[آل عمران : 79] مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ
ونزل لما قال نصارى نجران إن عيسى أمرهم أن يتخذوه رباً ولما طلب بعض المسلمين السجود له صلى الله عليه وسلم (ما كان) ينبغي (لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم) أي الفهم للشريعة (والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن) يقول (كونوا ربانيين) علماء عاملين منسوبين إلى الرب بزيادة ألف ونون تفخيما (بما كنتم تَعْلَمون) بالتخفيف والتشديد (الكتاب وبما كنتم تدرسون) أي بسبب ذلك فإن فائدته أن تعملوا
قوله تعالى ما كان لبشر الآية أخرج ابن إسحق والبيهقي عن ابن عباس قال قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى قال معاذ الله فأنزل الله في ذلك ما كان لبشر إلى قوله بعد إذ أنتم مسلمون
وأخرج عبد الرزاق في تفسيره عن الحسن قال بلغني أن رجلا قال يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال لا ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله فأنزل الله ما كان لبشر إلى قوله بعد إذ أنتم مسلمون
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وما ينبغي لأحد من البشر.
و البشر جمع بني آدم لا واحد له من لفظه مثل: القوم والخلق. وقد يكون اسماً لواحد. "أن يؤتيه الله الكتاب" يقول: أن ينزل الله عليه كتابه، "والحكم" يعني: ويعلمه فصل الحكمة، "والنبوة"، يقول: ويعطيه النبوة ، "ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله"، يعني: ثم يدعو الناس إلى عبادة نفسه دون الله ، وقد آتاه الله ما آتاه من الكتاب والحكم والنبوة . ولكن إذا آتاه الله ذلك ، فإنما يدعوهم إلى العلم بالله ، ويحدوهم على معرفة شرائع دينه ، وأن يكونوا رؤساء في المعرفة بأمر الله ونهيه ، وأئمة في طاعته وعبادته ، بكونهم معلمي الناس الكتاب ، وبكونهم دارسيه.
وقيل إن هذه الآية نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أتدعونا إلى عبادتك؟ كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحق، عن محمد بن أبى محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي "-حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الإسلام-: أتريد يا محمد أن نعبدك، كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الربيس: أو ذاك تريد منا يا محمد، وإليه تدعونا! أو كما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن نعبد غير الله، أو نأمر بعبادة غيره! ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني! أو كما قال. فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة"، الآية إلى قوله: "بعد إذ أنتم مسلمون"".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي، فذكر نحوه.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله"، يقول: ما كان ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، يأمر عباده أن يتخذوه رباً من دون الله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع مثله.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال: كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم، بتحريفهم كتاب الله عن موضعه، فقال الله عز وجل: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله"، ثم يأمر الناس بغير ما أنزل الله في كتابه.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: "ولكن" يقول لهم: "كونوا ربانيين"، فترك القول، استغناءً بدلالة الكلام عليه.
وأما قوله: "كونوا ربانيين"، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: كونوا حكماء علماء.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور، عن أبي رزين: "كونوا ربانيين"، قال: حكماء علماء.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور، عن أبي رزين : "كونوا ربانيين"، قال: حكماء علماء.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن أبي رزين مثله.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي رزين : "ولكن كونوا ربانيين"، حكماء علماء.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن في قوله: "كونوا ربانيين"، قال: كونوا فقهاء علماء.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "كونوا ربانيين"، قال: فقهاء.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال أخبرني القاسم، عن مجاهد قوله: "ولكن كونوا ربانيين"، قال : فقهاء.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولكن كونوا ربانيين"، قال: كونوا فقهاء علماء.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن منصور بن المعتمر، عن أبي رزين في قوله: "كونوا ربانيين"، قال: علماء حكماء- قال معمر: قال قتادة.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله: "كونوا ربانيين"، أما الربانيون، فالحكماء الفقهاء.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال: الربانيون، الفقهاء العلماء، وهم فوق الأحبار.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولكن كونوا ربانيين"، يقول: كونوا حكماء فقهاء.
حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي حمزة الثمالي، عن يحيى بن عقيل في قوله: "الربانيون والأحبار" [المائدة: 63]، قال: الفقهاء العلماء.
حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس مثله.
حدثني ابن سنان القزاز قال، حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال، حدثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: "كونوا ربانيين"، قال: كونوا حكماء فقهاء.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله: "كونوا ربانيين"، يقول : كونوا فقهاء علماء.
وقال آخرون: بل هم الحكماء الأتقياء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قوله: "كونوا ربانيين"، قال: حكماء أتقياء.
وقال آخرون: بل هم ولاة الناس وقادتهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سمعت ابن زيد يقول في قوله: "كونوا ربانيين"، قال: الربانيون، الذين يربون الناس، ولاة هذا الأمر، يربونهم: يلونهم، وقرأ: "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار" [المائدة: 63]، قال: الربانيون الولاة، والأحبار العلماء.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب في الربانيين أنهم جمع رباني، وأن الرباني المنسوب إلى الربان، الذي يرب الناس، وهو الذي يصلح أمورهم، و يربها، ويقوم بها، ومنه قول علقمة بن عبدة:
وكنت امرأً أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني، فضعت، ربوب
يعني بقوله: ربتني: ولي أمري والقيام به قبلك من يربه ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنهم أضاعوني فضعت.
يقال منه: رب أمري فلان، فهو يربه رباً، وهو رابه. فإذا أريد به المبالغة في مدحه قيل: هو ربان، كما يقال: هو نعسان من قولهم: نعس ينعس. وأكثر ما يجيء من الأسماء على فعلان ما كان من الأفعال ماضيه على فعل مثل قولهم: هو سكران، وعطشان، وريان من سكر يسكر، وعطش يعطش، وروي يروى. وقد يجيء مما كان ماضيه على فعل يفعل، نحو ما قلنا من نعس ينعس و رب يرب.
فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، وكان الربان ما ذكرنا، والرباني هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفت، وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين يرب أمور الناس، بتعليمه إياهم الخير، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيم التقي لله، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق، بالقيام فيهم بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم، وعائدة النفع عليهم في دينهم، ودنياهم، كانوا جميعاً يستحقون أن [يكونوا] ممن دخل في قوله عز وجل: "ولكن كونوا ربانيين".
فـ الربانيون إذاً، هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا. ولذلك قال مجاهد: وهم فوق الأحبار، لأن الأحبار هم العلماء، و الرباني الجامع إلى العلم والفقه، البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم.
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأ عامة قرأة أهل الحجاز وبعض البصريين: بما كنتم تعلمون بفتح التاء وتخفيف اللام، يعني: بعلمكم الكتاب ودراستكم إياه وقراءتكم.
واعتلوا لاختيارهم قراءة ذلك كذلك، بأن الصواب، كذلك، لو كان التشديد في اللام وضم التاء، لكان الصواب في: "تدرسون"، بضم التاء وتشديد الراء.
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: "بما كنتم تعلمون الكتاب" بضم التاء من "تعلمون"، وتشديد اللام، بمعنى: بتعليمكم الناس الكتاب ودراستكم إياه.
واعتلوا لاختيارهم ذلك ، بأن من وصفهم بالتعليم، فقد وصفهم بالعلم، إذ لا يعلمون إلا بعد علمهم بما يعلمون. قالوا : ولا موصوف بأنه يعلم، إلا وهو موصوف بأنه عالم. قالوا : فأما الموصوف بأنه عالم، فغير موصوف بأنه معلم غيره. قالوا: فأولى القراءتين بالصواب أبلغهما في مدح القوم، وذلك وصفهم بأنهم كانوا يعلمون الناس الكتاب، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن ابن عيينة، عن حميد الأعرج، عن مجاهد أنه قرأ: بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون، مخففة بنصب التاء، وقال ابن عيينة: ما علموه حتى علموه!
