[النساء : 127] وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا
(ويستفتونك) يطلبون منك الفتوى (في) شأن (النساء) وميراثهن (قل) لهم (الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) القرآن من آية الميراث ويفتيكم أيضا (في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب) فرض (لهن) من الميراث (وترغبون) أيها الأولياءعن (أن تنكحوهن) لدمامتهن وتعضلوهن أن يتزوجن طمعا في ميراثهن أي يفتيكم أن لا تفعلوا ذلك وفي (والمستضعفين) الصغار (من الولدان) أن تعطوهم حقوقهم ويأمركم (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) بالعدل في الميراث والمهر (وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما) فيجازيكم به
قوله تعالى ويستفتونك في النساء الآية روى البخاري عن عائشة في هذه الآية قالت هو الرجل تكون عنده اليتيمة وهو وليها ووارثها قد شركته في مالها حتى في المذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في مالها فيعضلها فنزلت
وأخرج ابن ابي حاتم عن السدي كان لجابر بنت عم دميمة لها مال ورثته عن أبيها وكان جابر يرغب عن نكاحها ولا ينكحها خشية أن يذهب الزوج بمالها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "ويستفتونك في النساء"، ويسألك ، يا محمد، أصحابك أن تفتيهم في أمر النساء، والواجب لهن وعليهن ، فاكتفى بذكر النساء من ذكر شأنهن ، لدلالة ما ظهر من الكلام على المراد منه .
"قل الله يفتيكم فيهن"، قل لهم : يا محمد، الله يفتيكم فيهن ، يعني : في النساء، "وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن".
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "وما يتلى عليكم في الكتاب".
فقال بعضهم : يعني بقوله : "وما يتلى عليكم"، قل الله يفتيكم فيهن ، وفيما يتلى عليكم . قالوا:
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب"، قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر، ولا يورثون المرأة . فلما كان الإسلام ، قال : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب" في أول السورة في الفرائض ، اللاتي لا تؤتونهن ما كتب الله لهن .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، عن عائشة : "وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن"، قالت : هذا في اليتيمة تكون عند الرجل ، لعلها أن تكون شريكته في ماله ، وهو أولى بها من غيره ، فيرغب عنها أن ينكحها ويعضلها لمالها، ولا ينكحونها غيره كراهية أن يشركه أحد في مالها.
حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال : كانوا لا يورثون في الجاهلية النساء والفتى حتى يحتلم ، فأنزل الله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء"، في أول سورة النساء من الفرائض .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن أشعث ، عن جعفر، عن شعبة قال : كانوا في الجاهلية لا يورثون اليتيمة، ولا ينكحونها ويعضلونها، فأنزل الله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن" إلى آخر الآية.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، أخبرني الحجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني عبد الله بن كثير: أنه سمع سعيد بن جبير يقول في قوله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن"، الآية، قال : كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ ، لا يرث الرجل الصغير ولا المرأة . فلما نزلت آية المواريث في سورة النساء، شق ذلك على الناس وقالوا : يرث الصغير الذي لا يعمل في المال ولا يقوم فيه ، والمرأة التي هي كذلك ، فيرثان كما يرث الرجل الذي يعمل في المال ! فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء، فانتظروا . فلما رأوا أنه لا يأتي حدث قالوا : لئن تم هذا، إنه لواجب ما منه بد! ثم قالوا : سلوا! فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب" في أول السورة، "في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن". قال سعيد بن جبير: وكان الولي إذا كانت المرأة ذات جمال ومال رغب فيها ونكحها واستأثر بها، وإذا لم تكن ذات جمال ومال أنكحها ولم ينكحها.
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن"، قال : كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها، وحبسوها من التزويج حتى تموت ، فيرثوها. فأنزل الله هذا.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله . "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن"، قال : كان الرجل منهم تكون له اليتيمة بها الدمامة والأمر الذي يرغب عنها فيه ، ولها مال . قال : فلا يتزوجها ولا يزوجها، حتى تموت فيرثها. قال : فنهاهم الله عن ذلك .
حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك : "وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن"، قال : كانت المرأة إذا كانت عند ولي يرغب عنها، حبسها إن لم يتزوجها، ولم يدع أحداً يتزوجها .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن"، قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئاً، كانوا يقولون : لا يغزون ولا يغنمون خيراً! ففرض الله لهر الميراث حقاً واجباً ليتنافس - أو: لينفس - الرجل في مال يتيمته إن لم تكن حسنة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب"، يعني : الفرائض التي افترض في أمر النساء، "اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن"، قال : كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل فيرغب أن ينكحها أو يجامعها، ولا يعطيها مالها، رجاء أن تموت فيرثها. وإن مات لها حميم لم تعط من الميراث شيئاً. وكان ذلك في الجاهلية، فبين الله لهم ذلك .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن" حتى بلغ "وترغبون أن تنكحوهن"، فكان الرجل تكون في حجره اليتيمة بها دمامة، ولها مال ، فكان يرغب عنها أن يتزوجها، ويحبسها لمالها، فأنزل الله فيه ما تسمعون.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن"، قال : كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل فيها دمامة، فيرغب عنها أن ينكحها، ولا ينكحها رغبةً في مالها.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله: "وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن"، إلى قوله : "بالقسط"، قال : "كان جابر بن عبد الله الأنصاري ثم السلمي له ابنة عم عمياء، وكانت دميمة، وكانت قد ورثت عن أبيها مالاً، فكان جابر يرغب عن نكاحها، ولا ينكحها رهبة أن يذهب الزوج بمالها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وكان ناس في حجورهم جوار أيضاً مثل ذلك ، فجعل جابر يسأل النبي صلى الله عليه وسلم : أترث الجارية إذا كانت قبيحة عمياء؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : نعم!! فأنزل الله فيهن هذا".
وقال آخرون : معنى ذلك: ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب ، في آخر سورة النساء، وذلك قوله : "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" إلى آخر السورة [النساء: 176].
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سلام بن سليم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الولدان حتى يحتلموا، فأنزل الله: "ويستفتونك في النساء"، إلى قوله : "فإن الله كان به عليما". قال : ونزلت هذه الآية : "إن امرؤ هلك ليس له ولد"، [النساء: 176]، الآية كلها.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب ، يعني : في أول هذه السورة، وذلك قوله : "وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " [النساء: 3].
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال ، أخبرني عروة بن الزبير: أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " [النساء: 3]، قالت : يا ابن أختي ، هي اليتيمة تكون في حجر الرجل وليها، تشاركه في ماله ، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره . فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن، من الصداق . وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن . قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن ، فأنزل الله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن". قالت : والذي ذكر الله أنه يتلى في الكتاب : الآية الأولى التي قال فيها: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " [النساء: 3].
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني الليث قال ، حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عروة، عن عائشة مثله .
قال أبو جعفر: فعلى هذه الأقوال الثلاثة التي ذكرناها، "ما" التي في قوله : "وما يتلى عليكم"، في موضع خفض بمعنى العطف على الهاء والنون التي في قوله : "يفتيكم فيهن". فكأنهم وجهوا تأويل الآية: قل الله يفتيكم ، أيها الناس ، في النساء، وفيما يتلى عليكم في الكتاب .
وقال آخرون : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم من أصحابه ، سألوه عن أشياء من أمر النساء، وتركوا المسألة عن أشياء أخر كانوا يفعلونها، فأفتاهم الله فيما سألوا عنه ، وفيما تركوا المسألة عنه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى وسفيان بن وكيع -قال سفيان ، حدثنا عبد الأعلى، وقال ابن المثنى، حدثني عبد الأعلى- قال ، حدثنا داود، عن محمد بن أبي موسى في هذه الآية : "ويستفتونك في النساء"، قال : استفتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم في النساء، وسكتوا عن شيء كانوا يفعلونه ، فأنزل الله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب"، ويفتيكم فيما لم تسألوا عنه . قال : كانوا لا يتزوجون اليتيمة إذا كان بها دمامة، ولا يدفعون إليها مالها فتنفق ، فنزلت : " قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن "، قال : "والمستضعفين من الولدان"، قال : كانوا يورثون الأكابر ولا يورثون الأصاغر. ثم أفتاهم فيما سكتوا عنه فقال : "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير". ولفظ الحديث لابن المثنى.
