[لقمان : 34] إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
34 - (إن الله عنده علم الساعة) متى تقوم (وينزل) بالتخفيف والتشديد (الغيث) بوقت يعلمه (ويعلم ما في الأرحام) أذكر أم أنثى ولا يعلم واحدا من الثلاثة غير الله تعالى (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) من خير أو شر ويعلمه الله تعالى (وما تدري نفس بأي أرض تموت) ويعلمه الله تعالى (إن الله عليم) بكل شيء (خبير) بباطنه كظاهره روى البخاري عن ابن عمر حديث مفاتيح الغيب خمسة إن الله عنده علم الساعة إلى آخر السورة
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال جاء رجل من أهل البادية فقال إن امرأتي حبلى فأخبرني بما تلد وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت فأنزل الله ان الله عنده علم الساعة
يقول تعالى ذكره: " يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا " هو آتيكم علم إتيانه إياكم عند ربكم، لا يعلم أحد متى هو جائيكم، لا يأتيكم إلا بغتة، فاتقوه أن يفجأكم بغتة، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قبل لكم به، وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجيء الساعة. والمعنى ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه، فقال " إن الله عنده علم الساعة " التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره " وينزل الغيث " من السماء، لا يقدر على ذلك أحد غيره " ويعلم ما في الأرحام " أرحام الإناث " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا " يقول: وما تعلم نفس حي ماذا تعمل في غد، " وما تدري نفس بأي أرض تموت " يقول: وما تعلم نفس حي بأي أرض تكون منيتها " إن الله عليم خبير " يقول: إن الذي يعلم ذلك كله، هو الله دون كل أحد سواه، إنه ذو علم بكل شيء، لا يخفى عليه شيء، خبير بما هو كائن، وما قد كان.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " إن الله عنده علم الساعة " قال: " جاء رجل - قال أبو جعفر: أحسبه أنا، قال - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى، فأخبرني ماذا تلد؟ وبلادنا محل جدبة، فأخبرني متى ينزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت، فأخبرني متى أموت، فأنزل الله " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث " ... إلى آخر السورة"، قال: فكان مجاهد يقول: هن مفاتح الغيب التي قال الله ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) ( الأنعام: 59).
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، " إن الله عنده علم الساعة " .. الآية، أشياء من الغيب، استأثر الله بهن، فلم يطلع عليهن ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً " إن الله عنده علم الساعة " فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة، أو في أي شهر، أو ليل، أو نهار " وينزل الغيث " فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلاً أونهاراً ينزل؟ " ويعلم ما في الأرحام " فلا يعلم أحد ما في الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟ " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا " خير أم شر ولا تدري يا ابن آدم متى تموت، لعلك الميت غداً، لعلك المصاب غداً؟ " وما تدري نفس بأي أرض تموت " ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو بر أو سهل أو جبل، تعالى وتبارك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي ، قال: قالت عائشة: من قال: إن أحداً يعلم الغيب إلا الله فقد كذب وأعظم الفرية على الله، قال الله " لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " ( النمل: 65).
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن عمرو بن شعيب " أن رجلاً قال: يا رسول الله، هل من العلم علم لم تؤته؟ قال: لقد أوتيت علماً كثيراً، وعلماً حسناً، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث " ... إلى " إن الله عليم خبير " لا يعلمهن إلا الله تبارك وتعالى ".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتح الغيب خمسة، ثم قرأ هؤلا الآيات " إن الله عنده علم الساعة " ... إلى آخرها ".
حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام " ... الآية، ثم قال: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم أحد متى ينزل الغيث إلا الله، ولا يعلم أحد متى قيام الساعة إلا الله، ولا يعلم أحد ما في الأرحام إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عنع بد الله بن سلمة، عن ابن مسعود قال: كل شيء أوتيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، إلا علم الغيب الخمس: " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ".
قال: ثنا جرير وابن علية، عن أبي خباب، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس لا يعلمهن إلا الله: " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث " .... الآية ".
