[ص : 21] وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ
21 - (وهل) معنى الاستفهام هنا التعجب والتشويق إلى استماع ما بعده (أتاك) يا محمد (نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) محراب داود أي مسجده حيث منعوا الدخول عليه من الباب لشغله بالعبادة أي خبرهم وقصتهم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وهل أتاك يا محمد نبأ الخصم. وقيل : إنه عنى بالخصم في هذا الموضع ملكان ، وخرج في لفظ الواحد، لأنه مصدر مثل الزور والسفر، لا يثنى ولا يجمع ؟ ومنه قول لبيد :
وخصم يعدون الذحول كأنهم قروم غيارى كل أزهر مصعب
وقوله "إذ تسوروا المحراب" يقول : دخلوا عليه من غير باب المحراب ، والمحراب مقدم كل مجلس وبيت وأشرفه.
فيه أربع وعشرون مسألة :
الأولى : قوله تعالى : " وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب " < الخصم > يقع على الواحد والإثنين والجماعة ، لأن أصله المصدر . قال الشاعر :
وخصم غضاب ينفضون لحاهم كنفض البراذين العراب المخاليا
النحاس : ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به ها هنا ملكان . وقيل : < تسوروا > وإن كان إثنين حملاً على الخصم ، إذ كان بلفظ الجمع ومضارعاً له ، مثل الركب والصحب . تقديره للإثنين ذوا خصم . ومعنى : < تسوروا المحراب > آتوه من أعلى سوره . يقال : تسور الحائط تسلقه ، والسور حائط المدينة وهو بغير همز ، وكذلك السور جمع سورة بسرة وبسر وهي كل منزلة من البناء . ومنه سورة القرآن ، لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى . وقد مضى في مقدمة الكتاب بيان هذا وقول النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
يريد شرفاً ومنزلة فأما السؤر بالهمز فهو بقية الطعام في الإناء . ابن العربي : والسؤر الوليمة بالفارسي . وفي الحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب : إن جابراً قد صنع لكم سؤراً فحيهلا بكم " والمحراب هنا الغرفة ، لأنهم تسوروا عليه فيها ، قال يحيى بن سلام . وقال أبو عبيدة إنه صدر المجلس ، ومنه محراب المسجد . وقد مضى القول فيه في غير موضع . " إذ دخلوا على داود " جاءت < إذ > مرتين ، لأنهما فعلان . وزعم الفراء أن إحداهما بمعنى لما . وقول آخر أن تكون الثانية مع ما بعدها تنبيها لما قبلها . قيل : إنهما كانا إنسيين ، قاله النقاش . وقيل : ملكين ، قاله جماعة . وعينهما جماعة فقالوا : إنهما جبريل وميكائيل . وقيل : ملكين في صورة إنسيين بعثهما الله إليه في يوم عبادته . فمنعهما الحرس الدخول ، فتسوروا المحراب عليه ، فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسين ، وهو قوله تعالى : " وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب " أي علوا ونزلوا عليه من فوق المحراب ، قاله سفيان الثوري وغيره وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود عليه السلام حدث نفسه إن إبتلى أن يعتصم . فقيل له : إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلي فيه فخذ حذرك . فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه ، فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير ، فجعل يدرج بين يديه . فهم أن يتناوله بيده ، فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فطار ، فاطلع ليبصره فأشرف على إمرأة تغتسل ، فلما رأته غطت جسدها بشعرها . قال السدي فوقعت في قلبه . قال ابن عباس : وكان زوجها غازياً في سبيل الله وهو أوريا بن حنان ، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت ، وكان حملة التابوت إما أن يفتحوا الله عليهم أو يقتلوا ، فقدمه فيهم فقتل ، فلما انقضت عدتها خطبها داود ، واشترطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة بعده ، وكتبت عليه بذلك كتاباً ، وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل ، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب ، وتسور الملكان وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه . ذكره الماوردي وغيره . ولا يصح . قال ابن العربي : وهو أمثل ما روي في ذلك .
