[الأحزاب : 49] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
49 - (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وفي قراءة تماسوهن أي تجامعوهن (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) تحصونها بالأقراء وغيرها (فمتعوهن) أعطوهن ما يستمتعن به أي إن لم يسم لهن أصدقة وإلا فلهن نصف المسمى فقط قال ابن عباس وعليه الشافعي (وسرحوهن سراحا جميلا) خلوا سبيلهن من غير إضرار
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " يعني من قبل أن تجامعوهن " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " يعني: من إحصاء أقراء، ولا أشهر تحصونها عليهن، فمتعوهن: يقول: أعطوهن ما يستمتعن به من عرض أو عين مال. وقوله " وسرحوهن سراحا جميلا " يقول: وخلوا سبيلهن تخلية بالمعروف، وهو التسريح الجميل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " فهذا في الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه، ولا عدة عليها تتزوج من شاءت، ثم قرأ " فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " يقول: إن كان سمى لها صداقاً، فليس لها إلا النصف، فإن لم يكن سمى لها صداقاً، متعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل.
وقال بعضهم: المتعة في هذا الموضع منسوخة بقوله ( فنصف ما فرضتم) ( البقرة: 237).
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات " .. إلى قوله " سراحا جميلا " قال: قال سعيد بن المسيب: ثم نسخ هذا الحرف المتعة ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ( البقرة: 237).
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب، قال: نسخت هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن ". قال: نسخت هذه الآية التي في البقرة.
" يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا"
فيه سبع مسائل:الأولى: قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن " لما جرت قصة زيد وتطليقه زينب، وكانت مدخولاً بها، وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها كما بيناه خاطب الله المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء، وبين ذلك الحكم للأمة فالمطلقة إذا لم تكن ممسوسة لا عدة عليها بنص الكتاب وإجماع الأمة على ذلك. فان دخل بها فعليها العدة إجماعًا.
الثانية: النكاح حقيقة في الوطء، وتسمية العقد نكاحًا لملابسته له من حيث إنه طريق إليه. ونظيره تسميتهم الخمر إثما لأنه سبب في اقتراف الإثم. ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد، لأنه في معنى الوطء، وهو من آداب القرآن، الكناية عنه بلفظ: الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان.
الثالثة: استدل بعض العلماء بقوله تعالى: " ثم طلقتموهن " وبمهلة ثم على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، وأن من طلق المرأة قبل نكاحها وإن عينها، فإن ذلك لا يلزمه. وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام. سمى البخاري منهم اثنين وعشرين. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق قبل نكاح " ومعناه: أن الطلاق لا يقع حتى يحصل النكاح. قال حبيب بن أبي ثابت: سئل علي بن الحسين رضي الله عنهما عن رجل قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق؟ فقال: ليس بشيء ذكر الله عز وجل النكاح قبل الطلاق. وقالت طائفة من أهل العلم: إن طلاق المعينة الشخص أو القبيلة أو البلد لازم قبل النكاح منهم مالك وجميع أصحابه، وجمع عظيم من علماء الأمة. وقد مضى في براءة الكلام فيها ودليل الفريقين. والحمد لله. فإذا قال: كل امراة أتزوجها طالق وكل عبد أشتريه حر لم يلزمه شيء. وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلى عشرين سنة، أو إن تزوجت من بلد فلان أو من بني فلان فهي طالق، لزمه الطلاق ما لم يخف العنت على نفسه في طول السنين، أو يكون عمره في الغالب لا يبلغ ذلك، فله أن يتزوج. وإنما لم يلزمه الطلاق إذا عمم لأنه ضيق على نفسه المناكح، فلو منعناه ألا يتزوج لحرج وخيف عليه العنت. وقد قال بعض أصحابنا: إنه إن وجد ما يتسرر به لم ينكح وليس بشيء، وذلك أن الضرورات والأعذار ترفع الأحكام، فيصير هذا من حيث الضرورة كمن لم يحلف، قاله ابن خويز منداد.
