[يس : 62] وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ
62 - (ولقد أضل منكم جبلا) خلقا جمع جبيل كقديم وفي قراءة بضم الباء (كثيرا أفلم تكونوا تعقلون) عداوته وإضلاله أو ما حل بهم من العذاب فتؤمنوا ويقال لهم في الآخرة
يعني تعالى ذكره بقوله " ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ": ولقد صد الشيطان منكم خلقاً كثيراً عن طاعتي، وإفرادي بالألوهة حتى عبدوه، واتخذوا من دوني آلهة يعبدونها.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " ولقد أضل منكم جبلا " قال: خلقاً.
واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين " جبلا " بكسر الجيم وتشديد اللام، وكان بعض المكيين وعامة قراء الكوفة يقرءونه ( جبلا) بضم الجيم والباء وتخفيف اللام. وكان بعض قراء البصرة يقرؤه ( جبلا) بضم الجيم وتسكين الباء، وكل هذه لغات معروفات، غير أني لا أحب القراءة في ذلك إلا بإحدى القراءتين اللتين إحداهما بكسر الجيم وتشديد اللام، والأخرى: ضم الجيم والباءوتخفيف اللام، لأن ذلك هو القراءة التي عليها عامة قراء الأمصار.
وقوله " أفلم تكونوا تعقلون " يقول: أفلم تكونوا تعقلون أيها المشركون، إذ أطعتم الشيطان في عبادة غير الله، أنه لا ينبغي لكم أن تطيعوا عدوكم وعدو الله، وتعبدوا غير الله.
قوله تعالى : " ولقد أضل منكم " أي أغوى " جبلاً كثيراً " أي خلقاً كثيراً ، قاله مجاهد . قتادة : جموعاً كثيرة . الكلبي : أمما كثيرة ، والمعنى واحد . وقرأ أهل المدينة و عاصم : < جبلاً > بكسر الجيم والباء . و أبو عمرو و ابن عامر < جبلاً > بضم الجيم وإسكان الباء . الباقون < جبلاً > بضم الجيم والباء وتخفيف اللام ، وشددها الحسن و ابن أبي اسحاق و عيسى بن عمر و عبد الله بن عبيد و النضر بن أنس . وقرأ أبو يحيى و الأشهب العقيلي < جبلاً > بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام . فهذه خمس قراءات . قال المهدوي و الثعلبي : وكلها لغات بمعنى الخلق . النحاس : أبينها القراءة الأولى ، والدليل على ذلك أنهم قد أجمعوا على أن قرءوا " والجبلة الأولين " [ الشعراء : 184 ] فيكون < جبلاً > جمع جبلة ، والاشتقاق فيه كله واحد . وإنما هو من جبل الله عز وجل الخلق أي خلقهم . وقد ذكرت قراءة سادسة وهي : < ولقد أضل منكم جيلاً كثيراً > بالياء . وحكي عن الضحاك أن الجيل الواحد عشرى آلاف ، والكثير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل ، ذكره الماوردي " أفلم تكونوا تعقلون " عدواته وتعلموا أن الواجب طاعة الله .
يقول تعالى مخبراً عما يؤول إليه الكفار يوم القيامة من أمره لهم أن يمتازوا بمعنى يميزون عن المؤمنين في موقفهم, كقوله تعالى: "ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم" وقال عز وجل: " ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون " "يومئذ يصدعون" أي يصيرون صدعين فرقتين " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون * من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ".
وقوله تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " هذا تقريع من الله تعالى للكفرة من بني آدم, الذين أطاعوا الشيطان وهو عدو لهم مبين, وعصوا الرحمن وهو الذي خلقهم ورزقهم, ولهذا قال تعالى: "وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم" أي قد أمرتكم في دار الدنيا بعصيان الشيطان, وأمرتكم بعبادتي, وهذا هو الصراط المستقيم, فسلكتم غير ذلك واتبعتم الشيطان فيما أمركم به ولهذا قال عز وجل: "ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً" يقال: جبلاً بكسر الجيم وتشديد اللام, ويقال جبلاً بضم الجيم والباء وتخفيف اللام, ومنهم من يسكن الباء, والمراد بذلك الخلق الكثير, قاله مجاهد وقتادة والسدي وسفيان بن عيينة .
