[يس : 13] وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ
13 - (واضرب) اجعل (لهم مثلا) مفعول أول (أصحاب) مفعول ثان (القرية) أنطاكية (إذ جاءها) إلى آخره بدل اشتمال من أصحاب القرية (المرسلون) أي رسل عيسى
يقول تعالى ذكره: ومثل يا محمد لمشركي قومك مثلاً أصحاب القرية، ذكر أنها أنطاكية " إذ جاءها المرسلون " اختلف أهل العلم في هؤلاء الرسل، وفيمن كان أرسلهم إلى أصحاب القرية، فقال بعضهم كانوا رسل عيسى ابن مريم، وعيسى الذي أرسلهم إليهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث " قال: ذكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية مدينة بالروم فكذبوهما، فأعزهما بثالث، " فقالوا إنا إليكم مرسلون ".
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، قال: ثني السدي ، عن عكرمة " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية " قال: أنطاكية.
وقال آخرون: بل كانوا رسلاً أرسلهم الله إليهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق، فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه، قال: كان بمدينة أنطاكية، فرعون من الفراعنة يقال له أبطيحس ابن أبطيحس يعبد الأصنام، صاحب شرك، فبعث الله المرسلين، وهم ثلاثة: صادق، ومصدوق، وسلوم، فقدم إليه وإلى أهل مدينته منهم اثنان فكذبوهما، ثم عزز الله بثالث، فلما دعته الرسل ونادته بأمر الله، وصدعت بالذي أمرت به، وعابت دينه، وما هم عليه، قال لهم " إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم ".
قوله تعالى : " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون " خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أن يضرب لقومه مثلاً بأصحاب القرية ، هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين فما ذكر الماوردي . نسبت إلى أهل أنطيخس وهو اسم الذي بناها ثم غير لما عرب ، ذكر السهيلي . ويقال فيها : أنتاكية بالتاء بدل الطاء . وكان بها فرعون يقال له أنطيخس يعبد الأصنام ، ذكر المهدوي ، وحكاه أبو جعفر النحاس عن كعب و وهب . فأرسل الله إليه ثلاثة : وهم صادق وصدوق ، وشلوم هو الثالث . هذا قول الطبري وقال غيره : شمعون ويوحنا . وحكى النقاش : سمعان ويحيى ، ولم يذكر صادقاً ولا صدوقاً . ويجوز أن يكون < مثلاً > و < أصحاب القرية > مفعولين لاضرب ، أو < أصحاب القرية > بدلاً من < مثلاً > أي اضرب لهم مثل أصحاب القرية فحذف المضاف . " أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار هؤلاء المشركين أن يحل بهم ما حل بكفار أهل القرية المبعوث إليهم ثلاثة رسل " قيل : رسل من الله على الابتداء . وقيل : إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله .
ويقول تعالى: واضرب يا محمد لقومك الذين كذبوك "مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون" قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب الأحبار ووهب بن منبه : إنها مدينة أنطاكية وكان بها ملك يقال له أنطيخس بن أنطيخس وكان يعبد الأصنام, فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل, وهم صادق وصدوق وشلوم, فكذبهم, وهكذا روي عن بريدة بن الحصيب وعكرمة وقتادة والزهري أنها أنطاكية, وقد استشكل بعض الأئمة كونها أنطاكية بما سنذكره بعد تمام القصة إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى: " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما " أي بادروهما بالتكذيب "فعززنا بثالث" أي قويناهما وشددنا إزرهما برسول ثالث. قال ابن جريج عن وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي قال: كان اسم الرسولين الأولين شمعون ويوحنا, واسم الثالث بوليس, والقرية أنطاكية "فقالوا" أي لأهل تلك القرية "إنا إليكم مرسلون" أي من ربكم الذي خلقكم يأمركم بعبادته وحده لا شريك له, قاله أبو العالية , وزعم قتادة بن دعامة أنهم كانوا رسل المسيح عليه السلام إلى أهل أنطاكية "قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا" أي فكيف أوحي إليكم وأنتم بشر ونحن بشر, فلم لا أوحي إلينا مثلكم ولو كنتم رسلاً لكنتم ملائكة, وهذه شبهة كثير من الأمم المكذبة, كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله عز وجل: " ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا " أي استعجبوا من ذلك وأنكروه.
وقوله تعالى: "قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين". وقوله تعالى حكاية عنهم في قوله جل وعلا: "ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون" وقوله تعالى: " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا " ولهذا قال هؤلاء " ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون " أي أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين الله يعلم أنا رسله إليكم, ولوكنا كذبة عليه لا نتقم منا أشد الانتقام, ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار, كقوله تعالى: " قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون " "وما علينا إلا البلاغ المبين" يقولون: إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم, فإذا أطعتم كانت لكم السعادة في الدنيا والاخرة, وإن لم تجيبوا فستعلمون غب ذلك, والله أعلم.
