[آل عمران : 54] وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
قال تعالى: (ومكروا) أي كفار بني إسرائيل بعيسى إذ وكّلوا به من يقتله غيلة (ومكر الله) بهم بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله فقتلوه ورفع عيسى إلى السماء (والله خير الماكرين) أعلمهم به
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل ، وهم الذين ذكر الله أن عيسى أحس منهم الكفر.
وكان مكرهم الذي وصفهم الله به ، مواطأة بعضهم بعضاً على الفتك بعيسى وقتله . وذلك أن عيسى صلوات الله عليه ، بعد إخراج قومه إياه وأمه من بين أظهرهم، عاد إليهم، فيما:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم إن عيسى سار بهم ، يعني : بالحواريين الذين كانوا يصطادون السمك ، فآمنوا به واتبعوه إذ دعاهم ، حتى أتى بني إسرائيل ليلاً، فصاح فيهم ، فذلك قوله : "فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة" [الصف: 14].
وأما مكر الله بهم : فإنه -فيما ذكر السدي- إلقاؤه شبه عيسى على بعض أتباعه حتى قتله الماكرون بعيسى، وهم يحسبونه عيسى، وقد رفع الله عز وجل عيسى قبل ذلك، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريين في بيت ، فقال عيسى لأصحابه : من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة؟ فأخذها رجل منهم ، وصعد بعيسى إلى السماء، فذلك قوله : "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين". فلما خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أن عيسى قد صعد به إلى السماء، فجعلوا يعدون القوم فيجدونهم ينقصون رجلاً من العدة، ويرون صورة عيسى فيهم ، فشكوا فيه . وعلى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى وصلبوه ، فذلك قول الله عبد الرزاق وجل: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" [النساء: 157].
وقد يحتمل أن يكون معنى مكر الله بهم، استدراجه إياهم ليبلغ الكتاب أجله ، كما قد بينا ذلك في قوله الله: "الله يستهزئ بهم" [البقرة: 15].
قوله تعالى : " ومكروا " يعني كفار بني إسرائيل الذين أحس منهم الكفر ، أي قتله . وذلك أن عيسى عليه السلام لما أخرجه قومه وأمه من بين أظهرهم عاد إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة فهموا بقتله وتواطؤوا على الفتك به ، فذلك مكرهم . ومكر الله : استدراجه لعباده من حيث لا يعلمون ، عن الفراس وغيره . قال ابن عباس : كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة . وقال الزجاج : مكر الله مجازاته على مكرهم ، فسمى الجزاء باسم الأبتداء ، كقوله : " الله يستهزئ بهم " ، " وهو خادعهم " . وقد تقدم في البقرة . وأصل المكر في اللغة الاحتيال والخداع . والمكر : خدالة الساق . وامرأة ممكورة الساقين . والمكر : ضرب من الثياب . ويقال : بل هو المغرة ، حكاه ابن فارس . وقيل : " ومكر الله " إلقاء شبه عيسى على غيره ورفع عيسى إليه ، وذلك أن اليهود لما اجتمعوا على قتل عيسى دخل البيت هاربا منهم فرفعه جبريل من الكوة إلى السماء ، فقال ملكهم لرجل منهم خبيث يقال له يهوذا : ادخل عليه فاقتله ، فدخل الخوخة فلم يجد هناك عيسى وألقى عليه شبه عيسى ن فلما خرج رأوه على شبه عيسى فأخذوه وقتلوه وصلبوه . ثم قالوا ك وجه عيسى ، وبدنه يشبه بدن صاحبنا ، فإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى وإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا فوقع بينهم قتال فقتل بعضهم بعضا ، فذلك قوله تعالى : " ومكروا ومكر الله " . وقيل غير هذا على ما يأتي . " والله خير الماكرين " اسم فاعل من مكر يمكر مكرا . وقد عده بعض العلماء في أسماء الله تعالى فيقول إذا دعا به : يا خير الماكرين امكر لي . وكان عليه السلام يقول في دعائه : " اللهم امكر لي ولا تمكر علي " وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى . والله أعلم .