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأه بضم التاء وتشديد اللام. لأن الله عز وجل وصف القوم بأنهم أهل عماد للناس في دينهم ودنياهم، وأهل إصلاح لهم ولأمورهم وتربية.
يقول جل ثناؤه: "ولكن كونوا ربانيين"، على ما بينا قبل من معنى الرباني، ثم أخبر تعالى ذكره عنهم أنهم صاروا أهل إصلاح للناس وتربية لهم بتعليمهم إياهم كتاب ربهم.
و دراستهم إياه: تلاوته.
وقد قيل: دراستهم، الفقه.
وأشبه التأويلين بالدراسة ما قلنا: من تلاوة الكتاب، لأنه عطف على قوله: "تعلمون الكتاب"، و"الكتاب" هو القرآن، فلأن تكون الدراسة معنياً بها دراسة القران ، أولى من أن تكون معنياً بها دراسة الفقه الذي لم يجر له ذكر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال ، قال يحيى بن آدم ، قال أبو زكريا: كان عاصم يقرأها : بما كنتم تعلمون الكتاب، قال: القرآن، "وبما كنتم تدرسون"، قال: الفقه.
فمعنى الآية: ولكن يقول لهم: كونوا، أيها الناس، سادة الناس، وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم، ربانيين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام، وفرض وندب، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم، وبتلاوتكم إياه ودراستكموه.
" ما كان " معناه ما ينبغي ، كما قال : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا و ما كان لله أن يتخذ من ولد و ما يكون لنا أن نتكلم بهذا . يعني ما ينبغي . والبشر يقع للواحد والجمع لأنه بمنزلة المصدر ، والمراد به هنا عيسى في قول الضحاك والسدي . والكتاب : القرآن . والحكم : العلم والفهم . وقيل أيضا : الأحكام . أي إن الله لا يصطفي لنبوته الكذبة ، ولو فعل ذلك بشر لسلبه الله آيات النبوة وعلاماتها . ونصب ثم يقول على الإشتراك بين أن يؤتيه وبين يقول أي لا يجتمع لنبي إتيان النبوة وقوله : كونوا عبادا لي من دون الله . ولكن كونوا ربانيين أي ولكن جائز أن يكون النبي يقول لهم كونوا ربانيين . وهذه الآية قيل إنها نزلت في نصارى نجران . وكذلك روي أن السورة كلها إلى قوله : وإذ غدوت من أهلك كان سبب نزولها نصارى نجران ولكن مزج معهم اليهود ، لأنهم فعلوا من الجحد والعناد فعلهم .
والربانيون واحدهم رباني منسوب إلى الرب . والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور ، روي معناه عن ابن عباس . قال بعضهم ، كان في الأصل ربي فأدخلت الألف والنون للمبالغة ، كما يقال للعظيم اللحية ، لحياني ولعظيم الجمة جماني ولغليظ الرقبة رقباني . وقال المبرد: الربانيون
أرباب العلم ، واحدهم ربان ، من قولهم ربة يربه فهو ربان اذا دبره و اصلحه ، فمعناه على هذا يدبرون امور الناس ويصلحونها . والالف والنون للمبالغة كما قالوا ريان وعطشان ، ثم ضمت اليها ياء النسبة كما قيل : لحياني ورقبانى وجماني. قال الشاعر: لو كنت مرتهنا في في الجو انزلني منه الحديث ورباني احبارى فمعنى الرباني العالم بدين الرب الذى يعمل بعلمه ، لانه اذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم . وقد تقدم هذا المعنى في البقرة : وقال ابو رزين الربانى هو العالم الحكيم . وروى شعبه عن عاصم عن زرعن عبد الله بن مسعود و لكن كونوا ربنين . قال : حكماء علماء . ابن جبير : حكماء أتقياء . و قال الضحاك : لا ينبغى لأحد أن يدع حفظ القرآن جهده فإن الله تعالى يقول : و لكن كونوا ربنين . و قال ابن زيد : الربانيون الولاة ، و الأحبار العلماء . و قال مجاهد : الربانيون فوق الأحبار . قال النحاس : و هو قول حسن ، لأن الأحبار هم العلماء . و الرباني الذي يجمع إلى العلم البصر بالسياسة ،، مأخوذ من قول العرب : رب أمر الناس ، يربه إذا أصلحه و قام به ، فهو راب و رباني على التكثير . قال أبو عبيدة : سمعت عالما يقول : الرباني العالم بالحلال و الحرام و الأمر و النهي ، العارف بأنباء الأمة و ما كان و ما يكون . و قال محمد بن الحنفية يوم مات ابن عباس : اليوم مات رباني هذه الأمة . و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
ما من مؤمن ذكر و لا أنثى حر و لا مملوك إلا و لله عز و جل عليه حق أن يتعلم من القرآن و يتفقه في دينه ثم تلا هذه الآية و لكن كونوا ربانيين . الآية . رواه ابن عباس .