حدثني أبو شرحبيل، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا إسماعيل، عن جعفر، عن عمرو ابن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: كل شيء قد أوتي نبيكم غير مفاتح الغيب الخمس، ثم قرأ هذه الآية " إن الله عنده علم الساعة " ... إلى آخرها. وقيل: بأي أرض تموت. وفي لغة أخرى: بأي أرض) فمن قال: " بأي أرض " تجتزيء بتأنيث الأرض من أن يظهر في أي تأنيث آخر، ومن قال ( بأية أرض) فأنث: أي قال: قد تجتزىء بأي مما أضيف إليه، فلا بد من التأنيث، كقول القائل: مررت بامرأة، فيقال له: بأية، ومررت برجل، فيقال له: بأي، ويقال: أي امرأة جاءتك وجاءك، وأية امرأة جاءتك.
زعم الفراء أن هذا معنى النفي، أي ما يعلمه أحد إلا الله تعالى: قال أبو جعفر النحاس: وإنما صار فيه معنى النفي والإيجاب بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال في قوله عز وجل: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" الأنعام: 59 : إنها هذه: قلت: قد ذكرنا في سورة الأنعام حديث ابن عمر في هذا، خرجه البخاري. وفي حديث جبريل عليه السلام قال: أخبرني عن الساعة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، هن خمسة لا يعلمهن إلا الله تعالى: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا قال: صدقت. لفظ أبي داود الطيالسي. وقال عبد الله بن مسعود: كل شئ أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم غير خمس: "إن الله عنده علم الساعة"، الآية إلى آخرها. وقال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يعلمها مللك مقرب. ولا نبي مرسل، فمن ادعى أنه يعلم شيئاً من هذه فقد كفر بالقرآن، لأنه خالفه. ثم إن الأنبياء يعلمون كثيراً من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم والمراد إبطال كون الكهنة والمنجمين ومن يستسقي بالأنواء وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك، حسبما تقدم ذكره في الأنعام. وقد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده. وروي أن يهودياً كان يحسب حساب النجوم، فقال لابن عباس: إن شئت نبأتك نجم ابنك، وأنه يموت بعد عشرة أيام، وأنت لا تموت حتى تعمى، وأنا لا يحول علي الحول حتى أموت. قال: فأين موتك يا يهودي ؟ فقال: لا أدري. فقال ابن عباس: صدق الله: "وما تدري نفس بأي أرض تموت" فرجع ابن عباس فوجد ابنه محموماً، ومات بعد عشرة أيام. ومات اليهودي قبل الحول، ومات ابن عباس أعمى. وقال علي بن الحسين راوي هذا الحديث: هذا أعجب الأحاديث. وقال مقاتل: إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث، فقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت، فقد علمت ما علمت اليوم فأخبرني ماذا أعمل غداً، وأخبرني متى تقوم الساعة ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، ذكره القشيري والماوردي. وروى أبو المليح عن أبي عزة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها " - ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم - "إن الله عنده علم الساعة "- إلى قوله - "بأي أرض تموت" ذكره الماوردي، وخرجه ابن ماجة من حديث ابن مسعود بمعناه. وقد ذكرناه في كتاب التذكرة مستوفى. وقراءة العامة: وينزل مشدداً. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي مخففاً. وقرأ أبي بن كعب: بأية أرض الباقون بأي أرض قال الفراء: اكتفى بتأنيث الأرض من تأنيث أي. وقيل: أراد بالأرض المكان فذكره. قال الشاعر: فلا مـزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقـل إبـقالهـا
وقال الأخفش: يجوز مررت بجارية أي جارية، وأية جارية. وشبه سيبويه تأنيث أي بتأنيث كل في قولهم: كلتهن "إن الله عليم خبير" خبير نعت لـ عليم أو خبر بعد خبر. والله تعالى أعلم.
هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها, فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها, فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب "لا يجليها لوقتها إلا هو" وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك, ومن يشاء الله من خلقه, وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه, ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً, علم الملائكة الموكلون بذلك, ومن شاء الله من خلقه, وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غداً في دنياها وأخراها "وما تدري نفس بأي أرض تموت" في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان, لا علم لأحد بذلك, وهذه شبيهة بقوله تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" الاية. وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب.
قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب , حدثني حسين بن واقد , حدثني عبد الله بن بريدة , سمعت أبي بريدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير"" هذا حديث صحيح الإسناد, ولم يخرجوه.
