[سبإ : 3] وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
3 - (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) القيامة (قل) لهم (بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب) بالجر صفة والرفع خبر مبتدأ وعلام بالجر (لا يعزب) يغيب (عنه مثقال) وزن (ذرة) أصغر نملة (في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) بين هو اللوح المحفوظ
يقول تعالى ذكره: ويستعجلك يا محمد الذين جحدوا قدرة الله على إعادة خلقه بعد فنائهم بهيئتهم التي كانوا بها من قبل فنائهم من قومك بقيام الساعة، استهزاء بوعدك إياهم، وتكذيباً لخبرك، قل لهم: بلى تأتيكم وربي، قسماً له لتأتينكم الساعة. ثم عاد جل جلاله بعد ذكره الساعة على نفسه، وتمجيدها، فقال " عالم الغيب ".
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة ( عالم الغيب) علىمثال فاعل، بالرفع على الاستئناف، إذ دخل بين قوله " وربي "، وبين قوله " عالم الغيب " كلام حائل بينه وبينه. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة والبصرة، عالم على مثال فاعل، غير أنهم خفضوا عالم رداً منهم له على قوله " وربي " إذ كان من صفته. وقرأ ذلك بقية عامة قراء الكوفة ( علام الغيب) على مثال فعال، وبالخفض رد لإعرابه على إعراب قوله " وربي " إذ كان من نعته.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن كل هذه القراءات الثلاث، قراءات مشهورات في قراء الأمصار متقاربات المعانين فبأيتهن قرأ القارىء فمصيب، غير أن أعجب القراءات في ذلك إلي أن أقرأ بها ( علام الغيب) على القراءة التي ذكرتها عن عامة قراء أهل الكوفة، فأما اختيار علام على عالم، فلأنها أبلغ في الممدح. وأما الخفض فيها فلأنها من نعت الرب، وهو في موضع الجر، وعنى بقوله ( علام الغيب) علام ما يغيب عن أبصار الخلق، فلا يراه أحد، إما ما لم يكونه مما سيكونه، أو ما قد كونه فلم يطلع عليه أحداً غيره، وإنما وصفت جل ثناؤه في هذا الموضع نفسه بعلمه الغيب، إعلاماً منه خلقه أن الساعة لا يعلم وقت مجيئها أحد سواه، وإن كانت جائية، فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للذين كفروا بربهم: بلى وربكم لتأتينكم الساعة، ولكنه لا يعلم وقت مجيئها أحد سوى علام الغيوب، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة.
يعني جل ثناؤه بقوله " لا يعزب عنه " لا يغيب عنه، ولكنه ظاهر له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله " لا يعزب عنه " يقول: لا يغيب عنه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله " لا يعزب عنه " قال: لا يغيب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " لا يعزب عنه مثقال ذرة ": أي لا يغيب عنه. وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله " مثقال ذرة " يعني: زنة ذرة في السماوات ولا في الأرض، يقول تعالى ذكره: لا يغيب عنه شيء من زنة ذرة فما فوقها فما دونها، أين كان في السماوات ولا في الأرض " ولا أصغر من ذلك " يقول: ولا يعزب عنه أصغر من مثقال ذرة " ولا أكبر " منه " إلا في كتاب مبين " يقول: هو مثبت في كتاب يبين للناظر فيه أن الله تعالى ذكره قد أثبته وأحصاه وعلمه، فلم يعزب عن علمه.
قوله تعالى : " قال الذين كفروا لا تأتينا الساعة " قيل : المراد أهل مكة . قال مقاتل : قال أبو سفيان لكفار مكة واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نتعث . فقال الله : "قل " يا محمد " بلى وربي لتأتينكم " وروى هارون عن طلق المعملم قال سمعت أشياخنا يقرأون قل بلى وربي ليأتينكم بياء ، حملوه على المعنى ،كأنه قال : ليأتينكم البعث أوأمره . كما قال: " من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين " [النحل : 33 ] فهؤلاء الكفار مقرون بالابتداء منكرون الإعادة ،وهونقض لما اعترفوا بالقدر على البعث ، وقالوا :وإن قدر لا يفعل . فهذا تحكم بعد أن أخبر على السنة الرسل أنه يبعث الخلق ،وإذا ورد الخبر بشيئ وهو ممكن في الفعل مقدور ، فتكذيب من وجب صدقه محال . "عالم الغيب " بالرفع قراءة نافع وابن كثير على الابتداء ، وخبره لا يعزب عنه وقرأ عاصم وأبو عمرو عالم بالخفص ، أي الحمد لله عالم ، فعلى هذه القواءة لا يحسن الوقف على قوله : " لتأتينكم " .وقرأ حمزة و الكسائي : علام الغيب على المبالغة والنعت . " لا يعزب عنه " أي لايغيب عنه ، يعزب أيضا . قال الفراء :والكسر أحب إلي . النحاس : وهي قراءة يحيى بن وثاب ،وهي لغة معروفة .يقال :عزب ويعزب إذا بعد وغاب . " مثقال ذرة " أي قدر نملة صغيرة . "في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر " في قراءة الأعمش ولا أصغر من ذلك ولاأكبر بالفتح فيهما عطفا على ذرة .وقراءة العامة بالرفع عطفا على مثقال . "إلا في كتاب مبين " فهو العالم بما خلق ولايخفى عليه شيء .