قوله تعالى : بما كنتم تعلمون الكتب و بما كنتم تدرسون . قرأه أبو عمرو و أهل المدينة بالتخفيف من العلم . و اختار هذه القراءة أبو حاتم . قال أبو عمرو : و تصديقها تدرسون . و لم يقل تدرسون بالتشديد من التدريس . و قرأ ابن عامر و أ هل الكوفة تعلمون بالتشديد من التعليم ، و اختارها أبو عبيد . قال : لأنها تجمع المعنيين تعلمون ، و تدرسون . قال مكي : التشديد أبلغ ، لأن كل معلم عالم بمعنى يعلم و ليس كل من علم شيئا معلما ، فالتشديد يدل على العلم و التعليم ، و التخفيف إنما يدل على العلم فقط ، فالتعليم أبلغ و أمدح و غيره أبلغ في الذم . احتج من رجح قراءة التخفيف بقول ابن مسعود كونوا ربانيين قال : حكماء علماء ، فيبعد أن يقال كونوا فقهاء حكماء علماء بتعليمكم . قال الحسن ، كونوا حكماء علماء بعلمكم . و قرأ أبو حيوة تدرسون من أدرس يدرس . و قرأ مجاهد تعلمون بفتح التاء و تشديد اللام ، أي تتعلمون .
قال محمد بن إسحاق : حدثنا محمد بن أبي محمد , عن عكرمة أو سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي : حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أوذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا ؟ أو كما قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "معاذ الله أن نعبد غير الله, أو أن نأمر بعبادة غير الله, ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني" أو كما قال صلى الله عليه وسلم: فأنزل الله في ذلك من قولهما: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله" أي ما ينبغي لبشر آتاه الله الكتاب والحكمة والنبوة, أن يقول للناس اعبدوني من دون الله, أي مع الله, فإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل, فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى والأحرى ولهذا قال الحسن البصري : لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته, قال: وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضاً, يعني أهل الكتاب كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم, كما قال الله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله" الاية, وفي المسند والترمذي كما سيأتي أن عدي بن حاتم قال: " يا رسول الله ما عبدوهم. قال :بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال, فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم" فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين فإنهم إنما يأمرون بما يأمر الله به, وبلغتهم إياه رسله الكرام, وإنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه وبلغتهم إياه رسله الكرام, فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, هم السفراء بين الله وبين خلقه في أداء ما حملوه من الرسالة وإبلاغ الأمانة, فقاموا بذلك أتم القيام, ونصحوا الخلق, وبلغوهم الحق, وقوله: " ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون " أي ولكن يقول الرسول للناس كونوا ربانيين, قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد: أي حكماء علماء حلماء, وقال الحسن وغير واحد: فقهاءو وكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء الخراساني وعطية العوفي والربيع بن أنس وعن الحسن أيضاً: يعني أهل عبادة وأهل تقوى, وقال الضحاك في قوله: "بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون": حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيهاً "تعلمون" أي تفهمون معناه, وقرىء "تعلمون" بالتشديد من التعليم "وبما كنتم تدرسون" تحفظون ألفاظه, ثم قال الله تعالى: "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً" أي ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله: لا نبي مرسل ولا ملك مقرب "أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون" أي لا يفعل ذلك إلا من دعا إلى عبادة غير الله, ومن دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر, والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان وهو عبادة الله وحده لا شريك له, كما قال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" الاية, وقال "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال إخباراً عن الملائكة "ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين".
