[الصافات : 145] فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ
145 - (فنبذناه) ألقيناه من بطن الحون (بالعراء) بوجه الأرض أي بالساحل من يومه أو بعد ثلاثة أو سبعة أيام أو عشرين أو أربعين يوما (وهو سقيم) عليل كالفرخ الممعط
وقوله "فنبذناه بالعراء" يقول : فقذفناه بالفضاء من الأرض ، حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره ؟ ومنه قول الشاعر:
ورفعت رجلاً لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
يعني بالبلد: الفضاء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنى أبو صالح ، قال : ثنى معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "فنبذناه بالعراء" يقول : ألقيناه بالساحل.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتاده "فنبذناه بالعراء" بأرض ليس فيها شيء ولا نبات.
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله "بالعراء" قال : بالأرض.
وقوله "وهو سقيم" يقول : وهو كالصبي المنفوس : لحم نيء.
كما حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "وهو سقيم"كهيئة الصبي.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : خرج به ، يعني الحوت حتى لفظه في ساحل البحر، فطرحه مثل الصبي المنفوس ، لم ينقص من خلقه شيء.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ما لفظه الحوت حتى صار مثل الصبي المنفوس ، قد نشر اللحم والعظم ، فصار مثل الصبي المنفوس ، فألقاه في موضع ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين.
قوله تعالى : " فنبذناه بالعراء وهو سقيم " روي أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل . وقال إبن قسيط عن أبي هريرة : طرح يونس بالعراء وأنبت الله عليه يقطينة ، فقلنا : يا أبا هريرة وما اليقطينة ؟ قال : شجرة الدباء ، هيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض _ أو هشاش الأرض _ فتفشج عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خرج به _يعني الحوت _ حتى لفظه في ساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس لم ينقص من خلقه شيء . وقيل : إن يونس لما ألقاه الحوت على ساحل البحر أنبت الله عليه شجرة من يقطين ، وهي فيما ذكر شجرة القرع تتقطر عليه من اللبن حتى رجعت إليه قوته . ثم رجع ذات يوم إلى الشجرة فوجدها يبست ، فحزن وبكى عليها فعوتب ، فقيل له : أحزنت على شجرة وبكيت عليها ، ولم تحزن على مائة ألف وزيادة من بني إسرائيل ، من أولاد إبراهيم خليلي ، إسرى في أيدي العدو ، وأردت إهلاكهم جميعاً . وقيل : هي شجرة التين . وقيل : شجرة الموز تغطي بورقها ، واستظل بأغصانها ، وأفطر على ثمارها . والأكثر على أنها شجرة اليقطين على ما يأتي . ثم إن الله تبارك وتعالى اجتباه فجعله من الصالحين . ثم أمره أن يأتي قومه ويخبرهم أن الله تعالى قد تاب عليهم ، فعمد إليهم حتى لقي راعياً فسأله عن قوم يونس وعن حالهم وكيف هم ، فأخبره أنهم بخير ، وأنهم على رجاء أن يرجع إليهم رسولهم . فقال له : فأخبرهم أني قد لقيت يونس . فقال : لا أستطيع إلا بشاهد . فسمى له عنزاً من غنمه فقال : هذه تشهد لك إنك لقيت يونس . قال : وماذا ؟ قال : وهذه البقعة التي أنت فيها تشهد لك أنك لقيت يونس . قال : وماذا ؟ قال : وهذه الشجرة تشهد لك أنك لقيت يونس . وأنه رجع الراعي إلى قومه فأخبرهم أنه لقي يونس فكذبوه وهموا به شراً فقال : لا تعجلوا علي حتى أصبح ، فلما أصبح غدا بهم إلى البقعة التي لقي يونس ، ثم إن يونس أتاهم بعد ذلك . ذكر هذا الخبر وما قبله الطبري رحمه الله . < فنبذناه > طرحناه ، وقيل : تركناه < بالعراء > بالصحراء ، قاله ابن الأعرابي . الأخفش : بالفضاء . أبو عبيدة : الواسع من الأرض . الفراء : العراء المكان الخالي . قال : وقال أبو عبيدة : العراء وجه الأرض ، وأنشد لرجل من خزاعة :
ورفعت رجلاً لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
وحكى الأخفش في قوله : < وهو سقيم > جمع سقيم سقمى وسقامى وسقام . وقال في هذه السورة : " فنبذناه بالعراء " وقال في < نون والقلم > : " لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم " [ القلم : 49 ] والجواب : أن الله عز وجل خبر ها هنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم ولولا رحمة الله عز وجل لنبذ بالعراء وهو مذموم ، قاله النحاس .