هذه إحدى الايات الثلاث التي لا رابع لهن مما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم على وقع: المعاد, لما أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد, فإحداهن في سورة يونس عليه السلام, وهي قوله تعالى: "ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين" والثانية هذه "وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم", والثالثة في سورة التغابن, وهي قوله تعالى: "زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير" فقال تعالى: "قل بلى وربي لتأتينكم" ثم وصفه بما يؤكد ذلك ويقرره, فقال: "عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين" قال مجاهد وقتادة : لا يعزب عنه لا يغيب عنه, أي الجميع مندرج تحت علمه, فلا يخفى عليه شيء, فالعظام وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت, فهو عالم أين ذهبت , أين تفرقت, ثم يعيدها كما بدأها أول مرة, فإنه بكل شيء عليم. ثم بين حكمته في إعادة الأبدان وقيام الساعة, بقوله تعالى: "ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم * والذين سعوا في آياتنا معاجزين" أي سعوا في الصد عن سبيل الله تعالى وتكذيب رسله, "أولئك لهم عذاب من رجز أليم" أي لينعم السعداء من المؤمنين ويعذب الأشقياء من الكافرين, كما قال عز وجل: "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون" وقال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار".
وقوله تعالى: "ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق" هذه حكمة أخرى معطوفة على التي قبلها, وهي أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة ومجازاة الأبرار والفجار بالذي كانوا قد علموه من كتب الله تعالى في الدنيا, رأوه حينئذ عين اليقين, ويقولون يؤمئذ أيضاً "لقد جاءت رسل ربنا بالحق" يقال أيضاً "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" "لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث" "ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد" العزيز هو المنيع الجناب الذي لا يغالب ولا يمانع, بل قد قهر كل شيء وغلبه, الحميد, في جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره, وهو المحمود في ذلك كله جل وعلا.
3- "وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة" المراد بهؤلاء القائلين جنس الكفرة على الإطلاق، أو كفار مكة على الخصوص ومعنى لا تأتينا الساعة: أنها لا تأتي بحال من الأحوال، إنكاراً منهم لوجودها لا لمجرد إتيانها في حال تكلمهم أو في حال حياتهم مع تحقق وجودها فيما بعد، فرد الله عليهم وأمر رسوله أن يقول لهم "قل بلى وربي لتأتينكم" وهذا القسم لتأكيد الإتيان، قرأ الجمهور لتأتينكم بالفوقية: أي الساعة، وقرأ طلق المعلم بالتحتية على تأويل الساعة باليوم أو الوقت. قال طلق: سمعت أشياخنا يقرأون بالياء: يعني التحتية على المعنى، كأنه قال ليأتينكم البعث أو أمره كما قال: " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك " قرأ نافع وابن عامر " علام الغيوب " بالرفع على أنه مبتدأ، وخبره لا يعزب، أو على تقدير مبتدأ، وقرأ عاصم وابن كثير وأبو عمرو بالجر على أنه نعت لربي، وقرأ حمزة والكسائي "علام" بالجر مع صيغة المبالغة، ومعنى "لا يعزب" لا يغيب عنه ولا يستتر عليه ولا يبعد " عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك " المثقال "ولا أكبر" منه "إلا في كتاب مبين" وهو اللوح المحفوظ. والمعنى: إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ الذي اشتمل على معلومات الله سبحانه فهو مؤكد لنفي العزوب. قرأ الجمهور "يعزب" بضم الزاي، وقرأ يحيى بن وثاب بكسرها. قال الفراء: والكسر أحب إلي، وهما لغتان، يقال عزب يعزب بالضم، ويعزب بالكسر إذا بعد وغاب. وقرأ الجمهور ولا أصغر ولا أكبر بالرفع على الابتداء، والخبر إلا في كتاب، أو على العطف على مثقال، وقرأ قتادة والأعمش بنصبهما عطفاً على ذرة، أو على أن لا هي لا التبرئة التي يبنى اسمها على الفتح.

3- "وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب"، قرأ أهل المدينة والشام: عالم بالرفع على الاستئناف، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب، أي: وربي عالم الغيب، وقرأ حمزة والكسائي: علام على وزن فعال، وجر الميم. "لا يعزب"، لا يغيب، "عنه مثقال ذرة" وزن ذرة "في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك"، أي: من الذرة، "ولا أكبر إلا في كتاب مبين".
3ـ " وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة " إنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به . " قل بلى " رد لكلامهم وإثبات لما نفوه . " وربي لتأتينكم عالم الغيب " تكرير لإيجابه مؤكداً بالقسم مقرراً لوصف المقسم به بصفات تقرر إمكانه وتنفي استبعاده على ما مر غير مرة ، وقرأ حمزة و الكسائي (( علام الغيب )) للمبالغة ، و نافع و ابن عمر و رويس (( عالم الغيب )) بالرفع على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره : " لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض " وقرأ الكسائي
(( لا يعزب )) بالكسر . " ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين " جملة مؤكدة لنفي العزوب ، ورفعهما بالابتداء ويؤيده القراءة بالفتح على نفي الجنس ، ولا يجوز عطف المرفوع على " مثقال " والمفتوح على " ذرة "‌ بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف لأن الاستثناء يمنعه ، اللهم إلا إذا جعل الضمير في " عنه " للغيب وجعل المثبت في اللوح خارجاً عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطوراً في اللوح .
3. Those who disbelieve say: The Hour will never come unto us. Say : Nay, by my Lord, but it is coming unto you surely. (He is) the Knower of the Unseen. Not an atom's weight, or less than that or greater, escapeth Him in the heavens or in the earth, but it is in a clear Record,
3 - The Unbelievers say, never to us will come the Hour: say, Nay But most surely, by my Lord, it will come upon you; by Him who knows the unseen, from Whom is not hidden the least little atom in the Heavens or on earth: nor is there anything Less than that, or greater, but is in the Record Perspicuous: