[فاطر : 37] وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
37 - (وهم يصطرخون فيها) يستغيثون بشدة وعويل يقولون (ربنا أخرجنا) منها (نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) فيقال لهم (أولم نعمركم ما يتذكر) وقتا (فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا) الرسول فما أجبتم (فما للظالمين من) الكافرين (نصير إن) يدفع العذاب عنهم
وقوله " وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل " يقول تعالى ذكره: هؤلاء الكفار يستغيثون، ويضجون في النار، يقولون: يا ربنا أخرجنا نعمل صالحاً: أي نعمل بطاعتك " غير الذي كنا نعمل " قبل من معاصيك. وقوله " يصطرخون " يفتعلون من الصراخ، حولت تاؤها طاء لقرب مخرجها من الصاد لما ثقلت.
وقوله " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " اختلف أهل التأويل في مبلغ ذلك، فقال بعضهم: ذلك أربعون سنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول: العمر لذي أعذر الله إلى ابن آدم " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ": أربعون سنة.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق أنه كان يقول: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة، فليأخذ حذره من الله.
وقال آخرون: بل ذلك ستون سنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن خيثم، عن مجاهد، عن ابن عباس " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " قال: ستون سنة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم ستون سنة.
حدثنا علي بن شعيب، قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي كديك، عن إبراهيم بن الفضل، عن أبي حسين المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة نودي: أين أبناء الستين، وهو العمر الذي قال الله " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير " ".
حدثني أحمد بن الفرج الحمصي، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا مطرف بن مازن الكناني، قال: ثني معمر بن راشد، قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن الغفاري يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أعذر الله إلى صاحب الستين سنةً والسبعين ".
حدثنا أبو صالح الفزاري، قال: ثنا محمد بن سوار، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري الأسكندري، قال: ثنا أبو حازم، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرةن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمره الله ستين سنةً فقد أعذر إليه في العمر ".
حدثنا محمد بن سوار، قال: ثنا أسد بن حميد، عن سعيد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي رضي الله عنه، في قوله " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير " قال: العمر الذي عمركم الله به ستون سنة.
وأشبه القولين بتأويل الآية إذ كان الخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبراً في إسناده بعض ما يجب التثبت في نقله، قول من قال ذلك أربعون سنة، لأن في الأربعين يتناهى عقل الإنسان وفهمه، وما قبل ذلك وما بعده منتقص عن كماله في حال الأربعين.
وقوله " وجاءكم النذير " اختلف أهل التأويل في معنى النذير، فقال بعضهم: عنى به محمد صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " وجاءكم النذير " قال: النذير: النبي. وقرأ ( هذا نذير من النذر الأولى) ( النجم: 56) وقيل: عنى به الشيب.
فتأويل الكلام إذن: أو لم نعمركم يا معشر المشركين بالله من قريش من السنين، ما يتذكر فيه من تذكر، من ذوي الألباب والعقول، واتعظ منهم من اتعظ، وتاب من تاب، وجاءكم من الله منذر ينذركم ما أنتم فيه اليوم من عذاب الله، فلم تتذكروا مواعظ الله، ولم تقبلوا من نذير الله الذي جاءكم ما أتاكم به من عند ربكم.
يقول تعالى ذكره: " فذوقوا " نار عذاب جهنم الذي قد صليتموه أيها الكافرون بالله " فما للظالمين من نصير " يقول: فما للكافرين الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوا غضب الله بكفرهم بالله في الدنيا من نصير ينصرهم من الله ليستنقذهم من عقابه.
