[آل عمران : 22] أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
(أولئك الذين حبطت) بطلت (أعمالهم) ما عملوا من خير كصدقة وصلة رحم (في الدنيا والآخرة) فلا اعتداد بها لعدم شرطها (وما لهم من ناصرين) مانعين من العذاب
وأما قوله: "أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة"، فإنه يعني بقوله: "أولئك"، الذين يكفرون بآيات الله. ومعنى ذلك: أن الذين ذكرناهم، هم، "الذين حبطت أعمالهم"، يعني: بطلت أعمالهم، "في الدنيا والآخرة". فأما في الدنيا، فلم ينالوا بها محمدةً ولا ثناء من الناس، لأنهم كانوا على ضلال وباطل، ولم يرفع الله لهم بها ذكراً، بل لعنهم وهتك أستارهم، وأبدى ما كانوا يخفون من قبائح أعمالهم على ألسن أنبيائه ورسله في كتبه التي أنزلها عليهم، فأبقى لهم ما بقيت الدنيا مذمةً، فذلك حبوطها في الدنيا. وأما في الآخرة، فإنه أعد لهم فيها من العقاب ما وصف في كتابه، وأعلم عباده أن أعمالهم تصير بوراً لا ثواب لها، لأنها كانت كفراً بالله، فجزاء أهلها الخلود في الجحيم.
وأما قوله: "وما لهم من ناصرين"، فإنه يعني: وما لهؤلاء القوم من ناصر ينصرهم من الله، إذا هو انتقم منهم بما سلف من إجرامهم واجترائهم عليه، فيستنقذهم منه.
" أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين " .
هذا ذم من الله تعالى لأهل الكتاب بما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله, قديماً وحديثاً, التي بلغتهم إياها الرسل إستكباراً عليهم, وعناداً لهم, وتعاظماً على الحق, واستنكافاً على اتباعه, ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم, إلا لكونهم دعوهم إلى الحق "ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس" وهذا هو غاية الكبر, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الكبر بطر الحق وغمط الناس", وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو الزبير الحسن بن علي بن مسلم النيسابوري نزيل مكة, حدثني أبو حفص عمر بن حفص يعني ابن ثابت بن زرارة الأنصاري , حدثنا محمد بن حمزة , حدثنا أبو الحسن مولى لبني أسد, عن مكحول , عن أبي قبيصة بن ذؤيب الخزاعي , عن أبي عبيدة بن الجراح , رضي الله عنه, قال: " قلت: يا رسول الله, أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة ؟ قال رجل قتل نبياً أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم" الاية, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة, فقام مائة وسبعون رجلاً من بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر, فقتلوهم جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم, فهم الذين ذكر الله عز وجل" وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عبيد الوصابي محمد بن حفص , عن ابن حمير , عن أبي الحسن مولى بني أسد, عن مكحول به, وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, قال: قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبي من أول النهار, وأقاموا سوق بقلهم من آخره, رواه ابن أبي حاتم . ولهذا لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق, قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا, والعذاب المهين في الاخرة, فقال تعالى: "فبشرهم بعذاب أليم" أي موجع مهين " أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين "
وقوله 22- "حبطت أعمالهم" قد تقدم تفسير الإحباط، ومعنى كونها حبطت في الدنيا والآخرة أنه لم يبق لحسناتهم أثر في الدنيا، حتى يعاملوا فيها معاملة أهل الحسنات، بل عوملوا معاملة أهل السيئات فلعنوا وحل بهم الخزي والصغار ولهم في الآخرة عذاب النار.
22-" أولئك الذين حبطت"بطلت" أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين " وبطلان العمل في الدنيا أن لايقبل وفي الآخرة ألا يجازى عليه.
22"أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة" كقولك زيد فافهم رجل صالح، والفرق أنه لا يغير معنى الإبتداء بخلافهما. "وما لهم من ناصرين" يدفع عنهم العذاب.
22. Those are they whose works have failed in the world and the Hereafter; and they have no helpers.
22 - They are those whose works will bear no fruit in this world and in the hereafter, nor will they have anyone to help.