[آل عمران : 195] فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ َأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ
(فاستجاب لهم ربهم) دعاءهم (أني) أي بأني (لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم) كائن (من بعض) أي الذكور من الاناث وبالعكس ، والجملة مؤكدة لما قبلها أي هم سواء في المجازاة بالأعمال وترك تضييعها ، نزلت لما قالت أم سلمة: يا رسول الله إني لا أسمع ذكر النساء بالهجرة بشيء (فالذين هاجروا) من مكة إلى المدينة (وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي) ديني (وقاتلوا) الكفار (وقتلوا) بالتخفيف والتشديد ، وفي قراءة بتقديمه (لأكفرن عنهم سيئاتهم) أسترها بالمغفرة (ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً) مصدر من معنى لأكفرن مؤكد له (من عند الله) فيه التفات عن التكلم (والله عنده حسن الثواب) الجزاء
قوله تعالى فاستجاب لهم الآية أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم وابن أبي حاتم عن أم سلمة أنها قالت يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في إلهجرة بشيء فأنزل الله فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى إلى آخر الآية
قوله تعالى وان من أهل الكتاب الآية روى النسائي عن أنس قال لما جاء نعي النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا عليه قالوا يا رسول الله نصلي على عبد حبشي فأنزل الله وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وروى ابن جرير نحوه عن جابر وفي المستدرك عن عبدالله بن الزبير قال نزلت في النجاشي وإن من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله الآية
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره : فأجاب هؤلاء الداعين - بما وصف من أدعيتهم أنهم دعوا به - ربهم : بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيراً، ذكراً كان العامل أو أنثى .
وذكر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك هذه الآية.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة: يا رسول الله ، تذكر الرجال في الهجرة ولا نذكر؟ فنزلت : "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى"، الآية.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال : سمعت رجلاً من ولد أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يقول : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا أسمع الله يذكر النساء في الهجرة بشيء ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى".
حدثنا الربيع بن سليمان قال ، حدثنا أسد بن موسى قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار، عن رجل من ولد أم سلمة، عن أم سلمة : أنها قالت : يا رسول الله ، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ؟ فأنزل الله تعالى : "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض".
وقيل : "فاستجاب لهم"، بمعنى : فأجابهم ، كما قال الشاعر:
وداع دعا: يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
بمعنى : فلم يجبه عند ذاك مجيب .
وأدخلت "من" في قوله : "من ذكر أو أنثى" على الترجمة والتفسير عن قوله : "منكم"، بمعنى ؟ "لا أضيع عمل عامل منكم"، من الذكور والإناث . وليست "من" هذه بالتي يجوز إسقاطها وحذفها من الكلام في الجحد، لأنها دخلت بمعنى لا يصح الكلام إلا به.
وزعم بعض نحويي البصرة أنها دخلت في هذا الموضع كما تدخل في قولهم : قد كان من حديث، قال: و "من" ههنا أحسن ، لأن النهي قد دخل قوله : "لا أضيع".
وأنكر ذلك بعض نحويي الكوفة وقال : لا تدخل "من" وتخرج إلا في موضع الجحد. وقال : قوله : "لا أضيع عمل عامل منكم"، لم يدركه الجحد، لأنك لا تقول : لا أضرب غلام رجل في الدار ولا في البيت، فتدخل ولا، لأنه لم ينله الجحد، ولكن أمن مفسرة.
وأما قوله : "بعضكم من بعض"، فإنه يعني : بعضكم - أيها المؤمنون الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم - من بعض ، في النصرة والملة والدين ، وحكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل ، على حكم أحدكم في أني لا أضيع عمل ذكبر منكم ولا أنثى .
