[الصافات : 9] دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ
9 - (دحورا) مصدر دحره أي طرده وأبعده وهو مفعول له (ولهم) في الآخرة (عذاب واصب) دائم
وقوله "دحورا" قال : مطرودين.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ويقذفون من كل جانب * دحورا" قال : الشياطين يدحرون بها عن الاستماع ، وقرأ وقال "إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين".
وقوله "ولهم عذاب واصب" يقول تعالى ذكره : ولهذه الشياطين المسترقة السمع عذاب من الله واصب.
واختلف أهل التأويل في معنى الواصب ، فقال بعضهم : معناه : الموجع.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح "ولهم عذاب واصب" قال : موجع.
وحدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : "عذاب واصب" قال : الموجع.
وقال آخرون : بل معناه : الدائم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ولهم عذاب واصب": أي دائم.
حدثنا محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "عذاب واصب" قال : دائم.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ،قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس "ولهم عذاب واصب" يقول : لهم عذاب دائم.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة، عمن ذكره ، عن عكرمة "ولهم عذاب واصب" قال : دائم.
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ولهم عذاب واصب" قال : الواصب : الدائب.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من قال : معناه : دائم خالص ، وذلك أن الله قال "وله الدين واصبا" [النحل : 52]فمعلوم أنه لم يصفه بالإيلام والإيجاع ، وإنما وصفه بالثبات والخلوص، ومنه قول أبي الأسود الدؤلي:
لا أشتري الحمد القليل بقاؤه يوماً بذم الدهر أجمع واصباً
أي دائماً.
" دحورا " مصدر ، لأن معنى < يقذفون > يدحرون . دحرته دحراً ودحوراً أي طردته . وقرأ السلمي و يعقوب الحضرمي < دحوراً > بفتح الدال يكون مصدراً على فعول . وأما الفراء فإنه قدره على أنه اسم الفاعل . أي ويقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذف الباء ، والكوفيون يستعملون هذا كثيراً كما أنشدوا :
‌ تمرون الديار ولم تعوجوا
واختلف هل كان هذا القذف قبل المبعث ، أو بعده لأجل المبعث ، على قولين وجاءت الأحاديث بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة < الجن > عن ابن عباس . وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال : إن الذين قالوا لم تكن الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم رميت ، أي لم تكن ترمى رمياً بقطعها عن السمع ، ولكنها كانت ترمى وقتاً ولا ترمى وقتاً ، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب . ولعل الإشارة بقوله تعالى : " ويقذفون من كل جانب * دحوراً ولهم عذاب واصب " إلى هذا المعنى ، وهو أنهم كانوا لا يقذفون إلا من بعض الجوانب فصاروا يرمون واصباً . وإنما كانوا من قبل المتجسسة من الإنس ، يبلغ الواحد منهم حاجته ولا يبلغها غيره ، ويسلم واحد ولا يسلم غيره ، بل يقبض عليه ويعاقب وينكل . فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد في حفظ السماء ، وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل ، ليدحروا عن جميع جوانب السماء ، ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها ، فصاروا لا يقدرون على سماع شيء مما يجري فيها ، إلا أن يختطف أحد منهم بخفة حركته خطفة ، فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل إلى الأرض فيلقيها إلى إخوانه فيحرقه ، فبطلت من ذلك الكهانة وحصلت الرسالة والنبوة . فإن قيل : إن هذا القذف إن كان لأجل النبوة فلم دام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فالجواب إنه دام بدوام النبوة ، فـ"إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ببطلان الكهانة فقال : ليس منا من تكهن " فلو لم تحرس بعد موته لعادت الجن إلى تسمعها ، وعادت الكهانة . ولا يجوز ذلك بعد أن بطل ، ولأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين ، ولم يؤمن أن يظنوا أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة ، فصح أن الحكمة تقضي دوام الحراسة في حياة النبي عليه السلام ، وبعد أن توفاه الله إلى كرامته صلى الله عليه وعلى آله " ولهم عذاب واصب " أي دائم ، عن مجاهد و قتادة . وقال ابن عباس : شديد . الكلبي و السدي و أبو صالح : موجع ، أي الذي يصل وجعه إلى القلب ، مأخوذ من الوصب وهو المرض " إلا من خطف الخطفة " استثناء من قوله : " ويقذفون من كل جانب " وقيل : الاستثناء يرجع إلى غير الوحي ، لقوله تعالى : " إنهم عن السمع لمعزولون " فيسترق الواحد منهم شيئاً مما يتفاوض فيه الملائكة ، مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض ، وهذا لخفة أجسام الشياطين فيرجمون بالشهب حينئذ . وروي في هذا الباب أحاديث صحاح ، مضمنها : أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء ، فتقعد للسمع واحداً فوق واحد ، فيتقدم الأجسر نحو السماء ثم الذي يليه ثم الذي يليه ، فيقضي الله تعالى الأمر من أمر الأرض ، فيتحدث به أهل السماء فيسمعه منهم الشيطان الأدنى ، فيلقيه إلى الذي تحته فربما أحرقه شهاب ، وقد ألقى الكلام ، وربما لم يحرقه على ما بيناه . فتنزل تلك الكلمة إلى الكهان ، فيكذبون معها مائة كذبة ، وتصدق تلك الكلمة فيصدق الجاهلون الجميع كما بيناه في < الأنعام > . فلما جاء الله بالإسلام حرست السماء بشدة ، فلا يفلت شيطان سمع بتة ، والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض . قال النقاش و مكي : وليس بالكواكب الجارية في السماء ، لأن تلك لا ترى حركتها ، وهذه الراجمة ترى حركتها ، لأنها قريبة منا . وقد مضى في هذا الباب في سورة < الحجر > من البيان ما فيه كفاية . وذكرنا في < سبإ >" حديث أبي هريرة . وفيه والشياطين بعضهم فوق بعض " وقال فيه الترمذي : حديث حسن صحيح . وفيه "عن ابن عباس : ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرفونه ويزيدون " . قال هذا حديث حسن صحيح . والخطف : أخذ الشيء بسرعة ، يقال : خطف وخطف وخطف وخطف وخطف . والأصل في المشددات اختطف فأدغم التاء في الطاء لأنها أختها ، وفتحت الخاء ، لأن حركة التاء ألقيت عليها . ومن كسرها فلالتقاء الساكنين . ومن كسر الطاء اتبع الكسر الكسر .
يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب, قرىء بالإضافة وبالبدل وكلاهما بمعنى واحد فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوؤها جرم السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض كما قال تبارك وتعالى: " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير " وقال عز وجل "ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين" فقوله جل وعلا ههنا: "وحفظاً" تقديره وحفظناها حفظاً "من كل شيطان مارد" يعني المتمرد العاتي إذا أراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه ولهذا قال جل جلاله " لا يسمعون إلى الملإ الأعلى " أي لئلا يصلوا إلى الملأ الأعلى وهي السموات ومن فيها من الملائكة إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى مما يقوله من شرعه وقدرته كما تقدم بيان ذلك في الأحاديث التي أوردناها عند قوله تبارك وتعالى: "حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير" ولهذا قال تعالى: "ويقذفون" أي يرمون "من كل جانب" أي من كل جهة يقصدون السماء منها "دحوراً" أي رجماً يدحرون به ويزجرون ويمنعون من الوصول إلى ذلك ويرجمون "ولهم عذاب واصب" أي في الدار الاخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر كما قال جلت عظمته "وأعتدنا لهم عذاب السعير" وقوله تبارك وتعالى: "إلا من خطف الخطفة" أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ويلقيها الاخر إلى الذي تحته فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه فيذهب بها الأخر إلى الكاهن كما تقدم في الحديث ولهذا قال "إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب" أي مستنير. قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للشياطين مقاعد في السماء قال فكانوا يستمعون الوحي قال وكانت النجوم لا تجري وكانت الشياطين لا ترمى قال فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض فزادوا في الكلمة تسعاً قال فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قصد مقعده جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه قال فشكوا ذلك إلى إبليس لعنه الله فقال ما هو إلا من أمر حدث قال فبعث جنوده فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي بين جبلي نخلة قال وكيع يعني بطن نخلة قال: فرجعوا إلى إبليس فأخبروه فقال هذا الذي حدث, وستأتي إن شاء الله تعالى الأحاديث الواردة مع الاثار في هذا المعنى عند قوله تعالى إخباراً عن الجن أنهم قالوا " وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ".
9- " ويقذفون من كل جانب * دحورا " أي يرمون من كل جانب من جوانب السماء بالشهب إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع، وانتصاب دحوراً على أنه مفعول لأجله والدحور الطرد، تقول دحرته دحراً ودحوراً: طردته. قرأ الجمهور "دحوراً" بضم الدال، وقرأ علي والسلمي ويعقوب الحضرمي وابن أبي عبلة بفتحها. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ يقذفون مبنياً للفاعل، وهي قراءة غير مطابقة لما هو المراد من النظم القرآني، وقيل إن انتصاب دحوراً على الحال: أي مدحورين، وقيل هو جمع داحر نحو قاعد وقعود فيكون حالاً أيضاً. وقيل إنه مصدر لمقدر: أي يدحرون دحوراً. وقال الفراء: إن المعنى يقذفون بما يدحرهم: أي بدحور، ثم حذفت الباء فانتصب بنزع الخافض.
واختلف هل كان هذا الرمي لهم بالشهب قبل المبعث أو بعده، فقال بالأول طائفة، وبالآخر آخرون وقالت طائفة بالجمع بين القولين: إن الشياطين لم تكن ترمى قبل المبعث رمياً يقطعها عن السمع، ولكن كانت ترمى وقتاً لا ترمى وقتاً آخر وترمى من جانب ولا ترمى من جانب آخر، ثم بعد المبعث رميت في كل وقت ومن كل جانب حتى صارت لا تقدر على استراق شيء من السمع إلا من اختطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب، ومعنى "ولهم عذاب واصب" ولهم عذاب دائم لا ينقطع، والمراد به العذاب في الآخرة غير العذاب الذي لهم في الدنيا من الرمي بالشهب. وقال مقاتل: يعني دائماً إلى النفخة الأولى، والأول أولى. وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الواصب الدائم. وقال السدي وأبو صالح والكلبي: هو الموجع الذي يصل وجعه إلى القلب، مأخوذ من الوصب وهو المرض، وقيل هو الشديد.
9. " دحورا "، يبعدونهم عن مجالس الملائكة، يقال: دحره دحراً ودحوراً، إذا طرده وأبعده، " ولهم عذاب واصب "، دائم، قال مقاتل : دائم إلى النفخة الأولى، لأنهم يحرقون ويتخبلون.
9-" دحوراً " علة أي للدحور وهو الطرد ، أو مصدر لأنه والقذف متقاربان، أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر ، وهو ما يطرد به ويقويه القراءة بالفتح وهو يحتمل أيضاً أن يكون مصدراً كالقبول أو صفة له أي قذفاً دحوراً . " ولهم عذاب " أي عذاب آخر . " واصب " دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة .
9. Outcast, and theirs is a perpetual torment;
9 - Repulsed, for they are under a perpetual penalty,