[النساء : 109] هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً
(ها أنتم) يا (هؤلاء) خطاب لقوم طعمة (جادلتم) خاصمتم (عنهم) أي عن طعمة وذويه وقرئ {عنه} (في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة) إذا عذبهم (أم من يكون عليهم وكيلا) يتولى أمرهم ويذب عنهم أي لا أحد يفعل ذلك
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا"، ها أنتم الذين جادلتم ، يا معشر من جادل عن بني أبيرق ، "في الحياة الدنيا". و الهاء و الميم في قوله : "عنهم" من ذكر الخائنين.
"فمن يجادل الله عنهم"، يقول : فمن ذا يخاصم الله عنهم ، "يوم القيامة"، أي : يوم يقوم الناس من قبورهم لمحشرهم ، فيدافع عنهم ما الله فاعل بهم ومعاقبهم به . وإنما يعني بذلك إنكم أيها المدافعون عن هؤلاء الخائنين أنفسهم ، وإن دافعتم عنهم في عاجل الدنيا، فإنهم سيصيرون في آجل الآخرة إلى من لا يدافع عنهم عنده أحد فيما يحل بهم من أليم العذاب ونكال العقاب .
وأما قوله : "أم من يكون عليهم وكيلا"، فإنه يعني : ومن ذا الذي يكون على هؤلاء الخائنين وكيلاً يوم القيامة، أي : ومن يتوكل لهم في خصومة ربهم عنهم يوم القيامة .
وقد بينا معنى : الوكالة، فيما مضى، وأنها القيام بأمر من توكل له.
قوله تعالى :" ها أنتم هؤلاء " يريد قوم بشير السارق لما هربوا به وجادلوا عنه قال الزجاج: " هؤلاء " بمعنى الذين" جادلتم " حاججتم " في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة " استفهام معناه الإنكار والتوبيخ " أم من يكون عليهم وكيلا" الوكيل : القائم بتدبير الأمور فالله تعالى قائم بتدبير خلقه . والمعنى: لا أحد لهم يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه وأدخلهم النار.
يقول تعالى: مخاطباً لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" أي هو حق من الله, وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه, وقوله: "لتحكم بين الناس بما أراك الله" احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الاية, وبما ثبت في الصحيحين من رواة هشام بن عروة, عن أبيه, عن زينب بنت أم سلمة, عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, سمع جلبة خصم بباب حجرته, فخرج إليهم فقال: "ألا إنما أنا بشر وإنما أقضي بنحو مما أسمع, ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها" وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع, عن أم سلمة, قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست, ليس عندهما بينة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر, ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع, فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه, فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها إسطاماً في عنقه يوم القيامة" فبكى الرجلان, وقال كل منهما: حقي لأخي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما, ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما, ثم ليحلل كل منكما صاحبه" وقد رواه أبو داود من حديث أسامة بن زيد به, وزاد "إني إنما أقضي بينكما برأي فيما لم ينزل علي فيه" .
وقد روى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس: أن نفراً من الأنصار غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته, فسرقت درع لأحدهم, فأظن بها رجل من الأنصار, فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي, فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء, وقال لنفر من عشيرته: إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده, فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلاً فقالوا: يا نبي الله إن صاحبنا بريء وإن صاحب الدرع فلان, وقد أحطنا بذلك علماً, فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس, وجادل عنه, فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبرأه وعذره على رؤوس الناس, فأنزل الله "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً * واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً * ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم" الاية.
ثم قال تعالى: للذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله" الايتين, يعني الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين يجادلون عن الخائنين, ثم قال عز وجل: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, يعني الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب ثم قال: "ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً" يعني السارق والذين جادلوا عن السارق, وهذا سياق غريب, وكذا ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الاية: إنها نزلت في سارق بني أبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة.
وقد روى هذه القصة محمد بن إسحاق مطولة, فقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الاية من جامعه, وابن جرير في تفسيره: "حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني, حدثنا محمد بن سلمة الحراني, حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة, عن أبيه, عن جده قتادة بن النعمان رضي الله عنه, قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر, وكان بشير رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ينحله لبعض العرب, ثم يقول: قال فلان كذا وكذاو وقال فلان كذا وكذا, فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث أو كما قال الرجل, وقالوا ابن الأبيرق: قالها, قالوا: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام, وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير, وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه, وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير, فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملاً من الدرمك فجعله في مشربة له, وفي المشربة سلاح ودرع وسيف, فعدي عليه من تحت البيت, فنقبت المشربة, وأخذ الطعام والسلاح. فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي, إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه, فنقبت مشربتنا, فذهب بطعامنا وسلاحنا, قال: فتحسسنا في الدار وسألنا, فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم, قال: وكان بنو أبيرق قالوا ـ ونحن نسأل في الدار ـ: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلاً منا له صلاح وإسلام, فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق ؟! والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة, قالوا: إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها, فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها, فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له, قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له, وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا, فأما الطعام, فلا حاجة لنا فيه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمر في ذلك, فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسير بن عمرو فكلموه في ذلك, فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا: يارسول الله, إن قتادة بن النعمان وعمه, عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت, قال قتادة: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته, فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح, ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت, قال: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك, فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت ؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: الله المستعان ", فلم نلبث أن نزل القرآن "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً" يعني بني أبيرق, "واستغفر الله" أي مما قلت لقتادة " إن الله كان غفورا رحيما * ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " ـ إلى قوله ـ "رحيماً" أي لو استغفروا الله لغفر لهم " ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما * ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " قولهم للبيد "ولولا فضل الله عليك ورحمته "ـ إلى قوله ـ "فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة, فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عسى أو عشي ـ الشك من أبي عيسى ـ في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولاً لما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هو في سبيل الله, فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً, فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين, فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية, فأنزل الله تعالى: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا * إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا " فلما نزل على سلافة بنت سعد, هجاها حسان بن ثابت بأبيات من شعر فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت به, فرمته في الأبطح, ثم قالت: أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير, لفظ الترمذي ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب, لا نعلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحراني.
