[الصافات : 91] فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ
91 - (فراغ) مال في خفية (إلى آلهتهم) وهي الأصنام وعندها الطعام (فقال) استهزاء (ألا تأكلون) فلم ينطقوا
وقوله "فراغ إلى آلهتهم" يقول تعالى ذكره : فمال إلى آلهتهم بعد ما خرجوا عنه وأدبروا ، وأرى أن أصل ذلك من قولهم : راغ فلان عن فلان : إذا حاد عنه ، فيكون معناه إذا كان كذلك فراغ عن قومه والخروج معهم إلى آلهتهم ، كما قال عدي بن زيد:
حين لا ينفع الرواغ ولا ينـ فع إلا المصادق النحرير
يعني بقوله : لا ينفع الرواغ : الحياد، أما أهل التأويل فإنهم فسروه بمعنى فمال.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "فراغ إلى آلهتهم": أي فمال إلى آلهتهم قال : ذهب.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله "فراغ إلى آلهتهم"قال : ذهب.
قوله تعالى : " فراغ إلى آلهتهم "
قال السدي : ذهب إليهم . وقال أبو مالك : جاء إليهم . وقال قتادة : مال إليهم . وقال الكلبي : أقبل عليهم . وقيل : عدل . والمعنى متقارب . فراغ يروغ روغاً وروغاناً إذا ما .
وطريق رائغ أي مالك . وقال الشاعر :
ويريك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
فقال : " ألا تأكلون " فخاطبها كما يخاطب من يعقل ، لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة .
إنما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه ذلك ليقيم في البلد إذا ذهبوا إلى عيدهم فإنه كان قد أزف خروجهم إلى عيد لهم فأحب أن يختلي بآلهتهم ليكسرها فقال لهم كلاماً هو حق في نفس الأمر فهموا منه أنه سقيم على مقتضى ما يعتقدونه "فتولوا عنه مدبرين" قال قتادة والعرب تقول لمن تفكر نظر في النجوم, يعني قتادة أنه نظر إلى السماء متفكراً فيما يلهيهم به فقال "إني سقيم" أي ضعيف, فأما الحديث الذي رواه ابن جرير ههنا حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة حدثني هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام غير ثلاث كذبات: ثنتين في ذات الله تعالى, قوله "إني سقيم" وقوله "بل فعله كبيرهم هذا" وقوله في سارة هي أختي" فهو حديث مخرج في الصحاح والسنن من طرق ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله حاشا وكلا ولما, وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزاً وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني كما جاء في الحديث "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم عليه الصلاة والسلام الثلاث التي قال ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله تعالى: "فقال إني سقيم" وقال "بل فعله كبيرهم هذا" وقال للملك حين أراد امرأته هي أختي. قال سفيان في قوله "إني سقيم" يعني طعين وكانوا يفرون من المطعون فأراد أن يخلو بآلهتهم, وكذا قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: " فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم " فقالوا له وهو في بيت آلهتهم: اخرج فقال إني مطعون فتركوه مخافة الطاعون. وقال قتادة عن سعيد بن المسيب رأى نجماً طلع فقال "إني سقيم" كابد نبي الله عن دينه "فقال إني سقيم". وقال آخرون "فقال إني سقيم" بالنسبة إلى ما يستقبل يعني مرض الموت, وقيل أراد "إني سقيم" أي مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله تعالى, وقال الحسن البصري: خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم فأرادوه على الخروج فاضطجع على ظهره وقال "إني سقيم" وجعل ينظر في السماء فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها. ورواه ابن أبي حاتم, ولهذا قال تعالى: "فتولوا عنه مدبرين" أي ذهب إليها بعد ما خرجوا في سرعة واختفاء " فقال ألا تأكلون " وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديها طعاماً قرباناً لتبارك لهم فيه. وقال السدي: دخل إبراهيم عليه السلام إلى بيت الالهة فإذا هم في بهو عظيم وإذا مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو وإذا هم قد جعلوا طعاماً ووضعوه بين أيدي الالهة وقالوا إذا كان حين نرجع وقد باركت الالهة في طعامنا أكلناه, فلما نظر إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى ما بين أيديهم من الطعام قال "ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون" وقوله تعالى: "فراغ عليهم ضرباً باليمين" قال الفراء معناه مال عليهم ضرباً باليمين. وقال قتادة والجوهري فأقبل عليهم ضرباً باليمين. وإنما ضربهم باليمين لأنها أشد وأنكى ولهذا تركهم جذاداً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون كما تقدم في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تفسير ذلك. وقوله تعالى ههنا: "فأقبلوا إليه يزفون" قال مجاهد وغير واحد أي يسرعون, وهذه القصة ههنا مختصرة وفي سورة الأنبياء مبسوطة فإنهم لما رجعوا ما عرفوا من أول وهلة من فعل ذلك حتى كشفوا واستعلموا فعرفوا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الذي فعل ذلك. فلما جاءوا ليعاتبوه أخذ في تأنيبهم وعيبهم فقال "أتعبدون ما تنحتون" أي أتعبدون من دون الله من الأصنام ما أنتم تنحتونها وتجعلونها بأيديكم "والله خلقكم وما تعملون" يحتمل أن تكون ما مصدرية فيكون تقدير الكلام خلقكم وعملكم ويحتمل أن تكون بمعنى الذي تقديره والله خلقكم والذي تعملونه وكلا القولين متلازم, والأول أظهر لما رواه البخاري في كتاب أفعال العباد عن علي بن المديني عن مروان بن معاوية عن أبي مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً قال: "إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته" وقرأ بعضهم "والله خلقكم وما تعملون" فعند ذلك لما قامت عليهم الحجة عدلوا إلى أخذه باليد والقهر فقالوا "ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم" وكان من أمرهم ما تقدم بيانه في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونجاه الله من النار وأظهره عليهم وأعلى حجته ونصرها ولهذا قال تعالى: "فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين".
91- "فراغ إلى آلهتهم" يقال راغ يروغ روغاً وروغاناً: إذا مال، ومنه طريق رائغ، أي مائل. ومنه قول الشاعر:
فيريك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
وقال السدي: ذهب إليهم، وقلا أبو مالك: جاء إليهم، وقال الكلبي: أقبل عليهم، والمعنى متقارب "فقال ألا تأكلون" أي فقال إبراهيم للأصنام التي راغ إليها استهزاءً وسخرية: ألا تأكلون من الطعام الذي كانوا يصنعونه لها، وخاطبها كما يخاطب من يعقل، لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة.
91. كما قال الله تعالى: " فراغ إلى آلهتهم "، مال إليها ميلة في خفية، ولا يقال: (( راغ )) حتى يكون صاحبه مخفياً لذهابه ومجيئه، " فقال " استهزاءً بها: " ألا تأكلون "، يعني: الطعام الذي بين أيديكم.
91-" فراغ إلى آلهتهم " فذهب إليها في خفية من روغة الثعلب وأصله الميل بحيلة . " فقال " أي للأصنام استهزاء . " ألا تأكلون " يعني الطعام الذي كان عندهم .
91. Then turned he to their gods and said: Will ye not eat?
91 - Then did he turn to their gods and said, Will ye not eat (of the offerings before you)?