قال أبو جعفر: فعلى هذا القول : الذي يتلى علينا في الكتاب ، الذي قال الله جل ثناؤه : "قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم" : "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا"، الآية . والذي سأل القوم فأجيبوا عنه في يتامى النساء: اللاتي كانوا لا يؤتونهن ما كتب الله لهن من الميراث عمن ورثنه عنه .
قال أبو جعفر: وأولى، هذه الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرناها عنه بالصواب ، وأشبهها بظاهر التنزيل ، قول من قال : معنى قوله : "وما يتلى عليكم في الكتاب"، وما يتلى عليكم من آيات الفرائض في أول هذه السورة وآخرها.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الصداق ليس مما كتب للنساء إلا بالنكاح ، فما لم تنكح فلا صداق لها قبل أحد. وإذا لم يكن ذلك لها قبل أحد، لم يكن مما كتب لها. وإذا لم يكن مما كتب لها، لم يكن لقول قائل : عني بقوله : "وما يتلى عليكم في الكتاب"، الإقساط في صدقات يتامى النساء، وجه. لأن الله قال في سياق الآية، مبيناً عن الفتيا التي وعدنا أن يفتيناها: "في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن"، فأخبر أن بعض الذي يفتينا فيه من أمر النساء، أمر اليتيمة المحول بينها وبين ما كتب الله لها. والصداق قبل عقد النكاح ، ليس مما كتب الله لها على أحد. فكان معلوماً بذلك أن التي عنيت بهذه الآية، هي التي قد حيل بينها وبين الذي كتب لها مما يتلى علينا في كتاب الله . فإذا كان ذلك كذلك ، كان معلوماً أن ذلك هو الميراث الذي يوجبه الله لهن في كتابه .
فأما الذي ذكر عن محمد بن أبي موسى، فإنه مع خروجه من قول أهل التأويل ، بعيد مما يدل عليه ظاهر التنزيل. وذلك أنه زعم أن الذي عنى الله بقوله : "وما يتلى عليكم في الكتاب"، هو: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا". وإذا وجه الكلام إلى المعنى الذي تأوله ، صار الكلام مبتدأ من قوله: "في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن"، ترجمةً بذلك عن قوله : "فيهن"، ويصير معنى الكلام : قل الله يفتيكم فيهن ، في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن . ولا دلالة في الآية على ما قاله ، ولا أثر عمن يعلم بقوله صحة ذلك ، وإذ كان ذلك كذلك ، كان وصل معاني الكلام بعضه ببعض أولى، ما وجد إليه سبيل . فإذ كان الأمر على ما وصفنا، فقوله : "في يتامى النساء"، بأن يكون صلة لقوله : "وما يتلى عليكم"، أولى من أن يكون ترجمة عن قوله : "قل الله يفتيكم فيهن"، لقربه من قوله : "وما يتلى عليكم في الكتاب"، وانقطاعه عن قوله: "يفتيكم فيهن".
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية : ويستفتونك في النساء، قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى عليكم في كتاب الله الذي أنزله على نبيه في أمر يتامى النساء اللاتي لا تعطونهن ما كتب لهن، يعني: ما فرض الله لهن من الميراث عمن ورثنه، كما:
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: "لا تؤتونهن ما كتب لهن" قال: لا تورثونهن.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن مغيرة، عن إبراهيم قوله : "لا تؤتونهن ما كتب لهن"، قال : من الميراث . قال : كانوا لا يورثون النساء، "وترغبون أن تنكحوهن".
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : "وترغبون أن تنكحوهن".
فقال بعضهم : معنى ذلك : وترغبون عن نكاحهن . وقد مضى ذكر جماعة ممن قال ذلك ، وسنذكر قول آخرين لم نذكرهم .
حدثنا حميد بن مسعد السامي قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا عبيد الله بن عون ، عن الحسن : "وترغبون أن تنكحوهن"، قال : ترغبون عنهن .
حدثنا يعقوب وابن وكيع قالا، حدثنا ابن علية، عن ابن عون ، عن الحسن ، مثله .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب ، عن عروة قال : قالت عائشة في قول الله . "وترغبون أن تنكحوهن"، رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في .حجره حين تكون قليلة المال والجمال ، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط ، من أجل رغبتهم عنهن .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله -يعني ابن صالح - قال ، حدثني الليث قال ، حدثني يونس ، عن ابن شهاب قال ، ،قال عروة، قالت عائشة، فذكر مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : وترغبون في نكاحهن . وقد مضى ذكر جماعة ممن قال ذلك قبل ، ونحن ذاكرو قول من لم نذكر منهم.
