرد شهادة الزوج لزوجته، لأن ما بينهما من التهمة في جر المنفعة أكثر، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة: والحديث حجة على من أجاز شهادة الأب لابنه، لأنه يجر به النفع لما جبل عليه من حبة والميل إليه ، ولأنه يمتلك عليه ماله، وقد "قال صلى الله عليه وسلم:
أنت ومالك لأبيك " وممن ترد شهادته عند مالك البدوي على القروي قال : إلا أن يكون في بادية أو قرية، فأما الذي يشهد في الحضر بدوياً ويدع جيرته من أهل الحضر عندي مريب وقد روى أبو داود الدارقطني "عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية " قال محمد بن عبد الحكم: تأول مالك هذا الحديث على أن المراد به الشهادة في الحقوق والأموال ولا ترد الشهادة في الدماء وما في معناها مما يطلب به الخلق وقال عامة أهل العلم: شهادة البدوي إذا كان عدلاً يقيم الشهادة على وجهها جائزة والله أعلم. وقد مضى القول في هذا في البقرة ويأتي في براءة تمامها إن شاء الله تعالى.
الرابعة -قوله تعالى :" شهداء لله " نصب على النعت ل" قوامين " وإن شئت كان خبراً بعد خبر قال النحاس: وأجود من هذين أن يكون نصباً على الحال بما في "قوامين " من ذكر الذين آمنوا، لأنه نفس المعنى، أي كونوا قوامين بالعدل عند شهادتكم قال ابن عطية: والحال فيه ضعيفة في المعنى، لأنها تخصيص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقد ولم ينصرف " شهداء" لأن فيه ألف التأنيث .
الخامسة - قوله تعالى :" لله " معناه لذات الله ولوجهه ولمرضاته وثوابه " ولو على أنفسكم " متعلق ب " شهداء " هذا هو الظاهر الذي فسر عليه الناس، وأن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق فيقر بها لأهلها، فذلك قيامه بالشهادة على نفسه، كما تقدم أدب الله جل وعز المؤمنين بهذا كما قال ابن عباس: أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم ويحتمل أن يكون قوله : " شهداء لله " معناه بالوحدانية لله ، ويتعلق قوله " ولو على أنفسكم " ب" قوامين " والتأويل الأول أبين .
السادسة - قوله تعالى :"إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما " في الكلام إضمار وهو اسم كان أي أن يكن الطالب أو المشهود عليه غنيا ً فلا يراعى لغناه ولا يخاف منه . وأن يكن فقيراً فلا يراعى إشفاقاً عليه " فالله أولى بهما " أي فيما اختار لهما من فقر وغنى قال السدي:
" اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم غني وفقير، فكان ضلعه صلى الله عليه وسلم مع الفقير ورأى أن الفقير لا يظلم الغني" فنزلت الآية .
السابعة -قوله تعالى :" فالله أولى بهما " إنما قال " بهما " ولم يقل به وإن كانت" أو " إنما تدل على الحصول الواحد ، لأن المعنى فالله أولى بكل واحد منهما، وقال الأخفش: لا تكون " أو" بمعنى الواو، أي أن يكن غنياً وفقيراً فالله أولى بالخصمين كيفما كانا وفيه ضعف وقيل: إنما قال " بهما " لأنه قد تقدم ذكرهما ، كما قال تعالى :" وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس" [ النساء : 12]
الثامنة -قوله تعالى :" فلا تتبعوا الهوى " نهي فإن اتباع الهوى مرد أي مهلك قال الله تعالى :" فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " [ص: 26] فاتباع الهوى يحمل على شهادة بغير الحق، وعلى الجور في الحكم إلى غير ذلك، وقال الشعبي: أخذ الله عز وجل على الحكام ثلاثة أشياء: ألا يتبعوا الهوى وألا يخشوا الناس ويخشوه، وألا يشتروا بآياته ثمناً قليلاً " أن تعدلوا " في موضع نصب .
