[الروم : 31] مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
31 - (منيبين) راجعون (إليه) تعالى فيما أمر به ونهى عنه حال من فاعل أقم وما أريد به أي اقيموا (واتقوه) خافوه (وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين)
يعني تعالى ذكره بقوله " منيبين إليه " تائبين راجعين إلى الله مقبلين.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " منيبين إليه " قال المنيب إلى الله: المطيع لله، الذي أناب إلى طاعة الله وأمره، ورجع عن الأمور التي كان عليها قبل ذلك، كان القوم كفاراً، فنزعوا ورجعوا إلى الإسلام.
وتأويل الكلام: فأقم وجهك يا محمد للدين حنيفاً منيبين إليه إلى الله، فالميبون حال من الكاف التي في وجهك.
فإن قال قائل: وكيف يكون حالاً منها، والكاف كناية عن واحد، والمنيبون صفة لجماعة؟ قيل: لأن الأمر من الكاف كناية اسمه من الله في هذا الموضع أمر منه له ولأمته، فكأنه قيل له: فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنيفاً لله، منيبين إليه.
وقوله " واتقوا " يقول جل ثناؤه: وخافوا الله وراقبوه أن تفرطوا في طاعته، وتركبوا معصيته " ولا تكونوا من المشركين " يقول: ولا تكونوا من أهل الشرك بالله بتضييعكم فرائضه، وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه.
قوله تعالى: "منيبين إليه" اختلف في معناه، فقيل: راجعين إليه بالتوبة والإخلاص. وقال يحيى بن سلام والفراء: مقبلين إليه. وقال عبد الرحمن بن زيد مطيعين له. وقيل: تائبين إليه من الذنوب، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :
فـإن تـابـوا فـإن بنـي سليـم وقـومـهم هـوزان قـد أنـابـوا
والمعنى واحد، فإن ناب وتاب وثاب وآب معناه الرجوع. قال الماوردي: وفي أصل الإنابة قولان: أحدهما: أن أصله القطع، ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة. والثاني: أصله الرجوع، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة أخرى، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة. الجوهري: وأناب إلى الله أقبل وتاب. والنوبة واحد النوب، تقول: جاءت نوبتك ونيابتك، وهم يتناوبون النوبة فيما بينهم في الماء وغيره. وانتصب على الحال. قال محمد بن يزيد: لأن معنى: أقم وجهك فأقيموا وجوهكم منيبين. وقال الفراء: المعنى فأقم وجهك ومن معك منيبين. وقيل: انتصب على القطع، أي فأقم وجهك أنت وأمتلك المنيبين إليه، لأن الأمر له، أمر لأمته، فحسن أن يقول منيبين إليه، وقد قال الله تعالى:"يا أيها النبي إذا طلقتم النساء":الطلاق:1 . "واتقوه" أي خافوه وامتثلوا ما أمركم به "وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين" بين أن العبادة لا تنفع إلا مع الإخلاص، فلذلك قال: ولا تكونوا من المشركين وقد مضى هذا مبيناً في النساء والكهف وغيرهما.
يقول تعالى: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم, الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال, وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها, فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره, كما تقدم عند قوله تعالى: "وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى". وفي الحديث "إني خلقت عبادي حنفاء, فاجتالتهم الشياطين عن دينهم" وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على الإسلام, ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية والنصرانية والمجوسية.
وقوله تعالى: "لا تبديل لخلق الله" قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها, فيكون خبراً بمعنى الطلب, كقوله تعالى: "ومن دخله كان آمنا" وهو معنى حسن صحيح, وقال آخرون: هو خبر على بابه ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة, لا يولد أحد إلا على ذلك, ولا تفاوت بين الناس في ذلك. ولهذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد في قوله "لا تبديل لخلق الله" أي لدين الله, وقال البخاري : قوله "لا تبديل لخلق الله" لدين الله, خلق الأولين دين الأولين, الدين والفطرة الإسلام.
حدثنا عبدان : أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري , أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء, هل تحسون فيها من جدعاء ؟" ثم يقول "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم" ورواه مسلم من حديث عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به, وأخرجاه أيضاً من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة, فمنهم الأسود بن سريع التميمي .
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا يونس عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه فأصبت ظهراً, فقتل الناس يومئذ حتى قتلوا الولدان, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية ؟ فقال رجل: يا رسول الله أما هم أبناء المشركين ؟ فقال:لا إنما خياركم أبناء المشركين ـ ثم قال ـ لا تقتلوا ذرية, لاتقتلوا ذرية ـ وقال ـ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها, فأبواها يهودانها أو ينصرانها" ورواه النسائي في كتاب السير عن زياد بن أيوب عن هشيم , عن يونس وهو ابن عبيد بن الحسن البصري به.
ومنهم جابر بن عبد الله الأنصاري . قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم , حدثنا أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه, فإذا عبر عنه لسانه إما شاكراً وإما كفوراً".