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا ابن عون، عن محمد، عن عبيدة : "وترغبون أن تنكحوهن"، قال : وترغبون فيهن .
حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع قالا، حدثنا ابن علية، عن ابن عون ، عن محمد قال : قلت لعبيدة : "وترغبون أن تنكحوهن"، قال : ترغبون فيهن .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : "في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن"، فكان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه ، فإذا فعل بها ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبداً . فإن كانت جميلة وهويها، تزوجها وأكل مالها. وإن كانت دميمة منعها الرجل أبداً حتى تموت ، فإذا ماتت ورثها. فحرم الله ذلك ونهى عنه .
قال أبو جعفر: وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال : معنى ذلك : وترغبون عن أن تنكحوهن. لأن حبسهم أموالهن عنهن مع عضلهم إياهن ، إنما كان ليرثوا أموالهن ، دون زوج إن تزوجن . ولو كان الذين حبسوا عنهن أموالهن ، إنما حبسوها عنهن رغبة في نكاحهن ، لم يكن للحبس عنهن وجه معروف ، لأنهم كانوا أولياءهن ، ولم يكن يمنعهم من نكاحهن مانع ، فيكون به حاجة إلى حبس مالها عنها، ليتخذ حبسها عنها سبباً إلى إنكاحها نفسها منه .
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن -وفيما يتلى عليكم في الكتاب - وفي المستضعفين من الولدان ، وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط .
وقد ذكرنا الرواية بذلك عمن قاله من الصحابة والتابعين فيما مضى ، والذين أفتاهم في أمر المستضعفين من الولدان أن يؤتوهم حقوقهم من الميراث ، لأنهم كانوا لا يورثون الصغار من أولاد الميت ، وأمرهم أن يقسطوا فيهم ، فيعدلوا ويعطوهم فرائضهم على ما قسم الله لهم في كتابه ، كما:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قول : "والمستضعفين من الولدان"، كانوا لا يورثون جارية ولا غلاماً صغيراً، فأمرهم الله أن يقوموا لليتامى بالقسط . و القسط : أن يعطى كل ذي حق منهم حقه ، ذكراً كان أو أنثى، الصغير منهم بمنزلة الكبير .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن"، قال : لا تورثوهن مالاً، "وأن تقوموا لليتامى بالقسط"، قال : فدخل النساء والصغير والكبير في المواريث ، ونسخت المواريث ذلك الأول .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وأن تقوموا لليتامى بالقسط"، أمروا لليتامى بالقسط ، بالعدل .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك : "والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط" ، قال : كانوا لا يورثون إلا الأكبر فالأكبر.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "والمستضعفين من الولدان" ، فكانوا في الجاهلية لا يورثون الصغار ولا البنات ، فذلك قوله : "لا تؤتونهن ما كتب لهن"، فنهى الله عن ذلك ، وبين لكل ذي سهم سهمه ، فقال : "للذكر مثل حظ الأنثيين" [النساء : 11 ، 176]، صغيراً كان أو كبيراً .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : "والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط"، وذلك أنهم كانوا لا يورثون الصغير والضعيف شيئاً، فأمر الله أن يعطى نصيبه من الميراث .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم : أن عمر بن الخطاب كان إذا جاءه ولي اليتيمة، فإن كانت حسنة غنية قال له عمر: زوجها غيرك ، والتمس لها من هو خير منك. وإذا كانت بها دمامة ولا مال لها، قال : تزوجها فأنت أحق بها!
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا يونس بن عبيد، عن الحسين بن الفرج قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أمري وما أمر يتيمتي ؟ قال : في أي بالكما؟ قال : ثم قال علي : أمتزوجها أنت غنيةً جميلة؟ قال : نعم ، والإله! قال : فتزوجها دميمة لا مال لها! ثم قال علي : خر لها، فإن كان غيرك خيراً لها فألحقها بالخير.
قال أبو جعفر فقيامهم لليتامى بالقسط ، كان العدل فيما أمر الله فيهم .
