[آل عمران : 89] إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ
(إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) عملهم (فإن الله غفور) لهم (رحيم) بهم
ثم استثنى جل ثناؤه الذين تابوا، من هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم فقال تعالى ذكره: "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا"، يعني : إلا الذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيمانهم، فراجعوا الإيمان بالله وبرسوله، وصدقوا بما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند ربهم، "وأصلحوا"، يعني : وعملوا الصالحات من الأعمال ، "فإن الله غفور رحيم"، يعني: فإن الله لمن فعل ذلك بعد كفره، "غفور"، يعني: ساتر عليه ذنبه الذي كان منه من الردة، فتارك عقوبته عليه، وفضيحته به يوم القيامة، غير مؤاخذه به إذا مات على التوبة منه، "رحيم"، متعطف عليه بالرحمة.
ثم استثنى التائبين فقال : " إلا الذين تابوا " هو الحارث بن سويد كما تقدم . ويدخل في الآية بالمعنى كل من راجع الإسلام وأخلص .
قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع البصري حدثنا يزيد بن زريع , حدثنا داود بن ابي هند , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك, ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا لي رسول الله هل لي من توبة ؟ فنزلت " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين * أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " فأرسل إليه قومه فأسلم, وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند به, وقال الحاكم : صحيح الإسناد, ولم يخرجاه, وقال عبد الرزاق : أنبأنا جعفر بن سليمان , حدثنا حميد الأعرج , عن مجاهد , قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم, ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه, فأنزل الله فيه " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين * أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه, فقال الحارث : إنك ـ والله ما علمت ـ لصدوق, وإن رسول الله لأصدق منك, وإن الله لأصدق الثلاثة, قال: فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه, فقوله تعالى: "كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول, ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك, فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعدما تلبسوا به من العماية, ولهذا قال تعالى: "والله لا يهدي القوم الظالمين". ثم قال تعالى "أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" أي يلعنهم الله, ويلعنهم خلقه, "خالدين فيها" أي في اللعنة, "لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون" أي لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة ثم قال تعالى: "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه أن من تاب إليه, تاب عليه.
ثم استثنى التائبين. فقال 89- "إلا الذين تابوا من بعد ذلك": أي من بعد الارتداد "وأصلحوا" بالإسلام ما كان قد أفسدوه من دينهم بالردة. وفيه دليل على قبول توبة المرتد إذا رجع إلى الإسلام مخلصاً، ولا خلاف في ذلك فيما أحفظ.
89-" إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" ، لما كان منه ، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه فقال الحارث: إنك - والله ما علمت لصدوق وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك وإن الله عز وجل لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه.
89" إلا الذين تابوا من بعد ذلك " أي بعد الارتداد. " وأصلحوا " ما أفسدوا، ويجوز أ، لا يقدر له مفعول بمعنى ودخلوا في الصلاح. " فإن الله غفور " يقبل توبته. " رحيم " يتفضل عليه. قيل: إنها نزلت في الحارث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه أن سلوا هل لي من توبة، فأرسل إليه أخوه الجلاس بالآية فرجع إلى المدينة فتاب.
89. Save those who afterward repent and do right. Lo! Allah is Forgiving, Merciful.
89 - Except for those that repent (even) after that, and make amends; for verily God is oft forgiving, most merciful.