ومنهم عبد الله بن عباس الهاشمي . قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا أبو عوانة , حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين, فقال :الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم" أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً بذلك.
وقد قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا عفان حدثنا حماد يعني ابن سلمة , أنبأنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: أتى علي زمان وأنا أقول: أولاد المسلمين مع أولاد المسلمين, وأولاد المشركين مع المشركين, حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم, فقال "الله أعلم بما كانوا عاملين". قال: فلقيت الرجل فأخبرني, فأمسكت عن قولي.
ومنهم عياض بن حمار المجاشعي . قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد , حدثنا هشام حدثنا قتادة عن مطرف عن عياض بن حمار " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم, فقال في خطبته إن ربي عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا: كل ما نحلته عبادي حلال, وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم, وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم, وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا, ثم إن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب, وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك, وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء, تقرؤه نائماً ويقظان: ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشاً, فقلت: يارب إذاً يثلغ رأسي فيدعه خبزة, قال: استخرجهم كما استخرجوك, واغزهم نغزك, وأنفق عليهم فسننفق عليك, وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله, وقاتل بمن أطاعك من عصاك ـ قال ـ: وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق, ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم, ورجل عفيف فقير متصدق وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلاً ولا مالاً, والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه, ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذكر البخيل أو الكذاب والشنظير: الفحاش. انفرد بإخراجه مسلم , فرواه من طرق عن قتادة به.
وقوله تعالى: "ذلك الدين القيم" أي التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القيم المستقيم "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أي فلهذا لا يعرفه أكثر الناس, فهم عنه ناكبون, كما قال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال تعالى: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" الاية. وقوله تعالى: "منيبين إليه" قال ابن زيد وابن جريج : أي راجعين إليه. "واتقوه" أي خافوه وراقبوه, "وأقيموا الصلاة" وهي الطاعة العظيمة, "ولا تكونوا من المشركين" أي بل كونوا من الموحدين المخلصين له العبادة لا يريدون بها سواه. قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح , حدثنا يوسف بن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم قال: مر عمر رضي الله عنه بمعاذ بن جبل فقال: ما قوام هذه الأمة ؟ قال معاذ : ثلاث وهن المنجيات: الإخلاص وهي الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها, والصلاة وهي الملة, والطاعة وهي العصمة, فقال عمر : صدقت. حدثني يعقوب , حدثنا ابن علية , حدثنا أيوب عن أبي قلابة أن عمر رضي الله عنه قال لمعاذ : ما قوام هذا الأمر ؟ فذكر نحوه.
وقوله تعالى: "من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون" أي لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي بدلوه وغيروه, وآمنوا ببعض وكفروا ببعض, وقرأ بعضهم: فارقوا دينهم, أي تركوه وراء ظهورهم, وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وسائر أهل الأديان الباطلة مما عدا أهل الإسلام, كما قال تعالى: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله" الاية, فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء ومثل باطلة, وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء, وهذه لأمة أيضاً اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة وهم أهل السنة والجماعة, المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه, كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية منهم فقال "ما أنا عليه وأصحابي".
31- "منيبين إليه" أي راجعين إليه بالتوبة والإخلاص، ومطيعين له في أوامره ونواهيه. ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
فإن تابوا فإن بني سليم وقومهم هوازن قد أنابوا
قال الجوهري: أناب إلى الله: أقبل وتاب، وانتصابه على الحال من فاعل أقم. قال المبرد: لأن معنى أقم وجهك: أقيموا وجوهكم. قال الفراء: المعنى فأقم وجهك ومن معك منيبين، وكذا قال الزجاج وقال تقديره: فأقم وجهك وأمتك، فالحال من الجميع. وجاز حذف المعطوف لدلالة منيبين عليه. وقيل هو منصوب على القطع، وقيل على أنه خبر لكان محذوفة: أي وكونوا منيبين إليه لدلالة ولا تكونوا من المشركين على ذلك. ثم أمرهم سبحانه بالتقوى بعد أمرهم بالإنابة فقال: "واتقوه" أي باجتناب معاصيه وهو معطوف على الفعل المقدر ناصباً لمنيبين "وأقيموا الصلاة" التي أمرتم بها "ولا تكونوا من المشركين" بالله.
31- "منيبين إليه" أي: فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه لأن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم يدخل معه فيها الأمة، كما قال: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" (الطلاق-1)، "منيبين إليه"، أي: راجعين إليه بالتوبة مقبلين إليه بالطاعة، "واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين".
31 -" منيبين إليه " راجعين إليه من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى ، وقيل منقطعين إليه من الناب وهو حال من الضمير في الناصب المقدر لفطرة الله أو في أم لأن الآية خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والأمة لقوله : " واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين " غير أنها صدرت بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيماً له .
31. Turning unto Him (only); and be careful of your duty unto Him, and establish worship, and be not of those who ascribe partners (unto Him);
31 - Turn ye back in repentance to Him, and fear Him: establish regular prayers, and be not ye among those who join gods with God,