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "فالذين هاجروا" قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم في الله ، إلى إخوانهم من أهل الإيمان بالله والتصديق برسوله ، "وأخرجوا من ديارهم"، وهم المهاجرون الذين أخرجهم مشركو قريش من ديارهم بمكة، "وأوذوا في سبيلي"، يعني : وأوذوا في طاعتهم ربهم ، وعبادتهم إياه مخلصين له الدين ، وذلك هو سبيل الله التي آذى فيها المشركون من أهل مكة المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها، "وقاتلوا" يعني : وقاتلوا في سبيل الله ، "وقتلوا" فيها، "لأكفرن عنهم سيئاتهم"، يعني : لأمحونها عنهم ، ولأتفضلن عليهم بعفوي ورحمتي ، ولأغفرنها لهم ، "ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا"، يعني : جزاء لهم على ما عملوا وأبلوا في الله وفي سبيله ، "من عند الله"، يعني : من قبل الله لهم ، "والله عنده حسن الثواب"، يعني : أن الله عنده من جزاء أعمالهم جميع صنوفه ، وذلك ما لا يبلغه وصف واصف ، لأنه مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر، كما:
حدثنا عبد الرحمن بن وهب قال ، حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال ، حدثني عمرو بن الحارث : أن أبا عشانة المعافري حدثه : أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول ثلة تدخل الجنة لفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره ، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان ، لم تقض حتى يموت وهي في صدره ، وأن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا، وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي ؟ ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب ، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار، ونقدس لك ، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا فيقول الرب جل ثناؤه : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي. فتدخل الملائكة عليهم من كل باب : "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار" [الرعد: 24].
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله : "وقاتلوا وقتلوا".
فقرأه بعضهم : وقتلوا وقتلوا بالتخفيف ، بمعنى : أنهم قتلوا من قتلوا من المشركين .
وقرأ ذلك آخرون : وقاتلوا وقتلوا بتشديد قتلوا، بمعنى : أنهم قاتلوا المشركين وقتلهم المشركون ، بعضاً بعد بعض ، وقتلاً بعد قتل .
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين : وقاتلوا وقتلوا بالتخفيف ، بمعنى : أنهم قاتلوا المشركين وقتلوا .
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : "وقتلوا" بالتخفيف . "وقاتلوا"، بمعنى : أن بعضهم قتل ، وقاتل من بقي منهم .
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز أن أعدوها، إحدى هاتين القراءتين ، وهي : "وقاتلوا وقتلوا" بالتخفيف ، أو وقتلوا بالتخفيف وقاتلوا ، لأنها القراءة المنقولة نقل وراثة ، وما عداهما فشاذ. وبأي هاتين القراءتين التي ذكرت أني لا أستجيز أن أعدوهما، قرأ قارىء، فمصيب في ذلك الصواب من القراءة، لاستفاضة القراءة بكل واحدة منها في قرأة الإسلام ، مع اتفاق معنييهما.
الرابعة عشرة : قوله تعالى : " فاستجاب لهم ربهم " أي أجابهم ، قال الحسن : ما زالوا يقولون ربنا ربنا استجاب لهم ، وقال جعفر الصادق : من حزبه أمر فقال خمس مرات ربنا أنجاه لله مما يخاف وأعطاه ما أراد ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال : اقرؤوا إن شئتم " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " إلى قوله " إنك لا تخلف الميعاد " .
الخامسة عشرة : قوله تعالى : " أني " أي بأني ، وقرأ عيسى بن عمر ( إني ) بكسر الهمزة ، أي فقال : إني .
وروى الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله ، ألا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ؟ فأنزل الله تعالى : " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى " ، وأخرجه الترمذي ، ودخلت ( من ) للتأكيد ، لأن قبلها حرف نفي ، وقال الكوفيون : هي للتفسير ولا يجوز حذفها ، لأنها دخلت لمعنى لا يصلح الكلام إلا به ، وإنما تحذف إذا كانت تأكيداً للجحد ، " بعضكم من بعض " ابتداء وخبر ، أي دينكم واحد ، وقيل : بعضكم من بعض في الثواب والأحكام والنصرة وشبه ذلك ، وقال الضحاك : رجالكم شكل نسائكم في الطاعة ، ونساؤكم شكل رجالكم في الطاعة ، نظيرها قوله عز وجل : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " [ التوبة : 71 ] ، ويقال : فلان مني ، أي على مذهبي وخلقي .