" وهم يصطرخون فيها " أي يستغيثون في النار بالصوت العالي . والصراخ الصوت العاي ، والصارخ المستغيث ، والمصرخ المغيث . قال :
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب
" ربنا أخرجنا " أي يقولون ربنا أخرجنا من جهنم وردنا إلى الدنيا . " نعمل صالحا " قال ابن عباس : نقل : لا إله إلا الله . وهو معنى قولهم : " غير الذي كنا نعمل " أي من الشرك ، أي نؤمن بدل الكفر ، ونطيع بدل المعصية ، ونمتثل أمر الرسل . " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " هذا جواب دعائهم ، أي فيقال لهم : فالقول مضمر . وترجم البخاري : ( باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله عز وجل : " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير " يعني الشيب ) حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي قال حدثنا معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة )) " . قال الخطابي : (( أعذر إليه )) أي بلغ به أقصىالعذر ، ومنه قولهم : قد أعذر من أنذر ، أي أقام عذر نفسه في تقديم نذارته . والمعنى : أن من عمره الله ستين سنة لم يبق له عذر ، لأن الستين قريب من معترك المنايا ، وهو سن الإنابة والخشوع وترقب المنية ولقاء الله تعالى ، ففيه إعذار بعد إعذار ، الأول بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والموتان في الأربعين والستين . قال علي وابن عباس وأبو هريرة في تأويل قوله تعالى : " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " : إنه ستون سنة . وقد روي " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في موعظته : (( ولقد أبلغ في الإعذار من تقدم في الإنذار وإنه لينادي مناد من قبل الله تعالى أبناء الستين " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير " )) " . وذكر الترمذي الحكيم من حديث عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان يوم القيامة نودي أبناء الستين وهو العمر الذي قال الله " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " " . وعن ابن عباس أيضا أنه أربعون سنة . وعن الحسن البصري و مسروق مثله . ولهذا القول أيضا وجه ، وهو الصحيح ، والحجة له قوله تعالى : " حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة " الآية . ففي الأربعين تناهي العقل ، وما قبل ذلك وما بعده منتقص عنه ، والله أعلم . وقال مالك : أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم ويخالطون الناس ، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة ، فإذا أتت عليهم اعتزلوات الناس واشتغلوا بالقيامة حتى يأتيهم الموت . وقد مضى هذا المعنى في سورة (( الأعراف )) . وخرج ابن ماجة " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من تجاوز ذلك )) "
قوله تعالى : " وجاءكم النذير فذوقوا " وقرئ (( وجاءتكم النذر )) واختلف فيه ، فقيل القرآن . وقيل الرسول ، قاله زيد بن علي و ابن زيد . وقال ابن عباس و عكرمة و سفيان و وكيع و الحسين بن الفضل و الفراء و الطبري : هو الشيب . وقيل : النذير الحمى . وقيل : موت الأهل والأقارب . وقيل : كمال العقل . والنذير بمعنى الإنذار .
قلت : فالشيب والحمى وموت الأهل كله إنذار بالموت ، " قال صلى الله عليه وسلم : (( الحمى رائد الموت )) " . قال الأزهري : معناه أن الحمى رسول الموت ، أي كأنها تشعر بقدومه وتنذر بمجيئه . والشيب نذير أيضا ، لأنه يأتي في سن الاكتهال ، وهو علامة لمفارقة سن الصبا الذي هو سن اللهو واللعب . قال :
رأيت الشيب من نذر المنايا لصاحبه وحسبك من نذير
وقال آخر :
فقلت لها المشيب نذير عمري ولست مسودا وجه النذير
وأما موت الأهل والأقارب والأصحاب والإخوان فإنذار بالرحيل في كل وقت وأوان ، وحين وزمان . قال :
وأراك تحملهم ولست تردهم فكأنني بك قد حملت فلم ترد
وقال آخر :
الموت في كل حين ينشر الكفنا ونحن في غفلة عما يراد بنا
وأما كمال العقل فبه تعرف حقائق الأمور ويفصل بين الحسنات والسيئات ، فالعاقل يعمل لآخرته ويرغب فيما عند ربه ، فهو نذير . وأما محمد صلى الله عليه وسلم فبعثه الله بشيرا ونذيرا إلى عباده قطعا لحججهم ، قال الله تعالى : " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " ، وقال : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " قوله تعالى : " فذوقوا " يريد عذاب جنهم ، لأنكم ما اعتبرتم ولا اتعظتم . " فما للظالمين من نصير " أي مانع من عذاب الله .
لما ذكر تبارك وتعالى حال السعداء, شرع في بيان مآل الأشقياء, فقال: "والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا" كما قال تعالى: " لا يموت فيها ولا يحيا " وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أما أهل النار الذين هم أهلها, فلا يموتون فيها ولا يحيون" وقال عز وجل: "ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون" فهم في حالهم ذلك يرون موتهم راحة لهم, ولكن لا سبيل إلى ذلك, قال الله تعالى: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" كما قال عز وجل: " إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون * لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون " وقال جل وعلا: "كلما خبت زدناهم سعيراً" " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" ثم قال تعالى: "كذلك نجزي كل كفور" أي هذا جزاء كل من كفر بربه وكذب الحق.
