[الروم : 50] فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
50 - (فانظر إلى آثار) وفي قراءة آثار (رحمة الله) نعمته بالمطر (كيف يحيي الأرض بعد موتها) يبسها بأن تنبت (إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير)
اختلفت القراء في قوله " فانظر إلى آثار رحمة الله " فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين ( إلى أثر رحمة الله) على التوحيد، بمعنى: فانظر يا محمد إلى أثر الغيث الذي أصاب الله به من أصاب من عباده، كيف يحيي ذلك الغيث الأرض من بعد موتها وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " فانظر إلى آثار رحمة الله " على الجماع، بمعنى: فانظر إلى آثار الغيث الذي أصاب الله به من أصاب كيف يحيي الأرض بعد موتها.
والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار، متقاربتا المعنى، وذلك أن الله إذا أحيا الأرض بغيث أنزله عليها، فإن الغيث أحياها بإحياء الله إياها به، وإذا أحياها الغيث، فإن الله هو المحيي به، فبأي القراءتين قرأ القارىء فمصيب. فتأويل الكلام إذن: فانظر يا محمد إلى آثار الغيث الذي ينزل الله من السحاب، كيف يحيي بها الأرض الميتة، فينبتها ويعشبها من بعد موتها ودثورها، إن ذلك لمحيي الموتى. يقول جل ذكره: إن الذين يحيي هذه الأرض بعد موتها بهذا الغيث، لمحيي الموتى من بعد موتهم، وهو على كل شيء مع قدرته على إحياء الموتى قدير، لا يعز عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيء شاءه سبحانه.
قوله تعالى: "فانظر إلى آثار رحمة الله" يعني المطر، أي انظروا نظر استبصار واستدلال، أي استدلوا بذلك على أن من قدر عليه قادر على إحياء الموتى. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي: آثار بالجمع. الباقون بالتوحيد، لأنه مضاف إلى مفرد. والأثر فاعل يحيى ويجوز أن يكون القاعل اسم الله عز وجل. ومن قرأ: آثار بالجمع فلأن رحمة الله يجوز أن يراد بها الكثرة، كما قال تعالى: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" إبراهيم:34 . وقرأ الجحدري وأبو حيوة وغيرهما: كيف تحيي الأرض بتاء، ذهب التأنيث إلى لفظ الرحمة، لأن أثر الرحمة يقوم مقامها فكأنه هو الرحمة، أي كيف تحيي الرحمة والأرض أو الآثار. ويحيي أي يحيي الله عز وجل أو المطر أو الأثر فيمن قرأ بالياء. "كيف يحيي الأرض" في موضع نصب على الحال على الحمل على المعنى لأن اللفظ لفظ الاستفهام والحال خبر، والتقدير: فانظر إلى أثر رحمة الله محيية للأرض بعد موتها. "إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير" استدلال بالشاهد على الغائب.
يبين تعالى كيف يخلق السحاب الذي ينزل منه الماء, فقال تعالى: "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابً" إما من البحر كما ذكره غير واحد, أو مما يشاء الله عز وجل "فيبسطه في السماء كيف يشاء" أي يمده فيكثره وينميه, ويجعل من القليل كثير, ينشىء سحابة ترى في رأي العين مثل الترس, ثم يبسطها حتى تملأ أرجاءالأفق, وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالاً مملوءة, كما قال تعالى: " وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " وكذلك قال ههنا "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً" قال مجاهد وأبو عمرو بن العلاء ومطر الوراق وقتادة : يعني قطعاً. وقال غيره: متراكماً, كما قاله الضحاك . وقال غيره: أسود من كثرة الماء, تراه مدلهماً ثقيلاً قريباً من الأرض.