السادسة عشرة : قوله تعالى : " فالذين هاجروا " ابتداء وخبر ، أي هجروا أوطانهم وساروا إلى المدينة ، " وأخرجوا من ديارهم " في طاعة الله عز وجل ، " وقاتلوا " أي وقاتلوا أعدائي ، " وقتلوا " أي في سبيلي ، وقرأ ابن كثير و ابن عامر : ( وقاتلوا وقتلوا ) على التكثير وقرأ الأعمش ( وقتلوا وقاتلوا ) لأن الواو لا تدل على أن الثاني بعد الأول ، وقيل : في الكلام إضمار قد ، أي قتلوا وقد قاتلوا ، ومنه قول الشاعر :
تصابى وأمسى علاه الكبر
أي وقد علاه الكبر ، وقيل : أي وقد قاتل من بقي منهم ، تقول العرب : قتلنا بني تميم ، وإنما قتل بعضهم ، وقال امرؤ القيس :
فإن تقتلونا نقتلكم
وقرأ عمر بن عبد العزيز : ( وقتلوا وقتلوا ) خفيفة بغير ألف ، " لأكفرن عنهم سيئاتهم " أي لأسترنها عليهم في الآخرة ، فلا أوبخهم بها ولا أعاقبهم عليها ، " ثوابا من عند الله " مصدر مؤكد عند البصريين ، لأن معنى " ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار " لأثيبنهم ثواباً ، الكسائي : انتصب على القطع ، الفراء : على التفسير ، " والله عنده حسن الثواب " أي حسن الجزاء ، وهو ما يرجع على العامل من جراء عمله ، من ثاب يثوب .

يقول تعالى: "فاستجاب لهم ربهم" أي فأجابهم ربهم, كما قال الشاعر:
وداع دعا: يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
قال سعيد بن منصور : حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار , عن سلمة رجل من آل أم سلمة, قال: قالت أم سلمة : " يا رسول الله لا نسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء. فأنزل الله تعالى: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى" إلى آخر الاية " . وقالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا, وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عيينة . ثم قال: صحيح على شرط البخاري , ولم يخرجاه, وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة قالت: آخر آية نزلت هذه الاية "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" إلى آخرها, رواه ابن مردويه , ومعنى الاية أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا ما سألوا مما تقدم ذكره فاستجاب لهم ربهم عقب ذلك بفاء التعقيب, كما قال تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " وقوله تعالى: "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى" هذا تفسير للإجابة, أي قال لهم مجيباً لهم أنه لا يضيع عمل عامل لديه, بل يوفى كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى, وقوله "بعضكم من بعض" أي جميعكم في ثوابي سواء, "فالذين هاجروا" أي تركوا دار الشرك وأتوا إلى دار الإيمان وفارقوا الأحباب والإخوان والخلان والجيران, "وأخرجوا من ديارهم" أي ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إلى الخروج من بين أظهرهم, ولهذا قال "وأوذوا في سبيلي" أي إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده, كما قال تعالى: "يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم" وقال تعالى: "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" وقوله تعالى: "وقاتلوا وقتلوا" وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل الله فيعقر جواده ويعفر وجهه بدمه وترابه, وقد ثبت في الصحيحين " أن رجلاً قال: يا رسول الله, أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر, أيكفر الله عني خطاياي ؟ قال نعم ثم قال: كيف قلت ؟ فأعاد عليه ما قال, فقال: نعم, إلا الدين, قاله لي جبريل آنفاً" ولهذا قال تعالى: "لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار" أي تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن, وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقوله "ثواباً من عند الله" أضافه إليه ونسبه إليه ليدل على أنه عظيم, لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلاً كثيراً, كما قال الشاعر:
إن يعذب يكن غراماً وإن يعـ ـط جزيلاً فإنه لا يبالي
وقوله تعالى: "والله عنده حسن الثواب" أي عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحاً. قال ابن أبي حاتم : ذكر عن دحيم بن إبراهيم قال: قال الوليد بن مسلم , أخبرني حريز بن عثمان أن شداد بن أوس كان يقول: يا أيها الناس, لا تتهموا الله في قضائه, فإنه لا يبغي على مؤمن, فإذا أنزل بأحدكم شي مما يحب, فليحمد الله, وإذا أنزل به شي مما يكره, فليصبر وليحتسب, فإن الله عنده حسن الثواب.