التاسعة -قوله تعالى :" وإن تلووا أو تعرضوا " قرئ وإن تلوا من لويت فلاناً حقه لياً إذا دفعته به، والفعل منه لوى والأصل فيه لوى قلبت الياء ألفاً لحركتها وحركة ما قبلها والمصدر ليا والأصل لوياً، ولياناً والأصل لوياناً ثم أدغمت الواو في الياء وقال القتيبي تلوا من اللي في الشهادة والميل إلى أحد الخصمين وقرأ ابن عامر والكوفيون تلوا أراد قمتم بالأمر وأعرضتم من قولك : وليت الأمر، فيكون في الكلام معنى التوبيخ للأعراض عن القيام بالأمر: وقيل : إن معنى تلو الأعراض فالقراءة بضم اللام تفيد معنيين الولاية والإعراض والقراءة بواوين تفيد معنى واحداً وهو الإعراض وزعم بعض النحويين أن من قرأ تلو فقد لحن، لأنه لا معنى للولاية ههنا قال النحاس وغيره: وليس ليلزم هذا ولكن تكون تلوا معنى تلووا وذلك أن أصله تلووا فاستثقلت الضمة على الواو بعدها واو أخرى فألقيت الحركة على اللام وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين، وهي القراءة بإسكان اللام وواوين ذكره مكي وقال الزجاج: المعنى على قراءته وإن تلووا ثم همز الواو الأولى فصارت تلؤوا ثم خففت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام فصارت تلوا وأصلها تلووا فتتفق القرءاتان على هذا التقدير وذكره النحاس ومكي وابن العربي وغيرهم قال ابن عباس : هو في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر فاللي على هذا مطل الكلام وجره حتى يفوت فصل القضاء وإنفاذه للذي يميل القاضي إليه قال ابن عطية وقد شاهدت بعض القضاة يفعلون ذلك والله حسيب الكل وقال ابن عباس أيضاً والسدي وابن زيد والضحاك ومجاهد: هي في الشهود يلوي الشاهد الشهادة بلسانه ويحرفها فلا يقول الحق فيها أو يعرض عن أداء الحق فيها ولفظ الآية يعم القضاء والشهادة وكل إنسان مأمور بأن يعدل وفي الحديث :
" لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " قال ابن الأعرابي: عقوبته حبسه وعرضه شكايته .
العاشرة- وقد استدل بعض العلماء في رد شهادة العبد بهذه الآية فقال: جعل الله تعالى الحاكم شاهداً في هذه الآية، وذلك أدل دليل على أن العبد ليس من أهل الشهادة لأنه المقصود منه الاستقلال بهذا المهم إذا دعت الحاجة إليه، ولا يتأتى ذلك من العبد أصلاً فلذلك ردت الشهادة.
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل, فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً, ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عنه صارف, وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه, وقوله: "شهداء لله" كما قال: "وأقيموا الشهادة لله" أي ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله, فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقاً خالية من التحريف والتبديل والكتمان, ولهذا قال "ولو على أنفسكم" أي اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك, وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك, فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه. وقوله: "أو الوالدين والأقربين" أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم, فإن الحق حاكم على كل أحد.
وقوله: "إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما" أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه لفقره, الله يتولاهما بل هو أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما. وقوله: "فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا" أي فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم, بل الزموا العدل على أي حال كان, كما قال تعالى: " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ", ومن هذا القبيل قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم, فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم, فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي, ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه, وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم, فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض, وسيأتي الحديث مسنداً في سورة المائدة إن شاء الله تعالى. وقوله: "وإن تلووا أو تعرضوا" قال مجاهد وغير واحد من السلف: تلووا, أي تحرفوا الشهادة وتغيروها, واللي هو التحريف وتعمد الكذب, قال تعالى: "وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب" الاية, والإعراض هو كتمان الشهادة وتركها, قال تعالى: "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها" ولهذا توعدهم الله بقوله: "فإن الله كان بما تعملون خبيراً" أي وسيجازيكم بذلك.