الرابعة: استدل داود ومن قال بقوله ان المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ثم فارقها قبل أن يمسها، أنه ليس عليها أن تتم عدتها ولا عدة مستقبلة لأنها مطلقة قبل الدخول بها. وقال عطاء بن أبي رباح وفرقة: تمضي في عدتها من طلاقها الأول وهو أحد قولي الشافعي لأن طلاقه لها إذا لم يمسها في حكم من طلقها في عدتها قبل أن يراجعها. ومن طلق امرأته في كل طهر مرة بنت ولم تستأنف. وقال مالك: إذا فارقها قبل أن يمسها إنها لا تبني على ما مضى من عدتها، وإنها تنشىء من يوم طلقها عدة مستقبلة. وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها. وعلى هذا أكثر أهل العلم لأنها في حكم الزوجات المدخول بهن في النفقة والسكنى وغير ذلك ولذلك تستأنف العدة من يوم طلقت، وهو قول جمهور فقهاء البصرة والكوفة ومكة والمدينة والشام. وقال الثوري: أجمع الفقهاء عندنا على ذلك.
الخامسة: فلو كانت بائنة غير مبتوتة فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فقد اختلفوا في ذلك أيضًا، فقال مالك والشافعي وزفر وعثمان البتي: لها نصف الصداق وتتم بقية العدة الأولى. وهو قول الحسن وعطاء وعكرمة وابن شهاب. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي: لها مهر كامل للنكاح الثاني وعدة مستقبلة. جعلوها في حكم المدخول بها لاعتدادها من مائه. وقال داود: لها نصف الصداق، وليس عليها بقية العدة الأولى ولا عدة مستقبلة. والأولى ما قاله مالك والشافعي، والله أعلم.
السادسة: هذه الآية مخصصة لقوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " (البقرة: 228)، ولقوله: " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر" (الطلاق: 4). وقد مضى في البقرة، ومضى فيها الكلام في المتعة، فأغنى عن الإعادة هنا. " وسرحوهن سراحا جميلا" فيه وجهان: أحدهما: أنه دفع المتعة بحسب الميسرة والعسرة، قاله ابن عباس. الثاني: أنه طلاقها طاهرًا من غير جماع قاله قتادة. وقيل: فسرحوهن بعد الطلاق إلى أهلهن، فلا يجتمع الرجل والمطلقة في موضع واحد.
السابعة: قوله تعالى: " فمتعوهن " قال سعيد : هي منسوخة بالآية التي في البقرة، وهي قوله: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " (البقرة: 237) أي فلم يذكر المتعة. وقد مضى الكلام في هذا في البقرة مستوفى. وقوله: "وسرحوهن " طلقوهن. والتسريح كناية عن الطلاق عند أبي حنيفة، لأنه يستعمل في غيرة فيحتاج إلى النية. وعند الشافعي صريح. وقد مضى في البقرة القول فيه فلا معنى للإعادة. "جميلا " سنة، غير بدعة.
هذه الاية الكريمة فيها أحكام كثيرة منها إطلاق النكاح على العقد وحده, وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها, وقد اختلفوا في النكاح: هل هو حقيقة في العقد وحده أو في الوطء أو فيهما ؟ على ثلاثة أقوال, واستعمال القرآن إنما هو في العقد والوطء بعده إلا في هذه الاية, فإنه استعمل في العقد وحده لقوله تبارك وتعالى: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن" وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها.
وقوله تعالى: "المؤمنات" خرج مخرج الغالب إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق, وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما و سعيد بن المسيب والحسن البصري وعلي بن الحسين زين العابدين وجماعة من السلف بهذه الاية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح, لأن الله تعالى قال: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن" فعقب النكاح بالطلاق, فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله, وهذا مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من السلف والخلف رحمهم الله تعالى, وذهب مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى إلى صحة الطلاق قبل النكاح فيما إذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق, فعندهما متى تزوجها طلقت منه, واختلفا فيما إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فقال مالك : لا تطلق حتى يعين المرأة. وقال أبو حنيفة رحمه الله: كل امرأة يتزوجها بعد هذا الكلام تطلق منه, فأما الجمهور فاحتجوا على عدم وقوع الطلاق بهذه الاية.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور المروزي , حدثنا النضر بن شميل , حدثنا يونس يعني ابن أبي إسحاق , قال: سمعت آدم مولى خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق, قال: ليس بشيء من أجل أن الله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن" الاية وحدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي , حدثنا وكيع عن مطر عن الحسن بن مسلم بن يناق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما قال الله عز وجل: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن" ألا ترى أن الطلاق بعد النكاح, وهكذا روى محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال الله تعالى: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن" فلا طلاق قبل النكاح. وقد ورد الحديث بذلك عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي . هذا حديث حسن, وهو أحسن شيء روي في هذا الباب, وهكذا روى ابن ماجه عن علي والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا طلاق قبل نكاح".