قد تقدمت قصة يونس عليه الصلاة والسلام في سورة الأنبياء, وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" ونسبه إلى أمه وفي رواية إلى أبيه. وقوله تعالى: "إذ أبق إلى الفلك المشحون" قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الموقر أي المملوء بالأمتعة "فساهم" أي قارع "فكان من المدحضين" أي المغلوبين, وذلك أن السفينة تلعبت بها الأمواج من كل جانب وأشرفوا على الغرق فساهموا على من تقع عليه القرعة يلقي في البحر لتخف بهم السفينة فوقعت القرعة على نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات وهم يضنون به أن يلقى من بينهم فتجرد من ثيابه ليلقي نفسه وهم يأبون عليه ذلك, وأمر الله تعالى حوتاً من البحر الأخضر أن يشق البحار وأن يلتقم يونس عليه السلام فلا يهشم له لحماً ولا يكسر له عظماً فجاء ذلك الحوت وألقى يونس عليه السلام نفسه فالتقمه الحوت وذهب به فطاف به البحار كلها. ولما استقر يونس في بطن الحوت حسب أنه قد مات ثم حرك رأسه ورجليه وأطرافه فإذا هو حي فقام فصلى في بطن الحوت, وكان من جملة دعائه يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يبلغه أحد من الناس, واختلفوا في مقدار ما لبث في بطن الحوت فقيل ثلاثة أيام قاله قتادة. وقيل سبعة قاله جعفر الصادق رضي الله عنه, وقيل أربعين يوماً قاله أبو مالك. وقال مجاهد عن الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية, والله تعالى أعلم بمقدار ذلك, وفي شعر أمية بن أبي الصلت:
وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في أضعاف حوت لياليا
وقوله تعالى: "فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون" قيل لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء قاله الضحاك بن قيس وأبو العالية ووهب بن منبه وقتادة وغير واحد, واختاره ابن جرير, وقد ورد في الحديث الذي سنورده إن شاء الله تعالى ما يدل على ذلك إن صح الخبر, وفي حديث ابن عباس "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة". وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير والضحاك وعطاء بن السائب والسدي والحسن وقتادة "فلولا أنه كان من المسبحين" يعني المصلين, وصرح بعضهم بأنه كان من المصلين قبل ذلك, وقال بعضهم كان من المسبحين في جوف أبويه, وقيل المراد "فلولا أنه كان من المسبحين" هو قوله عز وجل "فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين" قاله سعيد بن جبير وغيره. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي بن وهب حدثنا عمي حدثنا أبو صخر أن يزيد الرقاشي حدثه أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه ـ ولا أعلم إلا أن أنساً يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن يونس النبي عليه الصلاة والسلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت فقال اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين, فأقبلت الدعوة تحف بالعرش, قالت الملائكة يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة فقال الله تعالى أما تعرفون ذلك ؟ قالوا يا رب ومن هو ؟ قال عز وجل عبدي يونس قالوا عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مستجابة قالوا يارب أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء, قال بلى فأمر الحوت فطرحه بالعراء" ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب به, زاد ابن أبي حاتم قال أبو صخر حميد بن زياد فأخبرني ابن قسيط وأنا أحدثه هذا الحديث أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: طرح بالعراء وأنبت الله عز وجل عليه اليقطينة قلنا يا أبا هريرة وما اليقطينة, قال شجرة الدباء. قال أبو هريرة رضي الله عنه: وهيأ الله له أروية وحشية تأكل من حشائش الأرض ـ قال فتتفسخ عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت وقال أمية بن أبي الصلت في ذلك بيتاً من شعره وهو:
فأنبت يقطيناً عليه برحمة من الله لولا الله ألقى ضاحيا
وقد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه مسنداً مرفوعاً في تفسير سورة الأنبياء, ولهذا قال تعالى: "فنبذناه" أي ألقيناه "بالعراء" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره وهو الأرض التي ليس بها نبت ولا بناء قيل على جانب دجلة وقيل بأرض اليمن فالله أعلم "وهو سقيم" أي ضعيف البدن, قال ابن مسعود رضي الله عنه كهيئة الفرخ ليس عليه ريش, وقال السدي كهيئة الصبي حين يولد وهو المنفوس وقاله ابن عباس رضي الله عنهما وابن زيد أيضاً "وأنبتنا عليه شجرة من يقطين" قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ووهب بن منبه وهلال بن يساف وعبد الله بن طاوس والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني وغير واحد قالوا كلهم: اليقطين هو