[الأحزاب : 10] إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا
10 - (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم) من أعلى الوادي وأسفله من المشرق والمغرب (وإذ زاغت الأبصار) مالت عن كل شيء إلى عدوها من كل جانب (وبلغت القلوب الحناجر) جمع حنجرة وهي منتهى الحلقوم من شدة الخوف (وتظنون بالله الظنونا) المختلفة بالنصر واليأس
يقول تعالى ذكره: وكان الله بما تعملون بصيراً، إذ جاءتكم جنود الأحزاب من فوقكم، ومن أسفل منكم وقيل: إن الذين أتوهم من أسفل منهم، أبو سفيان في قريش ومن معه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " إذ جاءوكم من فوقكم " قال: عيينة ابن بدر في أهل نجد، ومن أسفل منكم، قال: أبو سفيان. قال: وواجهتهم قريظةز
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: ذكرت يوم الخندق وقرأت: " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر " قالت: هو يوم الخندق.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان مولى آل الزبير، عن عروة بن الزبير، وعمن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن غيرهم من علمائنا: أنه كان من حديث الخندق، أن نفراً من اليهود، منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجوا حتى قدموا مكة على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله. فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه. قال: فهم الذين أنزل الله فيهم: ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) ( النساء: 51) ... إلى قوله ( وكفى بجهنم سعيرا) ( النساء: 55) فلما قالوا ذلك لقريش، سرهم ما قالوا، ونشطوا لما دعوهم له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك، واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من اليهود، حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا فيه، فأجابوهم، فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في نبي فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال ابن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان، فيمن تابعه من قومه من أشجع، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم، ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جانب واحد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء، فرفعوا في الآطام، وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري، حتى أتى كعب بن أسد القرظي، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعاهده على ذلك وعاقده، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب، أغلق دونه حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حيي: يا كعب افتحل لي، قال: ويحك يا حيي: إنك امرؤ مشئوم، إني قد عاهدت محمداً، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقاً، قال: ويحك افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعل، قال: والله إن أغلقت دوني إلا تخوفت على جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: ياكعب جئتك بعز الدهر، وببحر طم، جئتك بقريش على قاداتها وساداتها، حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قاداتها وساداتها حتى أنزلت بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمداً ومن معه، فقال له كعب بن أسد: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام قد هراق ماءه، يرعد ويبرق، ليس فيه شيء، فدعني ومحمداً وما أنا عليه، فلم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءً، فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاءهم عهداً من الله وميثاقاً لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرىء مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، وإلى المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس، أحد بني الأشهل، وهو يومئذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة بن ديلم أخي بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبد الله ابن رواحة أخو بلحرث بن الخزرج، وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف، فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فالحنو لي لحناً أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم، فاجهروا به للناس، فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد ابن عبادة وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدة، فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه سلم، فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين، وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظن المسلمون كل ظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط، وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله إن بيوتنا لعورة من العدو، وذلك عن ملإ من رجال قومه، فأذن لنا فنلرجع إلى دارنا، وإنها خارجة من المدينة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، قوله " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم " فالذين جاءوهم من فوقهم: قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم: قريش وغطفان.
وقوله " وإذ زاغت الأبصار " يقول: وحين عدلت الأبصار عن مقرها، وشخصت طامحة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وإذ زاغت الأبصار ": شخصت.
وقوله " وبلغت القلوب الحناجر " يقول: نبت القلوب عن أماكنها من الرعب والخوف، فبلغت إلى الحناجر.
كما حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة: " وبلغت القلوب الحناجر " قال: من الفزع.
وقوله " وتظنون بالله الظنونا " يقول: وتظنون بالله الظنون الكاذبة، وذلك كظن من ظن منهم أن رسول الله صلى عليه وسلم يغلب، وأن ما وعده الله من النصر أن لا يكون، ونحو ذلك من ظنونهم الكاذبة التي ظنها من ظن ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عسكره.
