[ص : 19] وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ
19 - وسخرنا (والطير محشورة) مجموعة إليه تسبح معه (كل) من الجبال والطير (له أواب) رجاع إلى طاعته بالتسبيح
وقوله "والطير محشورة" يقول تعالى ذكره : وسخرنا الطير يسبحن معه محشورة بمعنى : مجموعة له ، ذكر أنه إذا كان إذا سبح أجابته الجبال ، واجتصت إليه الطير، فسبحت معه. واجتماعها إليه كان حشرها. وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في معنى الحشر فيما مضى ، فكرهنا إعادته.
وكان قتادة يقول في ذلك في هذا الموضع ما:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "والطير محشورة": مسخرة.
وقوله "كل له أواب" يقول : كل ذلك له مطيع رجاع إلى طاعته وأمره. ويعني بالكل : كل الطير.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "كل له أواب": أي مطيع.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "والطير محشورة كل له أواب" قال : كل له مطيع .
وقال آخرون : معنى ذلك : كل ذلك لله مسبح .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قول "والطير محشورة كل له أواب" يقول : مسبح لله.
قوله تعالى : " والطير محشورة " معطوف على الجبال . قال الفراء : ولو قرىء < والطير محشورة > لجاز ، لأنه لم يظهر الفعل . قال ابن عباس : كان داود عليه السلام إذا سبح جاوبته الجبال واجتمعت إليه الطير فسبحت معه ، فاجتماعها إليه حشرها . فالمعنى وسخرنا الطير مجموعة إليه لتسبح الله معه . وقيل : إي وسخرنا الريح لتحشر الطيور إليه لتسبح معه ، أو أمرنا الملائكة تحشر الطيور . " كل له " أي لداود " أواب " أي مطيع ، أي تأتيه وتسبح معه . وقيل : الهاء لله عز وجل .
يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام أنه كان ذا أيد والأيد القوة في العلم والعمل. قال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي وابن زيد, الأيد القوة, وقرأ ابن زيد "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" وقال مجاهد الأيد القوة في الطاعة. وقال قتادة أعطي داود عليه الصلاة والسلام قوة في العبادة وفقهاً في الإسلام, وقد ذكر لنا أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر, وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود, وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه, وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى وأنه كان أواباً" وهو الرجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره وشؤونه.
وقوله تعالى: "إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق" أي أنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار كما قال عز وجل: "يا جبال أوبي معه والطير" وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعاً له. قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن بشر عن مسعر عن عبد الكريم عن موسى بن أبي كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بلغه أن أم هانىء رضي الله عنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلى الضحى ثمان ركعات فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة يقول عز وجل: " يسبحن بالعشي والإشراق " ثم رواه من حديث سعيد بن أبي عروبة عن أبي المتوكل عن أيوب بن صفوان عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس رضي الله عنهما كان لا يصلي الضحى فأدخلته على أم هانىء رضي الله عنها فقلت أخبري هذا ما أخبرتني به فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي ثم أمر بماء صب في قصعة ثم أمر بثوب فأخذ بيني وبينه فاغتسل ثم رش ناحية البيت فصلى ثمان ركعات وذلك من الضحى قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء قريب بعضهن من بعض فخرج ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول: لقد قرأت ما بين اللوحين ما عرفت صلاة الضحى إلا الان "يسبحن بالعشي والإشراق" وكنت أقول أين صلاة الإشراق وكان بعد يقول صلاة الإشراق ولهذا قال عز وجل: "والطير محشورة" أي محبوسة في الهواء "كل له أواب" أي مطيع يسبح تبعاً له, وقال سعيد بن جبير وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد "كل له أواب" أي مطيع.
