[الأحزاب : 28] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
28 - (يا أيها النبي قل لأزواجك) وهن تسع وطلبن منه من زينة الدنيا ما ليس عنده (إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) أي متعة الطلاق (وأسرحكن سراحا جميلا) اطلقكن من غير ضرار
قوله تعالى يا ايها النبي قل لأزواجك الآية أخرج مسلم وأحمد والنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يؤذن له ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك فقال عمر يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه وقال هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة فقال إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت ما هو فتلا عليها يا أيها النبي قل لأزواجك الآية قالت عائشة أفيك أستأمر أبوي بل أختار الله ورسوله
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " قل " يا محمد " لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن " يقول: فإني أمتعكن ما أوجب الله على الرجال للنساء من المتعة عند فراقهم إياهن بالطلاق بقوله ( ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) ( البقرة: 236) وقوله " وأسرحكن سراحا جميلا " يقول: وأطلقكن على ما أذن الله به، وأدب به عباده بقوله ( إذا طلقتم النساء فلطقوهن لعدتهن) ( الطلاق:1) " وإن كنتن تردن الله ورسوله " يقول: وإن كنتن تردن رضا الله ورضا رسوله وطاعتهما فأطعنهما " فإن الله أعد للمحسنات منكن " وهن العاملات منهن بأمر الله وأمر رسوله " أجرا عظيما ".
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً عن عرض الدنيا، إما زيادة في النفقة، أو غير ذلك، فاعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً فيما ذكر، ثم أمره الله أن يخيرهن بين الصبر عليه، والرضا بما قسم لهن، والعمل بطاعة الله، وبين أن يمتعهن ويفارقهن إن لم يرضين بالذي يقسم لهن. وقيل: كان سبب ذلك غيرة كانت عائشة غارتها.
ذكر الرواية بقول من قال: كان ذلك من أجل شيء من النفقة وغيرها.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج صلوات، فقالوا: ما شأنه؟ فقال عمر: إن شئتم لأعلمن لكم شأنه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يتكلم ويرفع صوته، حتى أذن له، قال: فجعلت أقول في نفسي أي شيء أكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم عله يضحك، أو كلمة نحوها، فقلت: يا رسول الله لو رأيت فلانة وسألتني النفقة فصككتها صحة، فقال: ذلك حبسني عنكم، قال: فأتى حفصة، فقال: لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، ما كانت لك من حاجة فإلي، ثم تتبع نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يكلمهن، فقال لعائشة: أيغرك أنك امرأة حسناء، وأن زوجك يحبك؟ لتنتهين، أو لينزلن فيك القرآن، قال: فقالت أم سلمة: يا ابن الخطاب، أو ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نسائه، ولن تسأل المرأة إلى لزوجها؟ قال: ونزل القرآن " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها " ... إلى قوله " أجرا عظيما " قال: فبدأ بعائشة فخيرها وقرأ عليها القرآن، فقالت: هل بدأت بأحد من نسائك قبلي، قال: لا، قالت: فإني أختار الله ورسوله، والدار الآخرة، ولا تخبرهن بذلك، قال: ثم تتبعهن فجعل يخيرهن ويقرأ عليهن القرآن، ويخبرهن بما صنعت عائشة، فتتابعن على ذلك ".
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " ... إلى قوله " أجرا عظيما " قال: قال الحسن وقتادة: خيرهن بين الدنيا والآخرة والجنة والنار في شيء كن أردنه من الدنيا. وقال عكرمة في غيرة كانت غارتها عائشة، وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بن زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وكانت تحته صفية ابنة حيي الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وبدأ بعائشة، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، رؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعن كلهن على ذلك واخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة، في قول الله " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها " ... إلى قوله " عظيما " قالا: أمره الله أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة والجنة والنار، قال قتادة: وهي غيرة من عائشة في شيء أرادته من الدنيا، وكان تحته تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وصفية بنت حيي بن أخطب، فبدأ بعائشة، وكانت أحبهن إليه، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، رؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتتابعن على ذلك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة قال: لما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك فقال: ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن) ( الأحزاب: 52) فقصره الله عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله.