أي ما كان ينبغي ولا يستقيم لبشر أن يقول هذه المقالة وهو متصف بتلك الصفة. وفيه بيان من الله سبحانه لعباده أن النصارى افتروا على عيسى عليه السلام ما لم يصح عنه، ولا ينبغي أن يقوله. والحكم: الفهم والعلم. قوله 79- "ولكن كونوا" أي: ولكن يقول النبي: كونوا ربانيين، والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة كما يقال لعظيم اللحية لحياني، ولعظيم الجمة جماني، ولغليظ الرقبة رقباني- قيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، فكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور. وقال المبرد: الربانيون أرباب العلم، واحدهم رباني، من قوله ربه يربه فهو بان: إذا دبره وأصلحه، والياء للنسب، فمعنى الرباني: العالم بدين الرب القوي المتمسك بطاعة الله، وقيل: العالم الحكيم. قوله "بما كنتم تعلمون" أي: بسبب كونكم عالمين: أي كونوا ربانيين بهذا السبب، فإن حصول العلم للإنسان والدراسة له يتسبب عنهما الربانية التي هي التعليم للعلم، وقوة التمسك بطاعة الله. وقرأ ابن عباس وأهل الكوفة "بما كنتم تعلمون" بالتشديد. وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتخفيف، واختار القراءة الأولى أبو عبيد. قال: لأنها لجمع المعنيين. قال مكي: التشديد أبلغ لأن العالم قد يكون عالماً غير معلم، فالتشديد يدل على العلم والتعليم، والتخفيف إنما يدل على العلم فقط. واختار القراءة الثانية أبو حاتم. قال أبو عمرو: وتصديقها تدرسون بالتخفيف دون التشديد انتهى. والحاصل أن من قرأ بالتشديد لزمه أن يحمل الرباني على أمر زائد على العلم والتعليم، وهو أن يكون مع ذلك مخلصاً أو حكيماً أو حليماً حتى تظهر السببية، ومن قرأ بالتخفيف جاز له أن يحمل الرباني على العالم الذي يعلم الناس، فيكون المعنى: كونوا معلمين بسبب كونكم علماء وبسبب كونكم تدرسون العلم. وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل، وإن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه.

79-قوله تعالى: " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب" الآية ، قال مقاتل والضحاك: ما كان لبشر يعني: عيسى عليه السلام ن وذلك أن نصارى نجران كانوا يقولون : إن عيسى أمرهم أن يتخذوه رباً فقال تعالى :" ما كان لبشر " يعني : عيسى " أن يؤتيه الله الكتاب " الإنجيل.
وقال ابن عباس وعطاء ( ما كان لبشر) يعني محمداً ( أن يؤتيه الله الكتاب) أي القرآن ، وذلك ان أبا رافع القرظي من اليهود، والرئيس من نصارى أهل نجران قالا : يا محمد تريد ان نعبدك ونتخذك رباً فقال : معاذ الله أن نأمر بعباده غير الله ، ما بذلك أمرني الله ، ولا بذلك أمرني ، فانزل الله تعالى هذه الآية ( ما كان لبشر) أي ما ينبغي لبشر، كقوله تعالى : " ما يكون لنا أن نتكلم بهذا " (سورة النور الآية : 16) أي ماينبغي لنا ، والبشر : جميع بني آدم لا واحد له من لفظه ، كالقوم والجيش ، ويوضع موضع الواحد والجمع ،" أن يؤتيه الله الكتاب والحكم " ، الفهم والعلم ، وقيل : إمضاء الحكم عن الله عز وجل، " والنبوة " ، المنزلة الرفيعة بالأنبياء / " ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا" أي: ولكن يقول كونوا،" ربانيين".