وقوله تعالى: "وشددنا ملكه" أي جعلنا له ملكاً كاملاً من جميع ما يحتاج إليه الملوك, قال ابن أبي نجي عن مجاهد كان أشد أهل الدنيا سلطاناً, وقال السدي كان يحرسه كل يوم أربعة آلاف, وقال بعض السلف بلغني أنه كان يحرسه في كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفاً لا تدور عليهم النوبة إلى مثلها من العام القابل, وقال غيره أربعون ألفاً مشتملون بالسلاح, وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم من رواية علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرين من بني إسرائيل استعدى أحدهما على الاخر إلى داود عليه الصلاة والسلام أنه اغتصبه بقراً فأنكر الاخر ولم يكن للمدعي بينة فأرجأ أمرهما فلما كان الليل أمر داود عليه الصلاة والسلام في المنام بقتل المدعي, فلما كان النهار طلبهما وأمر بقتل المدعي فقال يا نبي الله علام تقتلني وقد اغتصبني هذا بقري ؟ فقال له إن الله تعالى أمرني بقتلك فأنا قاتلك لا محالة, فقال والله إن الله لم يأمر بقتلي لأجل هذا الذي ادعيت عليه وإني لصادق فيما ادعيت ولكني كنت قد اغتلت أباه وقتلته ولم يشعر بذلك أحد فأمر به داود عليه السلام فقتل, قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاشتدت هيبته في بني إسرائيل وهو الذي يقول الله عز وجل "وشددنا ملكه".
وقوله عز وعلا: "وآتيناه الحكمة" قال مجاهد يعني الفهم والعقل والفطنة, وقال مرة: الحكمة والعدل, وقال مرة: الصواب, وقال قتادة كتاب الله واتباع ما فيه, فقال السدي "الحكمة" النبوة وقوله جل جلاله "وفصل الخطاب" قال شريح القاضي والشعبي: فصل الخطاب الشهود والأيمان وقال قتادة شاهدان على المدعي أو يمين المدعى عليه هو فصل الخطاب الذي فصل به الأنبياء والرسل أو قال المؤمنون والصالحون وهو قضاء هذه الأمة إلى يوم القيامة, وكذا قال أبو عبد الرحمن السلمي وقال مجاهد والسدي هو إصابة القضاء وفهم ذلك وقال مجاهد أيضاً هو الفصل في الكلام وفي الحكم وهذا يشمل هذا كله وهو المراد واختاره ابن جرير وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمر بن شيبة النميري حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أول من قال: أما بعد داود عليه السلام وهو فصل الخطاب, وكذا قال الشعبي فصل الخطاب: أما بعد.
19- "والطير محشورة" معطوف على الجبال، وانتصاب محشورة على الحال من الطير: أي وسخرنا الطير حال كونها محشورة: أي مجموعة إليه تسبح الله معه. قيل كانت تجمعها إليه الملائكة. وقيل كانت تجمعها الريح "كل له أواب" أي كل واحد من داود والجبال والطير رجاع إلى طاعة الله وأمره، والضمير في له راجع إلى الله عز وجل. وقيل الضمير لداود: أي لأجل تسبيح داود مسبح، فوضع أواب موضع مسبح، والأول أولى. وقد قدمنا أن الأواب: الكثير الرجوع إلى الله سبحانه.
19. قوله عز وجل: " والطير "، أي: وسخرنا له الطير، " محشورةً "، مجموعة إليه تسبح معه، " كل له أواب "، مطيع رجاع إلى طاعته بالتسبيح، وقيل: أواب معه أي مسبح.
19-" والطير محشورةً " إليه من كل جانب ، وإنما لم يراع المطابقة بين الحالين لأن الحشر جملة أدل على القدرة منه مدرجاً ، وقرئ والطير محشورة بالمبتدأ والخبر . " كل له أواب " كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح ، والفرق بينه وبين ما قبله أنه يدل على الموافقة في التسبيح وهذا على المداولة عليها ، أو كل منهما ومن داود عليه الصلاة والسلام مرجع لله التسبيح .
19. And the birds assembled; all were turning unto Him
19 - And the birds gathered (in assemblies): all with him did turn (to God).