ذكر من قال ذلك من أجل الغيرة:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله ( ترجي من تشاء منهن وتؤول إليك من تشاء) ( الأحزاب: 51) .. الآية، قال: كان أزواجه قد تغايرن على النبي صلى الله عليه وسلم فهجرهن شهراً، نزل التخيير من الله له فيهن ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) فقرأ حتى بلغ ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) ( الأحزاب: 33) فخيرهن بين أن يخترن أن يخلي سبيلهن ويسرحهن، وبين أن يقمن إن أردن الله ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين لا ينحكن أبداً، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن، لمن وهب نفسه له حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجي من يشاء حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممن هي عنده، وعزل فلا جناح عليه، ذلك أدنى أن تقر أعينهن، ولا يحزن، ويرضين إذا علمن أنه من قضائي عليهن إيثار بعضهن على بعض، أدنى أن يرضين، قال: ومن ابتغيت ممن عزلت من ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه، فخيرهن بين أن يرضين بهذا، أو يفارقهن، فاخترن الله ورسوله، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت، وكان على ذلك وقد شرط له هذا الشرط، ما زال يعدل بينهن حتى لقي الله.
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، قال: قالت عائشة: لما نزل الخيار، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أريد أن أذكر لك أمراً فلا تقضي فيه شيئاً حتى تستأمري أبويك، قالت: قلت: وما هو يا رسول الله؟ قال: فرده عليها، فقالت: ما هو يا رسول الله؟ قال: فقرأ عليهن " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها " ... إلى آخر الآية، قالت: قلت: بل نختار الله ورسوله، قالت: ففرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ".
فيه ثمان مسائل :
الأولى : قوله تعالى :" يا أيها النبي قل لأزواجك " قال علماؤنا: هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدم من المنع من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد تأذى ببعض الزوجات قيل: سألته شيئاً من عرض الدنيا، وقيل: زيادة في النفقة قيل: آذينه بغيرة بعضهم على بعض وقيل: أمر صلى الله عليه وسلم بتلاوة هذه الآية عليهن وتخييرهن بين الدنيا والآخرة، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها أمر صلى الله عليه وسلم أن خير نساءه فاخترنه وجملة ذلك أن الله سبحانه خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يكون نبياً ملكاً وعرض عليه مفاتيح خزائن الدنيا وبين أن يكون نبياً مسكيناً فشاور جبريل فأشرا عليه بالمسكنة فاختارها فلما اختارها وهي أعلى المنزلتين أمره الله عز وجل أن يخير زوجاته، فربما كان فيهن من يكره المقام معه على الشدة تنزيهاف له وقيل: إن السبب الذي أوجب التخيير لأجله أن امرأة من أزواجه سألته أن يصوغ لها حلقة من ذهب فصاغ لها حلقة ن فضة وطلاها بالذهب - وقيل بالزعفران - فأتب إلا أن تكون من ذهب ، فنزلت آية التخيير فيخرهن فقلن اخترنا الله ورسوله وقيل: إن واحدة منم اختارت الفراق فالله أعلم . روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم "عن جابر بن عبد الله قال:
دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم قال : - فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم جاء عمر فاستأذن له وجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً- قال: - فقال والله لأقلن شيئاً أضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني نفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول : تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده !! فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين ثم نزلت عليه هذه الآية :" يا أيها النبي قل لأزواجك" حتى بلغ -" للمحسنات منكن أجرا عظيما" قال : فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبوك وقالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي! بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت: لا تسألني امرأة منهم إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتاً ولكن بعثني معلماً ميسرا ً"وروى الترمذي "عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال : يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك قالت وقد علم أن أبو لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت ثم قال : إن الله يقول ك " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا" حتى بلغ -" للمحسنات منكن أجرا عظيما "أفي هذا أستأمر أبوي ! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت "قال : هذا حديث حسن صحيح قال العلماء : وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تشاور أبويها لأنه كان يحبها وكان يخاف أن يحملها فرط الشباب على أن تختار فراقه ويعلم من أبويها أنهما لا يشيران عليهم بفراقه .
الثانية : قوله تعالى :" قل لأزواجك " كان للنبي صلى الله عليه وسلم أزواج منهن من دخل لها ومنهن من عقد عليها ولم يدخل بها و منهن من خطبها فلم يتم نكاحه معها .
