[النساء : 10] إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا
(إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً) بغير حق (إنما يأكلون في بطونهم) أي ملأها (ناراً) لأنه يؤول إليها (وسيَصْلَون) بالبناء للفاعل والمفعول يدخلون (سعيرا) نارا شديدة يحترقون فيها
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه ، "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما"*، يقول : بغير حق ، "إنما يأكلون في بطونهم نارا" يوم القيامة، بأكلهم أموال اليتامى ظلماً في الدنيا، نار جهنم ، "وسيصلون" بأكلهم ، "سعيرا"، كما:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نارا"، قال : إذا قام الرجل بأكل مال اليتيم ظلماً، يبعث يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه ومن أذنيه وأنفه وعينيه ، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، أخبرني أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به ، قال : نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ، ثم يجعل في أفواههم صخراً من نار يخرج من أسافلهم ، قلت : يا جبريل ، من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا"، قال : قال أبي : إن هذه لأهل الشرك ، حين كانوا لا يورثونهم ، ويأكلون أموالهم.
وأما قوله : "وسيصلون سعيرا"، فإنه مأخوذ من الصلا، والصلا الاصطلاء بالنار، وذلك التسخن بها، كما قال الفرزدق:
وقاتل كلب الحي عن نار أهله ليربض فيها، والصلا متكنف
وكما قال العجاج:
وصاليات للصلا صلي
ثم استعمل ذلك في كل من باشر بيده أمرا من الأمور، من حرب أو قتال أو خصومة، أو غير ذلك ، كما قال الشاعر:
لم أكن من جناتها، علم اللـ ـه وإني بحرها اليوم صالي
فجعل ما باشر من شدة الحرب وأذى القتال ، بمنزلة مباشرة أذى النار وحرها.
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة المدينة والعراق : "وسيصلون سعيرا" بفتح الياء على التأويل الذي قلناه.
وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض الكوفيين : وسيصلون بضم الياء، بمعنى : يحرقون.
من قولهم : شاة مصلية يعني : مشوية.
قال أبو جعفر: والفتح بذلك أولى من الضم ، لإجماع جميع القرأة على فتح الياء من قوله : "لا يصلاها إلا الأشقى" [الليل :5ا ]، ولدلالة قوله : "إلا من هو صال الجحيم" [الصافات : 63]، على أن الفتح بها أولى من الضم.
وأما السعير فإنه شدة حر جهنم ، ومنه قيل : استعرت الحرب إذا اشتدت ، وإنما هو مسعور، ثم صرف إلى سعير ، كما قيل : كف خضيب و لحية دهين، وإنما هي مخضوبة، صرفت إلى فعيل.
فتأويل الكلام إذاً : وسيصلون ناراً مسعرة، أي : موقودة مشعلة شديداً حرها.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، وإنما الله جل ثناؤه قال : "وإذا الجحيم سعرت" [التكوير: 12]، فوصفها بأنها مسعورة.
ثم أخبر جل ثناؤه أن أكلة أموال اليتامى يصلونها وهي كذلك . ف السعير إذا في هذا الموضع ، صفة للجحيم على ما وصفنا.
فيها ثلاث مسائل:
الأولى- قوله تعالى:" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" روي أنها نزلت في رجل من غطفان يقال له: مرثد بن زيد، ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية، قاله مقاتل بن حيان، ولهذا قال الجمهور: إن المراد الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم، وقال ابن زيد: نزلت في الكفار الذين كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار وسمي أخذ المال على كل وجوهه أكلاً، لما كان المقصود هو الأكل وبه أكثر إتلاف الأشياء. وخص البطون بالذكر لتبيين نقصهم، والتشنيع عليهم بضد مكارم الأخلاق، وسمي المأكول ناراً بما يؤول إليه، كقوله تعالى :" إني أراني أعصر خمرا"[يوسف: 36] أي عنباً، وقيل: ناراً أي حراماً، لأن الحرام يوجب النار، فسماه الله تعالى باسمه . و"روى أبو سعيد الخدري قال:
حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به قال : رأيت قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أوفاهم صخراً من نار يخرج من أسافلهم فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" فدل الكتاب والسنة على أن أكل مال اليتيم من الكبائر و"قال صلى الله عليه وسلم :
اجتنبوا السبع الموبقات " وذكر فيها "وأكل مال اليتيم" .