يقول تعالى: " فلما أحس عيسى " أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال, "قال من أنصاري إلى الله" قال مجاهد: أي من يتبعني إلى الله. وقال سفيان الثوري وغيره: أي من أنصاري مع الله, وقول مجاهد : أقرب. والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي. فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي حتى وجد الأنصار, فآووه ونصروه وهاجر إليهم, فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر, رضي الله عنهم وأرضاهم " . وهكذا عيسى ابن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه, ولهذا قال الله تعالى مخبراً عنهم " قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " الحواريون قيل: كانوا قصارين, وقيل: سموا بذلك لبياض ثيابهم, وقيل: صيادين. والصحيح أن الحواري الناصر, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب, فانتدب الزبير ثم ندبهم, فانتدب الزبير رضي الله عنه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري, وحواريي الزبير", وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا وكيع , حدثنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله "فاكتبنا مع الشاهدين" قال: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا إسناد جيد. ثم قال تعالى مخبراً عن ملإ بني إسرائيل, فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام, وإرادته بالسوء والصلب حين تمالؤوا عليه, ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان, وكان كافراً, أن هنا رجلاً يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا, ويفرق بين الأب وابنه, إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب, وأنه ولد زنية حتى استثاروا غضب الملك, فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به, فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به, نجاه الله تعالى من بينهم ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء, وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل, فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى, فأخذوه وأهانوه وصلبوه, ووضعوا على رأسه الشوك, وكان هذا من مكر الله بهم, فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم وتركهم في ضلالهم يعمهون, يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم, وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعناداً للحق ملازماً لهم, وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد, ولهذا قال تعالى: "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين".
قوله 54- "ومكروا" أي الذين أحس عيسى منهم الكفر، وهم كفار بني إسرائيل. ومكر الله استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون. قاله الفراء وغيره. وقال الزجاج: مكر الله مجازاتهم على مكرهم، فسمي الجزاء باسم الابتداء كقوله تعالى "الله يستهزئ بهم"، "وهو خادعهم" وأصل المكر في اللغة: الاغتيال والخدع: حكاه ابن فارس، وعلى هذا فلا يسند إلى الله سبحانه إلا على طريق المشاكلة، وقيل: مكر الله هنا إلقاء شبه عيسى على غيره، ورفع عيسى إليه "والله خير الماكرين" أي: أقواهم مكراً وأنفذهم كيداً وأقوالهم على إيصال الضرر بمن يريد إيصاله به من حيث لا يحتسب.
54-قوله تعالى:"ومكروا" يعني كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر وبروا في قتل عيسى عليه السلام ، وذلك إن عيسى عليه السلام بعد إخراج قومه إياه وأمه عاد إليهم مع الحواريين ، وصاح فيهم بالدعوة فهموا بقتله وتواطئوا على الفتك به فذلك مكرهم ، قال الله تعالى :"ومكر الله والله خير الماكرين " فالمكر من المخلوقين : الخبث والخديعة والحيلة ، والمكر من الله : استدراج العبد وأخذه بغتة من حيث لا يعلم كما قال :" سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" (182-الأعراف) وقال الزجاج : مكر الله عز وجل مجازاتهم على مكرهم فسمي الجزاء باسم الابتداء لأنه في مقابلته كقوله تعالى : " الله يستهزئ بهم "(15-البقرة) " وهو خادعهم" (142-النساء) ومكر الله تعالى خاصة بهم في هذه الآية ، وهو إلقاؤه الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى عليه السلام حتى قتل.