قوله 135- "قوامين" صيغة مبالغة: أي ليتكرر منكم القيام بالقسط، وهو العدل في شهادتكم على أنفسكم وهو الإقرار بما عليكم من الحقوق، وأما شهادته على والديه فبأن يشهد عليهما بحق للغير، وكذلك الشهادة على الأقربين وذكر الأبوين لوجوب برهما وكونهما أحب الخلق إليه، ثم ذكر الأقربين، لأنهم مظنة المودة والتعصب، فإذا شهدوا على هؤلاء بما عليهم فالأجنبي من الناس أحرى أن يشهدوا عليه. وقد قيل: إن معنى الشهادة على النفس أن يشهد بحق على من يخشى لحوق ضرر منه على نفسه وهو بعيد. وقوله "شهداء لله" خبر بعد خبر لكان، أو حال ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث. وقال ابن عطية: الحال فيه ضعيفة في المعنى لأنها تحصص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط. وقوله "لله" أي: لمرضاته وثوابه. وقوله "ولو على أنفسكم" متعلق بشهداء، هذا المعنى الظاهر من الآية، وقيل معنى "شهداء لله" بالوحدانية فيتعلق قوله "ولو على أنفسكم" بقوامين، والأول أولى. قوله "إن يكن غنياً أو فقيراً" اسم كان مقدر: أي إن يكن المشهود عليه غنياً فلا يراعى لأجل غناه استجلاباً لنفعه وإشفاقاً عليه فيترك الشهادة عليه، أو فقيراً فلا يراعى لأجل فقره رحمة له وإشفاقاً عليه فيترك الشهادة عليه، وإنما قال "فالله أولى بهما" ولم يقل به مع أن التخيير إنما يدل على الحصول لواحد، لأن المعنى فالله أولى بكل واحد منهما وقال الأخفش: تكون أو بمعنى الواو، وقيل: إنه يجوز ذلك مع تقدم ذكرهما كما في قوله "وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس". وقد تقدم في مثل هذا ما هو أبسط مما هنا. وقرأ أبي "فالله أولى بهم". وقرأ ابن مسعود إن يكن غني أو فقير على أن كان تامة "فلا تتبعوا الهوى" نهاهم عن اتباع الهوى. وقوله "أن تعدلوا" في موضع نصب، وهو إما من العدل كأنه قال: فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس، أو من العدول كأنه قال: فلا تتبعوا الهوى مخافة أن تعدلوا عن الحق، أو كراهة أن تعدلوا عن الحق. قوله: "وإن تلووا" من اللي، يقال: لويت فلاناً حقه: إذا دفعته عنه. والمراد لي الشهادة ميلاً إلى المشهود عليه. وقرأ ابن عامر والكوفيون " وإن تلووا " من الولاية: أي وإن تلوا الشهادة وتتركوا ما يجب عليكم من تأديتها على وجه الحق. وقد قيل إن هذه القراءة تفيد معنيين: الولاية، والإعراض. والقراءة الأولى تفيد معنى واحداً وهو الإعراض. وزعم بعض النحويين أن القراءة الثانية غلط ولحن، لأنه لا معنى للولاية ها هنا. قال النحاس وغيره: وليس يلزم هذا، ولكن يكون تلوا بمعنى تلووا، وذلك أن أصله تلووا فاستثقلت الضمة على الواو بعدها واو أخرى فألقيت الحركة على اللام وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين، وذكر الزجاج نحوه. قوله "أو تعرضوا" أي: عن تأدية الشهادة من الأصل "فإن الله كان بما تعملون خبيراً" أي: بما تعملون من اللي والإعراض أو من كل عمل، وفي هذا وعيد شديد لمن لم يأت بالشهادة كما تجب عليه وقد روي أن هذه الآية تعم القاضي والشهود، أما الشهود فظاهر، وأما القاضي لذلك بأن يعرض عن أحد الخصمين أو يلوي عن الكلام معه، وقيل: هي خاصة بالشهود.