الثانية- قوله تعالى :" وسيصلون سعيرا" وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية ابن عباس بضم الياء على اسم ما لم يسم فاعله‎، من أصلاه الله حر النار إصلاء قال الله تعالى:" سأصليه سقر " [المدثر:26] وقرأ أبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية لكثرة الفعل مرة بعد أخرى دليله قوله تعالى :" ثم الجحيم صلوه" [الحاقة:31] ومنه قولهم : صليته مرة بعد أخرى . وتصليت: استدفأت بالنار قال:
وقد تصليت حر حربهم كما تصلى المقرور من قرس
وقرأ الباقون بفتح الياء من صلي النار يصلاها صلى وصلاءً قال الله تعالى: " لا يصلاها إلا الأشقى " [الليل: 15] والصلاء هو التسخن بقرب النار أو مباشرتها ومنه قوله الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها علم الل ه وإني لحرها اليوم صال
والسعير: الجمر المشتغل.
الثالثة- وهذه آية من آيات الوعيد، ولا حجة فيها لمن يكفر بالذنوب. والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك نافذ على بعض العصاة فيصلى ثم يحترق ويموت بخلاف أهل النار لا يموتون ولا يحيون، فكأن هذا جمع بين الكتاب والسنة لئلا يقع الخبر فيهما على خلاف مخبره ساقط بالمشيئة عن بعضهم، لقوله تعالى :" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن " [النساء:48] وهكذا القول في كل ما يرد عليكم من هذا المعنى. روى مسلم في صحيحه "عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أما أهل النار الذين هم أهلها فيها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم- فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفبضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل " فقال رجل من القوم كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يرعى بالبادية .
قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئاً, فأنزل الله: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" الاية, أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى, يستوون في أصل الوراثة, وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة, أو زوجية, أو ولاء, فإنه لحمة كلحمة النسب. وقد روى ابن مردويه من طريق ابن هراسة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: جاءت أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن لي ابنتين قد مات أبوهما وليس لهما شيء, فأنزل الله تعالى: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" الاية, وسيأتي هذا الحديث عند آيتي الميراث بسياق آخر, والله أعلم, وقوله "وإذا حضر القسمة" الاية, قيل: المراد وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث "واليتامى والمساكين" فليرضخ لهم من التركة نصيب, وإن ذلك كان واجباً في ابتداء الاسلام, وقيل يستحب. واختلفوا هل هو منسوخ أم لا على قولين, فقال البخاري: حدثنا أحمد بن حميد, أخبرنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس: " وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين ". قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. تابعه سعيد عن ابن عباس. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا عباد بن العوام عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: هي قائمة يعمل بها, وقال الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الاية, قال: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم, وهكذا روي عن ابن مسعود وأبي موسى وعبد الرحمن بن أبي بكر وأبي العالية والشعبي والحسن, وقال ابن سيرين وسعيد بن جبير ومكحول وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح والزهري ويحيى بن يعمر: إنها واجبة, وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج, عن إسماعيل ابن علية عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: ولي عبيدة وصية فأمر بشاة فذبحت فأطعم أصحاب هذه الاية وقال: لولا هذه الاية لكان هذا من مالي, وقال مالك فيما يروى عنه من التفسير في جزء مجموع عن الزهري: أن عروة أعطى من مال مصعب حين قسم ماله, وقال الزهري: هي محكمة. وقال مالك: عن عبد الكريم عن مجاهد قال: هي حق واجب ما طابت به الأنفس.
ذكر من ذهب إلى أن ذلك أمر بالوصية لهم
قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج, أخبرني ابن أبي مليكة: أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق والقاسم بن محمد أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر, قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حية, قالا: فلم يدع في الدار مسكيناً ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه, قالا: وتلا " وإذا حضر القسمة أولو القربى ", قال القاسم: فذكرت ذلك لابن عباس, فقال: ما أصاب, ليس ذلك له إنما ذلك إلى الوصية وإنما هذه الاية في الوصية يريد الميت يوصي لهم, رواه ابن أبي حاتم.