ورواه يونس بن بكير وغير واحد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلاً لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده, ورواه ابن أبي حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني عن محمد بن سلمة به ببعضه. ورواه ابن المنذر في تفسيره: حدثنا محمد بن إسماعيل يعني الصائغ, حدثنا الحسن بن أحمد بن شعيب الحراني, حدثنا محمد بن سلمة, فذكره بطوله. ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن عياش بن أيوب والحسن بن يعقوب, كلاهما عن الحسن بن أحمد
ابن أبي شعيب الحراني عن محمد بن سلمة به, ثم قال في آخره: قال محمد بن سلمة: سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إسرائيل, وقد روى هذا الحديث الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في كتابه المستدرك عن ابن عباس الأصم, عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي, عن يونس بن بكير, عن محمد بن إسحاق بمعناه أتم منه وفيه الشعر, ثم قال: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه.
وقوله تعالى: "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله" الاية, هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس لئلا ينكروا عليهم, ويجاهرون الله بها, لأنه مطلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم, ولهذا قال: " وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا " تهديد لهم ووعيد. ثم قال تعالى: "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا" الاية, أي هب أن هؤلاء انتصروا في الدنيا بما أبدوه أو أبدي لهم عند الحكام الذين يحكمون بالظاهر وهم متعبدون بذلك, فماذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى ؟ ومن ذا الذي يتوكل لهم يومئذ يوم القيامة في ترويج دعواهم ؟ أي لا أحد يومئذ يكون لهم وكيلاً, ولهذا قال: "أم من يكون عليهم وكيلاً".
قوله 109- "ها أنتم هؤلاء" يعني القوم الذين جادلوا عن صاحبهم السارق كما سيأتي، والجملة مبتدأ وخبر. قال الزجاج: "أولاء" بمعنى الذين و"جادلتم" بمعنى حاججتم "في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة" الاستفهام للإنكار والتوبيخ: أي فمن يخاصم ويجادل الله عنهم يوم القيامة عند تعذيبهم بذنوبهم؟ "أم من يكون عليهم وكيلاً" أي: مجادلاً ومخاصماً. والوكيل في الأصل: القائم بتدبير الأمور. والمعنى: من ذاك يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه.
وقد أخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن قتادة بن النعمان قال كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشر رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، فقال:
أو كلما قال الرجال قصيدة أصموا فقالوا ابن الأبيرق قالها
قال: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة: أي حمولة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن رافع حملاً من الدرمك، فجعله في مشربة، وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما، فعدي عليه من تحت الليل فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي تعلم أن قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا، قال: فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا ناراً في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلاً منا له صلاح وإسلام، فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل فوالله ما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا أهي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأنظر في ذلك، فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت، قال قتادة: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال لي: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن نزل القرآن "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً" بني أبيرق "واستغفر الله" أي: مما قلت لقتادة " إن الله كان غفورا رحيما * ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " إلى قوله "ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" أي: لو استغفروا الله لغفر لهم "ومن يكسب إثماً" إلى قوله "فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً" قولهم للبيد "ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك" يعني: أسير بن عروة، فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة، قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد غشي في الجاهلية: أي كبر، وكنت أرى إسلامه مدخولاً فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى" إلى قوله "ضلالاً بعيداً" فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحراني. ورواه يونس بن بكير وغير واحد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلاً لم يذكر فيه عن أبيه عن جده. ورواه ابن أبي حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني عن محمد بن الصانع، حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا محمد بن سلمة فذكره بطوله. ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن العباس بن أيوب والحسن بن يعقوب كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني عن محمد بن سلمة به، ثم قال في آخره: قال محمد بن سلمة: سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن أبي إسرائيل. وقد رواه الحاكم في المستدرك عن أبي العباس الأصم عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بمعناه أتم منه، ثم قال: هذا صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه ابن سعد عن محمود بن لبيد قال: غدا بشير فذكره مختصراً، وقد رويت هذه القصة مختصرة ومطولة عن جماعة من التابعين.
109-"ها أنتم هؤلاء"،أي: يا هؤلاء،"جادلتم"أي:خاصمتم،"عنهم"يعني: عن طعمة ، وفي قراءة أبي بن كعب : عنه "في الحياة الدنيا"،والجدال: شدة المخاصمة من الجدل، وهو شدة الفتل، فهو يريد فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج ، وقيل: الجدال من الجدالة ، و هي الأرض، فكأن كل واحد من الخصمين يروم قهر صاحبه وصرعه على الجدالة ،"فمن يجادل الله عنهم"،يعني: عن طعمة،"يوم القيامة "إذا أخذه الله بعذابه،"أم من يكون عليهم وكيلاً"، كفيلاً ،أي: من الذي يذب عنهم، ويتولى أمرهم يوم القيامة؟. ثم استأنف فقال:
109" ها أنتم هؤلاء " مبتدأ وخبر. " جادلتم عنهم في الحياة الدنيا " جملة مبينة لوقوع أولاء خبراً أو صلة عند من يجعله موصولاً. " فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا " محامياً يحميهم من العذاب.
109. Lo! ye are they who pleaded for them in the life of the world. But who will plead with Allah for them on the Day of Resurrection, or who will then be their defender?
109 - Ah these are the sort of men on whose behalf ye may contend in this world; but who will contend with God on their behalf on the day of judgment, or who will carry their affairs through?