[الروم : 54] اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ
54 - (الله الذي خلقكم من ضعف) ماء مهين (ثم جعل من بعد ضعف) آخر وهو ضعف الطفولية (قوة) قوة الشباب (ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) ضعف الكبر وشيب الهرم والضعف في الثلاثة بضم أوله وفتحه (يخلق ما يشاء) من الضعف والقوة والشباب والشيبة (وهو العليم) بتدبير خلقه (القدير) على ما يشاء
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بالبعث من مشركي قريش، محتجاً عليهم بأنه القادر على ذلك وعلى ما يشاء. " الله الذي خلقكم " أيها الناس " من ضعف " يقول: من نظفة وماء مهين، فأنشأكم بشراً سوياً " ثم جعل من بعد ضعف قوة " يقول: ثم جعل لكم قوة على التصرف، من بعد خلقه إياكم من ضعف، ومن بعد ضعفكم بالصغر والطفولة " ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة " يقول: ثم أحدث لكم الضعف بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم وشيبة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " الذي خلقكم من ضعف " أي من نطفة " ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا " الهرم " وشيبة " الشمط.
وقوله " يخلق ما يشاء " يقول تعالى ذكره: يخلق ما يشاء من ضعف وقوة وشباب وشيب " وهو العليم " بتدبير خلقه " القدير " على ما يشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده، فكما فعل هذه الأشياء، فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء. يقول: واعلموا أن الذي فعل هذه الأفعال بقدرته يحيي الموتى إذا شاء.
قوله تعالى: "الله الذي خلقكم من ضعف" ذكر استدلالاً آخر على قدرته قي نفس الإنسان ليعتبر. ومعنى: من ضعف من نفطة ضعيفة. وقيل: من ضعف أي في حال ضعف، وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر. "ثم جعل من بعد ضعف قوة" يعني الشبيبة. "ثم جعل من بعد قوة ضعفا" يعني الهرم. وقرأ عاصم وحمزة: بفتح الضاد فيهن، الباقون بالضم، لغتان والضم لغة النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الجحدري: من ضعف ثم جعل من بعد ضعف بالفتح فيهما، ضعفاً بالضم خاصة. أراد يجمع بين اللغتين. قال الفراء: الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم. الجوهري: الضعف والضعف:خلاف القوة. وقيل: الضعف بالفتح في الرأي، وبالضم في الجسد، ومنه الحديث في الرجل الذي كان يخدع في البيوع: أنه يبتاع وفي عقدته ضعف. "وشيبة" مصدر كالشيب، والمصدر يصلح للجملة، وكذلك القول في الضعف والقوة. "يخلق ما يشاء" يعني من قوة وضعف. "وهو العليم" بتدبيره. "القدير" على إرادته. وأجاز النحويون الكوفيون من ضعف بفتح العين، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانياً أو ثالثاً.
ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالاً بعد حال, فأصله من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة, ثم يصير عظاماً, ثم تكسى العظام لحماً, وينفخ فيه الروح, ثم يخرج من بطن أمه ضعيفاً نحيفاً واهن القوى, ثم يشب قليلاً قليلاً حتى يكون صغيراً, ثم حدثاً ثم مراهقاً شاباً. وهو القوة بعد الضعف, ثم يشرع في النقص فيكتهل ثم يشيخ ثم يهرم, وهو الضعف بعد القوة, فتضعف الهمة والحركة والبطش, وتشيب اللمة, وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة, ولهذا قال تعالى: "ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء" أي يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد "وهو العليم القدير".
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن فضيل ويزيد , حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي قال: قرأت على ابن عمر "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً" فقال " الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا " ثم قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت علي, فأخذ علي كما أخذت عليك, ورواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث فضيل , ورواه أبو داود من حديث عبد الله بن جابر عن عطية عن أبي سعيد بنحوه.
54- "الله الذي خلقكم من ضعف" ذكر سبحانه استدلالاً آخر على كمال قدرته، وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة، ومعنى من ضعف: من نطفة. قال الواحدي: قال المفسرون: من نطفة، والمعنى من ذي ضعف. وقيل المراد حال الطفولية والصغر "ثم جعل من بعد ضعف قوة" وهي قوة الشباب، فإنه إذ ذاك تستحكم القوة وتشتد الخلقة إلى بلوغ النهاية "ثم جعل من بعد قوة ضعفاً" أي عند الكبر والهرم "وشيبة" الشيبة هي تمام الضعف ونهاية الكبر. قرأ الجمهور ضعف بضم الضاد في هذه المواضع. وقرأ عاصم وحمزة بفتحها. وقرأ الجحدري بالفتح في الأولين والضم في الثالث. قال الفراء: الضم لغة قريش والفتح لغة تميم. قال الجوهري: الضعف والضعف خلاف القوة، وقيل هو بالفتح في الرأي، وبالضم في الجسم "يخلق ما يشاء" يعني من جميع الأشياء ومن جملتها القوة والضعف في بني آدم "وهو العليم" بتدبيره "القدير" على خلق ما يريده، وأجاز الكوفيون من ضعف بفتح الضاد والعين.
54- "الله الذي خلقكم من ضعف"، قرئ بضم الصاد وفتحها، فالضم لغة قريش، والفتح لغة تميم، ومعنى من ضعف، أي: من نطفة، يريد من ذي ضعف، أي: من ماء ذي ضعف كما قال تعالى: "ألم نخلقكم من ماء مهين" (المرسلات-20)، "ثم جعل من بعد ضعف قوة"، من بعد ضعف الطفولية شباباً، وهو وقت القوة، "ثم جعل من بعد قوة ضعفاً"، هرماً، "وشيبةً يخلق ما يشاء"، من الضعف والقوة والشباب والشيبة، "وهو العليم"، بتدبير خلقه، "القدير"، على ما يشاء.
54 -" الله الذي خلقكم من ضعف " أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله " خلق الإنسان ضعيفاً " أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة . " ثم جعل من بعد ضعف قوةً " وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح . " ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبةً " إذا أخذ منكم السن ، وفتح عاصم و حمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما : قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ضعف فأقرأني من ضعف " . وهما لغتان كالفقر والفقر والتنكير ما التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم . " يخلق ما يشاء " من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة . " وهو العليم القدير " فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة .
54. Allah is He who shaped you out of weakness, then appointed after weakness strength, then, after strength, appointed weakness and grey hair. He createth what He will. He is the Knower, the Mighty.
54 - It is God Who created you in a state of (helpless) weakness, then gave (you) strength after weakness, then after strength, gave (you) weakness and a hoary head; he creates as He wills, and it is He Who has all knowledge and power.