135-قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله"، يعني: كونوا قائمين بالشهادة بالقسط،أي: بالعدل لله ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كونا قوامين بالعدل في الشهادة على من كانت،"ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" في الرحم،أي: قولوا الحق ولو على أنفسكم بالإقرار أو الوالدين والأقربين ، فأقيموها عليهم لله، ولا تحابوا غيناً لغناه ولا ترحموا فقيراً لفقره، فذلك قوله تعالى:"إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما"، منكم ،أي أقيموا على المشهود عليه وإن كان غنياً وللمشهود له وإن كان فقيراً فالله أولى بهما منكم،أي كلوا أمرهما إلى الله . وقال الحسن: معناه الله أعلم بهما،"فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا" ،أي تجوروا وتميلوا إلى الباطل من الحق، وقيل: معناه لا تتبعوا الهوى لتعدلوا،أي: لتكونوا عادلين كما يقال: لا تتبع الهوى لترضي ربك.
"وإن تلووا"أي: تحرفوا الشاهدة لتبطلوا الحق"أو تعرضوا" عنها فتكتموها ولا تقيموها ، ويقال: تلووا أي تدافعوا في إقامة الشهادة ، يقال: لويته حقه إذا حقه إذا دفعته ، ومطلته ، وقيل: هذا خطاب مع الحكام في ليهم الأشداق ، يقول: وإن تلووا أي تميلوا إلى أحد الخصمين أو تعرضوا عنه، قرأ ابن عامر وحمزة "تلوا" بضم اللام ، قيل:أصله تلووا، فحذفت إحدى الواوين تخفيفاً، وقيل: معناه وإن تلوا القيام بأداء الشهادة أو تعرضوا فتتركوا أداءها "فإن الله كان بما تعملون خبيراً".
135" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط " مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته. " شهداء لله " بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله سبحانه وتعالى، وهو خبر ثاني أو حال. " ولو على أنفسكم " ولو كانت الشهادة على أنفسكم بأن تقروا عليها، لأن الشهادة بيان للحق سواء كان عليه أو على غيره. " أو الوالدين والأقربين " ولو على والديكم وأقاربكم. " إن يكن " أي المشهود عليه أو كل واحد منه ومن المشهود له. " غنيا أو فقيرا " فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة، أو لا تجوروا فيها ميلاً أو ترحماً. " فالله أولى بهما " بالغني والفقير وبالنظر لهما فلو لم تكن الشهادة عليهما أو لهما صلاحاً لما شرعها، وهو علة الجواب أقيمت مقامه والضمير في بهما راجع لما دل عليه المذكور، وهو جنساً الغني والفقير لا إليه وإلا لوحد، ويشهد عليه أنه قرئ " فالله أولى بهم ". " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا " لأن تعدلوا عن الحق أو كراهة أن تعدلوا من العدل. " وإن تلووا " ألسنتكم عن شهادة الحق، أو حكومة العدل. قرأ÷ نافع و ابن كثير و أبو بكر و أبو عمرو و عاصم و الكسائي بإسكان اللام وبعدها واوان الأولى مضمومة،والثانية ساكنة. وقرأ حمزة و ابن عامر " وإن تولوا " بمعنى وإن وليتم إقامة الشهادة فأديتموها. " أو تعرضوا " عن أدائها. " فإن الله كان بما تعملون خبيرا " فيجازيكم عليه.
135. O ye who believe ! Be ye staunch in justice, witnesses for Allah, even though it be against yourselves or (your) parents or (your) kindred, whether (the case be of) a rich man or a poor man, for Allah is nearer unto both (than ye are) . So follow not passion lest ye lapse ( from truth ) and if ye lapse or fall away, then lo! Allah is ever Informed of what ye do.
135 - O ye who believe stand out firmly for justice, as witnesses to God, even as against yourselves, or your parents, or your kin, and whether it be (against) rich or poor: for God can best protect both. follow not the lusts (of your hearts), lest ye swerve, and if ye distort (justice) or decline to do justice, verily God is well acquainted with all that ye do.