ذكر من قال هذه الاية منسوخة بالكلية
قال سفيان الثوري, عن محمد بن السائب الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما "وإذا حضر القسمة" قال: منسوخة, وقال إسماعيل بن مسلم المكي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس, قال في هذه الاية " وإذا حضر القسمة أولو القربى " نسختها الاية التي بعدها "يوصيكم الله في أولادكم". وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في هذه الاية " وإذا حضر القسمة أولو القربى " كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض, فأنزل الله بعد ذلك الفرائض فأعطى كل ذي حق حقه, فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى, رواهن ابن مردويه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح, حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء, عن ابن عباس في قوله: " وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين " نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر. وحدثنا أسيد بن عاصم, حدثنا سعيد بن عامر عن همام, حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: إنها منسوخة, كانت قبل الفرائض كان ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حضروا القسمة ثم نسخ بعد ذلك نسختها المواريث فألحق الله بكل ذي حق حقه, وصارت الوصية من ماله يوصي بها لذوي قرابته حيث شاء. وقال مالك, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب: هي منسوخة, نسختها المواريث والوصية. وهكذا روي عن عكرمة وأبي الشعثاء والقاسم بن محمد وأبي صالح وأبي مالك وزيد بن أسلم والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنهم قالوا: إنها منسوخة, وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم, وقد اختار ابن جرير ههنا قولاً غريباً جداً وحاصله أن معنى الاية عنده "وإذا حضر القسمة" أي وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت "فارزقوهم منه وقولوا" لليتامى والمساكين إذا حضروا "قولاً معروفاً" هذا مضمون ما حاوله بعد طول العبارة والتكرار, وفيه نظر, والله أعلم. وقال العوفي عن ابن عباس "وإذا حضر القسمة" هي قسمة الميراث, وهكذا قال غير واحد, والمعنى على هذا لا على ما سلكه ابن جرير رحمه الله, بل المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل, فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ, وهم يائسون لا شيء يعطونه, فأمر الله تعالى وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون براً بهم وصدقة عليهم, وإحساناً إليهم وجبراً لكسرهم. كما قال الله تعالى: "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده" وذم الذين ينقلون المال خفية خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة. كما أخبر عن أصحاب الجنة "إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين" أي بليل. وقال "فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين" فـ "دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها" فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه, ولهذا جاء في الحديث "ما خالطت الصدقة مالاً إلا أفسدته" أي منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية, وقوله تعالى: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم" الاية. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت, فيسمعه رجل يوصي بوصية تضر بورثته, فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب. فينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة, وهكذا قال مجاهد وغير واحد, وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده, قال: يا رسول الله, إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة, أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال "لا". قال: فالشطر ؟ قال "لا". قال: فالثلث ؟ قال: "الثلث, والثلث كثير". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" وفي الصحيح عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الثلث, والثلث كثير" قال الفقهاء: إن كان ورثة الميت أغنياء, استحب للميت أن يستوفي في وصيته الثلث, وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث, وقيل: المراد بالاية فليتقوا الله في مباشرة أموال اليتامى " ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ", حكاه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس, وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلماً, أي كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك, فعامل الناس في ذراريهم إذا وليتهم, ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلماً, فإنما يأكل في بطنه ناراً، ولهذا قال "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" أي إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب فإنما يأكلون ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة. وفي الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن ثور بن زيد, عن سالم أبي الغيث, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قيل: يا رسول الله, وما هن ؟ قال: "الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات الؤمنات الغافلات" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيدة, أخبرنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العمي, حدثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري, قال: قلنا: يا رسول الله, ما رأيت ليلة أسري بك ؟ قال "انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير. رجال كل رجل منهم له مشفران كمشفري البعير, وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم, ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسفله, ولهم جوار وصراخ, قلت: يا جبريل, من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً, إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" وقال السدي: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه, يعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم. وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد, حدثنا أحمد بن عمرو, حدثنا عقبة بن مكرم, حدثنا يونس بن بكير, حدثنا زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث, عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا ، قيل :يا رسول الله, من هم ؟ قال : ألم تر أن الله قال "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" الاية", رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة, عن عقبة بن مكرم, وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أحمد بن علي بن المثنى عن عقبة بن مكرم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا أحمد بن عصام, حدثنا أبو عامر العبدي, حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري, عن عثمان بن محمد, عن المقبري, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحرج مال الضعيفين المرأة واليتيم" أي أوصيكم باجتناب مالهما, وتقدم في سورة البقرة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: لما نزلت "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" الاية, انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه, فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد, فاشتد ذلك عليهم, فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير" الاية, قال: فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.
