[السجدة : 26] أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ
26 - (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من) أي يتبين لكفار مكة إهلاكنا كثيرا (القرون يمشون) الأمم بكفرهم (في) حال من ضمير لهم (مساكنهم إن) في اسفارهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا (في ذلك لآيات أفلا) دلالات على قدرتنا (يسمعون أولم) سماع تدبر واتعاظ
يقول تعالى ذكره: أو لم يبين لهم؟.
كما حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس " أولم يهد لهم " يقول: أو لم يبين لهم. وعلى القراءة بالياء في ذلك قراء الأمصار، وكذلك القراءة عندنا لإجماع الحجة من القراء، بمعنى: أولم يبين إهلاكنا القرون الخالية من قبلهم، سنتنا فيمن سلك سبيلهم من الكفر بآياتنا، فيتعظوا وينزجروا، وقوله " كم " إذا قرىء " يهد " بالياء، في موضع رفع بيهد.
وأما إذا قرىء ذلك بالنون ( إو لم نهد) فإن موضع ( كم) وما بعدها نصب. وقوله " يمشون في مساكنهم " يقول تعالى ذكره: أو لم يبين لهم كثرة إهلاكنا القرون الماضية من قبلهم يمشون في بلادهم وأرضهم، كعاد وثمود.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون " عاد وثمود وأنهم إليهم لا يرجعون.
وقوله " إن في ذلك لآيات " يقول تعالى ذكره: إن في خلاء مساكن القرون الذين أهلكناهم من قبل هؤلاء المكذبين بآيات الله من قريش من أهلها الذين كانوا سكانها وعمارها بإهلاكنا إياهم لما كذبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا، وعبدوا من دون الله آلهة غيره التي يمرون بها فيعاينونها، لآيات لهم وعظات يتعظون بها، لو كانوا أولي حجا وعقول، يقول الله " أفلا يسمعون " عظات الله وتذكيره إياهم آياته، وتعريفهم مواضع حججه؟.
قوله تعالى: "أولم يهد لهم" وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب نهد لهم بالنون، فهذه قراءة بينة. النحاس: وبالياء فيها إشكال، لأنه يقال: الفعل لا يخلو من فاعل، فأين الفاعل لـ يهد ؟ فتكلم النحويين في هذا، فقال الفراء: كم في موضع رفع لـ يه. وهذا نقض لأصول النحويين في قولهم: إن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولا في كم بوجه، أعني ما قبلها. ومذهب أبي العباس أن يهد يدل على الهدى، والمعنى أولم يهد لهم الهدى. وقيل: المعنى أولم يهد الله لهم، فيكون معنى الياء والنون واحداً، أي أولم نبين لهم إهلاكنا القرون الكافرة من قبلهم. وقال الزجاج: كم في موضع نصب بـ بأهلكنا "يمشون في مساكنهم" يحتمل الضمير في يمشون أن يعود الماشين في مساكن المهلكين، أي وهؤلاء يمشون ولا يعتبرون. ويحتمل أن يعود على المهلكين فيكون حالاً، والمعنى: أهلكناهم ماشين في مساكنهم "في ذلك لآيات أفلا يسمعون" آيات الله وعظاته فيتعظون.
يقول تعالى: أولم يهد لهؤلاء المكذبين بالرسل ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل, ومخالفتهم إياهم فيما جاؤوهم به من قويم السبل, فلم يبق منهم باقية ولا عين ولا أثر "هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً" ولهذا قال "يمشون في مساكنهم" أي هؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين, فلا يرون منها أحداً ممن يسكنها ويعمرها, ذهبوا منها "كأن لم يغنوا فيها" كما قال "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا" وقال " فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد * أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " ولهذا قال ههنا " إن في ذلك لآيات " أي إن في ذهاب أولئك القوم ودمارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل, ونجاة من آمن بهم, لايات وعبراً ومواعظ ودلائل متناظرة "أفلا يسمعون" أي أخبار من تقدم كيف كان أمرهم.