قال الكلبي عن أبي صالح عنابن عباس رضي الله عنهما : أن عيسى استقبل رهطاً من اليهود فلما رأوه قالوا: قد جاء الساحر ابن الساحرة ، والفاعل ابن الفاعلة ، وقذفوه وأمه فلما سمع ذلك عيسى عليه السلام دعا عليهم ولعنهم فمسخهم الله خنازير . فلما رأى ذلك يهوذا رأس اليهود وأميرهم فزع لذلك وخاف دعوته فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى عليه السلام ، وثاروا إليه ليقتلوه فبعث الله إليه جبريل فادخله في خوخة في سقفها روزنة فرفعة الله إلى السماء من تلك الروزنة ،فأمر يهوذا رأس اليهود رجلاً من أصحابة يقال له : ططيانوس أن يدخل الخوخة ويقتله ، فلما دخل لم ير عيسى ، فأبطأ عليهم فظنوا انه يقاتله فيها فألقي الله عليه شبه عيسى عليه السلام ، فلما دخل لم ير عيسى ، فأبطأ عليهم فظنوا أنه يقاتله فيها ، فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام ، فلما خرج ظنوا انه عيسى عليه السلام فقتلوه وصلبوه ، قال وهب: طرقوا عيسى في بعض الليل ، ونصبوا خشبة ليصلبوه ، فأظلمت الأرض ، فأرسل الله الملائكة فحالت بينهم وبينه ، فجمع عيسى الحواريين تلك الليلة واوصاهم ثم قال : ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ويبيعني بدراهم يسيرة ، فخرجوا له ثلاثين درهماً فأخذا ودلهم عليه . ولما دخل البيت ألقى الله عليه شبه عيسى ، فرفع عيسى واخذ الذي دلهم عليه فقال: أنا الذي دللتكم عليه ، فلم يلتفتوا إلى قوله وقتلوه وصلبوه ، وهم يظنون أنه عيسى ، فلما صلب شبه عيسى ، جاءت مريم أم عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها فأبرأها الله من الجنون تبكيان عند المصلوب، فجاءهما عيسى عليه السلام فقال ، لهما : علام تبكيان ؟ أن الله تعالى قد رفعني ولم يصبني إلا خير ، وان هذا شئ شبة لهم ، فلما كان بعد سبعة أيام قال الله عز وجل لعيسى عليه السلام : أهبط على مريم المجدلانية اسم موضع في جبلها ، فإنه لم يبك عليك أحد بكاءها ولم يحزن حزنها ثم ليجتمع لك الحواريون فبثهم في الأرض دعاة إلى الله عز وجل ، فأهبطه الله عليها فاشتعل الجبل حين هبط نوراً، فجمعت له والحواريين فبثهم في الأرض دعاة ثم رفعه الله عز وجل إليه وتلك الليلة هي التي تدخل فيها النصارى ، فلما أصبح الحواريون حدث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليهم فذلك قوله تعالى:"ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين".
وقال السدي :عن اليهود حبسوا عيسى في بيت وعشرة من الحواريين فدخل عليهم رجل منهم فألقى الله عليه شبهه ، وقال قتاده ذكر لنا أن نبي الله عيسى عليه السلام قال لأصحابه أيكم يقذف عليه شبهي فإنه مقتول ، فقال رجل من القوم : أنا يا نبي الله ، فقتل ذلك الرجل ومنع الله عيسى عليه السلام ورفعه إليه وكساه الله الريش والبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار مع الملائكة فهو معهم حول العرض ، وكان انسياً ملكياً سمائياً أرضياً ، قال أهل التواريخ : حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة ، وولدت عيسى ببيت لحم من ارض اوري شلم لمضي خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على أرض بابل فأوحى الله إليه على رأس ثلاثين سنة ، ورفعه الله من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فكانت نبوته ثلاث سنين ، وعاشت أمه مريم بعد رفعه ست سنين.
54"ومكروا" أي الذين أحس منهم الكفر من اليهود بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة. "ومكر الله" حين رفع عيسى عليه الصلاة والسلام وألقى شبهه على من قصد إغتياله حتى قتل. والمكر من حيث إنه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى إلا على سبيل المقابلة والازدواج. "والله خير الماكرين" أقواهم مكراً وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب.
54. And they (the disbelievers) schemed, and Allah schemed (against them): and Allah is the best of schemers.
54 - And (the unbelievers) plotted and planned, and God too planned, and the best of planners is God.