حدثنا بشر، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن الحسن " وتظنون بالله الظنونا " قال: ظنوناً مختلفة: ظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق، أنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
واختلفت القراء في قراءة قوله " وتظنون بالله الظنونا " فقرأ ذلك عامة قراء المدينة، وبعض الكوفيين " الظنونا " بإثبات الألف، وكذلك ( وأطعنا الرسولا فأضلونا السبيلا) ( الأحزاب: 66 - 67) في الوصل والوقف وكان اعتلال المعتل في ذلك لهم، أن ذلك في كل مصاحف المسلمين بإثبات الألف في هذه الأحرف كلها. وكان بعض قراء الكوفة يثبت الألف فيهن في الوقف، ويحذفها في الوصل اعتلالاً بأن العرب تفعل ذلك في قوافي الشعر ومصاريعها، فتلحق الألف في موضع الفتح للوقوف، ولا تفعل ذلك في حشو الأبيات، فإن هذه الأحرف، حسن فيها إثبات الألفات، لأنهن رءوس الآي تمثيلاً لها بالقوافي. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة والكوفة بحذ الألف من جميعه في الوقف والوصل، اعتلالاً بأن ذلك غير موجود في كلام العرب إلى في قوافي الشعر دون غيرها من كلامهم، وأنها إنما تفعل ذلك في القوافي طلباً لإتمام وزن الشعر، إذ لو لم تفعل ذلك فيها لم يصح الشعر، وليس ذلك كذلك في القرآن. لأنه لا شيء يضطرهم إلى ذلك في القرآن، وقالوا: هن مع ذلك في مصحف عبد الله بغير ألف.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأه بحذف الألف في الوصل والوقف، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، مع شهرة القراءة بذلك في قراء المصرين: الكوفة، والبصرة، ثم القراءة بإثبات الألف فيهن في حالة الوقف والوصل، لأن علة من أثبت ذلك في حال الوقف أنه كذلك في خطوط مصاحف المسلمين. وإذا كانت العلة في إثبات الألف في بعض الأحوال كونه مثبتاً في مصاحف المسلمين، فالواجب أن تكون القراءة في كل الأحوال ثابتة، لأنه مثبت في مصاحفهم. وغير جائز أن تكون العلة التي توجب قراءة ذلك على وجه من الوجوه في بعض الأحوال موجودة في حال أخرى، والقراءة مختلفة، وليس ذلك لقوافي الشعر بنظير، لأن قوافي الشعر إنما تلحق فيها الألفات في مواضع الفتح، والياء في مواضع الكسر، والواو في مواضع الضم طلباً لتتمة الوزن، وأن ذلك لو لم يفعل كذلك بطل أن يكون شعراً لاستحالته عن وزنه، ولا شيء يضطر تالي القرآن إلى فعل ذلك في القرآن.
قوله تعالى :" إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم " إذ في موضع نصب بمعنى واذكر وكذا وإذا قالت طائفة منهم من فوقكم يعني من فوق الوادي وهو أعلاه من قبل المشرق، جاء منه عوف بن مالك في بني نصر، وعيينة بن حصن في أهل نجد وطليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد. ومن أسفل منكم يعني من بطن الوادي من قبل المغرب جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة، ويزيد بن جحش على قريش وجاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ويزيد بن جحش على قريش وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة مع عامر بن الطفيل من وجه الخندق " وإذ زاغت الأبصار " أي شخصت وقيل: مالت فلم تلتفت إلا إلى عدوها دهشاً من فرط الهول، " وبلغت القلوب الحناجر" أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى بلغت الحناجر وهي الحلاقيم واحدها حنجرة فلولا أن الحلوق ضاقت عنها لخرجت قاله قتادة وقيل: هو على معنى المبالغة على مذهب العرب على إضمار كاد قال :
إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
أي كادت تقطر، ويقال: إن الرئة تنفتح عند الخوف فيرتفع القلب حتى يكاد يبلغ الحنجرة مثلاً، ولهذا يقال للجبان: انتفخ سحره. وقيل: إنه مثل مضروب في شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة. قال معناه عكرمة روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال : بلغ فزعها والأظهر أنه أراد اضطراب القلب وضربانه أي كأنه لشدة اضطرابه بلغ الحنجرة، والحنجرة والحنجور بزيادة النون حرف الحلق " وتظنون بالله الظنونا " قال الحسن: ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون وظن المؤمنون أنه ينصرون وقيل: هو خطاب للمنافقين أي قلتم هلك محمد وأصحابه واختلف القراء في قوله تعالى الظنونا والرسولا والسبيلا آخر السورة، فأثبت ألفاتها في الوقت والوصل نافع وابن عامر، وروي عن أبي عمرو والكسائيتمسكا بخط المصحف، مصحف عثمان وجميع المصاحف في جميع البلدان واختاره أبو عبيد، إلا أنه قال: لا ينبغي للقارئ أن يدرج القراءة بعدهن لكن يقف عليهن. قالوا: ولأن العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها قال :
نحن جلبنا القرح القوافلا تستنفر الأواخر الأوائلا