(حديث ابن عمر ) قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع , حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير"" انفرد بإخراجه البخاري , فرواه في كتاب الإستسقاء في صحيحه عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان بن سعيد الثوري به. ورواه في التفسير من وجه آخر, فقال: حدثنا يحيى بن سليمان , حدثنا ابن وهب , حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أن أباه حدثه أن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام" انفرد به أيضاً. ورواه الإمام أحمد عن غندر عن شعبة عن عمر بن محمد أنه سمع أباه يحدث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير"".
(حديث ابن مسعود ) رضي الله عنه. قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن شعبة , حدثني عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: قال عبد الله : " أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير" " وكذا رواه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة به. وزاد في آخره. قال: قلت له أنت سمعته من عبد الله ؟ قال: نعم, أكثر من خمسين مرة, ورواه أيضاً عن وكيع عن مسعر عن عمرو بن مرة به. وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن, ولم يخرجوه.
(حديث أبي هريرة ) قال البخاري عند تفسير هذه الاية: حدثنا إسحاق عن جرير عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً بارزاً للناس إذ أتاه رجل يمشي فقال: يا رسول الله, ما الإيمان ؟ قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته, وكتبه ورسله ولقائه, وتؤمن بالبعث الاخر قال: يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة المفروضة, وتصوم رمضان قال: يا رسول الله ما الإحسان ؟ قال :الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال: يا رسول الله متى الساعة ؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل, ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها فذاك من أشراطها, وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله, " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام " الاية, ثم انصرف الرجل فقال ردوه علي فأخذوا ليردوه, فلم يروا شيئاً, فقال: هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم" ورواه البخاري أيضاً في كتاب الإيمان, و مسلم عن طرق عن أبي حيان به. وقد تكلمنا عليه في أول شرح البخاري , وذكرنا ثم حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ذلك بطوله, وهو من أفراد مسلم .
(حديث ابن عباس ) قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر , حدثنا عبد الحميد , حدثنا شهر , حدثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, قال: " جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً فأتاه جبريل, فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً كفيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: حدثني ما الإسلام ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل, وتشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت ؟ قال :إذا فعلت ذلك فقد أسلمت قال: يا رسول الله, فحدثني ما الإيمان ؟ قال :الإيمان أن تؤمن بالله واليوم الاخر, والملائكة والكتاب والنبيين, وتؤمن بالموت وبالحياة بعد الموت, وتؤمن بالجنة والنار, والحساب والميزان, وتؤمن بالقدر كله: خيره وشره قال فإذا فعلت ذلك فقد آمنت ؟ قال : إذا فعلت ذلك فقد آمنت " قال: يا رسول الله حدثني ما الإحسان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه, فإن كنت لا تراه فإنه يراك" قال: يا رسول الله فحدثني متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ـ سبحان الله ـ في خمس لا يعلمهن إلا هو " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك ـ قال: أجل يا رسول الله, فحدثني, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الأمة ولدت ربتها ـ أو ربها ـ ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون في البنيان, ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس, فذلك من معالم الساعة وأشراطها قال: يا رسول الله ومن أصحاب الشاء الحفاة الجياع العالة ؟ قال :العرب" حديث غريب, ولم يخرجوه.
(حديث رجل من بني عامر) روى الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل من بني عامر " أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمة اخرجي إليه, فإنه لا يحسن الإستئذان, فقولي له فليقل: السلام عليكم, أأدخل ؟ قال: فسمعته يقول ذلك, فقلت: السلام عليكم, أأدخل ؟ فأذن لي فدخلت, فقلت: بم أتيتنا به ؟ قال : لم آتكم إلا بخير, أتيتكم بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له, وأن تدعوا اللات والعزى, وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات, وأن تصوموا من السنة شهراً, وأن تحجوا البيت, وأن تأخذوا الزكاة من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم قال: فقال فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه ؟ قال : قد علمني الله عز وجل خيراً, وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل: الخمس " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام " الاية " , وهذا إسناد صحيح.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : جاء رجل من أهل البادية فقال: إن امرأتي حبلى, فأخبرني ما تلد, وبلادنا مجدبة, فأخبرني متى ينزل الغيث, وقد علمت متى ولدت, فأخبرني متى أموت فأنزل الله عز وجل " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " قال مجاهد : وهي مفاتيح الغيب التي قال الله تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب, ثم قرأت "وما تدري نفس ماذا تكسب غداً".