فأولهن : خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب وكانت قبله عند أبي هالة واسمه زراة بن النباش الأسدي، وكان قبله عند عتيق بن عائذ ولدت منه غلاما أسمه عبد مناف، وولدت من أبي هالة هند بن أبي هالة وعاش إلى زمن الطاعون فمات فيه ويقال: إن الذي عاش إلى زمن الطاعون هند بن هند، وسمعت نادبته تقول حين مات، واهند بن هنداه واربيب رسول الله ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة غيرها حتى ماتت وكانت يوم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أربعين سنة وتوفيت بعد أن مضى من النبوة سبع سنين وقيل: عشر وكان لها حين توفيت خمس وستون سنة وهي أول امرأة آمنت به وجميع أولاده منها غير إبراهيم قال حكيم بن حزام توفيت خديجة فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها ولم تكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها.
ومنهن: سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس العامرية، أسلمت قديماً وبايعت وكانت عند ابن عم لها يقال له السكران بن عمرو وأسلم أيضاً وهاجروا جميعاً إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فلما قدما مكة مات زوجها وقيل: مات بالحبشة فلم حلت خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها ودخل بها بمكة، وهاجر بها إلى المدينة ، فلما كبرت أراد طلاقها فسألته ألا يفعل وأن يدعها في نسائهن وجعلت ليلتها لعائشة -حسبما هو مذكرو في الصحيح -فأمسكها وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين .
ومنهن عائشة بنت أبي بكر الصديق، وكانت مسماة لجبير بن مطعم ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله دعني أسلها من جبير سلاً رفيقاً فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث سنين وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع وبقيت عنده تسع سنين ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة ، ولم تتزوج بكراً غيرها ومات سنة تسع وخمسين وقيل ثمان وخمسين .
ومنهن حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلقها فأتاه جبريل فقال :
"إن الله يأمرك أن تراجع حفصة فإنها صوامة قوامة فراجعها " قال الواقدي: وتوفيت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية وهي السنة ستين سنة وقيل: ماتت في خلافة عثمان بالمدينة .
ومنهن : أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية -واسم أبي أمية سهيل - زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال بقين من شوال سنة أربع زوجها منه ابنها سلمة على الصحيح وكان عمر ابنها صغيراً وتوفيت في سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة ثنتين وستين والأول أصح ، وصلى عليها سعد بن زيد وقيل أبو هريرة : وقبرت بالبقع وهي ابنة أربع وثمانين سنة .
ومنهن : أم حبيبة، واسمها رملة بنت أبي سفيان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، ليخطب عليه أم حبيبة فزوجه إياها، وذلك سنة سبع من الهجرة وأصدق النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينا وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة وتوفيت سنة أربع وأربعين، وقال الدارقطني: كانت أم حبيبة تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة على النصرانية فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرا عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى شرحبيل بن حسنة .
ومنهن : زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وكان اسم أبيها برة فقال:
"يا رسول الله بدل اسم أبي فإن البرة حقيرة فقال لها النبي صلى عليه وسلم لو كان أبوك مؤمناً كنا سميناه باسم رجل منا أهل البيت ولكني قد سميته جحشاً والجحش من البرة " ذكر هذا الحديث الدارقطني: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في سنة خمس من الهجرة وتوفيت سنة عشرين وهي بنت ثلاث وخمسين .
ومنهن : زينب بنت خذيمة بن الحارث بن عبدالله بن عمرو بن عبد مناف بن هلالبن عارم بن صعصة الهلالية، كانت تسمى في الجاهلية أم المساكين، لإطعامها إياهم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان على رأس واحد وثلاثين شهرا من الهجرة فمكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت في حياته في آخر ربيع الأول على رأس تسعة وثلاثين شهرا ودفنت بالبقيع.
ومنهن: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المطلقية أصابها في غزة بني فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابها وتزوجها، وذلك في شعبان سنة ست وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية وتوفيت في ربيع الأول سنة ست وخمسين وقيل: سنة خمسين وهي ابنة خمس وستين .
ومنهن : صفية بنت حيي بن أخطب الهارونية سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر واصطفاها لنفسه، وأسلمت وأعتقها، وجعل عتقها صداقها وفي الصحيح أنها وقعت في سهم دحية الكلبي فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس وماتت في سنة خمسين وقيل: سنة اثنتين وخمسين ودفنت بالبقيع .