قلت : ورواه مرفوعاً بمعناه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن يزيد الرقاشي ، " سمع أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثاً وأوصى صاحب البعث فقال : إذا حضر العدو قرب فلاناً وسماه ، قال فقربه بين يدي التابوت - قال - وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو يهزم عنه الجيش الذي يقاتله فقدم فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة " . وقال سعيد عن قتادة : كتب إلى زوجها وذلك في حصار عمان مدينة بلقاء أن يأخذوا بحلقة الباب ، وفيه الموت الأحمر ، فتقدم فقتل . قال : الثعلبي : قال قوم من العلماء : إنما امتحن الله داود بالخطيئة ، لأنه تمنى يوماً على ربه منزلة إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وسأله أن يمتحنه نحو ما امتحنهم ، ويعطيه نحو ما أعطاهم . وكان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام ، يوم يقضي فيه بين الناس ، ويوم يخلو فيه بعبادة ربه ، ويوم يخلو فيه بنسائه وأشغاله . وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب . فقال : يا رب ! إن الخير كله قد ذهب به أبائي ، فأوحى الله تعالى إليه : إنهم ابتلوا ببلايا لم يبتل بها غيرهم فصبروا عليها ، ابتلى إبراهيم بنمروذ وبالنار وبذبح ابنه ، وابتلى إسحاق بالذبح وابتلى يعقوب بالحزن على يوسف وذهاب بصره ولم تبتل أنت بشيء من ذلك . فقال داود عليه السلام : فابتلني مثل ما ابتليتهم ، وأعطني مثل ما أعطيتهم ، فأوحى الله تعالى إليه : إنك مبتلي في شهر كذا في يوم الجمعة . فلما كان ذلك اليوم دخل محرابه وأغلق بابه ، وجعل يصلي ويقرأ الزبور . فبينا هو كذلك إذ مثل له الشيطان في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن ، فوقف بين رجليه ، فمد يده ليأخذها فيدفها لإبن له صغير ، فطارت غير بعيد ولم تؤيسه من نفسها ، فامتد إليها ليأخذها فتنحت ، فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة ، فذهب ليأخذها فطارت ونظر داود يرتفع في إثرها ليبعثوا إليها من يأخذها ، فنظر إمرأة في بستان على شط بركة تغتسل ، قاله الكلبي . وقال السدي : تغتسل عريانه على سطح لها ، فرأى أجمل النساء خلقاً فأبصرت ظله فنفضت شعرها فغطى بدنها ، فزاده إعجاباً بها . وكان زوجها أوريا بن حنان ، في غزوة مع أيوب بن صوريا إبن أخت داود ، فكتب داود إلى أيوب إن ابعث بأوريا إلى مكان كذا وكذا ، وقدمه قبل التابوت ، وكان من قدم قبل التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله عليه أو يستشهد . فقدمه ففتح له فكتب إلى داود يخبره بذلك . قال الكلبي : وكان أوريا سيف الله في أرضه في زمان داود ، وكان إذا ضرب ضربة وكبر كبر جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، وكبرت ملائكة السماء بتكبيرة حتى ينتهي ذلك إلى العرش ، وتكبر ملائكة العرش بتكبيره . قال : وكان سيوف الله ثلاثة ، كالب بن يوقنا في زمن موسى ، وأوريا في زمن داود ، وحمزة بن عبد المطلب في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما كتب أيوب إلى داود يخبره أن الله قد فتح على أوريا كتب داود إليه أن إبعثه في بعث كذا وقدمه قبل التابوت ، ففتح الله عليه ، فقتل في الثالثة شهيداً . فتزوج داود تلك المرأة حين انقضت عدتها . فهي أم سليمان بن داود . وقيل : سبب إمتحان داود عليه السلام أن نفسه حدثته أنه يطيق قطع يوم بغير مقارفة شيء . قال الحسن : إن داود جزأ الدهر أربعة أجزاء ، جزءاً لنسائه ، وجزءاً للعبادة ، وجزءاً لبني إسرائيل يذاكرونه ويذاكرهم ويبكونه ويبكيهم ، ويوماً للقضاء . فتذاكروا هل يمر على الإنسان لا يصيب فيه ذنباً ؟ فأضمر داود أنه يطيق ذلك ، فأغلق الباب على نفسه يوم عبادته ، وأمر ألا يدخل عليه أحد ، وأكب على قراءة الزابور ، فوقعت حمامة من ذهب بين يديه . وذاكر نحو ما تقدم . قال علماؤنا : وفي هذا دليل وهي :