وقرأ أبو عمرو والجحدري ويعقوب وحمزة بحذفها في الوصل والوقف معاً. قالوا: هي زائدة في الخط كما زيدت الألف في قوله تعالى :" ولأوضعوا خلالكم "[التوبة : 47] فكتبوها كذلك وغير هذا وأما الشعر فموضع ضرورة، بخلاف القرآن فإنه أفصح اللغات ولا ضرورة فيه قال ابن الأنباري : ولم يخالف المصحف من قرأ الظنون والسبيل والرسول بغير ألف في الحروف الثلاثة وخطهن في المصحف بألف لأن الألف التي في أطعنا والداخلة في أول الرسول والظنون والسبيل كفى من الألف المتطرفة المتأخرة كما كفت ألف أبي جاد من ألف هواز ، ويه حجة أخرى: أن الألف أنزلت منزلة الفتحة وما يحلق دعامة للحركة التي تسبق والنية فيه السقوط فلما عمل على هذا كانت الألف مع الفتحة كالشيء الواحد يوجب الوقف سقوطهما ويعمل على أن صورة الألف في الخط لا توجب موضعاً في اللفظ، وأنها كالألف في سحران وفي فطر السماوات والأرض وفي وعدنا موسى وما يشبههن مما يحذف من الخط وهو موجود في اللفظ ، وهو مسقط من الخط وفيه حجة ثالثة هي أنه كتب على لغة من يقول لقيت الرجلا وقرئ على لغة من يقول: لقيت الرجل، بغير ألف. أخبرنا أحمد يحيى عن جماعة من أهل اللغة أنهم رووا عن العرب قام الرجلو، بواو، ومررت بالرجلي بياء، في الوصول والوقف، ولقيت الرجلا، بألف في الحالتين كلتيهما قال الشاعر :
أسائلة عميرة عن أبيها خلال الجيش تعترف الركابا
فأثبت الألف في الركاب بناء على هذه اللغة وقال الآخر:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا
وعلى هذه اللغة بني نافع وغيره وقرأ ابن كثير وابن محيصن والكسائي بإثباتها في الوقف وحذفها في الوصل، قال ابن الأنباري: ون وصل بغير ألف ووقف بألف فجائز أن يحتج بأن الألف احتاج إليها عند السكت حرصاً على بقاء الفتحة، وأن الألف تدعمها وتقويها .
يقول تعالى مخبراً عن نعمته وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا, وذلك عام الخندق, وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة على الصحيح المشهور. وقال موسى بن عقبة وغيره: كان في سنة أربع, وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفراً من أشراف يهود بن النضير الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر, منهم سلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع, خرجوا إلى مكة فاجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم, ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة, فأجابوهم إلى ذلك, ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضاً, وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها وقائدها أبو سفيان صخر بن حرب, وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر, والجميع قريب من عشرة آلاف, فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم, أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة ممايلي الشرق, وذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه, فعمل المسلمون فيه واجتهدوا, ونقل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب وحفر, وكان في حفره ذلك آيات بينات ودلائل واضحات. وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريباً من أحد, ونزلت طائفة منهم أعالي أرض المدينة, كما قال الله تعالى: " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم " وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين وهم نحو ثلاثة آلاف, وقيل سبعمائة, فأسندوا ظهورهم إلى سلع ووجوههم إلى نحو العدو, والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الخيالة والرجال أن تصل إليهم, وجعل النساء والذراري في آطام المدينة, وكانت بنو قريظة وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرقي المدينة, ولهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم وذمة وهم قريب من ثمانمائة مقاتل, فذهب إليهم حيي بن أخطب النضري, فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد ومالؤوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعظم الخطب واشتد الأمر وضاق الحال, كما قال الله تبارك وتعالى: "هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً" ومكثوا محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريباً من شهر, إلا أنهم لا يصلون إليهم ولم يقع بينهم قتال, إلا أن عمرو بن عبد ود العامري وكان من الفرس الشجعان المشهورين في الجاهلية, ركب ومعه فوارس, فاقتحموا الخندق وخلصوا إلى ناحية المسلمين, فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيل المسلمين إليه, فيقال إنه لم يبرز أحد فأمر علياً رضي الله عنه فخرج إليه فتجاولا ساعة ثم قتله علي رضي الله عنه, فكان علامة النصر.