القرع. وقال هشيم عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير وكل شجرة لا ساق لها فهي من اليقطين وفي رواية عنه كل شجرة تهلك من عامها فهي من اليقطين, وذكر بعضهم في القرع فوائد منها سرعة نباته وتظليل ورقه لكبره ونعومته وأنه لا يقربها الذباب وجودة تغذية ثمره, وأنه يؤكل نيئاً ومطبوخاً بلبه وقشره أيضاً وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب الدباء ويتتبعه من نواحي الصحفة. وقوله تعالى: "وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون" روى شهر بن حوشب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنما كانت رسالة يونس عليه الصلاة والسلام بعد ما نبذه الحوت, رواه ابن جرير حدثني الحارث حدثنا أبو هلال عن شهر به, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد أرسل إليهم قبل أن يلتقمه الحوت (قلت): ولا مانع أن يكون الذين أرسل إليهم أولاً أمر بالعود إليهم بعد خروجه من الحوت فصدقوه كلهم وآمنوا به, وحكى البغوي أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من الحوت كانوا مائة ألف أو يزيدون وقوله تعالى: "أو يزيدون" قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عنه: بل يزيدون وكانوا مائة وثلاثين ألفاً وعنه مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفاً وعنه مائة ألف وبضعة وأربعين ألفاً والله أعلم, وقال سعيد بن جبير يزيدون سبعين ألفاً. وقال مكحول كانوا مائة ألف وعشرة آلاف رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت زهيراً يحدث عمن سمع أبا العالية يقول حدثني أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: "وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون" قال يزيدون عشرين ألفاً ورواه الترمذي عن علي بن حجر عن الوليد بن مسلم عن زهير عن رجل عن أبي العالية عن أبي بن كعب به وقال غريب. ورواه ابن أبي حاتم من حديث زهير به. قال ابن جرير: وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في ذلك معناه إلى المائة الألف أو كانوا يزيدون عندكم, يقول كذلك كانوا عندكم ولهذا سلك ابن جرير ههنا ما سلكه عند قوله تعالى: "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" وقوله تعالى: "إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية" وقوله تعالى: "فكان قاب قوسين أو أدنى" المراد ليس أنقص من ذلك بل أزيد وقوله تعالى: "فآمنوا" أي فآمن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم يونس عليه السلام جميعهم "فمتعناهم إلى حين" أي إلى وقت آجالهم كقوله جلت عظمته "فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين".
145- "فنبذناه بالعراء وهو سقيم" النبذ الطرح. والعراء.. قال ابن الأعرابي: هو الصحراء، وقال الأخفش: الفضاء، وقال أبو عبيدة: الواسع من الأرض، وقال الفراء: المكان الخالي. وروي عن أبي عبيدة أيضاً أنه قال: هو وجه الأرض، وأنشد لرجل من خزاعة:
ورفعت رجلاً لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
والمعنى: أن الله طرحه من بطن الحوت في الصحراء الواسعة التي لا نبات فيها، وهو عند إلقائه سقيم لما ناله في بطن الحوت من الضرر، قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد.
وقد استشكل بعض المفسرين الجمع بين ما وقع هنا من قوله: "فنبذناه بالعراء"، وقوله في موضع آخر: "لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم" فإن هذه الآية تدل على أنه لم ينبذ بالعراء. وأجاب النحاس وغيره بأن الله سبحانه أخبرها هنا أنه نبذ بالعراء وهو غير مذموم، ولوا رحمته عز وجل لنبذ بالعراء وهو مذموم.
145. " فنبذناه "، طرحناه، " بالعراء "، يعني: علىوجه الأرض، قال السدي : بالساحل، والعراء: الأرض الخالية عن الشجر والنبات. " وهو سقيم "، عليل كالفرخ الممعط. وقيل: كان قد بلي لحمه ورق عظمه ولميبق له قوة.
واختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت، فقال مقاتل بن حيان : ثلاثة أيام. وقال عطاء : سبعة أيام. وقال الضحاك : عشرين يوماً. وقال السدي و الكلبي و مقاتل بن سليمان : أربعين يوماً. وقال الشعبي : التقمه ضحى ولفظه عشية.
145-" فنبذناه " بأن حملنا الحوت على لفظه . " بالعراء " بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر أو نبت . روي أن الحوت سار مع السفينة رافعاً رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح حتى انتهوا إلى البر فلفظه ، واختلف في مدة لبثه فقبل بعض يوم وقيل ثلاثة أيام وقيل سبعة ، وقيل عشرون وقيل أربعون . " وهو سقيم " مما ناله قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد .
145. Then We cast him on a desert shore while he was sick;
145 - But We cast him forth on the naked shoe in a state of sickness,