الثانية : على أنه ليس على الحاكم أن ينتصب للناس كل يوم ، وأنه ليس للإنسان أن يترك وطء نسائه وإن كان مشغولاً بالعبادة . وقد مضى هذا المعنى في < النساء > . وحكم كعب بذلك في زمن عمر بمحضره رضي الله عنهما " وقد قال عليه السلام لعبد الله بن عمرو إن لزوجك عليه حقا " الحديث . وقال الحسن أيضاً و مجاهد إن داود عليه السلام قال لبني إسرائيل حين استخلف : والله لأعدلن بينكم ، ولم يستثن فابتلي بهذا . وقال أبو بكر الوراق : كان داود كثير العبادة فأعجب بعمله وقال : هل في الأرض أحد يعمل كعملي . فأرسل الله إليه جبريل ، فقال : إن الله تعالى يقول لك : أعجبت بعبادتك ، والعجب يأكل العبادة كما تأكل النار الحطب ، فإن أعجبت ثانية وكلتك إلى نفسك . قال : يا رب كلني إلى نفسي سنة . قال : إن ذلك لكثير . قال : فشهراً . قال : إن ذلك لكثير . قال : فيوماً . قال : إن ذلك لكثير . قال : يا رب فكلني إلى نفسي ساعة . قال : فشأنك بها . فوكل الأحراس ولبس الصوف ، ودخل المحراب ووضع الزبور بين يديه ، فبينما هو في عبادته إذ وقع الطائر بين يديه فكان من أمر المرأة ما كان . وقال سفيان الثوري : قال داود ذات يوم يا رب ما من يوم إلا ومن آل داود لك فيه صائم ، وما من ليلة إلا ومن آل داود لك فيها قائم . فأوحى الله إليه : يا داود منك ذلك أو مني ؟ وعزتي لأكلنك إلى نفسك . قال : يا رب اعف عني . قال : أكيلك إلى نفسك سنة . قال : لا بعزتك . قال : فشهراً . قال : لا بعزتك . قال : فأسبوعاً . قال : لا بعزتك . قال : فيوماً . قال : لا بعزتك . قال : فساعة . قال : لا بعزتك . قال : فلحظة . فقال له الشيطان : وما قدر لحظة . قال : كلني إلى نفسي لحظة . فوكله الله إلى نفسه لحظة . وقيل له : هي في يوم كذا في وقت كذا . فلما جاء ذلك اليوم جعله للعبادة ، ووكل الأحراس حول مكانه . قيل : أربعة ألاف . وقيل : ثلاثين ألفاً أو ثلاثة وثلاثين ألفاً . وخلى بعبادة ربه ، ونشر الزبور بين يديه ، فجاءت الحمامة فوقعت له ، فكان من أمره في لحظته مع المرأة ما كان وأرسل الله عز وجل إليه الملكين بعد ولادة سليمان وضربا له المثل بالنعاج ، فلما سمع المثل ذكر خطيئته فخر ساجداً أربعين ليلة على ما يأتي .
قد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ولكن روى ابن أبي حاتم حديثاً لا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضاً. وقوله تعالى: "ففزع منهم" إنما كان ذلك لأنه كان في محرابه وهو أشرف مكان في داره وكان قد أمر أن لا يدخل عليه أحد ذلك اليوم فلم يشعر إلا بشخصين قد تسورا عليه المحراب أي احتاطا به يسألانه عن شأنهما وقوله عز وجل: "وعزني في الخطاب" أي غلبني يقال عز يعز إذا قهر وغلب. وقوله تعالى: "وظن داود أنما فتناه" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أي اختبرناه. وقوله تعالى "وخر راكعاً" أي ساجداً "وأناب" ويحتمل أنه ركع أولاً ثم سجد بعد ذلك, وقد ذكر أنه استمر ساجداً أربعين صباحاً "فغفرنا له ذلك" أي ما كان منه مما يقال فيه إن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقد اختلف الأئمة في سجدة "ص" هل هي من عزائم السجود ؟ على قولين الجديد من مذهب الشافعي رضي الله عنه أنها ليست من عزائم السجود بل هي سجدة شكر, والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا إسماعيل هو ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال السجدة في "ص" ليست من عزائم السجود, وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. ورواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في تفسيره من حديث أيوب به وقال الترمذي حسن صحيح. وقال النسائي أيضاً عند تفسير هذه الاية أخبرني إبراهيم بن الحسن هو المقسمي حدثنا حجاج بن محمد عن عمرو بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في "ص" وقال: "سجدها داود عليه الصلاة والسلام توبة ونسجدها شكراً" تفرد بروايته النسائي ورجال إسناده كلهم ثقات.
وقد أخبرني شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي قراءة عليه وأنا أسمع, أخبرنا أبو إسحاق المدرجي أخبرنا زاهر بن أبي طاهر الثقفي حدثنا زاهر بن أبي طاهر الشحامي أخبرنا أبو سعيد الكنجدروذي أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال: قال لي ابن جريج يا حسن حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت, فسجدت الشجرة بسجودي فسمعتها تقول وهي ساجدة: اللهم اكتب لي عندك أجراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وضع بها عني وزراً, واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود.
قال ابن عباس رضي الله عنهما فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام فقرأ السجدة ثم سجد فسمعته يقول وهو ساجد كما حكى الرجل عن كلام الشجرة, رواه الترمذي عن قتيبة وابن ماجه عن أبي بكر بن خلاد كلاهما عن محمد بن يزيد بن خنيس نحوه, وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال البخاري عند تفسيرها أيضاً حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن العوام قال سألت مجاهداً عن سجدة "ص" فقال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما من أين سجدت فقال أو ما تقرأ "ومن ذريته داود وسليمان" "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" فكان داود عليه الصلاة والسلام ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها داود عليه الصلاة والسلام فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حميد حدثنا بكر هو ابن عبد الله المزني أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه رأى رؤيا أنه يكتب "ص" فلما بلغ إلى الاية التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجداً قال فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها بعد, تفرد به أحمد, وقال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر "ص" فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشرف الناس للسجود فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشرفتم" فنزل وسجد وتفرد به أبو داود وإسناده على شرط الصحيحين.
وقوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" أي وإن له يوم القيامة لقربة يقربه الله عز وجل بها وحسن مرجع وهو الدرجات العالية في الجنة لتوبته وعدله التام في ملكه كما جاء في الصحيح "المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يقسطون في أهليهم وما ولوا" وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا فضيل عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل, وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذاباً إمام جائر" ورواه الترمذي من حديث فضيل وهو ابن مرزوق الأغر عن عطية به, وقال لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا سيار حدثنا جعفر بن سليمان سمعت مالك بن دينار في قوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" قال يقام داود يوم القيامة عند ساق العرش ثم يقول يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في الدنيا فيقول وكيف وقد سلبته ؟ فيقول الله عز وجل إني أرده عليك اليوم قال فيرفع داود عليه الصلاة والسلام بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان.
21- "وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب" لما مدحه الله سبحانه بما تقدم ذكره أردف ذلك بذكر هذه القصة الواقعة لما فيها من الأخبار العجيبة. قال مقاتل: بعث الله إلى داود ملكين، جبريل وميكائيل لينبهه على التوبة، فأتياه وهو في محرابه. قال النحاس: ولا خلاف بين أهل التفسير أن المراد بالخصم ها هنا الملكان، والخصم مصدر يقع على الواحد والاثنين والجماعة. ومعنى "تسوروا المحراب" أتوه من أعلى سوره ونزلوا إليه، والسور: الحائط المرتفع، وجاء بلفظ الجمع في تسوروا مع كونهم إثنين نظراً إلى ما يحتمله لفظ الخصم من الجمع. ومنه قول الشاعر:
وخصم غضاب قد نفضت لحاهم كنفض البراذين العراب المخاليا
والمحراب: الغرفة، لأنهم تسوروا عليه وهو فيها، كذا قال يحيى بن سلام. وقال أبو عبيدة: إنه صدر المجلس ومنه محراب المسجد. وقيل إنهما كانا إنسيين ولم يكونا ملكين.
21. قوله عز وجل: " وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب "،] هذه الآية من قصة امتحان داود عليه السلام، واختلف العلماء بأخبار الأنبياء عليهم السلام في سببه: فقال قوم: سبب ذلك أنه عليه السلام تمنى يوماً من الأيام منزلة إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وسأل ربه أن يمتحنه كما امتحنهم، ويعطيه من الفضل مثل ما أعطاهم.