وقوله عز وجل: " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " هذا أمر مجمع عليه بين العلماء, أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها, فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت, ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى عنها زوجها, فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشراً, وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضاً. وقوله تعالى: " فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " المتعة ههنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمي لها. قال الله تعالى: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" وقال عز وجل "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين" وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد وأبي أسيد رضي الله عنهما قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أميمة بنت شراحيل , فلما أن دخلت عليه صلى الله عليه وسلم بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن كان سمى لها صداقاً فليس لها إلا النصف, وإن لم يكن سمى لها صداقاً أمتعها على قدر عسره ويسره, وهو السراح الجميل.
لما ذكر سبحانه قصة زيد وطلاقه لزينب، وكان قد دخل بها وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها كما تقدم خاطب المؤمنين مبيناً لهم حكم الزوجة إذا طلقها زوجها قبل الدخول فقال: 49- "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات" أي عقدتم بهن عقد النكاح، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد كما قاله صاحب الكشاف والقرطبي وغيرهما.
وقد اختلف في لفظ النكاح هل هو حقيقة في الوطء، أو في العقد، أو فيهما على طريقة الاشتراك، وكلام صاحب الكشاف في هذا الموضع يشعر بأنه حقيقة في الوطء، فإه قال النكاح الوطء، وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث أنه طريق إليه، ونظيره تسمية الخمر إثماً لأنها سبب في اقتراف الإثم. "من قبل أن تمسوهن" من قبل أن تجامعوهن، فكنى عن ذلك بلفظ المس "فما لكم عليهن من عدة تعتدونها" وهذا مجمع عليه كما حكى ذلك القرطبي وابن كثير، ومعنى تعتدونها: تستوفون عددها، من عددت الدراهم فأنا أعتدها. وإسناد ذلك إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق لهم كما يفيده "فما لكم عليهن من عدة" قرأ الجمهور "تعتدونها" بتشديد الدال، وقرأ ابن كثير في رواية عنه وأهل مكة بتخفيفها. وفي هذه القراءة وجهان: أحدهما أن تكون بمعنى الأولى، مأخوذ من الاعتداد: أي تستوفون عددها ولكنهم تركوا التضيف لقصد التخفيف. قال الرازي: ولو كان من الاعتداء الذي هو الظلم لضعف، لأن الاعتداء يتعدى بعلى. وقيل يجوز أن يكون من الاعتداد بحذف حرف الجر: أي تعتدون عليها: أي على العدة مجازاً، ومثله قوله:
تحن فتبدي ما بها من صبابة وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني
أي لقضى علي. والوجه الثاني أن يكون المعنى تعتدون فيها، والمراد بالاعتداء هذا هو ما فيه قوله: "ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدواً" فيكون معنى الآية على القراءة الآخرة: فلما لكم عليهن من عدة تعتدون عليهن فيها بالمضارة. وقد أنكر ابن عطية صحة هذه القراءة عن ابن كثير وقال: إن البزي غلط عليه، وهذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" وبقوله: "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر" والمتعة المذكورة هنا قد تقدم الكلام فيها في البقرة. وقال سعيد بن جبير: هذه المتعة المذكورة هنا منسوخة بالآية التي في سورة البقرة وهي قوله: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" وقيل المتعة هنا هي أعم من أن تكون نصف الصداق، أو المتعة خاصة إن لم يكن قد سمي لها، فمع التسمية للصداق تستحق نصف المسمى عملاً بقوله: " فنصف ما فرضتم "، ومع عدم التسمية تستحق المتعة عملاً بهذه الآية، ويؤيد ذلك قوله تعالى: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره" وهذا الجمع لا بد منه، وهو مقدم على الترجيح وعلى دعوى النسخ، وتخصص من هذه الآية المتوفى عنها زوجها، فإنه إذا مات بعد العقد عليها وقبل الدخول بها كان الموت كالدخول فتعتد أربعة أشهر وعشراً. قال ابن كثير بالإجماع، فيكون المخصص هو الإجماع، وقد استدل بهذه الآية القائلو ن بأنه لا طلاق قبل النكاح، وهم الجمهورن وذهب مالك وأبو حنيفة إلى صحة الطلاق قبل النكاح إذا قال: إن تزوجت فلانه فهي طالق، فتطلق إذا تزوجها. ووجه الاستدلال بالآية لما قاله الجمهور أنه قال: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن" فعقب الطلاق بالنكاح بلفظ ثم المشعرة بالترتيب والمهملة "وسرحوهن سراحاً جميلاً" أي أخرجوهن من منازلكم: إذ ليس لكم عليهن عدة، والسراح الجميل هنا كناية عن الطلاق، وهو بعيد لأنه قد تقدم ذكر الطلاق ورتب عليه التمتيع وعطف عليه السراح الجميل، فلا بد أن يراد به معنى غير الطلاق.