واختلفوا فيه ، قال علي وابن عباس والحسن : كونوا فقهاء علماء وقال قتادة : تحكماء وعلماء وقال سعيد بن جبير : العالم الذي يعمل بعلمه ، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس : فقهاء معلمين .
وقيل : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، و قال عطاء : علماء حكماء نصحاء لله في خلقه ، قال ابو عبيدة : سمعت رجلاً عالماً يقول : الرباني العالم باحلال والحرام والمر والنهي ، العالم بأنباء المة ما كان وما يكون ، وقيل : الربانيون فوق الأحبار ، والأحبار : العلماء والربانيون : الذين جمعوا مع العلم البصارة بسياسة الناس.
قال المؤرج : كونوا ربانيين تدينون لربكم ، من الربوبية ، كان في الأصل ربي فأدخلت الألف للتفخيم ، ثم ادخلت النون لسكون الألف ، كما قيل: صنعاني وبهراني.
وقال المبرد: هم أرباب العلم سموا به لأنهم يربون العلم ، ويقومون به ويربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها ، و كل من قام بإصلاح شئ وإتمامه فقد ربه يربه ، وأحدها : ربان ( كما قالوا: ربان) وعطشان وشبعان وعريان ، ثم ضمت اليه ياء النسبة ، كما قالوا: لحياني ورقباني.
وحكي عن علي رضي الله عنه أنه قال : هو الذي يرب علمه بعمله ، قال محمد بن الحنفية لما مات ابن عباس : اليوم مات رباني هذه الأمة.
" بما كنتم" أي : بما أنتم ، كقوله تعالى:"من كان في المهد صبياً" (سورة مريم الآية 29) ، أي : من هو في المهد " تعلمون الكتاب" قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة و الكسائي ( تعلمون ) بالتشديد من التعليم ، وقرأ الآخرون ( تعلمون) بالتخفيف من العلم ، كقوله : " بما كنتم تدرسون" أي : تقرؤن.
79" ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " تكذيب ورد على عبده عيسى عليه السلام. وقيل "أن أبا رافع القرظي والسيد النجراني قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً، فقال: معاذ الله أن نعبد غير الله وأن نأمر بعبادة غير الله، فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني" فنزلت. وقيل "قال رجل يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك. قال: لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله" " ولكن كونوا ربانيين " ولكن يقول كونوا ربانيين، والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون كاللحياني والرقباني وهو الكامل في العلم والعمل. "بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" بسبب كونكم معلمين الكتاب وبسبب كونكم دارسين له، فإن فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للإعتقاد والعمل، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب تعلمون بمعنى عالمين. وقرئ "تدرسون" من التدريس وتدرسون من أدرس بمعنى درس كأكرم وكرم، ويجوز أن تكون القراءة المشهورة أيضاً بهذا المعنى على تقدير وبما كنتم تدرسونه على الناس.
79. It is not (possible) for any human being unto whom Allah had given the Scripture and wisdom and the Prophethood that he should afterwards have said unto mankind: Be slaves of me instead of Allah; but (what he said was): Be ye faithful servants of the Lord by virtue of your constant teaching of the Scripture and of your constant study thereof.
79 - It is not (possible) that a man, to whom is given the book, and wisdom, and the prophetic office, should say to people: be ye my worshippers rather than God's: on the contrary (he would say) be ye worshippers of him who is truly the cherisher of all: for ye have taught the book and ye have studied it earnestly.