وقوله تعالى: "وما تدري نفس بأي أرض تموت" قال قتادة : أشياء استأثر الله بهن, فلم يطلع عليهن ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً "إن الله عنده علم الساعة" فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة في أي سنة, أو في أي شهر, أو ليل أو نهار "وينزل الغيث" فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلاً أو نهاراً "ويعلم ما في الأرحام" فلا يعلم أحد ما في الأرحام أذكر أم أنثى, أحمر أو أسود, وما هو "وما تدري نفس ماذا تكسب غداً" أخير أم شر, ولا تدري يا ابن آدم متى تموت لعلك الميت غداً, لعلك المصاب غداً "وما تدري نفس بأي أرض تموت" أي ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض, أفي بحر أم بر أو سهل أو جبل. وقد جاء في الحديث "إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة" فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير في مسند أسامة بن زيد : حدثنا إسحاق بن إبراهيم , أخبرنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي المليح عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما جعل الله ميتة عبد بأرض إلا جعل له فيها حاجة".
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة , حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن أبي إسحاق عن مطر بن عكاش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا قضى الله ميتة عبد بأرض جعل له إليها حاجة" وهكذا رواه الترمذي في القدر من حديث سفيان الثوري به, ثم قال: حسن غريب, ولا يعرف لمطر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث, وقد رواه أبو داود في المراسيل, فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا أيوب عن أبي المليح بن أسامة عن أبي عزة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أراد الله قبض روح عبد بأرض جعل له فيها ـ أو قال ـ بها حاجة" وأبو عزة هذا هو يسار بن عبيد الله , ويقال ابن عبد الهذلي . وأخرجه الترمذي من حديث إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن علية , وقال: صحيح. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأصفهاني , حدثنا المؤمل بن إسماعيل , حدثنا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن أبي عزة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " " .
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري ومحمد بن يحيى القطعي قالا: حدثنا عمر بن علي , حدثنا إسماعيل عن قيس عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة" ثم قال البزار : وهذا الحديث لا نعلم أحداً يرفعه إلا عمر بن علي المقدمي . وقال ابن أبي الدنيا : حدثني سليمان بن أبي مسيح قال: أنشدني محمد بن الحكم لأعشى همدان :
فما تزود مما كان يجمعه سوى حنوط غداة البين مع خرق
وغير نفحة أعواد تشب له وقل ذلك من زاد لمنطلق
لا تأسين على شيء فكل فتى إلى منيته سيار في عنق
وكل من ظن أن الموت يخطئه معلل بأعاليل من الحمق
بأيما بلدة تقدر منيته إن لا يسير إليها طائعاً يسق
أورده الحافظ ابن عساكر رحمه الله في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث , وهو أعشى همدان, وكان الشعبي زوج أخته , وهو مزوج بأخت الشعبي أيضاً, وقد كان ممن طلب العلم والتفقه, ثم عدل إلى صناعة الشعر فعرف به, وقد روى ابن ماجه عن أحمد بن ثابت وعمر بن شبة , كلاهما عن عمر بن علي مرفوعاً إذا كان أجل أحدكم بأرض أوثبته له إليها حاجة, فإذا بلغ أقصى أثره قبضه الله عز وجل, فتقول الأرض يوم القيامة: رب هذا ما أودعتني, قال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم , حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن أيوب عن أبي المليح عن أسامة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما جعل الله منية عبد بأرض إلا جعل له إليها حاجة" .