قوله: 13- "واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية" قد تقدم الكلام على نظير هذا في سورة البقرة وسورة النمل، والمعنى: اضرب لأجلهم مثلاً، أو اضرب لأجل نفسك أصحاب القرية مثلاً: أي مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية، فعلى الأول لما قال تعالى: "إنك لمن المرسلين" وقال "لتنذر قوماً" قال قل لهم: ما أنا بدعاً من الرسل، فإن قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون، وأنذروهم بما أنذرتكم، وذكروا التوحيد، وخوفوا بالقيامة، وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني لما قال: إن الإنذار لا ينفع من أضله الله، وكتب عليه أنه لا يؤمن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اضرب لنفسك ولقومك مثلاً: أي مثل لهم عند نفسك مثلاً بأصحاب القرية حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا، وصبر الرسل على الإيذاء وأنت جئت إليهم واحداً، وقومك أكثر من قوم الثلاثة، فإنهم جاءوا إلى أهل القرية، وأنت بعثتك إلى الناس كافة. والمعنى: واضرب لهم مثلاً مثل أصحاب القرية: أي اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية، فترك المثل، وأقيم أصحاب القرية مقامه في الإعراب. وقيل لا حاجة إلى الإضمار، بل المعنى: اجعل أصحاب القرية لهم مثلاً على أن يكون مثلا وأصحاب القرية مفعولين لاضرب، أو يكون أصحاب القرية بدلاً من مثلاً، وقد قدمنا الكلام على المفعول الأول من هذين المفعولين هل هو مثلاً أو أصحاب القرية. وقد قيل إن ضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما في قوله: "ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط" ويستعمل أخرى في ذكر حالة غريبة، وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيره لها كما في قوله: "وضربنا لكم الأمثال" أي بينا لكم أحوالاً بديعة غريبة: هي في الغرابة كالأمثال، فقوله سبحانه هنا "واضرب لهم مثلاً" يصح اعتبار الأمرين فيه. قال القرطبي: هذه القرية هي إنطاكية في قول جميع المفسرين، وقوله: "إذ جاءها المرسلون" بدل اشتمال من أصحاب القرية، والمرسلون: ÷م أصحاب عيسى بعثهم إلى أهل أنطاكية للدعاء إلى الله.
13. قوله عز وجل: " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية "، يعني: اذكر لهم شبهاً مثل حالهم من قصة أصحاب لاالقرية وهي أنطاكية، " إذ جاءها المرسلون "، يعني، رسل عيسى عليه الصلاة والسلام.
قال العلماء بأخبار الأنبياء: بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى أهل مدينة أنطاكية، فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار، صاحب يس فسلما عليه، فقال الشيخ لهما: من أنتما؟ فقالا: رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فقال: أمعكما آية، قالا: نعم نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، فقال الشيخ: إن لي ابناً مريضاً منذ سنين، قالا: فانطلق بنا نطلع على حاله، فأتى بهما إلى منزله، فمسحا ابنه، فقام في الوقت بإذن الله - صحيحاً، ففشا الخبر في المدينة، وشفى الله على أيديهما كثيراً من المرضى، وكان لهم ملك - قال وهب : اسمه انطيخس - وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام، قالوا: فانتهى الخبر إليه فدعاهما، فقال: من أنتما؟ قالا: رسولا عيسى، قال: وفيم جئتما؟ قالا: ندعوك من عبادة مالا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر، فقال: ولكما إله دون آلهتنا؟ قالا: نعم، من أوجدك وآلهتك. قال: قوما حتى أنظر في أمركما، فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق.
قال وهب : بعث عيسى هذين الرجلين إلى أنطاكية، فأتياها فلم يصلا إلى ملكها، وطال مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله، فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، قالوا: فلما كذب الرسولان وضربا، بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على إثرهما لينصرهما، فدخل شمعون البلد متنكراً، فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به، فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما، فدعاهما الملك، فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال لهما شمعون: [فصفاه وأوجزا، فقالا إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون]: وما آيتكما؟ قالا: ما تتمناه، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من الطين، فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك، فقال شمعون للملك: إن أنت سألت إلهك حتى يصنع صنعاً مثل هذا فيكون لك الشرف ولإلهك. فقال الملك: ليس لي عنك سر إن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيراً، ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين: إن قدر إلهكن الذي تعبدانه علىإحياء ميت آمنا به وبكما، قالا: إلهنا قادر على كل شيء، فقال الملك: إن هاهنا ميتاً مات منذ سبعة أيام ابن لدهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه، وكان غائباً فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانيةً، وجعل شمعون يدعو ربه سراً، فقام الميت، وقال: إني قدمت منذ سبعة أيام مشركاً فأدخلت في سبعة أودية من النار، وأنا أحذركم ما أنتن في فآمنوا بالله، ثم قال: فتحت لي أبواب السماء فنظرت فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك: ومن الثلاثة؟ قال: شمعون وهذان وأشار إلى صاحبيه، فتعجب الملك، فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك أخبره بالحال، ودعاه فآمن الملك وآمن قوم، وكفر آخرون.
وقيل: إن ابنةً للملك كانت قد توفيت ودفنت، فقال شمعون للملك: اطلب من هذين الرجلين أن يحييا ابنتك، فطلب منهما الملك ذلك فقاما وصليا ودعوا وشمعون معهما في السر، فأحيا الله المرأة وانشق القبر عنها فخرجت، وقالت: أسلموا فإنهما صادقان، قالت: ولا أظنكم تسلمون، ثم طلبت من الرسولين أن يرداها إلى مكانها فذرا تراباً على رأسها وعادت إلى قبرها كما كانت.
وقال ابن اسحاق عن كعب و وهب : بل كفر الملك، وأجمع هو وقوومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيباً، وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين، فذلك قوله عز وجل:
13 -" واضرب لهم " ومثل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي مثال واحد ، وهو يتعدى إل مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما : " مثلاً أصحاب القرية " على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلاً ، ويجوز أن يقتصر على واحد ويجعل المقدر بدلاً من الملفوظ أو بياناً له ، والقرية انطاكية . " إذ جاءها المرسلون " بدل من أصحاب القرية ، و " المرسلون " رسل عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أهلها وإضافته إلى نفسه في قوله :
13. Coin for them a similitude: The people of the city when those sent (from Allah) came unto them;
13 - Set forth to them by way of a parable, the (story of) the Companions of the City. Behold, there came apostles to it.