وقوله جلت عظمته: "وهم يصطرخون فيها" أي ينادون فيها يجأرون إلى الله عز وجل بأصواتهم "ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل" أي يسألون الرجعة إلى الدنيا ليعملوا غير عملهم الأول, وقد علم الرب جل جلاله أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه, وإنهم لكاذبون فلهذا لا يجيبهم إلى سؤالهم, كما قال تعالى مخبراً عنهم في قولهم " فهل إلى خروج من سبيل * ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا " أي لا يجيبكم إلى ذلك لأنكم كنتم كذلك, ولو رددتم لعدتم إلى ما نهيتم عنه, ولذا قال ههنا: "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ؟" أي أو ما عشتم في الدنيا أعماراً لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم ؟ وقد اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد ههنا, فروي عن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما أنه قال: مقدار سبع عشرة سنة.
وقال قتادة : اعلموا أن طول العمر حجة, فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر قد نزلت هذه الاية "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة, وكذا قال أبو غالب الشيباني . وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن رجل عن وهب بن منبه في قوله تعالى: "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" قال: عشرين سنة وقال هشيم عن منصور عن زاذان عن الحسن في قوله تعالى: "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" قال: أربعين سنة, وقال هشيم أيضاً عن مجاهد عن الشعبي عن مسروق أنه كان يقول: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة, فليأخذ حذره من الله عز وجل, وهذه رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما قال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا بشر بن المفضل , حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: العمر الذي أعذر الله تعالى لابن آدم "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" أربعون سنة, هكذا رواه من هذا الوجه عن ابن عباس رضي الله عنهما به, وهذا القول هو اختيار ابن جرير , ثم رواه من طريق الثوري وعبد الله بن إدريس , كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله: "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" ستون سنة, فهذه الرواية أصح عن ابن عباس رضي الله عنهما, وهي الصحيحة في نفس الأمر أيضاً, لما ثبت في ذلك من الحديث كما سنورده, لا كما زعمه ابن جرير من أن الحديث لم يصح في ذلك, لأن في إسناده من يجب التثبت في أمره, وقد روى أصبغ بن نباتة عن علي رضي الله عنه أنه قال: العمر الذي عيرهم الله به في قوله "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" ستون سنة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا دحيم , حدثنا ابن أبي فديك , حدثني إبراهيم بن الفضل المخزومي عن ابن أبي حسين المكي , أنه حدثه عن عطاء هو ابن رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة, قيل: أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه" أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير "" وكذا رواه ابن جرير عن علي بن شعيب عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك به, وكذا رواه الطبراني من طريق ابن أبي فديك به, وهذا الحديث فيه نظر لحال إبراهيم بن الفضل , والله أعلم.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن رجل من بني غفار عن سعيد المقبري , عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ الستين أو سبعين سنة, لقد أعذر الله تعالى إليه, لقد أعذر الله تعالى إليه" وهكذا رواه الإمام البخاري في كتاب الرقاق من صحيحه: حدثنا عبد السلام بن مطهر عن عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري , عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعذر الله عز وجل إلى إمرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة" ثم قال البخاري : تابعه أبو حازم وابن عجلان عن سعيد المقبري , فأما أبو حازم فقال ابن جرير : حدثنا أبو صالح الفزاري , حدثنا محمد بن سوار , أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القادر أي الإسكندري , حدثنا أبو حازم عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عمره الله تعالى ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر" وقد رواه الإمام أحمد والنسائي في الرقاق جميعاً عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن به.
ورواه البزار قال: حدثنا هشام بن يونس , حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العمر الذي أعذر الله تعالى فيه إلى ابن آدم ستون سنة" يعني "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" وأما متابعة ابن عجلان فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو السفر يحيى بن محمد بن عبد الملك بن قرعة بسامراء , حدثنا أبو عبد الرحمن المقري , حدثنا سعيد بن أبي أيوب , حدثنا محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله عز وجل إليه في العمر" وكذا رواه الإمام أحمد عن أبي عبد الرحمن هو المقري به, ورواه أحمد أيضاً عن خلف عن أبي معشر عن أبي سعيد المقبري .