وقوله تعالى: " أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز " يبين تعالى لطفه بخلقه وإحسانه إليهم في إرساله الماء إما من السماء أو من السيح, وهو ما تحمله الأنهار ويتحدر من الجبال إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته, ولهذا قال تعالى: "إلى الأرض الجرز" وهي التي لا نبات فيها, كما قال تعالى: "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" أي يبساً لا تنبت شيئاً, وليس المراد من قوله "إلى الأرض الجرز" أرض مصر فقط, بل هي بعض المقصود وإن مثل بها كثير من المفسرين فليست هي المقصودة وحدها, ولكنها مرادة قطعاً من هذه الاية, فإنها في نفسها أرض رخوة غليظة تحتاج من الماء ما لو نزل عليها مطراً لتهدمت أبنيتها, فيسوق الله تعالى إليها النيل بما يتحمله من الزيادة الحاصلة من أمطار بلاد الحبشة, وفيه طين أحمر, فيغشى أرض مصر وهي أرض سبخة مرملة محتاجة إلى ذلك الماء وذلك الطين أيضاً, ليبنبت الزرع فيه, فيستغلون كل سنة على ماء جديد ممطور في غير بلادهم, وطين جديد من غير أرضهم, فسبحان الحكيم الكريم المنان المحمود أبدً.
قال ابن لهيعة عن قيس بن حجاج عمن حدثه قال: لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص , حين دخل بؤونة من أشهر العجم, فقالوا: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها قال: وما ذاك ؟ قالوا: إن كانت ثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر, عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها, فأرضينا أبويها, وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون, ثم ألقيناها في هذا النيل, فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإسلام, إن الإسلام يهدم ما كان قبله, فأقاموا بؤونة والنيل لا يجري حتى هموا بالجلاء, فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك, فكتب إليه عمر : إنك قد أصبت بالذي فعلت, وقد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا, فألقها في النيل, فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها, فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر, أما بعد, فإنك إن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجري, وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك, فنسأل الله أن يجريك. قال: فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة, قد قطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم. رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي الطبري في كتاب السنة له, ولهذا قال تعالى: "أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون" كما قال تعالى: " فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنا صببنا الماء صبا " الاية, ولهذا قال ههنا "أفلا يبصرون".
وقال ابن أبي نجيح عن رجل عن ابن عباس في قوله " إلى الأرض الجرز " قال: هي التي لا تمطر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاً إلا ما يأتيها من السيول, وعن ابن عباس ومجاهد : هي أرض باليمن, وقال الحسن رحمه الله: هي قرى بين اليمن والشام. وقال عكرمة والضحاك وقتادة والسدي وابن زيد: الأرض الجرز التي لا نبات فيها, وهي مغبرة, قلت: وهذا كقوله تعالى: "وآية لهم الأرض الميتة أحييناها" الايتين.
26- " أولم يهد لهم " أي أو لم يبين لهم، والهمزة للإنكار، والفاعل ما دل عليه "كم أهلكنا من قبلهم من القرون" أي أو لم نبين لهم كثرة إهلاكنا من قبلهم. قال الفراء: كم في موضع رفع بيهد. وقال المبرد: إن الفاعل الهدى المدلول عليه بيهد: أي أو لم يهد لهم الهدى. وقال الزجاج: كم في موضع نصب بأهلكنا، قرأ الجمهور أو لم يهد بالتحتية، وقرأ السلمي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب بالنون، وهذه القراءة واضحة. قال النحاس: والقراءة بالياء التحتية فيها إشكال لأنه يقال: الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل ليهد؟ ويجاب عنه بأن الفاعل هو ما قدمنا ذكره، والمراد بالقرون: عاد وثمود ونحوهم، وجملة "يمشون في مساكنهم" في محل نصب على الحال من ضمير لهم: أي والحال أنهم يمشون في مساكن المهلكين ويشاهدونها، وينظرون ما فيها من العبر، وآثار العذاب، ولا يعتبرون بذلك، وقيل يعود إلى المهلكين، والمعنى: أهلكناهم حال كونهم ماشين في مساكنهم، والأول أولى "إن في ذلك" المذكور "لآيات" عظيمات "أفلا يسمعون" بها ويتعظون بها.
26- "أولم يهد"، لم يتبين، "لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون"، آيات الله وعظاته فيتعظون بها.
26ـ " أولم يهد لهم " الواو للعطف على منوي من جنس المعطوف والفاعل ضمير ما دل عليه . " كم أهلكنا من قبلهم من القرون " أي كثرة من أهلكناهم من القرون الماضية ، أو ضمير الله بدليل القراءة بالنون . " يمشون في مساكنهم " يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم ، وقرئ
(( يمشون )) بالتشديد . " إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون " سماع تدبر واتعاظ .
26. Is it not a guidance for them (to observe) how many generations He destroyed before them, amid whose dwelling places they do walk? Lo, therein verily are portents! Will they not then heed?
26 - Does it not teach them a lesson, how many generations We destroyed before them, In whose dwellings they (now) go to and fro? Verily in that are Sings: do they not then listen?