[آل عمران : 72] وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
(وقالت طائفة من أهل الكتاب) اليهود لبعضهم (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا) أي القرآن (وجه النهار) أوله (واكفروا) به (آخره لعلهم) أي المؤمنين (يرجعون) عن دينهم إذ يقولون ما رجع هؤلاء عنه بعد دخولهم فيه وهم أولو علم إلا لعلمهم بطلانه
قوله تعالى وقالت طائفة الآية روى ابن إسحق عن ابن عباس قال قال عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد والحرث بن عوف بعضهم لبعض تعالوا نؤمن بما أنزل الله على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم فأنزل الله فيهم يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل إلى قوله واسع عليم
ك وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أبي مالك قال كانت اليهود تقول أحبارهم للذين من دونهم لا تؤمنوا إلا من تبع دينكم فأنزل الله قل إن الهدى هدىالله
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في صفة المعنى الذي أمرت به هذه الطائفة من أمرت به: من الإيمان وجه النهار، وكفر آخره.
فقال بعضهم: كان ذلك أمراً منهم إياهم بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته وما جاء به من عند الله ، وأنه حق ، في الظاهر، من غير تصديقه في ذلك بالعزم واعتقاد القلوب على ذلك، وبالكفر به وجحود ذلك كله في آخره.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره"، فقال بعضهم لبعض: أعطوهم الرضى بدينهم أول النهار، واكفروا آخره ، فإنه أجدر أن يصدقوكم ، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم.
حدثني المثنى قال ، حدثنا معلى بن أسد قال ، حدثنا خالد، عن حصين ، عن أبي مالك في قوله: "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره"، قال: قالت اليهود : آمنوا معهم أول النهار، واكفروا آخره ، لعلهم يرجعون معكم.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون"، كان أحبار قرى عربية اثني عشر حبراً، فقالوا لبعضهم: ادخلوا في دين محمد أول النهار، وقولوا: نشهد أن محمداً حق صادق، فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا: إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم، فحدثونا أن محمداً كاذب، وأنكم لستم على شيء، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم، لعلهم يشكون، يقولون: هؤلاء كانوا معنا أول النهار، فما بالهم؟ فأخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن حصين، عن أبي مالك الغفاري قال: قالت اليهود بعضهم لبعض: أسلموا أول النهار وارتدوا آخره لعلهم يرجعون . فاطلع الله على سرهم ، فأنزل الله عز وجل: "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون".
وقال آخرون: بل الذي أمرت به من الإيمان: الصلاة، وحضورها معهم أول النهار، وترك ذلك آخره.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثني أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار"، يهود تقوله. صلت مع محمد صلاة الصبح، وكفروا آخر النهار، مكراً منهم، ليروا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة، بعد أن كانوا اتبعوه.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله: "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار"، الآية، وذلك أن طائفة من اليهود قالوا: إذا لقيتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أول النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم، لعلهم يقولون : هؤلاء أهل الكتاب، وهم أعلم منا! لعلهم ينقلبون عن دينهم. ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذاً: "وقالت طائفة من أهل الكتاب"، يعني: من اليهود الذين يقرأون التوراة، "آمنوا" صدقوا، "بالذي أنزل على الذين آمنوا"، وذلك مما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين الحق وشرائعه وسننه، "وجه النهار"، يعني : أول النهار.
وسمى أوله وجهاً له، لأنه أحسنه ، وأول ما يواجه الناظر فيراه منه ، كما يقال لأول الثوب: وجهه، وكما قال ربيع بن زياد:
من كان مسروراً بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وجه النهار"، أول النهار.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "وجه النهار"، أول النهار، "واكفروا آخره"، يقول: آخر النهار.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره"، قال ، قال : صلوا معهم الصبح ، ولا تصلوا معهم آخر النهار، لعلكم تستزلونهم بذلك.
وأما قوله: "واكفروا آخره"، فإنه يعني به ، أنهم قالوا: واجحدوا ما صدقتم به من دينهم في وجه النهار، في آخر النهار، "لعلهم يرجعون": يعني بذلك: لعلهم يرجعون عن دينهم معكم ويدعونه؟ كما:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "لعلهم يرجعون"، يقول : لعلهم يدعون دينهم ، ويرجعون إلى الذي أنتم عليه.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع مثله.
حدثنا محمد بن سعد قال، حدثنا أبي قال، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: "لعلهم يرجعون"، لعلهم ينقلبون عن دينهم.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "لعلهم يرجعون"، لعلهم يشكون.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: "لعلهم يرجعون"، قال: يرجعون عن دينهم.
قوله تعالى : وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون .
نزلت في كعب بين الأشرف ومالك بن الصيف وغيرهما ، قالوا للسفلة من قومهم : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ، يعني أوله . وسمي وجها لأنه أحسنه ، وأول ما يواجه منه أوله . قال الشاعر :
وتضيء في وجه النهار منيرة كجمانة البحري سل نظامها
وقال آخر :
من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار
وهو منصوب على الظرف، وكذلك آخره .ومذهب قتادة أنهم فعلوا ذلك ليشككوا المسلمين . والطائفة الجماعة ، من طاف يطوف ، وقد يستعمل للواحد على معنى نفس طائفة . ومعنى الآية أن اليهود قال بعضهم لبعض : أظهروا الإيمان بمحمد في أول النهار ثم أكفروا به آخره ، فإنكم إذا فعلتم ذلك ظهر لمن يتبه ارتياب في دينه فيرجعون عن دينه إلى دينكم ، ويقولون إن أهل الكتاب أعلم به منا . وقيل : المعنى آمنوا بصلاته في أول النهار إلى بيت المقدس فإنه الحق ، واكفروا بصلاته آخر النهار إلى الكعبة لعلهم يرجعون إلى قبلتكم ، عن ابنعباس وغيره. وقال وقال مقاتل : معناه أنهم جاؤوا محمدا صلى الله عليه وسلم أول النهار ورجعوا من عنده فقالوا للسفلة ك هو حق فاتبعوه ن ثم قالوا : حتى ننظر في التوراة ثم رجعوا في آخر النهار فقالوا : قد نظرنا في التوراة فليس هو به . يقولون إنه ليس بحق ، وإنما أرادوا أن يلبسوا على السفلة وأن يشككوا فيه .
يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين, وبغيهم إياهم الإضلال, وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم, ثم قال تعالى منكراً عليهم "يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون" أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعرفون ذلك وتتحققونه "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره" الاية, هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم, وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار, ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح, فإذا جاء النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيضة وعيب في دين المسلمين, ولهذا قالوا "لعلهم يرجعون". وقال ابن أبي نجيح : عن مجاهد في قوله تعالى إخباراً عن اليهود بهذه الاية, يعني يهوداً صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح, وكفروا آخر النهار مكراً منهم, ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه. وقال العوفي عن ابن عباس : قالت طائفة من أهل الكتاب: إذ لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا, وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا, وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك .
وقوله تعالى: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" أي لا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم, ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم قال الله تعالى: "قل إن الهدى هدى الله" أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الايات البينات, والدلائل القاطعات, والحجج الواضحات، وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين. وقوله "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم" يقولون: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين, فيتعلموه منكم, ويساووكم فيه ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به, أو يحاجوكم به عند ربكم, أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم, فتقوم به عليكم الدلالة, وتتركب الحجة في الدنيا والاخرة, قال الله تعالى: "قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" أي الأمور كلها تحت تصرفه, وهو المعطي المانع, يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام, ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته, ويختم على قلبه وسمعه, ويجعل على بصره غشاوة, وله الحجة التامة والحكمة البالغة "والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء, وهداكم به إلى أكمل الشرائع.
قوله 72- "وقالت طائفة من أهل الكتاب" هم رؤساؤهم وأشرافهم، قالوا للسفلة من قومهم هذه المقالة. ووجه النهار: أوله، وسمي وجهاً لأنه أحسنه قال:
وتضيء في وجه النهار منيرة كجمانة البحري سل نظامها
وهو منصوب على الظرف، أمروهم بذلك لإدخال الشك على المؤمنين، لكونهم يعتقدون أن أهل الكتاب لديهم علم، فإذا كفروا بعد الإيمان وقع الريب لغيرهم واعتراه الشك وهم لا يعلمون أن الله قد ثبت قلوب المؤمنين ومكن أقدامهم، فلا تزلزلهم أراجيف أعداء الله، ولا تحركهم ريح المعاندين.
72-قوله تعالى " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا" الآية: قال الحسن والسدي: تواطأ اثنا عشر حبراً من يهود خيبر وقرى عيينه وقال / بعضهم لبعض ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ثم اكفروا آخر النهار وقولوا : إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمداً ليس بذلك ، وظهر لنا كذبه ، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم واتهموه وقالوا :غنهم اهل الكتاب وهم اعلم منا به فيرجعون عن دينهم .
وقال مجاهد ومقاتل والكلبي : هذا في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود ، فقال كعب بن الأشرف لأصحابة : آمنوا بالذي انزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم اكفروا وارجعوا إلى قبلتكم آخر النهار لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم اعلم فيرجعون إلى قبلتنا ، فأطلع الله تعالى رسوله على سرهم وأنزل " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا" " بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار" أوله سمي وجهاً لأنه أحسنه وأول ما يواجه الناظر فيراه " واكفروا آخره لعلهم يرجعون" فيشكون ويرجعون عن دينهم .
72" وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار " أي أظهروا الإيمان بالقرآن أول النهار. "واكفروا آخره لعلهم يرجعون" واكفروا به آخره لعلهم يشكون في دينهم ظناً بأنكم رجعتم لخلل ظهر لكم، والمراد بالطائفة كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف قالا لأصحابهما لما حولت القبلة: آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم وصلوا إلى الصخرة آخره لعلهم يقولون هم أعلم منا وقد رجعوا فيرجعون. وقيل اثنا عشر من أحبار خيبر تقاولا بأن يدخلوا الإسلام أو النهار ويقولوا آخره نظرنا في كتابنا وشاورنا علماءنا فلم نجد محمداً عليه الصلاة والسلام بالنعت الذي ورد في التوراة لعل أصحابه يشكون فيه.
72. And a party of the People of the Scripture say: Believe in that which hath been revealed, unto those who believe at the opening of the day, and disbelieve at the end thereof, in order that they may return;
72 - A section of the people of the book say: believe in the morning what is revealed to the believers, but reject it at the end of the day; perchance they may (themselves) turn back;