[آل عمران : 87] أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
(أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
"أولئك جزاؤهم" -يعني: هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ، وبعد أن شهدوا أن الرسول حق- "جزاؤهم"، ثوابهم من عملهم الذي عملوه، "أن عليهم لعنة الله"، يعني: أن يحل بهم من الله الإقصاء والبعد، ومن الملائكة والناس الدعاء بما يسوؤهم من العقاب، "أجمعين"، يعني: من جميعهم، لا من بعض من سماه جل ثناؤه من الملائكة والناس، ولكن من جميعهم. وإنما جعل ذلك جل ثناؤه ثواب عملهم، لأن عملهم كان بالله كفراً.
وقد بينا صفة لعنة الناس الكافر في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته.
أي إن داموا على كفرهم . وقد تقدم معنى لعنة الله والناس في البقرة فلا معنى لإعادته .
قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع البصري حدثنا يزيد بن زريع , حدثنا داود بن ابي هند , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك, ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا لي رسول الله هل لي من توبة ؟ فنزلت " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين * أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " فأرسل إليه قومه فأسلم, وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند به, وقال الحاكم : صحيح الإسناد, ولم يخرجاه, وقال عبد الرزاق : أنبأنا جعفر بن سليمان , حدثنا حميد الأعرج , عن مجاهد , قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم, ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه, فأنزل الله فيه " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين * أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه, فقال الحارث : إنك ـ والله ما علمت ـ لصدوق, وإن رسول الله لأصدق منك, وإن الله لأصدق الثلاثة, قال: فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه, فقوله تعالى: "كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول, ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك, فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعدما تلبسوا به من العماية, ولهذا قال تعالى: "والله لا يهدي القوم الظالمين". ثم قال تعالى "أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" أي يلعنهم الله, ويلعنهم خلقه, "خالدين فيها" أي في اللعنة, "لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون" أي لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة ثم قال تعالى: "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه أن من تاب إليه, تاب عليه.
قوله 87- "أولئك" إشارة إلى القوم المتصفين بتلك الصفات السابقة، وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده. وقد تقدم تفسير اللعن.

87-" أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
87" أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " يدل بمنطوقه على جواز لعنهم، وبمفهومه على نفي جواز لعن غيرهم. ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون عن الهدى مؤيسون عن الرحمة رأساً بخلاف غيرهم، والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضاً بلعن منكر الحق والمرتد عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه.
87. As for such, their guerdon is that on them rests the curse of Allah and of angels and of men combined.
87 - Of such the reward is that on them (rests) the curse of God, of his angels, and of all mankind;