وقوله تعالى: "أفلم تكونوا تعقلون" أي أفما كان لكم عقل في مخالفة ربكم فيما أمركم به من عبادته وحده لا شريك له, وعدولكم إلى اتباع الشيطان. قال ابن جريج : حدثنا أبو كريب , حدثنا عبدالرحمن بن محمد المحاربي عن إسماعيل بن رافع عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة, أمر الله تعالى جهنم, فيخرج منها عنق ساطع مظلم يقول " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم * ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون * هذه جهنم التي كنتم توعدون " "وامتازوا اليوم أيها المجرمون" فيتميز الناس ويجثون, وهي التي يقول الله عز وجل: " وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون " " .
ثم ذكر سبحانه عداوة الشيطان لبني آدم فقال: 62- "ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً" اللام هي الموطئة للقسم، والجملة مستأنفة للتقريع والتوبيخ أي والله لقد أضل إلخ. قرأ نافع وعاصم "جبلاً" بكسر الجيم والباء وتشديد اللام وقرأ ابن أبي إسحاق والزهري وابن هرمز بضمتين مع تشديد اللام، وكذلك قرأ الحسن وعيسى بن عمر والنضر بن أنس. وقرأ أبو يحيى وحماد بن سلمة والأشهب العقيلي بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام. قال النحاس: وأبينها القراءة الأولى. والدليل على ذلك أنهم قد قرأوا جميعاً: والجبلة الأولين بكسر الجيم والباء وتشديد اللام. فيكون جبلاً جمع جبلة، واشتقاق الكل من جبل الله الخلق: أي خلقهم، ومعنى الآية: أن الشيطان قد أغوى خلقاً كثيراً كما قال مجاهد. وقال قتادة: جموعاً كثيرة، وقال الكلبي: أمماً كثيرة. قال الثعلبي: والقراءات كلها بمعنى الخلق، وقرئ جيلاً بالجيم والياء التحتية. قال الضحاك: الجيل الواحد عشرة آلاف، والكثير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب. والهمزة في قوله: "أفلم تكونوا تعقلون" للتقريع والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام كما تقدم في نظائره: أي أتشاهدون آثار العقوبات، أفلم تكونوا تعقلون، أو أفلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكن، أو أفلم تكونوا تعقلون شيئاً أصلاً قرأ الجمهور "أفلم تكونوا تعقلون" بالخطاب. وقرأ طلحة وعيسى بالغيبة.
62. " ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً "، قرأ أهل المدينة، وعاصم: (( جبلاً )) بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، وقرأ يعقوب : (( جبلاً )) بضم الجيم والباء وتشديد اللام، وقرأ ابن عامر، وأبو عمرو، بضم الجيم ساكنة الباء خفيفة، وقرأ الآخرون بضم الجيم والباء خفيفة، وكلها لغات، ومعناها: الخلق والجماعة أي: خلقاً كثيراً، " أفلم تكونوا تعقلون "، ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس، ويقال لهم لما دنوا من النار:
62 -" ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون " رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته ووضوح إضلاله لمن له أدنى عقل ورأي والجبل الخلق ، وقرأ يعقوب بضمتين و ابن كثير و حمزة و الكسائي بهما مع تخفيف اللام و ابن عمار و أبو عمرو بضمة وسكون مع التخفيف والكل لغات ، وقرئ " جبلاً " جمع جبلة كخلقة وخلق و (( جيلاً )) واحد الأجيال .
62. Yet he hath led astray of you a great multitude. Had ye then no sense?
62 - But he did lead astray a great multitude of you did ye not, then understand?