[النساء : 13] تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(تلك) الأحكام المذكورة من أمر اليتامى وما بعده (حدود الله) شرائعه التي حدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها (ومن يطع الله ورسوله) فيما حكم به (يدخله) بالياء والنون التفاتاً (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم)
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "تلك حدود الله"، فقال بعضهم : يعني به : تلك شروط الله.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي : "تلك حدود الله"، يقول : شروط الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : تلك طاعة الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "تلك حدود الله"، يعني : طاعة الله ، يعني المواريث التي سمى الله.
وقال آخرون : معنى ذلك : تلك سنة الله وأمره .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : تلك فرائض الله .
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما نحن مبينوه ، وهو أن حد كل شيء : ما فصل بينه وبين غيره ، ولذلك قيل لحدود الدار وحدود الأرضين : حدود، لفصلها بين ما حد بها وبين غيره .
فكذلك قوله : "تلك حدود الله"، معناه : هذه القسمة التي قسمها لكم ربكم ، والفرائض التي فرضها لأحيائكم من موتاكم في هذه الآية على ما فرض وبين في هاتين الآيتين ، "حدود الله"، يعني : فصول ما بين طاعة الله ومعصيته في قسمكم مواريث موتاكم ، كما قال ابن عباس . وإنما ترك طاعة الله ، والمعني بذلك : حدود الله اكتفاء بمعرفة المخاطبين بذلك بمعنى الكلام من ذكرها. والدليل على صحة ما قلنا في ذلك قوله : "ومن يطع الله ورسوله"، والآية التي بعدها: "ومن يعص الله ورسوله".
فتأويل الآية إذاً: هذه القسمة التي قسم بينكم ، أيها الناس ، عليها ربكم مواريث موتاكم ، فصول فصل بها لكم بين طاعته ومعصيته ، وحدود لكم تنتهون إليها فلا تتعدوها، ليعلم منكم أهل طاعته من أهل معصيته ، فيما أمركم به من قسمة مواريث موتاكم بينكم ، وفيما نهاكم عنه منها.
ثم أخبر جل ثناؤه عما أعد لكل فريق منهم فقال لفريق أهل طاعته في ذلك : "ومن يطع الله ورسوله" في العمل بما أمره به ، والانتهاء إلى ما حده له في قسمة المواريث وغيرها، وبجتنب ما نهاه عنه في ذلك وغيره ، "يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار".
فقوله : "يدخله جنات"، يعني : بساتين تجري من تحت غروسها وأشجارها الأنهار، "خالدين فيها"، يقول : باقين فيها أبداً لا يموتون فيها ولا يفنون ، ولا يخرجون منها، "وذلك الفوز العظيم".
يقول : وإدخال الله إياهم الجنان التي وصفها على ما وصف من ذلك ، "الفوز العظيم"، يعني : الفلح العظيم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: "تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله" الآية، قال : في شأن المواريث التي ذكر قبل.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "تلك حدود الله" ، التي حد لخلقه ، وفرائضه بينهم من الميراث والقسمة، فانتهوا إليها ولا تعدوها إلى غيرها.
الخامسة والثلاثون- قوله تعالى :" تلك حدود الله " وتلك بمعنى هذه أي هذه أحكام الله قد بينها لكم لتعرفوها وتعملوا بها. " ومن يطع الله ورسوله" من قسمة المواريث فيقربها ويعمل بها كما أمره الله تعالى " يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار" جملة في موضع نصب على النعت لجنات>
أي هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه, هي حدود الله, فلا تعتدوها ولا تجاوزوها, ولهذا قال "ومن يطع الله ورسوله" أي فيها فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضها بحيلة ووسيلة, بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته " يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " أي لكونه غير ما حكم الله به وضاد الله في حكمه, وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به, ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن أيوب عن أشعث بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة, فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم بشر عمله فيدخل النار, وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة, فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة" قال: ثم يقول أبو هريرة, اقرؤوا إن شئتم " تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من سننه: حدثنا عبدة بن عبد الله, أخبرنا عبد الصمد, حدثنا نصر بن علي الحداني, حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني, حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت, فيضاران في الوصية, فتجب لهما النار" وقال قرأ علي أبو هريرة من ههنا " من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم * تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم " وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عبد الله بن جابر الحداني به, وقال الترمذي: حسن غريب, وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل.
والإشارة بقوله 13- "تلك" إلى الأحكام المتقدمة وسماها حدوداً لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها "ومن يطع الله ورسوله" في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام الشرعية كما يفيده عموم اللفظ " يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ".
13-"تلك حدود الله"، يعني: ما ذكر من الفروض المحدوده ،"ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم".
13" تلك " إشارة إلى الأحكام التي قدمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث. " حدود الله " شرائعه التي هي كالحدود المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها. " ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ".
13. These are the limits (imposed by) Allah. Whoso obeyeth Allah and His messenger, He will make him enter Gardens underneath which rivers flow, where such will dwell for ever. That will be the great success.
13 - Those are limits set by God: those who obey God and his apostle will be admitted to gardens with rivers flowing beneath, to abide therein (for ever) and that will be the supreme achievement.