(طريق أخرى) عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابن جرير : حدثني أحمد بن الفرج أبو عتبة الحمصي , حدثنا بقية بن الوليد , حدثنا المطرف بن مازن الكناني , حدثني معمر بن راشد قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن الغفاري يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أعذر الله عز وجل في العمر إلى صاحب الستين والسبعين" فقد صح هذا الحديث من هذه الطرق, فلو لم يكن إلا الطريق التي ارتضاها أبو عبد الله البخاري شيخ هذه الصناعة لكفت وقول ابن جرير : إن في رجاله بعض من يجب التثبت في أمره لا يلتفت إليه مع تصحيح البخاري , والله أعلم. وذكر بعضهم أن العمر الطبيعي عند الأطباء مائة وعشرون سنة, فالإنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين, ثم يشرع بعد هذا في النقص والهرم, كما قال الشاعر.
إذا بلغ الفتى ستين عاماً فقد ذهب المسرة والفتاء
ولما كان هذا هو العمر الذي يعذر الله تعالى إلى عباده به ويزيح به عنهم العلل, كان هو الغالب على أعمار هذه الأمة, كما ورد بذلك الحديث. قال الحسن بن عرفة رحمه الله: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي , حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين, وأقلهم من يجوز ذلك" وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعاً في كتاب الزهد عن الحسن بن عرفة به. ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب, لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وهذا عجيب من الترمذي , فإنه قد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا من وجه آخر وطريق أخرى عن أبي هريرة حيث قال: حدثنا سليمان بن عمرو عن محمد بن ربيعة عن كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين, وأقلهم من يجوز ذلك" وقد رواه الترمذي في كتاب الزهد أيضاً عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن محمد بن ربيعة به, ثم قال: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه, وقد روي من غير وجه هذا نصه بحروفه في الموضعين, والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو موسى الأنصاري , حدثنا ابن أبي فديك , حدثني إبراهيم بن الفضل مولى بني مخزوم عن المقبري , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: "معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين" وبه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقل أمتي أبناء سبعين" إسناده ضعيف.
(حديث آخر) في معنى ذلك. قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إبراهيم بن هانىء , حدثنا إبراهيم بن مهدي عن عثمان بن مطر عن أبي مالك عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: " يا رسول الله أنبئنا بأعمار أمتك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين الخمسين إلى الستين قالوا: يا رسول الله فأبناء السبعين ؟ قال صلى الله عليه وسلم: قل من يبلغها من أمتي, رحم الله أبناء السبعين, ورحم الله أبناء الثمانين" ثم قال البزار : لا يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد, و عثمان بن مطر من أهل البصرة ليس بقوي, وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثاً وستين سنة, وقيل ستين, وقيل خمساً وستين, والمشهور الأول, والله أعلم.
وقوله تعالى: "وجاءكم النذير" روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة وأبي جعفر الباقر رضي الله عنه وقتادة وسفيان بن عيينة أنهم قالوا: يعني الشيب وقال السدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقرأ ابن زيد "هذا نذير من النذر الأولى" وهذا هو الصحيح عن قتادة فيما رواه شيبان عنه أنه قال: احتج عليهم بالعمر والرسل, وهذا اختيار ابن جرير , وهو الأظهر لقوله تعالى: " ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون * لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون " أي لقد بينا لكم الحق على ألسنة الرسل فأبيتم وخالفتهم, وقال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" وقال تبارك وتعالى: " كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ". وقوله تعالى: "فذوقوا فما للظالمين من نصير" أي فذوقوا عذاب النار جزاء على مخالفتكم للأنبياء في مدة أعمالكم, فما لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال والأغلال.