قوله 10- "إن الذين يأكلون أموال اليتامى" استئناف يتضمن النهي عن ظلم الأيتام من الأولياء والأوصياء وانتصاب قوله "ظلماً" على المصدرية: أي أكل ظلم، أو على الحالية: أي ظالمين لهم. قوله "إنما يأكلون في بطونهم ناراً" أي: ما يكون سبباً للنار، تعبيراً بالمسبب عن السبب، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية. وقوله "وسيصلون" قراءة عاصم وابن عامر بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وقرأ أبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية بكثرة الفعل مرة بعد أخرى. وقرأ الباقون بفتح الياء من صلى النار يصلاها، والصلى هو التسخن بقرب النار أو مباشرتها، ومنه قول الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها علم اللـ ـه وإني لحرها اليوم صالي
والسعير: الجمر المشتعل.
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات. ولا الصغار حتى يدركوا، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابناً صغيراً، فجاء ابنا عمه وهما عصبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذا ميراثه كله، فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية، فأرسل إليهما رسول الله فقال: لا تحركا من الميراث شيئاً، فإنه قد أنزل علي شيء احترت فيه إن للذكر والأنثى نصيباً، ثم نزل بعد ذلك "ويستفتونك في النساء"، وثم نزل "يوصيكم الله في أولادكم" فدعا بالميراث، فأعطى المرأة الثمن، وقسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: نزلت في أم كلثوم ابنة أم كحلة أو أم كحة وثعلبة بن أوس وسويد وهم من الأنصار، كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها، فقالت: يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث من ماله، فقال عم ولدها: يا رسول الله لا يركب فرساً ولا ينكي عدواً ويكسب عليها ولا يكتسب، فنزلت. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى "وإذا حضر القسمة" قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن خطاب بن عبد الله في هذه الآية قال: قضى بها أبو موسى. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن الحسن والزهري قالا: هي محكمة ما طابت به أنفسهم. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: يرضخ لهم فإن كان في ماله تقصير اعتذر إليهم فهو قولاً معروفاً. وأخرج ابن المنذر عن عائشة أنها لم تنسخ. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم أن هذه الآية منسوخة بآية الميراث. وأخرج أبو داود في ناسخه وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن المسيب قال: هي منسوخة. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: إن كانوا كباراً يرضخوا، وإن كانوا صغاراً اعتذروا إليهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه في قوله "وليخش الذين لو تركوا" قال: هذا في الرجل يحضر الرجل عند موته فيسمعه يوصي وصية تضر بورثته، فأمر الله الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب، ولينظر لورثته كما يحب أن يصنع لورثته إذا خشي عليهم الضيعة. وقد روي نحو هذا من طرق. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم عن أبي برزة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً، فقيل: يا رسول الله من هم؟ قال: ألم تر أن الله يقول "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً""؟ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الخدري قال: حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به قال: "نظرت فإذا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخراً من نار فيقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسافلهم ولهم جؤار وصراخ، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء "الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً"". وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال: هذه الآية لأهل الشرك حين كانوا لا يورثونهم ويأكلون أموالهم.
10-قوله تعالى:" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان ، يقال له مرثد بن زيد ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً": حراماً بغير حق، "إنما يأكلون في بطونهم ناراً"، أخبر عن مآله ،أي عاقبته تكون كذلك،"وسيصلون سعيراً"، قراءة العامة بفتح الياء، أي: يدخلونها يقال: صلي النار يصلاها صلاً، قال الله تعالى:"إلا من هو صال الجحيم"(الصافات -163) ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بضم الياء، أي: يدخلون النار ويحرقون ، نظيره قوله تعالى:"فسوف نصليه ناراً"( النساء- 30) "سأصليه سقر" (المدثر-26) وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم :"رأيت ليلة أسري بي قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل،إحداهما قالصة على منخرية والأخرى على بطنه، وخزنة النار يلقمونهم جمر جهنم وصخرها، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً".
10" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " ظالمين، أو على زجه الظلم. " إنما يأكلون في بطونهم " ملء بطونهم. " نارا " ما يجر إلى النار، ويؤول إليها. وعن أبي بردة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الله قوماً من قبورهم تتأجج أفواههم ناراً. فقيل: من هم؟ فقال: ألم تر أن الله يقول: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا " " وسيصلون سعيرا " وسيدخلون ناراً وأي نار". وقرأ ابن عامر و ابن عياش عن عاصم بضم الياء مخففاً. وقرئ به مشدداً يقال صلى النار قاسى حرها، وصليته شويته وأصليته وصليته ألقيته فيها، والسعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار إذا ألهبتها.
10. Lo! Those who devour the wealth of orphans wrongfully, they do but swallow fire into their bellies, and they will be exposed to burning flame.
10 - Those who unjustly eat up the property of orphans, eat up a fire into their own bodies: they will soon be enduring a blazing fire