34- "إن الله عنده علم الساعة" أي علم وقتها الذي تقوم فيه. قال الفراء: إن معنى هذا الكلام النفي: أي ما يعلمه أحد إلا الله عز وجل. قال النحاس: وإنما صار فيه معنى النفي لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" إنها هذه، "وينزل الغيث" في الأوقات التي جعلها معينة لإنزاله ولا يعلم ذلك غيره "ويعلم ما في الأرحام" من الذكور والإناث والصلاح والفساد "وما تدري نفس" من النفوس كائنة ما كانت من غير فرق بين الملائكة والأنبياء والجن والإنس "ماذا تكسب غداً" من كسب دين أو كسب دنيا "وما تدري نفس بأي أرض تموت" أي بأي مكان يقضي الله عليها بالموت. قرأ الجمهور "وينزل الغيث" مشدداً. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي مخففاً. وقرأ الجمهور "بأي أرض" وقرأ أبي بن كعب وموسى الأهوازي بأية وجوز ذلك الفراء وهي لغة ضعيفة. قال الأخفش: يجوز أن يقال مررت بجارية أي جارية. قال الزجاج: من ادعى أنه يعلم شيئاً من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "ختار" قال: جحاد. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "ولا يغرنكم بالله الغرور" قال: هو الشيطان. وكذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال جاء رجل من أهل البادية فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ما تلد؟ وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت؟ فأنزل الله "إن الله عنده علم الساعة" الآية. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه وزاد: وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غداً؟ وزاد أيضاً أنه سأله عن قيام الساعة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا متى تقوم الساعة إلا الله، ولا ما في الأرحام إلا الله، ولا متى ينزل الغيث إلا الله، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله"، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة في حديث سؤاله عن الساعة وجوابه بأشراطها، ثم قال "في خمس لا يعلمهن إلا الله"، ثم تلا هذه الآية وفي الباب أحاديث.
34- "إن الله عنده علم الساعة"، الآية نزلت في الوارث بن عمرو، بن حارثة، بن محارب، ابن حفصة، من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال: إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى، فمتى تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ فأنزل الله هذه الآية: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت".
وقرأ أبي بن كعب: بآية أرض، والمشهور: بأي أرض لأن الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء.
وقيل: أراد بالأرض المكان: أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله، أخبرنا إبراهيم بن ساعدة عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مفاتيح الغيب خمس: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت".
"إن الله عليم خبير".
34 -" إن الله عنده علم الساعة " علم وقت قيامها . لما روي "أن الحرث بن عمرو أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : متى قيام الساعة ؟ وإني قد ألقيت حباتي في الأرض فتى السماء تمطر ؟ وحمل امرأتي أذكر أم أنثى ؟ وما أ'مل غداً وأين أموت ؟ فنزلت" . وعنه عليه الصلاة والسلام " مفاتح الغيب خمس وتلا هذه الآية" . " وينزل الغيث " في إبانة المقدر له والمحل المعين له في علمه ، وقرأ نافع و ابن عامر و عاصم بالتشديد . " ويعلم ما في الأرحام " أذكر أم أنثى أتام أم ناقص . " وما تدري نفس ماذا تكسب غداً " من خير أو شر وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه . " وما تدري نفس بأي أرض تموت " كما لا تدري في أي وقت تموت . روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظم إليه ، فقال الرجل من هذا ؟ قال : ملك الموت فقال كأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ففعل فقال الملك : كان دوام نظري إليه تعجباً منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك )) ، وإنما جعل العلم لله تعالى والدراية للعبد لأن فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين ، ويدل على أنه إن أعمل حيلة وأنفذ فيها وسعه لم يعرف ما هو الحق به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره مما لم ينصب له دليل عليه ، وقرئ (( بأية أرض )) وشبه سيبويه تأنيثها بتأنيث كل في " كلهن " . " إن الله عليم " يعلم الأشياء كلها . " خبير " يعلم بواطنها كما نعلم ظواهرها .
وعنه عليه الصلاة والسلام " من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقاً يوم القيامة ، وأعطي من الحسنات عشراً عشراً بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر " .
34. Lo! Allah! With Him is knowledge of the Hour. He sendeth down the rain, and knoweth that which is in the wombs. No soul knoweth what it will earn tomorrow, and no soul knoweth in what land it will die. Lo! Allah is Knower, Aware.
34 - Verily the knowledge of the Hour is with God (alone). It is He Who knows rain, and He who knows what is in the wombs. Nor does any one know what it is that he will earn on the morrow: nor does any one know in what land he is to die. Verily with God is full knowledge and He is acquainted (with all things).