37- "وهم يصطرخون فيها" من الصراخ وهو الصياح أي وهم يستغيثون في النار رافعين أصواتهم، والصارخ: المستغيث، ومنه قول الشاعر:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الطنابيب
"ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل" أي وهم فيها يصطرخون يقولون: ربنا إلخ. قال مقاتل: هو أنهم ينادون: ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل، من الشرك والمعاصي، فنجعل الإيمان منا بدل ما كنا عليه من الكفر، والطاعة بدل المعصية، وانتصاب صالحاً على ا،ه صفة لمصدر محذوف: أي عملاً صالحاً، أو صفة لموصوف محذوف: أي نعمل شيئاً صالحا. قيل وزيادة قوله: "غير الذي كنا نعمل" للتحسر على ما عملوه من غير الأعمال الصالحة مع الاعتراف منهم بأن أعمالهم في الدنيا كانت غير صالحه، فأجاب الله سبحانه عليهم بقوله: " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " والاستفهام للتقريع والتوبيخ، والواو للعطف على مقدر كما في نظائره، وما نكرة موصوفة: أي أو لم نعمركم عمراً يتمكن من التذكر فيه من تذكر. فقيل هو ستون سنة، وقيل أربعون، وقيل ثماني عشرة سنة. قال بالأول جماعة من الصحابة، وبالثاني الحسن ومسروق وغيرهما. وبالثالث عطاء وقتادة. وقرأ الأعمش ما يذكر بالإدغام "وجاءكم النذير" قال الواحدي: قال جمهور المفسرين: هو النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع والحسن بن الفضل والفراء وابن جرير: هو الشيب، ويكون معناه على هذا القول: أو لم نعمركم حتى شبتم، وقيل هو القرآن، وقيل الحمى. قال الأزهري: معناه: أن الحمى رسول الموت: أي كأنها تشعر بقدومه وتنذر بمجيئه، والشيب نذير أيضاً، لأنه يأتي في سن الاكتهال، وهو علامة لمفارقة سن الصبا الذي هو سن اللهو واللعب، وقيل هو موت الأهل والأقارب، وقيل هو علامة لمفارقة سن الصبا الذي هو سن اللهو واللعب، وقيل هو موت الأهل والأقارب، وقيل هو كمال العقل، وقيل البلوغ "فذوقوا فما للظالمين من نصير" أي فذوقوا عذاب جهنم، لأنكم لم تعتبروا ولم تتعظوا، فما لكم ناصر يمنعكم من عذاب الله، ويحول بينكم وبينه. وقال مقاتل: فذوقوا العذاب، فما للمشركين من مانع يمنعهم.
37- "وهم يصطرخون"، يستغيثون ويصيحون، "فيها" وهو: يفتعلون، من الصراخ، وهو الصياح، يقولون: "ربنا أخرجنا"، منها من النار، "نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل"، في الدنيا من الشرك والسيئات، فيقول الله لهم توبيخاً:
"أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر"، قيل: هو البلوغ، وقال عطاء وقتادة والكلبي: ثمان عشرة سنة. وقال الحسن: أربعون سنة. وقال ابن عباس: ستون سنة، ويروي ذلك عن علي، وهو العمر الذي أعذر الله تعالى إلى ابن آدم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد السلام بن مطهر، حدثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد الغفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقتبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعذر الله تعالى إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا إبراهيم بن سهاويه، حدثنا الحسن بن عرفة، أخبرنا المحاربي عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك".
"وجاءكم النذير"، يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم، هذا قول أكثر المفسرين. وقيل: القرآن. وقال عكرمة، وسفيان بن عيينة، ووكيع: هو الشيب. معناه أولم نعمركم حتى شبتم. ويقال: الشيب نذير الموت. وفي الأثر: ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها: استعدي فقد قرب الموت.
"فذوقوا فما للظالمين من نصير".
37 -" وهم يصطرخون فيها " يستغيثون يفتعلون من الصراخ وهو الصياح استعمل في الاستغاثة لجهر المستغيث صوته . " ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل " بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به ، والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه وأنهم كانوا يحسبون أنه صالح والآن تحقق لهم خلافه . " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير " جواب من الله وتوبيخ لهم و " ما يتذكر " فيه متناول كل عمر يمكن المكلف فيه من التفكر والتذكر ، وقيل ما بين العشرين إلى الستين . " وعنه عليه الصلاة والسلام (( العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة )) " . والعطف على معنى " أولم نعمركم " فإنه للتقرير كأنه قال : عمرناكم وجاءكم النذير وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو الكتاب ، وقيل العقل أو الشيب أو موت الأقارب . " فذوقوا فما للظالمين من نصير " يدفع العذاب عنهم .
37. And they cry for help there, (saying): Our Lord! Release us; we will do right, not (the wrong) that we used to do. Did not We grant you a life long enough for who reflected to reflect therein? And the warner came unto you. Now taste (the flavor of your deeds), for evil doers have no helper.
37 - Therein will they cry aloud (for assistance): Our Lord Bring us out: we shall work righteousness, not the (deeds) we used to do Did We not give you long enough life so that he that would should receive admonition? and (moreover) the warner Came to you. So taste ye (the fruits of your deeds): for the Wrong doers there is no helper.