ثم أرسل الله عز وجل على الأحزاب ريحاً شديدة الهبوب قوية حتى لم يبق لهم خيمة ولا شيء, ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار, حتى ارتحلوا خائبين خاسرين, كما قال الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا " قال مجاهد: وهي الصبا, ويؤيده الحديث الاخر: "نصرت بالصبا, وأهلكت عاد بالدبور" وقال ابن جرير : حدثني محمد بن المثنى , حدثنا عبد الأعلى , حدثنا داود عن عكرمة قال قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب: انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت الشمال: إن الحرة لا تسري بالليل, قال: فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا. ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج , عن حفص بن غياث , عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما, فذكره وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا يونس حدثنا ابن وهب , حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون رضي الله عنه ليلة الخندق في برد شديد وريح إلى المدينة, فقال: أئتنا بطعام ولحاف, قال: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال "من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا" قال: فذهبت والريح تسفي كل شيء, فجعلت لاألقى أحداً إلا أمرته بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فما يلوي أحد منهم عنق, قال: وكان معي ترس لي, فكانت الريح تضربه علي, وكان فيه حدي, قال: فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي فأبعدها إلى الأرض.
وقوله "وجنوداً لم تروها" هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف, فكان رئيس كل قبيلة يقول: يا بني فلان إلي, فيجتمعون إليه, فيقول: النجاء, النجاء لما ألقى الله عز وجل في قلوبهم من الرعب. وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه: يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه ؟ قال: نعم يا ابن أخي, قال: وكيف كنتم تصنعون ؟ قال: والله لقد كنا نجهد, قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض, ولحملناه على أعناقنا. قال: قال حذيفة رضي الله عنه: ياابن أخي والله لو رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق, وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت فقال "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ؟ ـ يشترط له النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ـ أدخله الله الجنة" قال: فما قام رجل, ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت إلينا فقال مثله, فما قام منا رجل, ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت إلينا فقال "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع ؟ ـ يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة ـ أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة" فما قام من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد, فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني, فقال صلى الله عليه وسلم "ياحذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون, ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا".
قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله عز وجل تفعل بهم ما تفعل, لا تقر لهم قراراً ولا ناراً ولا بناء, فقام أبو سفيان فقال يامعشر قريش, لينظر كل امرىء من جليسه, قال حذيفة رضي الله عنه: فأخذت بيد الرجل إلى جنبي فقلت: من أنت ؟ فقال: أن فلان بن فلان, ثم قال أبو سفيان: يامعشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف, وأخلفتنا بنو قريظة, وبلغنا عنهم الذي نكره, ولقينا من هذه الريح ما ترون, والله ما تطمئن لنا قدر ولاتقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء, فارتحلوا فإني مرتحل, ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه, ثم ضربه فوثب به على ثلاث, فما أطلق عقاله إلا وهو قائم, ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن لاتحدث شيئاً حتى تأتيني لو شئت لقتلته بسهم. قال حذيفة رضي الله عنه: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل, فلما رآني أدخلني بين رجليه وطرح علي طرف المرط, ثم ركع وسجد, وإني لفيه, فلما سلم أخبرته الخبر, وسمعت غطفان بما فعلت قريش, فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال له رجال: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت, فقال له حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك ؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر, " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة فلم يجبه منا أحد, ثم الثانية ثم الثالثة مثله, ثم قال صلى الله عليه وسلم : ياحذيفة قم فأتنا بخبر من القوم فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم فقال: ائتني بخبر القوم ولاتذعرهم علي قال: فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم, فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار, فوضعت سهماً في كبد قوسي وأردت أن أرميه, ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذعرهم علي, ولو رميته لأصبته, قال: فرجعت كأنما أمشي في حمام, فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت, فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها, فلم أزل نائماً حتى الصبح, فلما أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يانومان".