ومنهن : ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خناقة من بني النضير، سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقها، وتزوجها في سنة ست، وماتت مرجعة من حجة الوداع، فدفنها بالبقيع وقال الواقدي: ماتت سنة ست عشرة وصلى عليها عمر قال أبو الفرج الجوزي: وقد سمعت من يقول: إنه كان يطؤها بملك اليمين ولم يعتقها .
قلت: ولهذا والله أعلم لم يذكرها أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي في عداد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهن: ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف على عشرة أميال من مكة، وذلك في سنة سبع من الهجرة في عمرة القضية وهي آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدر الله تعالى أنها ماتت في المكان الذي بنى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ودفنت هنالك، وذلك في سنة إحدى وستين وقيل: ثلاث وستين وقيل: ثمان وستين .
فهؤلاء المشهورات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهن اللاتي دخل بهن رضي الله عنهن :
فأما من تزوجهن ولم يدخل بهن فمنهن : الكلابية واختلفوا في اسمها فقيل فاطمة وقيل عمرة وقيل العالية قال الزهري: تزوج فاطمة بنت الضحاك الكلابية فاستعاذت منه فطلقها وكانت تقول : أنا الشقية تزوجها في ذي القعدة سنة ثمان من الهجرة وتوفيت سنة ستين .
ومنهن : أسماء بنت النعمان بن الجون بن الحارث الكندية، وهي الجونية قال قتادة لما دخل عليها دعاها فقالت: تعالى أنت فطلقها وقال غيره: هي التي استعاذت منه وفي البخاري [عن سهل بن سعد وأبي أسيد قالا ].
"تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل، فلا أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك ، فأمر أبا سيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين"، وفي لفظ آخر قال أبو أسيد :
"أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجونية، فلما دخل عليها، قال : هبي لي نفسك فقالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة، فأهوى بيده ليضعها عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك ! فقال: قد عذب بمعاذ ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، أكسها رزاقيين وألحقها بأهلها"
ومنهن : قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس، زوجها إياه الأشعث ثم انصرف إلى حضرموت فحملها إليه فبلغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فردها إلى بلادها فارتد وارتدت معه ثم تزوجها عكرمة بن أبي جهل، فوجد من ذلك أبو بكر وجداً شديداً فقال له عمر: إنها والله ما هي من أزواجه، ما خيرها ولا حجبها، ولقد برأها اله منه بالارتداد وكان عروة ينكر أن يكون تزوجها.
ومنهن : أم شريك الأزدية، واسمها غزية بنت جابر بن حكيم، وكانت قبله عند أبي بكر بن أبي سلمى فطلقها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها وهي التي وهبت نفسها، وقيل: إن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم .
ومنهن: خولة بنت الهذيل بن هبيرة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلكت قبل أن تصل إليه .
ومنهن: شراف بنت خليفة أخت دحية تزوجها ولم يدخل بها .
ومنهن : ليلى بنت الخطيم، أخت قيس ، تزوجها وكانت غيوراً فاستقالته فأقالها .
ومنهن: خولة بيت الهذيل: بن هبيرة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلكت قبل أن تصل إليه كندة فجيء بها بعدما مات.
ومنهن: ابنة جندب بن ضمرة الجندعية قال بعضهم: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكر بعضهم وجود ذلك.
ومنهن: الغفارية: قال بعضهم "تزوج امرأة من غفار فأمرها فنزعت ثيابها فرأى بياضاً فقال:
الحلقي بأهلك" ويقال: إنما رأى البياض بالكلابية. فهؤلاء اللاتي عقد عليهم ولم يدخل بهن صلى الله عليه وسلم .
فأما خطبن فلم يتم نكاحه معهن، ومن وهبت له نفسها .
فمنهن : أم هانئ بيت أبي طالب ، واسمها فاختة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة مصبية واعتذرت إليه فعذرها .
ومنهن: ضباعة بنت عامر .
ومنهن: "صفية بنت بشامة بن نضلة، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم كان أصباها سباء، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إن شئت أنا وإن شئت زوجك؟ قالت: زوجي": فأرسلها ،فلعنتها بنو تميم قاله ابن عباس .
ومنهم : أم شريك وقد تقدم ذكرها.
ومنهن: ليلى بنت الخطيم ، وقد تقدم ذكرها .
ومنهن:خولة بنت حكيم بن أمية، وهبت نفسها للنبي صلى الله عله وسلم فأرجأها، فتزوجها عثمان بن مظعون .
