[لقمان : 28] مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
28 - (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) خلقا وبعثا لأنه بكلمة كن فيكون (إن الله سميع) يسمع كل مسموع (بصير) يبصر كل مبصر لا يشغله شيء عن شيء
يقول تعالى ذكره: ما خلقكم أيها الناس ولا بعثكم على الله إلا كخلق نفس واحدة وبعثها، وذلك أن الله لا يتعذر عليه شيء أراده، ولا يمتنع منه شيء شاءه " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" ( يس: 82) فسواء خلق واحد وبعثه، وخلق الجميع وبعثهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " كنفس واحدة " يقول: كن فيكون، للقيل والكثير.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " قال: يقول: إنما خلق الله الناس كلهم وبعثهم كخلق نفس واحدة وبعثها، وإنما صلح أن يقال: إلا كنفس واحدة، والمعنى: إلا كخلق نفس واحدة، لأن المحذوف فعل يدل عليه قوله " ما خلقكم ولا بعثكم " والعرب تفعل ذلك في المصادر، ومنه قول الله " تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت" ( الأحزاب: 19) والمعنى: كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، فلم يذكر الدوران والعين لما وصفت.
وقوله " إن الله سميع بصير " يقول تعالى ذكره: إن الله سميع لما يقول هؤلاء المشركون ويفترونه على ربهم، من ادعائهم له الشركاء والأنداد وغير ذلك من كلامهم وكلام غيرهم، بصير بما يعملونه وغيرهم من الأعمال، وهو مجازيهم على ذلك جزاءهم.
قوله تعالى: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" قال الضحاك: المعنى ما ابتداء خلقكم جميعاً إلا كخلق نفس واحدة، وما بعثكم يوم القيامة إلا كبعث نفس واحدة. قال النحاس: وهكذا قدره النحويون بمعنى إلا كخلق نفس واحدة، مثل "واسأل القرية" يوسف: 82 وقال مجاهد: لأنه يقول للقليل والكثير كن فيكون. ونزلت الآية في أبي بن خلف وأبي الأسدين ومنبه ونبيه ابني الحجاج بن السباق، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:إن الله تعالى قد خلقنا أطواراً، نفطة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً، ثم تقول إنا نبعث خلقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة! فأنزل الله تعالى: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" لأن الله تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد، وخلقه للعالم كخلقه لنفس واحدة. "إن الله سميع" لما يقولون "بصير" بما يفعلون.
يقول تعالى مخبراً عن عظمته وكبريائه وجلاله وأسمائه الحسنى وصفاته العلا, وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد, ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها, كما قال سيد البشر وخاتم الرسل "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" فقال تعالى: " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله " أي ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاماً وجعل البحر مداداً وأمده سبعة أبحر معه, فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسرت الأقلام ونفذ ماء البحر, ولو جاء أمثالها مدداً, وإنما ذكرت السبعة على وجه المبالغة, ولم يرد الحصر ولا أن ثم سبعة أبحر موجودة محيطة بالعالم كما يقوله من تلقاه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب, بل كما قال تعالى في الاية الأخرى " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا " فليس المراد بقوله "بمثله" آخر فقط بل بمثله ثم بمثله, ثم بمثله ثم هلم جرا, لأنه لا حصر لايات الله وكلماته.
قال الحسن البصري : لو جعل شجر الأرض أقلاماً, وجعل البحر مداداً, وقال الله إن من أمري كذا ومن أمري كذا, لنفد ماء البحر وتكسرت الأقلام. وقال قتادة : قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد, فقال الله تعالى: " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام " أي لو كان شجر الأرض أقلاما ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه. وقال الربيع بن أنس : إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها, وقد أنزل الله ذلك " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام " الاية, يقول: لو كان البحر مداداً لكلمات الله, والأشجار كلها أقلاماً, لا نكسرت الأقلام وفني ماء البحر, وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء, لأن أحداً لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني كما ينبغي, حتى يكون هو الذي يثني على نفسه إن ربنا كما يقول وفوق ما نقول.
وقد روي أن هذه الاية نزلت جواباً لليهود. قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جيبر أو عكرمة عن ابن عباس " أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة: يا محمد أرأيت قولك "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" إيانا تريد أم قومك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلاكما قالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها في علم الله قليل, وعندكم من ذلك ما يكفيكم" وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام " الاية, وهكذا روي عن عكرمة وعطاء بن بشار , وهذا يقتضي أن هذه الاية مدنية, لا مكية, والمشهور أنها مكية, والله أعلم.
وقوله "إن الله عزيز حكيم" أي عزيز قد عز كل شيء وقهره وغلبه, فلا مانع لما أراد ولا مخالف ولا معقب لحكمه, حكيم في خلقه وأمره وأقواله وأفعاله وشرعه وجميع شؤونه. وقوله تعالى: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" أي ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم المعاد بالنسبة إلى قدرته إلا كنسبة خلق نفس واحدة, الجميع هين عليه, "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" أي لا يأمر بالشيء إلا مرة واحدة, فيكون ذلك الشيء لا يحتاج إلى تكرره وتوكيده " فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة " وقوله "إن الله سميع بصير" أي كما هو سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة, كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة, ولهذا قال تعالى: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" الاية.
28- "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" أي إلا كخلق نفس واحدة وبعثها. قال النحاس: كذا قدره النحويون كخلق نفس مثل قوله: "واسأل القرية". قال الزجاج: أي قدرة الله على بعث الخلق كلهم وعلى خلقهم كقدرته على خلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة "إن الله سميع" لكل ما يسمع "بصير" بكل ما يبصر.
وقد أخرج البيهقي في الشعب عن عطاء قال: سألت ابن عباس عن قوله: " وأسبغ عليكم " الآية، قال هذه من كنوز علمي سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أما الظاهرة فما سوى من خلقك، وأما الباطنة فما ستر من عورتك، ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم". وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب والديلمي وابن النجار عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله "وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" فقال: أما الظاهرة فالإسلام وما سوى من خلقك وما أسبغ عليك من رزقه، وأما الباطنة فما ستر من مساوئ عملك". وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً قال: النعمة الظاهرة الإسلام، والنعمة الباطنة كل ما يستر عليكم من الذنوب والعيوب والحدود. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً أنه قال في تفسير الآية هي: لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي إسحاق وابن جرير ,ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: " ولو أنما في الأرض " الآية "أن أحبار اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة: يا محمد أرأيت قولك "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" إيانا تريد أم قومك؟ فقالك كلاً، فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء؟ فقال: إنها في علم الله قليل، وأنزل الله " ولو أنما في الأرض " الآية". وأخرجه ابن مردويه عنه بأطول منه. وأخرج ابن مردويه أيضاً عن ابن مسعود نحوه.
28- "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة"، يعني كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء، "إن الله سميع بصير".
28 -" ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " إلا كخلقها وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن لأنه يكفي لوجود الكل تعلق إرادته الواجبة مع قدرته الذاتية كما قال " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " " إن الله سميع " يسمع كل مسموع " بصير " يبصر كل مبصر لا يشغله إدراك بعضها عن بعض فكذلك الحق .
28. Your creation and your raising (from the dead) are only as (the creation and the raising of) a single soul. Lo! Allah is Nearer, Knower.
28 - And your creation or your resurrection is in no wise but as an individual soul: for God is he who Hears and sees (all things).