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ومهما يكن منكم ، أيها المؤمنون ، من عدل في أموال اليتامى، التي أمركم الله أن تقوموا فيهم بالقسط ، والانتهاء إلى أمر الله في ذلك وفي غيره وإلى طاعته ، "فإن الله كان به عليما"، لم يزل عالما بما هو كائن منكم ، وهو محص ذلك كله عليكم ، حافظ له ، حتى يجازيكم به جزاءكم يوم القيامة.
نزلت بسبب سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغير ذلك فأمر الله نبيه عليه السلام أن يقول لهم: الله يفتيكم فيهن أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه وهذه الآية رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء، وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها فسألوا فقيل لهم: إن الله يفتيكم فيه روى أشهب عن مالك قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي"، وذلك في كتاب الله " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن " " ويسألونك عن اليتامى " [البقرة : 220] و" يسألونك عن الخمر والميسر " [ البقرة : 219] "ويسألونك عن الجبال "[طه :195].
قوله تعالى :" وما يتلى عليكم " " وما " في موضع رفع عطف على اسم الله تعالى : والمعنى والقرآن يفتيكم فيهن، وهو قوله " فانكحوا ما طاب لكم من النساء" [النساء: 3] وقد تقدم وقوله تعالى :" وترغبون أن تنكحوهن " أي وترغبون عن أن تنكحوهن ثم حذفت عن وقيل: وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت في قال سعيد بن جبير ومجاهد: ويرغب في نكاحها إذا كانت كثيرة المال. وحديث عائشة يقوي حذف عن فإن في حديثها وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال وقد تقدم أول السورة .
قال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل, حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " قالت عائشة: هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها, فأشركته في ماله حتى في العذق, فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلاً فيشركه في ماله بما شركته, فيعضلها, فنزلت هذه الاية, وكذلك رواه مسلم عن أبي كريب, وعن أبي بكر بن أبي شيبة, كلاهما عن أسامة, وقال ابن أبي حاتم: قرأت على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, أخبرنا ابن وهب, أخبرني يونس عن ابن شهاب, أخبرني عروة بن الزبير, قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاية فيهن, فأنزل الله "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب" الاية, قال: والذي ذكر الله أنه يتلى عليه في الكتاب, الاية الأولى التي قال الله " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " وبهذا الإسناد عن عائشة قالت: وقول الله عز وجل: "وترغبون أن تنكحوهن" رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال, فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن, وأصله ثابت في الصحيحين من طريق يونس بن يزيد الأيلي به والمقصود أن الرجل إذا كان في حجره يتيمة يحل له تزويجها, فتارة يرغب في أن يتزوجها, فأمره الله أن يمهرها أسوة بأمثالها من النساء, فإن لم يفعل فليعدل إلى غيرها من النساء, فقد وسع الله عز وجل, وهذا المعنى في الاية الأولى التي في أول السورة, وتارة لا يكون له فيها رغبة لدمامتها عنده أو في نفس الأمر, فنهاه الله عز وجل أن يعضلها عن الأزواج خشية أن يشركوه في ماله الذي بينه وبينها, كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الاية, وهي قوله: "في يتامى النساء" الاية, كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه, فإذا فعل ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبداً فإن كانت جميلة وهويها, تزوجها وأكل مالها, وإن كانت دميمة منعها الرجال أبداً حتى تموت, فإذا ماتت ورثها فحرم الله ذلك ونهى عنه.
وقال في قوله: "والمستضعفين من الولدان" كانوا في الجاهلية لا يورثون الصغار ولا البنات, وذلك قوله: " لا تؤتونهن ما كتب لهن " فنهى الله عن ذلك وبين لكل ذي سهم سهمه, فقال: "للذكر مثل حظ الأنثيين" صغيراً أو كبيراً, وكذا قال سعيد بن جبير وغيره وقال سعيد بن جبير في قوله: "وأن تقوموا لليتامى بالقسط" كما إذا كانت ذات جمال ومال نكحتها واستأثرت بها, كذلك إذا لم تكن ذات مال ولا جمال فانكحها واستأثر بها. وقوله: "وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليماً" تهييجاً على فعل الخيرات وامتثالاً للأوامر, وإن الله عز وجل عالم بجميع ذلك, وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه.