ومنهن: جمرة بنت الحارث بن عوف المري، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبوها: إن بها سوءاً ولم يكن بها فرجع إليها أبوها وقد برصت، وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر.
ومنهن: "سودة القرشية، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مصبية، فقالت: أخاف أن يضغو صبيتي عند رأسك فحمدها ودعا لها".
ومنهن : امرأة لم يذكر اسمها، قال مجاهد: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: استأمر أبي فلقيت أباها فأذن لها، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"قد التحفنا لحافاً غيرك "
فهؤلاء جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان له من السراري سريتان مارية القبطية وريحانة في قول قتادة وقال غيره كان له أربع : مارية وريحانه وأخرى جملة أصباها في السبي وجارة وهبتها له زينب بنت جحش .
الثالثة : قوله تعالى :" إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها " إن شرط وجوابه فتعالين فعلق التخيير على شرط، وهذا يدل على أن التخيير والطلاق المعلقين على شرط صحيحان فينفذان ويمضيان خلافاً للجهال المبتدعة الذين يزعمون أن الرجل إذا كان لزوجته : أنت طالق إن دخلت الدار، أنه لا يقع الطلاق إن دخلت الدار لأن الطلاق الشرعي هو المنجز في الحال لا غير .
الرابعة : قوله تعالى : قوله تعالى "فتعالين " هو جواب الشرط وهو فعل جماعة النساء من قولك تعالى، وهو دعاء إلى الإقبال إليه يقال: تعالى بمعنى أقبل وضع لمن له جلالة ورفعة، ثم صار الاستعمال لكل داع إلى الإقبال وأما في هذا الموضع فهو على أصله فإن الداعي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمتعكن " قد تقدم الكلام في المتعة في البقرة وقرئ أمتعكن بضم العين وكذا وأسرحكن بضم الحاء على الاستئناف والسراج الجميل هو أن يكون طلاقاً للسنة من غير ضرار ولا منع واجب لها .
الخامسة : اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه على قولين: الأول: أنه خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق فاخترن البقاء، قالته عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي وابن شهاب وربيعة، ومنهم من قال : إنما خيروهن بين الدنيا فيفارقهن وبين الآخرة فيمسكهن لتكون لهن المنزلة العليا كما كانت لزوجهن ولم يخيرهن في الطلاق ذكره الحسن وقتادة ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أحمد بن حنبل أنه قال: لم يخير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه إلا بين الدنيا والآخرة .
قلت:القول الأول أصح لقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن الرجل يخير امرأته فقالت:
قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقًا في رواية : فاخترناه فلم يعده طلاقًا ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التخيير المأمور بين البقاء والطلاق لذلك قال :
"يا عائشة إني ذاكر لك أمراً فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك " الحديث ومعلوم أنه لم يرد الاستئمار في اختيار الدنيا وزينتها على الآخرة فثبت أن الاستئتمار إما وقع في الفرقة أو النكاح والله أعلم .
السادسة: اختلف العلماء في المخيرة إذا اختارت زوجها، فقال جمهور العلماء من السلف وغيرهم وأئمة الفتوى: إنه لا يلزمه طلاق، لا واحدة ولا أكثر ، هذا قول عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود ويزد بن ثابت وابن عباس وعائشة. ومن التابعين عطاء ومسروق وسليمان بن يسار وربيعة وابن شهاب، وروى عن علي وزيد أيضاً : إن اختارت زوجها فواحدة بائنة، وهو قول الحسن البصري والليث، وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك وتعلقوا بأن قوله: اختاري كناية عن إيقاع الطلاق، فإذا أضافه إليها وقعت طلقة كقوله : أنت بائن والصحيح الأول، لقول عائشة : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعده علينا طلاق أخرجه الصحيحان قال ابن المنذر: وحديث عائشة يدل على أن المخيرة إذا اختارت زوجها لم يكن ذلك طلاقاً، ويدل على أن اختيارها نفسها يوجب الطلاق ويدل على معنى ثالث، وهو أن المخيرة إذا اختارت نفسها أنها تطليقة يملك زوجها رجعتها، إذ غير جائز أن يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما أمره الله وروي هذا عن عمر وابن مسعود وابن عباس وبه قال ابن أبي ليلى والثوري والشافعي، وروي عن علي أنها إذا اختارت نفسها أنها واحدة بائنة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه: ورواه ابن خويز منداد عن مالك. وروي عن زيد بن ثابت أنها إذا اختارت نفسها أنها ثلاث. وهو قول الحسن البصري به قال مالك والليث، لأن الملك إنما يكون بذلك وروي عن علي رضي الله عنه أنها إذا اختارت نفسها فليس بشيء. وروي عنه أنها إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية .
السابعة: ذهب جماعة من المدنيين وغيرهم إلى أن التمليك والتخيير سواء والقضاء ما قضيت فيهما جميعاً وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة، قال ابن شعبان: وقد اختار كثير من أصحابنا،وهو قول جماعة من أهل المدينة. قال أبو عمر: وعلى هذا القول أكثر الفقهاء والمشهور من مذهب مالك الفرق بينهما، وذلك أن التمليك عند مالك هو قول الرجل لامرأته : قد ملكتك أي قد ملكتك ما جعل الله لي من الطلاق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، فلما جاز أن يملكها بعض ذلك دون بعض وادعى ذلك، كان القول قوله مع يمينه إذا ناكرها وقالت طائفة نم أهل المدينة: له المناكرة في التمليك وفي التخيير سواء في المدخول بها والأول وقول مالك في المشهور. وروى ابن خويز منداد عن مالك أن للزوج أن يناكر المخيرة في الثلاث، وتكون طلقة بائنة كما قال أبو حنيفة ،وبه قال أبو الجهم قال سحنون: وعليه أكثر أصحابنا.
وتحصيل مذهب مالك: أن المخيرة إذا اختارت نفسها وهي مدخول بها فهو الطلاق كله وإن أنكر زوجها فلا نكره له وإن اختارت واحدة فليس بشيء، وإنما الخيار البتات إما أخذته وإما تركته لأن معنى التخيير التسريح ، قال الله تعالى في آية التخيير : " فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " [الأحزاب: 28] فمعنى التسريح البتات، قال الله تعالى : " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " [البقرة: 229] والتسريح بإحسان هو الطلقة الثالثة،روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ومن جهة المعنى أن قوله : "اختاريني أو اختاري نفسك" يقتضي ألا يكون له عليها سبيل إذا اختارت نفسها ولا يملك منها شيئاً إذا قد جعل إليها أن تخرج ما يملكه منها أو تقيم معه إذا اختارته فإذا اختارت البعض من الطلاق لم تعمل بمقتضى اللفظ، وكانت بمنزلة من خير بين شيئين فاختار غيرهما وأما التي لم يدخل بها فله مناكرتها في التخيير والتمليك إذا زادت على واحدة لأنها تبين في الحال .
الثامنة : اختلفت الرواية عن مالك متى يكون لها الخيار، فقال مرة: لها الخيار ما دامت في المجلس قبل القيام أو الاشتغال بما يدل على الإعراض، فإن لم تختر ولم تقض شيئاً حتى افترقا من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها، وعلى هذا أكثر الفقهاء وقال مرة: لها الخيار أبداً ما لم يعلم أنها تركت، وذلك يعلم بأن تمكنه من نفسها بوطء أو مباشرة فعلى هذا إن منعت نفسها ولم تختر شيئاً كان له رفعها إلى الحاكم لتوقع أو تسقط فإن أبت أسقط الحاكم تمليكها وعلى القول الأول إذا أخذت في غير ذلك من حديث أو عمل أو مشي أو ما ليس في التخيير كما ذكرنا، سقط تخييرها، واحتج بعض أصحابنا لهذا القول بقوله تعالى :" فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " [النساء: 140] وأيضاً فإن الزوج أطلق لها القول ليعرف الخيار منها، فصار كالعقد بينهما فإن قبلته وإلا سقط، كالذي يقول: قد وهبت لك أو بايعتك، فإن قبل وإلا كان الملك باقياً بحاله، هذا قول الثوري والكوفيين والأوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور وهو اختيار ابن القاسم. ووجه الرواية الثانية أن ذلك قد صار في يدها وملكته على زوجها بتمليكه إياها فلما ملكت ذلك وجب أن يبقى في يدها كبقائه في يد زوجها.