فروى السدي ، و الكلبي ، و مقاتل : عن أشياخهم قد دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: كان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام يوماً يقضي فيه بين الناس، ويوماً يخلو فيه لعبادة ربه، ويوماً لنسائه وأشغاله، وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقال: يارب أرى الخير كله وقد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي، فأوحى الله إليه: أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها فصبروا عليها، ابتلي إبراهيم بنمرود وبذبح ابنه، وابتلي إسحاق بالذبح وبذهاب بصره، وابتلي يعقوب بالحزن على يوسف، فقال: رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم صبرت أيضاً. فأوحى الله إليه إنك مبتلى في شهر كذا وفي يوم كذا فاحترس، فلما كان ذلك اليوم الذي وعده الله دخل داود محرابه وأغلق بابه، وجعل يصلي ويقرأ الزبور، فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن - وقيل: كان جناحاها من الدر والزبرجد - فوقعت بين رجليه فأعجبه حسنها، فمد يده ليأخذها ويريها بني بني إسرائيل فينظروا إلى قدرة الله تعالى، فلما قصد أخذها طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها، فامتد إليها ليأخذها، فتنحت، فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة، فذهب ليأخذها، فطارت من الكوة، فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها، فأبص امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل، هذا قول الكلبي .
وقال السدي : رآها تغتسل على سطح لها فرأى امرأة من أجمل النساء خلقاً، فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله فنقضت شعرها فغطى بدنها، فزاده ذلك إعجاباً بها فسأل عنها، فقيل هي تيشايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا، وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا بن أخت داود.
وذكر بعضهم أنه أحب أن يقتل أوريا ويتزوج امرأته، فكان ذنبه هذا القدر.
وذكر بعضهم أنه كتب داود إلى ابن أخته أيوب أن ابعث أوريا إلى موضع كذا، وقدمه قبل التابوت، وكان من قدم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أو يستشهد، فبعثه وقدمه ففتح له، افكتب إلى داود بذلك فكتب إليه أيضاً أن يبعثه إلى عدو كذا وكذا، فبعثه ففتح له، فكتب إلى داود بذلك فكتب له أيضاً أن يبعثه إلى عدو كذا وكذا أشد منه بأساً، فبعثه فقتل في المرة الثالثة، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فهي أم سلميمان عليهما السلام.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كان ذلك ذنب داود أنه التمس من الرجل أن ينزل له عن امرأته.
قال أهل التفسير: كان ذلك مباحاً لهم غير أن الله تعالى لم يرض له ذلك لأنه كان ذا رغبة في الدنيا، وازدياداً للنساء، وقد أغناه الله عنها بما أعطاه من غيرها.
وروي عن الحسن في سبب امتحان داود عليه السلام: أنه كان قد جزأ الدهر أجزاءً، يوماً لنسائه، ويوماً للعبادة، ويوماً للقضاء بين بني إسرائيل، ويوماً لبني إسرائيل، يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه، فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروه فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنباً، فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك.
وقيل: إنهم ذكروا فتنة النساء فأضمر داود في نفسه أنه إن أبتلي اعتصم، فلما كان يوم عبادته أغلق أبوابه وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكب على التوراة فبينما هو يقرأ إذ دخلت عليه حمامة من ذهب كما ذكرنا، قال: وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا إذا سار إليه قتل، ففعل فأصيب فتزوج امرأته.
قالوا: فلما دخل داود بامرأة أوريا لم يلبث إلا يسيراً حتى بعث الله إليه ملكين في صورة رجلين في يوم عبادته، فطلبا أن يدخلا عليه، فمنعهما الحرس فتسوروا المحراب عليه، فما شعر وهو يصلي إلا وهما بين يديه جالسين، يقال: كانا جبريل وميكائيل، فذلك قوله عز وجل:
" وهل أتاك نبأ الخصم "، خبر الخصم، " إذ تسوروا المحراب "، صعدوا وعلوا، يقال: تسورت الحائط والسور إذا علوته، وإنما جمع الفعل وهما اثنان لأن الخصم اسم يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، ومعنى الجمع في الاثنين موجود، لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شئ،هذا كما قال الله تعالى: " فقد صغت قلوبكما " (التحريم-4).
21-" وهل أتاك نبأ الخصم " استفهام معناه التعجيب والتشريق إلى استماعه ، والخصم في الأصل مصدر ولذلك أطلق على الجمع . " إذ تسوروا المحراب " إذ تصعدوا سور الغرفة ، تفعل من السور كتسنم من السنام ، وإذ متعلق بمحذوف أي نبأ تحاكم الخصم " إذ تسوروا " ، أو بالنبأ على أن المراد به الواقع في عهد داود عليه الصلاة والسلام ، وأن إسناد أتى إليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم لما فيه من معنى الفعل لا بأتى لأن إتيانه الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن حينئذ " إذ " الثانية في .
21. And hath the story of the litigants come unto thee? How they climbed the wall into the royal chamber;
21 - Has the Story of the Disputants reached thee? behold, they climbed over the wall of the private chamber;