وقوله تعالى: "فترى الودق يخرج من خلاله" أي فترى المطر وهو القطر, يخرج من بين ذلك السحاب "فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون" أي إليه يفرحون لحاجتهم بنزوله عليهم ووصوله إليهم. وقوله تعالى: "وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين" معنى الكلام أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر, كانوا قنطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك, فلما جاءهم جاءهم على فاقة, فوقع منهم موقعاً عظيماً, وقد اختلف النحاة في قوله "من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين" فقال ابن جرير : هو تأكيد, وحكاه عن بعض أهل العربية. وقال آخرون: من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله, أي الإنزال لمبلسين, ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس, ويكون معنى الكلام أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله, ومن قبله أيضاً قد فات عندهم نزوله وقتاً بعد وقت, فترقبوه في إبانه, فتأخر, ثم مضت مدة فترقبوه فتأخر, ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط, فبعدما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج, ولهذا قال تعالى: "فانظر إلى آثار رحمة الله" يعني المطر "كيف يحيي الأرض بعد موتها" ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها فقال تعالى: "إن ذلك لمحيي الموتى" أي إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات "إنه على كل شيء قدير" ثم قال تعالى: " ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون " يقول تعالى: "ولئن أرسلنا ريحاً" يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشب واستوى على سوقه, فرأوه مصفراً, أي قد أصفر وشرع في الفساد لظلوا من بعده, أي بعد هذا الحال, يكفرون, أي يجحدون ما تقدم إليهم من النعم. كقوله تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون ".
فال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع , حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: الرياح ثمانية: أربعة منها رحمة, وأربعة عذاب, فأما الرحمة: فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات, وأما العذاب: فالعقيم والصرصر وهما في البر, والعاصف والقاصف وهما في البحر.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب , حدثنا عمي , حدثنا عبد الله بن عياش , حدثني عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الريح مسخرة من الثانية ـ يعني الأرض الثانية ـ فلما أراد أن يهلك عاداً أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحاً تهلك عاداً, فقال: يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور, قال له الجبار تبارك وتعالى: لا إذاً تكفأ الأرض وما عليها, ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم, فهي التي قال الله في كتابه "ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم" " هذا حديث غريب, ورفعه منكر, والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه.
50- " فانظر إلى آثار رحمة الله " الناشئة عن إنزال المطر من النبات والثمار والزرائع التي بها يكون الخصب ورخاء العيش: أي انظر نظر اعتبار واستبصار لتستدل بذلك على توحيد الله وتفرده بهذا الصنع العجيب. قرأ الجمهور "أثر" بالتوحيد. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي "آثار" بالجمع "كيف يحيي الأرض بعد موتها" فاعل الإحياء ضمير يعود إلى الله سبحانه، وقيل ضمير يعود إلى الأثر، وهذه الجملة في محل نصب بانظر: أي انظر إلى كيفية هذا الإحياء البديع للأرض. وقرأ الجحدري وأبو حيوة تحيي بالفوقية على أن فاعله ضمير يعود إلى الرحمة أو إلى الآثار على قراءة من قرأ بالجمع، والإشارة بقوله: "إن ذلك" إلى الله سبحانه: أي إن الله العظيم الشأن المخترع لهذه الأشياء المذكورة "لمحيي الموتى" أي لقادر على إحيائهم في الآخرة وبعثهم ومجازاتهم كما أحيا الأرض الميتة بالمطر "وهو على كل شيء قدير" أي عظيم القدرة كثيرها.
50- "فانظر إلى آثار رحمة الله"، هكذا قرأ أهل الحجاز، والبصرة، وأبو بكر. وقرأ الآخرون: "إلى آثار رحمة الله"، على الجمع، أراد برحمة الله: المطر، أي: انظر إلى حسن تأثيره في الأرض، وقال مقاتل: أثر رحمة الله أي: نعمته وهو النبت، "كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى"، يعني: أن ذلك الذي يحيي الأرض لمحيي الموتى، "وهو على كل شيء قدير".
50 -" فانظر إلى آثار رحمة الله " أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه ابن عامر و حمزة و الكسائي و حفص . " كيف يحيي الأرض بعد موتها " وقرئ بالتاء على إسناده إلى ضمير الرحمة . " إن ذلك " يعين إن الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها . " لمحيي الموتى " لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية ، كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية ، هذا ومن المحتمل أن يكون من الكائنات الراهنة ما يكون من مواد تفتت وتبددت من جنسها في بعض الأعوام السالفة . " وهو على كل شيء قدير " لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء .
50. Look, therefor, at the prints of Allah's mercy (in creation): how He quickeneth the earth after her death. Lo! He verily is the Quickener of the Dead, and He is Able to do all things.
50 - Then contemplate (O man!) the memorials of God's Mercy! how He gives life to the earth after its death: verily the Same will give life to the men who are dead: for He has power over all things.