سبب نزول هذه الآية سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغيره، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم "الله يفتيكم" أي: يبين لكم حكم ما سألتم عنه، وهذه الآية رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء، وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها، فسألوا، فقيل لهم "الله يفتيكم". قوله "وما يتلى عليكم" معطوف على قوله "الله يفتيكم" والمعنى: والقرآن الذي يتلى عليكم يفتيكم فيهن. والمتلو في الكتاب في معنى اليتامى قوله تعالى " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " ويجوز أن يكون قوله "وما يتلى" معطوفاً على الضمير في قوله "يفتيكم" الراجع إلى المبتدأ لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمفعول والجار والمجرور ويجوز أن يكون مبتدأ وفي الكتاب خبره على أن المراد به اللوح المحفوظ، وقد قيل في إعرابه غير ما ذكرنا، ولم نذكره لضعفه. وقوله "في يتامى النساء" على الوجه الأول والثاني صلة لقوله "يتلى" وعلى الوجه الثالث بدل من قوله "فيهن". " اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن " أي: ما فرض لهن من الميراث وغيره "وترغبون" معطوف على قوله "لا تؤتونهن" عطف جملة مثبتة على جملة منفية. وقيل: حال من فاعل "تؤتونهن". وقوله "أن تنكحوهن" يحتمل أن يكون التقدير في أن تنكحوهن: أي ترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن، ويحتمل أن يكون التقدير في أن تنكحوهن: أي ترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن، ويحتمل أن يكون التقدير وترغبون عن أن تنكحوهن لعدم جمالهن. قوله "والمستضعفين من الولدان" معطوف على يتامى النساء: أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء وفي المستضعفين من الولدان، وهو قوله تعالى تعالى "يوصيكم الله في أولادكم" وقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا من كان مستضعفاً من الولدان كما سلف، وإنما يورثون الرجال القائمين بالقتال وسائر الأمور. قوله "وأن تقوموا لليتامى بالقسط" معطوف على قوله "في يتامى النساء" كالمستضعفين أي: وما يتلى عليكم في يتامى النساء وفي المستضعفين وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط: أي العدل، ويجوز أن يكون في محل نصب: أي ويأمركم أن تقوموا "وما تفعلوا من خير" في حقوق المذكورين " إن الله كان عليما " يجازيكم بحسب فعلكم من خير وشر.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "ويستفتونك في النساء" الآية، قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر ولا يورثون المرأة، فلما كان الإسلام قال: "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب" في أول السورة في الفرائض. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئاً، كانوا يقولون: لا يغزون ولا يغنمون خيراً ففرض الله لهن الميراث حقاً واجباً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه بأطول منه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم في الآية قال: كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها وحبسوها من التزويج حتى تموت فيرثونها، فأنزل الله هذا. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة في قوله "ويستفتونك في النساء" إلى قوله: "وترغبون أن تنكحوهن" قالت: هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها قد شركته في ماله حتى في العذق، فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلاً فتشركه في ماله بما شركته فيعضلها، فنزلت هذه الآية. وأخرج ابن المنذر من طريق ابن عون عن الحسن وابن سيرين في هذه الآية قال أحدهما: ترغبون فيهن، وقال الآخر: ترغبون عنهن.
127-قوله تعالى:"ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن"، الآية: قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في بنات أم كجة وميراثهن وقد مضت القصة في أول السورة.
وقالت عائشة رضي الله عنها: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل ، وهو وليها فيرغب في نكاحها إذا كانت ذات جمال ومال بأقل من سنة صداقها ، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركها، وفي رواية هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب أن يتزوجها لدمامتها ويكره أن يزوجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها حتى تموت فيرثها، فنهاهم الله عن ذلك.
قوله عز وجل:"ويستفتونك"أي: يستخبرونك في النساء،"قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب"، قيل معناه ويفتيكم في ما يتلى عيكم ، وقيل معناه: ونفتيكم ما يتلى عليكم ، يريد : الله يفتيكم وكتابه يفتيكم فيهن، وهو قوله عز وجل: "وآتوا اليتامى أموالهم " ، قوله:"في يتامى النساء"، هذا إضافة الشيء إلى نفسه لأنه أراد باليتامى النساء،"اللاتي لا تؤتونهن"،أي: لا تعطونهن،"ما كتب لهن"، من صداقهن،"وترغبون أن تنكحوهن"، أي في نكاحهن لمالهن وجمالهن بأقل من صداقهن، وقال الحسن وجماعة أراد لا تؤتونهن حقهن من الميراث، لأنهم كانوا لا يورثون النساء، وترغبون أن تنكحوهن ،أي: عن نكاحهن لدمامتهن.