ورواه يونس بن بكير عن هشام بن سعد , عن زيد بن أسلم قال: إن رجلاً قال لحذيفة رضي الله عنه: نشكو إلى الله صحبتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم, إنكم أدركتموه ولم ندركه, ورأيتموه ولم نره, فقال حذيفة رضي الله عنه: ونحن نشكو إلى الله إيمانكم به ولم تروه, والله لا تدري ياابن أخي لو أدركته كيف كنت تكون, لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخندق في ليلة باردة مطيرة, ثم ذكر نحو ما تقدم مطولاً. وروى بلال بن يحيى العبسي عن حذيفة رضي الله عنه نحو ذلك أيضاً, وقد أخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل من حديث عكرمة بن عمار عن محمد بن عبد الله الدؤلي عن عبد العزيز بن أخي حذيفة قال ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه: أما والله لو شاهدنا ذلك كنا فعلنا وفعلنا, فقال حذيفة : لا تمنوا ذلك, لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعوداً, وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا, وقريظة لليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا, وما أتت علينا قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه, فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن بيوتنا عورة وما هي بعورة, فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له, ويأذن لهم فيتسللون, ونحن ثلثمائة أو نحو ذلك إذ استقبلنا رسول الله رجلاً رجلاً, حتى أتى علي وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي, قال: " فأتاني صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي فقال: من هذا ؟ فقلت: حذيفة . قال: حذيفة ؟ قتقاصرت الأرض فقلت: بلى يارسول الله كراهية أن أقوم, فقمت فقال : إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم قال: وأنا من أشد الناس فزعاً وأشدهم قهراً. قال: فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته قال: فوالله ما خلق الله تعالى فزعاً ولا قراً في جوفي إلا خرج من جوفي, فما أجد فيه شيئاً, قال: فلما وليت, قال صلى الله عليه وسلم : يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتني قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد, فإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته, ويقول: الرحيل الرحيل, ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك, فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار, فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحدثن فيهم شيئاً حتى تأتيني قال: فأمسكت ورددت سهمي إلى كنانتي, ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر, فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون: يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم. وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً, فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرستهم, الريح تضربهم بها, ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتصفت في الطريق أو نحواً من ذلك إذ أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين, فقالوا: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم, فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملته يصلي, فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر, وجعلت أقرقف فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي, فدنوت منه فأسبل علي شملته, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى, فأخبرته خبر القوم, وأخبرته أني تركتهم يرتحلون " , وأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا " وأخرج أبو داود في سننه منه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى, من حديث عكرمة بن عمار به.
وقوله تعالى: " إذ جاءوكم من فوقكم " أي الأحزاب "ومن أسفل منكم" تقدم عن حذيفة رضي الله عنه أنهم بنو قريظة "وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر" أي شدة الخوف والفزع "وتظنون بالله الظنونا" قال ابن جرير : ظن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدائرة على المؤمنين, وأن الله سيفعل ذلك. وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى: " وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا " ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق, حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر, وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط.
وقال الحسن في قوله عز وجل "وتظنون بالله الظنونا" ظنون مختلفة, ظن المنافقون أن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يستأصلون, وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق, وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عاصم الأنصاري , حدثنا أبو عامر , (ح) وحدثنا أبي , حدثنا أبو عامرالعقدي , حدثنا الزبير يعني ابن عبد الله مولى عثمان رضي الله عنه, عن رتيج بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: " قلنا يوم الخندق: يارسول الله هل من شيء نقول, فقد بلغت القلوب الحناجر ؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم, قولوا: اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" قال: فضرب وجوه أعدائه بالريح, فهزمهم بالريح وكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي عامر العقدي .
10- " إذ جاءوكم من فوقكم " إذ هذه وما بعدها بدل من إذ الأولى، والعامل في هذه هو العامل في تلك، وقيل منصوبة بمحذوف هو اذكر، ومعنى "من فوقكم" من أعلى الوادي، وهو من جهة المشرق، والذين جاءوا من هذه الجهة هم غطفان وسيدهم عيينة بن حصين، وهوازن وسيدهم عوف بن مالك، وأهل نجد وسيدهم طليحة بن خويلد الأسدي، وانضم إليهم عوف بن مالك وبنوا النضير، ومعنى "ومن أسفل منكم" من أسفل الوادي من جهة المغرب من ناحية مكة، وهم قريش ومن معهم من الأحابيش، وسيدهم أبو سفيان بن حرب، وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة من وجه الخندق، ومعهم عامر بن الطفيل، وجملة " وإذ زاغت الأبصار " معطوفة على ما قبلها: أي مالت عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى عدوها مقبلاً من كل جانب، وقيل شخصت دهشاً من فرط الهول والحيرة "وبلغت القلوب الحناجر" جمع حنجرة، وهي جوف الحلقوم: أي ارتفعت القلوب عن مكانها، ووصلت من الفزع والخوف إلى الحناجر، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها، وهو الذي نهايته الحنجرة لخرجت، كذا قال قتادة. وقيل هو على طريق المبالغة المعهودة في كل العرب وإن لم ترتفع القلوب إلى ذلك المكان ولا خرجت عن موضعها، ولكنه مثل في إضطرابها وجنبها. قال الفراء: والمعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم، وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته، فإذا انتفخت الرئة ارتفع القلب إلى الحنجرة، ولهذا يقال للجبان: انتفخ سحره "وتظنون بالله الظنونا" أي الظنون المختلفةن فبعضهم ظن النصر ورجا الظفر، وبعضهم ظن خلاف ذلك. وقال الحسن: ظن المنافقون أنه يستأصل محمد وأصحابه، وظن المؤمنون أنه ينصر. وقيل الآية خطاب للمنافقين، والأولى ما قاله الحسن. فيكون الخطاب لمن أظهر الإسلام على الإطلاق أعم من أن يكون مؤمناً في الواقع أو منافقاً.