قلت: وهذا هو الصحيح "لقوله عليه السلام لعائشة :
إني ذاكر لك أمراً فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك "رواه الصحيح وخرجه البخاري، وصححه الترمذي. وقد تقدم في أول الباب وهو حجة لمن قال : إنه إذا خير الرجل امرأته أو ملكها أن لها أن تقتضي في ذلك وإن من مجلسهما روي هذا عن الحسن والزهري،وقاله مالك في إحدى روايتيه، قال أبو عبيد:والذي عندنا في هذا الباب،اتباع السنة في عائشة في هذا الحديث، حين جعل لها التخيير إلى أن تستأمر أبويها ، ولم يجعل قيامها من مجلسها خروجاً من الأمر. قال المروزي: هذا أصح الأقاويل عندي، وقاله ابن المنذر و الطحاوي
هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها, وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال, ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل, فاخترن رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الاخرة, فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الاخرة. قال البخاري : حدثنا أبو اليمان , أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه, قالت: فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه, قالت: ثم قال: إن الله تعالى قال: " يا أيها النبي قل لأزواجك " إلى تمام الايتين, فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي, فإني أريد الله ورسوله والدار الاخرة ؟ " وكذا رواه معلقاً عن الليث , حدثني يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها فذكره, وزاد: قالت ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل مافعلت, وقد حكى البخاري أن معمراً اضطرب فيه, فتارة رواه عن الزهري عن أبي سلمة , وتارة رواه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها.
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عبدة الضبي , حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لما نزل الخيار قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أريد أن أذكر لك أمراً, فلا تقضي فيه شيئاً حتى تستأمري أبويك قالت: قلت: وما هو يارسول الله ؟ قال فرده عليها, فقالت: وما هو يارسول الله ؟ قالت فقرأ صلى الله عليه وسلم عليها " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها " إلى آخر الاية, قالت: فقلت بل نختار الله ورسوله والدار الاخرة, قالت: ففرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم " .
وحدثنا ابن وكيع , حدثنا محمد بن بشر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت آية التخيير بدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ياعائشة إني عارض عليك أمراً فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك: أبي بكر وأم رومان رضي الله عنهما فقالت: يارسول الله وما هو ؟ قال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما " قالت: فإني أريد الله ورسوله والدار الاخرة ولا أؤامر في ذلك أبوي أبا بكر وأم رومان رضي الله عنهما. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقرأ الحجر فقال: إن عائشة رضي الله عنها قالت كذا وكذا فقلن: ونحن نقول مثلما قالت عائشة رضي الله عنهن كلهن" . رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة عن محمد بن عمرو به.
قال ابن جرير : وحدثنا سعيد بن يحيى الأموي , حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل على نسائه أمر أن يخيرهن, فدخل علي فقال: "سأذكر لك أمراً فلا تعجلي حتى تستشيري أباك فقلت: وما هو يارسول الله ؟ قال: إني أمرت أن أخيركن وتلا عليها آية التخيير إلى آخر الايتين, قالت: فقلت وما الذي تقول: لاتعجلي حتى تستشيري أباك ؟ فإني أختار الله ورسوله. فسر صلى الله عليه وسلم بذلك, وعرض على نسائه فتتابعن كلهن, فاخترن الله وسوله صلى الله عليه وسلم " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يزيد بن سنان البصري , حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح , حدثني الليث , حدثني عقيل عن الزهري , أخبرني عبد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت عائشة رضي الله عنها: أنزلت آية التخيير, فبدأ بي أول امرأة من نسائه, فقال صلى الله عليه وسلم: "إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت, وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه, قالت ثم قال: إن الله تبارك وتعالى قال: " يا أيها النبي قل لأزواجك " الايتين, قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله وسوله والدار الاخرة. ثم خير نساءه كلهن, فقلن ما قالت عائشة رضي الله عنهن" , وأخرجه البخاري ومسلم جميعاً عن قتيبة عن الليث عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها مثله.