"والمستضعفين من الولدان" يريد: ويفتيكم في المستضعفين من الولدان وهم الصغار، أن تعطوهم حقوقهم، لأنهم كانوا لا يورثون الصغار ، يريد ما يتلى عليكم في باب اليتامى من قوله " وآتوا اليتامى أموالهم "يعني بإعطاء حقوق الصغار،"وأن تقوموا لليتامى بالقسط" أي: ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط بالعدل في مهورهن ومواريثهن،"وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليماً"، يجازيكم عليه.
127" ويستفتونك في النساء " في ميراثهن إذ سبب نزوله "أن عيينة بن حصن أتى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرنا أنك تعطي الابنة النصف والأخت النصف، وإنما كنا نورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة فقال عليه الصلاة والسلام: كذلك أمرت" " قل الله يفتيكم فيهن " يبين لكم حكمه فيهن والافتاء تبيين المبهم. " وما يتلى عليكم في الكتاب " عطف على اسم الله تعالى، أو ضميره المستكن في يفتيكم وساغ للفصل فيكون الإفتاء مسنداً إلى الله سبحانه وتعالى وإلى ما في القرآن من قوله تعالى: " يوصيكم الله " ونحوه، والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين مختلفين باعتبارين مختلفين، ونظيره أغناني زيد وعطاؤهن أو استئناف لتعظيم المتلو عليهم على أن ما يتلى عليكم مبتدأ وفي الكتاب خبره. والمراد به اللوح المحفوظ، ويجوز أن ينصب على معنى ويبين لكم ما يملي عليكم أو يخفض على القسم كأنه قيل: وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب، ولا يجوز عطفه على المجرور في فيهن لاختلاله لفظاً ومعنى " في يتامى النساء " صلة يتلى إن عطف الموصول على ما قبله أي يتلى عليكم في شأنهن وإلا فبدل من فيهن، أو صلة أخرى ليفتيكم على معنى الله يفتيكم فيهن بسبب يتامى النساء كم تقول: كلمتك اليوم في زيد، وهذه الإضافة بمعنى من لأنها إضافة الشيء إلى جنسه. وقرئ ييامى بياءين على أنه أيامى فقلبت همزته ياء. " اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن " أي فرض لهن من الميراث. " وترغبون أن تنكحوهن " في أن تنكحوهن أو عن أن تنكحوهن، فإن أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهن إن كن جميلات ويأكلون مالهن، وإلا كانوا يعضلونهن طمعاً في ميراثهن والوا تحتمل الحال والعطف، وليس فيه دليل على جواز تزويج اليتيمة إذ لا يلزم من الرغبة في نكاحها جريان العقد في صغرها. " والمستضعفين من الولدان " عطف على يتامى النساء والعرب ما كانوا يورثونهم كما لا يورثون النساء. " وأن تقوموا لليتامى بالقسط " أيضاً عطف عليه أي ويفتيكم أو ما يتلى في أن تقوموا، هذا إذا جعلت في يتامى صلة لأحدهما فإن جعلته بدلاً فالوجه نصبهما عطفاً على موضع فيهن، ويجوز أن ينصب وأن تقوموا بإضمار فعل أي: ويأمركم أن تقوموا، وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا حقوقهم، أو للقوام بالنصفة في شأنهم " وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما " وعد لمن آثر الخير في ذلك.
127. They consult thee concerning women. Say: Allah give to you decree concerning them, and the Scripture which hath been recited unto you (giveth decree), concerning female orphans unto whom ye give not that which is ordained for them though ye desire to marry them, and (concerning) the weak among children, and that ye should deal justly with orphans. Whatever good ye do, lo! Allah is ever Aware of it.
127 - They ask thy instruction concerning the women say: God doth instruct you about them: and (remember) what hath been rehearsed unto you in the book, concerning the orphans of women to whom ye give not the portions prescribed, and yet whom ye desire to marry, as also concerning the children who are weak and oppressed: that ye stand firm for justice to orphans there is not a good deed which ye do, but God is well acquainted therewith.