[ص : 46] إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ
46 - (إنا أخلصناهم بخالصة) هي (ذكرى الدار) الآخرة أي ذكرها والعمل لها وفي قراءة بالإضافة وهي للبيان
وقوله عز وجل "إنا أخلصناهم بخالصة" يقول تعالى ذكره : إنا خصصناهم بخالصة ذكرى الدار.
واختلفت القراء في قراءة قوله "بخالصة ذكرى الدار" فقرأته عامة قراء المدينة بخالصة ذكرى الدار بإضافة خالصة إلى ذكرى الدار، بمعنى : أنهم أخلصوا بخالصة الذكرى، والذكرى إذا قرئ كذلك غير الخالصة، كما المتكبر إذا قرئ على كل قلب متكبر بإضافة القلب إلى المتكبر، هو الذي له القلب وليس بالقلب . وقرأ ذلك عامة قراء العراق "بخالصة ذكرى الدار" بتنوين قوله "خالصة" ورد ذكرى عليها، على أن الدار هي الخالصة، فردوا الذكر وهي معرفة على خالصة، وهي نكرة، كما قيل : لشر مآب : جهنم ، فرد جهنم وهي معرفة على المآب وهي نكرة.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إنا أخلصناهم بخالصة هي ذكرى الدار؟ أي أنهم يذكرون الناس الدار الآخرة ، ويدعونهم إلى طاعة الله، والعمل للدار الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" قال : بهذه أخلصهم الله، كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله.
وقال آخرون : معنى ذلك أنه أخلصهم بعملهم للآخرة وذكرهم لها.
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن الحسن الأزدي قال : ثتا يحيى بن يمان ، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله "إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" قال : بذكر الآخرة فليس لهم هم غيرها.
حدثنا محمد بن الحسين، قال : ثنا أحمد بن المفضل، قال : ثنا أسباط، عن السدي "إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" قال : بذكرهم الدار الآخرة ، وعملهم للآخرة.
وقال آخرون : معنى ذلك : إنا أخلصناهم بافضل ما في الآخرة . وهذا التأويل على قراءة من قرأه بالإضافة . وأما القولان الأولان فعلى تأويل قراءة من قرأه بالتنوين.
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "إنا أخلصنا" بخالصة ذكرى الدار قال : بأفضل ما في الأخرة أخلصناهم به ، وأعطيناهم إياه ، قال : والدار: الجنة، وقرأ "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض" [القصص : 83] قال : الجنة، وقرأ "ولنعم دار المتقين" [النحل : 30] قال : هذا كله الجنة، وقال : أخلصناهم بخير الآخرة.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : خالصة عقبى الدار.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع، قال : ثنا أبي ، عن شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير "بخالصة ذكرى الدار" قال: عقبى الدار.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : بخالصة أهل الدار.
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، قال : ثني ابن أبي نجيح، أنه سمع مجاهد يقول : "بخالصة ذكرى الدار" هم أهل الدار، وذو الدار، كقولك : ذو الكلاع ، وذو يزن.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يتأول ذلك على القراءة بالتنوين "بخالصة" عمل في ذكرى الآخرة.
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك على قراءة من قرأه بالتنوين أن يقال : معناه : إنا أخلصناهم بخالصة هي ذكرى الدار الآخرة، فعملوا لها في الدنيا، فأطاعوا الله وراقبوه . وقد يدخل في وصفهم بذلك أن يكون من صفتهم أيضا الدعاء إلى الله وإلى الدار الآخرة، لأن ذلك من طاعة الله ، والعمل للدار الآخرة، غير أن معنى الكلمة ما ذكرت. ما على قراءة من قرأه بالإضافة ، فأن يقال معناه : إنا أخلصناهم بخالصة ما ذكر في الدار الآخرة، فلما لم تذكر في أضيفت الذكرى إلى الدار كما قد بينا قبل في معنى قول "لا يسأم الإنسان من دعاء الخير"، وقوله "بسؤال نعجتك إلى نعاجه".
قوله تعالى : " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " قراءة العامة < بخالصة > منونة وهي اختيار أبي عبيد و أبي حاتم . وقرأ نافع و شيبة و أبو جعفر و هشام عن ابن عامر < بخالصة ذكرى الدار > بالإضافة فمن نون خالصة فـ < ذكرى الدار > بدل منها ، التقدير إنا أخلصناهم بأن يذكروا الدار الآخرة ويتأهبوا لها ، ويرغبوا فيها ويرغبوا الناس فيها .ويجوز أن يكون < خالصة > مصدراً لخلص و < ذكرى > في موضع رفع بأنها فاعلة ، والمعنى أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، أي تذكير الدار الآخرة . ويجوز أن يكون < خالصة > مصدراً لأخلصت فحذفت الزيادة ، فيكون < ذكرى > على هذا في موضع نصب ، التقدير :بأن أخلصوا ذكرى الدار . والدار يجوز أن يراد بها الدنيا ، أي ليتذكروا الدنيا ويزهدوا فيها ، ولتخلص لهم بالثناء الحسن عليهم ، كما قال تعالى : " وجعلنا لهم لسان صدق عليا " [ مريم : 50 ] ويجوز أن يراد بها الدار الآخرة وتذكير الخلق بها . ومن أضاف خالصة إلى الدار فهي مصدر بمعنى الإخلاص ، والذكرى مفعول به أضيف إليه المصدر ، إي بإخلاصهم ذكرى الدار . ويجوز أن يكون المصدر مضافاً إلى الفاعل والخالصة مصدر بمعنى الخلوص ، أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، وهي الدار الآخرة أو الدنيا على ما تقدم . وقال ابن زيد : معنى أخلصناهم أي بذكر الآخرة ، أي يذكرون الآخرة ويرغبون فيها ويزهدون في الدنيا . وقال مجاهد : المعنى إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم .
يقول تبارك وتعالى مخبراً عن فضائل عباده المرسلين وأنبيائه العابدين "واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار" يعني بذلك العمل الصالح والعلم النافع والقوة في العبادة والبصيرة النافذة, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "أولي الأيدي" يقول أولي القوة والعبادة "والأبصار" يقول الفقه في الدين. وقال مجاهد "أولي الأيدي" يعني القوة في طاعة الله تعالى والأبصار يعني البصر في الحق وقال قتادة والسدي: أعطوا قوة في العبادة وبصراً في الدين.
وقوله تبارك وتعالى: "إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" قال مجاهد أي جعلناهم يعملون للاخرة ليس لهم غيرها وكذا قال السدي ذكرهم للاخرة وعملهم لها. وقال مالك بن دينار نزع الله تعالى من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الاخرة وذكرها, وكذا قال عطاء الخراساني. وقال سعيد بن جبير يعني بالدار الجنة يقول أخلصناها لهم بذكرهم لها, وقال في رواية أخرى ذكرى الدار عقبى الدار, وقال قتادة كانوا يذكرون الناس الدار الاخرة والعمل لها, وقال ابن زيد جعل لهم خاصة أفضل شيء في الدار الاخرة.
وقوله تعالى: "وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار" أي لمن المختارين المجتبين الأخيار فهم أخيار مختارون.
وقوله تعالى: "واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار" قد تقدم الكلام على قصصهم وأخبارهم مستقصاة في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله عز وجل: "هذا ذكر" أي هذا فصل فيه ذكر لمن يتذكر, قال السدي يعني القرآن العظيم.
وجملة 46- "إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" تعليل لما وصفوا به. قرأ الجمهور "بخالصة" بالتنوين وعدم الإضافة على أنها مصدر بمعنى الإخلاص، فيكون ذكرى منصوباً به، أو بمعنى الإخلاص، فيكون ذكرى منصوباً به، أو بمعنى الخلوص فيكون ذكرى مرفوعاً به، أو يكون خالصة اسم فاعل على بابه، وذكرى بدل منها أو بيان لها أو بإضمار أعني أو مرفوعة بإضمار مبتدأ، والدار يجوز أن تكون مفعولاً به لذكرى وأن تكون ظرفاً: إما على الاتساع، أو على إسقاط الخافض، وعلى كل تقدير فخالصة صفة لموصوف محذوف والباء للسببية: أي بسبب خصلة خالصة. وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر بإضافة خالصة إلى ذكرى على أن الإضافة للبيان، لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى، أو على أن خالصة مصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل محذوف. أي بأن أخلصوا ذكرى الدار، أو مصدر بمعنى الخلوص مضافاً إلى فاعله. قال مجاهد: معنى الآية استصفيناهم بذكر الآخرة فأخلصناهم بذكرها. وقال قتادة: كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله. وقال السدي: أخلصوا بخوف الآخرة. قال الواحدي: فمن قرأ بالتنوين في خالصة كان المعنى جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار، والخالصة مصدر بمعنى الخلوص والذكرى بمعنى التذكر: أي خلص لهم تذكر الدار، وهو أنهم يذكرون التأهب له ويزهدون في الدنيا، وذلك من شأن الأنبياء. وأما من أضاف فالمعنى: أخلصنا لهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار، والخالصة مصدر مضاف إلى الفاعل، والذكرى على هذا المعنى الذكر.
46. " إنا أخلصناهم "، اصطفيناهم، " بخالصة ذكرى الدار "، قرأ أهل المدينة: (( بخالصة )) مضافاً، وقرأ الآخرون بالتنوين، فمن أضاف فمعناه: أخلصناهم بذكر الدار الآخرة، وأن يعملوا لها، والذكرى: بمعنى الذكر. قال مالك بن دينار : نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها، وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها.
وقال قتادة : كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله عز وجل.
وقال السدي : أخلصوا بخوف الآخرة.
وقيل: معناه بأفضل ما في الآخرة.
قال ابن زيد: ومن قرأ بالتنوين فمعناه: بخلة خالصة، وهي ذكرى الدار، فيكون (( ذكرى )) بدلاً عن الخالصة.
وقيل: (( أخلصناهم )): جعلناهم مخلصين، بما أخبرنا عنهم من ذكر الآخرة.
46-" إنا أخلصناهم بخالصة " جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها هي : " ذكرى الدار " تذكرهم الدار الآخرة دائماً فإن خلوصهم في الطاعة بسببها ، وذلك لأن مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه وذلك في الآخرة ، وإطلاق " الدار" للاشعار بأنها الدار الحقيقية والدنيا معبر ، وأضاف نافع و هشام " بخالصة " إلى " ذكرى " للبيان أو لأنه مصدر بمعنى الخلوص فأضيف إلى فاعله .
46. Lo! We purified them with a pure thought, remembrance of the Home (of the Hereafter).
46 - Verily We did choose them for a special (purpose) proclaiming the Message of the Hereafter.