49- "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن"، فيه دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح، حتى لو قال لامرأة أجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق، وقال: كل امرأة أنكحها فهي طالق، فنكح، لا يقع الطلاق. وهو قول علي، وابن عباس، وجابر، ومعاذ، وعائشة، وبه قال سعيد بن المسيب، وعروة، وشريح وسعيد بن جبير، والقاسم وطاووس، والحسن، وعكرمة، وعطاء، وسليمان بن يسار، ومجاهد، والشعبي، وقتادة، وأكثر أهل العلم رضي الله عنهم، وبه قال الشافعي.
وروي عن ابن مسعود: أنه يقع الطلاق، وهو قول إبراهيم النخعي، وأصحاب الرأي.
وقال ربيعة، ومالك، والأوزاعي: إن عين امرأة يقع، وإن عم فلا يقع.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كذبوا على ابن مسعود، إن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، يقول الله تعالى: " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن "، ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد الديموري، أخبرنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا أيوب بن سويد، أخبرنا ابن أبي ذئب عن عطاء، عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق قبل النكاح".
قوله عز وجل: "من قبل أن تمسوهن"، تجامعوهن، "فما لكم عليهن من عدة تعتدونها"، تحصونها بالأقراء والأشهر، "فمتعوهن"، أي: أعطوهن ما يستمتعن به. قال ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها صداقاً فلها المتعة، فإن كان قد فرض لها صداقاً فلها نصف الصداق ولا متعة لها.
وقال قتادة: هذه الآية منسوخة بقوله: "فنصف ما فرضتم" (البقرة-237).
وقيل: هذا أمر ندب، فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر.
وذهب بعضهم إلى أنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية.
"وسرحوهن سراحاً جميلاً"، خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار.
49 -" يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " تجامعوهن ، وقرأ حمزة و الكسائي بألف وضم التاء . " فما لكم عليهن من عدة " أيام يتربصن فيها بأنفسهن . " تعتدونها " تستوفون عددها من عددت الدراهم فاعتدها كقولك : كلته فكالته ، أو تعدونها . والإسناد إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما أشعر به فما لكم ، وعن ابن كثير (( تعتدونها )) مخففاً على إبدال إحدى الدالين بالياء أو على أنه من الاعتداء بمعنى تعتدون فيها ، وظاهره يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة وتخصيص المؤمنات والحكم عام للتنبيه على أ، من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخييراً لنطفته ، وفائدة ثم إزاحة ما عسى أن يتوهم تراخي الطلاق ريثما تمكن الإصابة كما يؤثر في النسب يؤثر في العدة . " فمتعوهن " أي إن لم يكن مفروضاً لها فإن الواجب للمفروض لها نصف المفروض دون المتعة ويجوز أن يؤول التمتيع بما يعمهما ، أو الأمر بالمشترك بين الوجوب والندب فإن المتعة سنة للمفروض لها . " وسرحوهن " أخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة . " سراحاً جميلاً " من غير ضرار ولا منع حق ، ولا يجوز تفسيره بالطلاق السني لأنه مرتب على الطلاق والضمير لغير المدخول بهن .
49. O ye who believe! If ye wed believing women and divorce them before ye have touched them, then there is no period that ye should reckon. But content them and release them handsomely.
49 - O ye who believe when ye marry believing women, and then divorce them before ye have touched them, no period of Iddat have ye to count in respect of them: so give them a present, and set them free in a handsome manner.