واختلف القراء في هذه الألف في "الظنونا": فأثبتها وصلا ووقفا نافع وابن عامر وأبو بكر، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو والكسائي، وتمسكوا بخطف المصحف العثماني وجميع المصاحف في جميع البلدان فإن الألف فيها كلها ثابتة، واختار هذه القراءة أبو عبيدة إلا أنه قال: لا ينبغي للقارئ أن يدرج القراءة بعدهن بل يقف عليهن، وتمسكوا أيضاً بما في أشعار العرب من مثل هذا. وقرأ أبو عمرو وحمزة والجحدري ويعقوب بحذفها في الوصل والوقف معاً، وقالوا: هي من زيادات الخط فكتبت كذلك، ولا ينبغي النطق بها. وأما في الشعر فهو يجوز فيه للضرورة ما لا يجوز في غيره. وقرأ ابن كثير والنسائي وابن محيصن بإثباتها وقفاً وحذفها وصلاً، وهذه القراءة راجحة باعتبار اللغة العربية، وهذه الألف هي التي تسميها النحاة ألف الإطلاق، والكلام فيها معروف في علم النحو، وهكذا اختلف القراء في الألف التي في قوله "الرسولا" و "السبيلا" كما سيأتي آخر هذه السورة.
قوله عز وجل: 10- " إذ جاءوكم من فوقكم "، أي: من فرق الوادي من قبل المشرق، وهم أسد، وغطفان، وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان، ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود بني قريظة، "ومن أسفل منكم"، يعني: من بطن الوادي، من قبل المغرب، وهم قريش وكنانة، عليهم أبو سفيان بن حرب في قريش ومن تبعه، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق.
وكان الذي جر غزوة الخندق -فيما قيل- إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير من ديارهم.
"وإذ زاغت الأبصار"، مالت وشخصت/ من الرعب، وقيل: مالت عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى عدوها، "وبلغت القلوب الحناجر"، فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع، والحنجرة: جوف الحلقوم، وهذا على التمثيل، عبر به عن شدة الخوف، قال الفراء: معناه أنهم جنبوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فإذا انتفخت الرئة رفعت القلب إلى الحنجرة، ولهذا يقال للجبان: انتفخ سحره.
"وتظنون بالله الظنونا"، أي: اختلفت الظنون، فظن المنافقون استئصال محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وظن المؤمنون النصر والظفر لهم.
قرأ أهل المدينة، والشام، وأبو بكر: الظنونا والرسولا والسبيلا بإثبات الألف وصلاً ووقفاً، لأنها مثبته في المصاحف، وقرأ أهل البصرة وحمزة بغير الألف في الحالين على الأصل، وقرأ الآخرون بالألف في الوقف دون الوصل لموافقة رؤوس الآي.
10 -" إذا جاؤوكم " بدل من إذ جاءتكم . " من فوقكم " من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان . " ومن أسفل منكم " من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش . " وإذ زاغت الأبصار " مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصاً . " وبلغت القلوب الحناجر " رعباً فإن الرئة تنتفخ من شدة الروع فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ، وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب . " وتظنون بالله الظنونا " الأنواع من الظن فظن المخلصون الثبت القلوب أن الله منجز وعده في إعلاء دينه ، أو ممتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال والضعاف القلوب والمنافقون ما حكي عنهم ، والألف مزيدة في أمثاله تشبيهاً للفواصل بالقوافي وقد أجرى نافع و ابن عامر و أبو بكر فيها الوصل مجرى الوقف ، ولم يزدها أبو عمرو و حمزة و يعقوب مطلقاً وهو القياس .
10. When they came upon you from above you and from below you, and when eyes grew wild and hearts reached to the throats, and ye were imagining vain thoughts concerning Allah.
10 - Behold they came on you from above you and from below you, and behold, the eyes became dim and the hearts gaped up to the throats, and ye imagined various (vain) thoughts about God.