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: " خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاخترناه, فلم يعدها علينا شيئاً" , أخرجاه من حديث الأعمش وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو , حدثنا زكريا بن إسحاق عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس, والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له, ثم أقبل عمر رضي الله عنه, فاستأذن فلم يؤذن له, ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما, فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه, وهو صلى الله عليه وسلم ساكت, فقال عمر رضي الله عنه: لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك, فقال عمر رضي الله عنه: يارسول الله لو رأيت ابنة زيد ـ امرأة عمر ـ سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها, فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: "هن حولي يسألنني النفقة" فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها, وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده, فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلن: والله لانسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده, قال: وأنزل الله عز وجل الخيار, فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: "إني أذكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت: وما هو ؟ قال: فتلا عليها: " يا أيها النبي قل لأزواجك " الاية, قالت عائشة رضي الله عنها: أفيك أستأمر أبوي ؟ بل أختار الله تعالى ورسوله, وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت, فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى لم يبعثني معنفاً, ولكن بعثني معلماً ميسراً, لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها" انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري , فرواه هو و النسائي من حديث زكريا بن إسحاق المكي به.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا سريج بن يونس , حدثنا علي بن هشام بن البريد عن محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع , عن عثمان بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه الدنيا والاخرة ولم يخيرهن الطلاق ", وهذا منقطع. وقد روي عن الحسن وقتادة وغيرهما نحو ذلك, وهو خلاف الظاهر من الاية, فإنه قال: "فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً" أي أعطيكن حقوقكن وأطلق سراحكن, وقد اختلف العلماء في جواز تزوج غيره لهن لو طلقهن على قولين, أصحهما نعم لو وقع ليحصل المقصود من السراح, والله أعلم. قال عكرمة : وكان تحته يومئذ تسع نسوة: خمس من قريش: عائشة وحفصة وأم حبيب وسودة وأم سلمة رضي الله عنهن, وكانت تحته صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي النضيرية وميمونة بنت الحارث الهلالية, وزينب بنت جحش الأسدية, وجويرية بنت الحارث المصطلقية , رضي الله عنهن وأرضاهن جميعاً.
قوله: 28- "يا أيها النبي قل لأزواجك" قيل هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدمها من المنع من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد تأذى ببعض الزوجات. قال الواحدي: قال المفسرون: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئاً من عرض الدنيا وطلبن منه الزيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض، فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن شهراً، وأنزل الله آية التخيير هذه، وكن يومئذ تسعاً: عائشة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة وسودة هؤلاء من نساء قريش وصفية الخيبرية وميمونة الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. ومعنى "الحياة الدنيا وزينتها" سعتها ونضارتها ورفاهيتها والتنعم فيها "فتعالين" أي أقبلن إلي "أمتعكن" بالجزم جواباً للأمر: أي أعطن المتعة "و" كذا "أسرحكن" بالجزم: أي اطلقكن وبالجزم في الفعلين قرأ الجمهور، وقرأ حميد الخراز بالرفع في الفعلين على الاستئناف، والمراد بالسراح الجميل: هو الواقع من غير ضرار على مقتضى السنة. وقيل إن جزم الفعلين على أنهما جواب الشرط، وعلى هذا يقول قوله فتعالين اعتراضاً بين الشرط والجزاء.
قوله عز وجل: 28- "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن"، متعة الطلاق، "وأسرحكن سراحاً جميلاً".
28 -" يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا " السعة التنعم فيها . " وزينتها " زخارفها . " فتعالين أمتعكن " أعطكن المتعة . " وأسرحكن سراحاً جميلاً " طلاقاً من غير ضرار وبدعة . روي أنهم سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت . فبدأ بعائشة رضي الله عنها فخيرها فاختارت الله ورسوله ، ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر الله لهن ذلك فأنزل " لا يحل لك النساء من بعد " وتعليق التسريح بإرادتهن الدنيا وجعلها قسيماً لإرادتهن الرسول يدل على أن المخيرة إذا اختارت زوجها لم تطلق خلافاً لزيد والحسن ومالك وإحدى الروايتين عن علي ، ويؤيده قول عائشة رضي الله عنها (( خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه )) . ولم يعده طلاقاً وتقديم للتمتع على التسريح المسبب عنه من الكرم وحسن الخلق . قيل لأن الفرقة كانت بإرادتهن كاختيار المخيرة نفسها فإنه طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية ، واختلف في وجوبه للمدخول بها وليس فيه ما يدل عليه ، وقرئ (( أمتعكن وأسرحكن )) بالرفع على الاستئناف .
28. O Prophet! Say unto thy wives: If ye desire the world's life and its adornment, come! I will content you and will release you with a fair release.
28 - O Prophet say to thy Consorts: if it be that ye desire the life of this of this world, and its glitter, then come I will provide for your enjoyment and set free in a handsome manner.