قوله 195- "فاستجاب" الاستجابة بمعنى الإجابة، وقيل: الإجابة عامة، والاستجابة خاصة بإعطاء المسؤول، وهذا الفعل يتعدى بنفسه وباللام، يقال: استجابه، واستجاب له، والفاء للعطف، وقيل على مقدر: أي دعوا بهذه الأدعية فاستجاب لهم، وقيل على قوله: "ويتفكرون" وإنما ذكر سبحانه الاستجابة وما بعدها في جملة ما لهم من الأوصاف الحسنة لأنها منه، إذ من أجيبت دعوته فقد رفعت درجته. قوله "أني لا أضيع عمل عامل منكم" أي بأني، وقرأ عيسى بن عمرو بكسر الهمزة على تقدير القول، وقرأ أبي بثبوت الباء وهي للسببية: أي فاستجاب لهم ربهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم. والمراد بالإضاعة ترك الإثابة. قوله "من ذكر أو أنثى" من بيانية ومؤكدة لما تقتضيه النكرة الواقعة في سياق النفي من العموم. قوله "بعضكم من بعض" أي: رجالكم مثل نسائكم في الطاعة ونساؤكم مثل رجالكم فيها، والجملة معترضة لبيان كون كل منهما من الآخر باعتبار تشعبهما من أصل واحد. قوله "فالذين هاجروا" الآية، هذه الجملة تتضمن تفصيل ما أجمل في قوله "أني لا أضيع عمل عامل" أي: فالذين هاجروا من أوطانهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأخرجوا من ديارهم" في طاعة الله عز وجل "وقاتلوا" أعداء الله "وقتلوا" في سبيل الله، وقرأ ابن كثير وابن عامر "وقتلوا" على التكثير وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي " وقاتلوا وقتلوا " وهو مثل قول الشاعر:
تصابى وأمسى علاه الكبر
أي: قد علاه الكبر، وأصل الواو المطلق الجمع بلا ترتيب كما قال به الجمهور. والمراد هنا: أنهم قاتلوا وقتل بعضهم، كما قال امرؤ القيس:
فإن تقتلونا نقتلكمو
وقرأ عمر بن عبد العزيز وقتلوا وقتلوا. ومعنى قوله "وأوذوا في سبيلي" أي بسببه والسبيل: الدين الحق والمراد هنا: ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله وعملهم بما شرعه الله لعباده. وقوله "لأكفرن" جواب قسم محذوف. وقوله "ثواباً من عند الله" مصدر مؤكد عند البصريين، لأن معنى قوله "لأدخلنهم جنات" لأثيبنهم ثواباً: أي إثابة أو تثويباً كائناً من عند الله. وقال الكسائي: إنه منتصب على الحال. وقال الفراء: على التفسير "والله عنده حسن الثواب" أي حسن الجزاء، وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله من ثاب يثوب: إذا رجع.
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله "فاستجاب لهم" إلى آخر الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: ما من عبد يقول يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه فذكر للحسن فقال: أما تقرأ القرآن؟ "ربنا إننا سمعنا منادياً" إلى قوله "فاستجاب لهم ربهم". وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: آخر آية نزلت هذه الآية "فاستجاب لهم ربهم" إلى آخرها. وقد ورد في فضل الهجرة أحاديث كثيرة.
195-قوله تعالى:"فاستجاب لهم ربهم أني"أي: بأني ،" لا أضيع" ، لا أحبط ،"عمل عامل منكم" أيها المؤمنون"من ذكر أو أنثى" قال مجاهد: قالت أم سلمة يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فانزل الله تعالى هذه الآية،" بعضكم من بعض"، قال الكلبي : في الدين والنصرة والموالاة وقيل: كلكم من آدم وحواء، وقال الضحاك رجالكم شكل نسائكم ونساؤكم شكل رجالكم في الطاعة ، كما قال:" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" (التوبة - 71).
" فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي "، أي: في طاعتي وديني، وهم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة ،"وقاتلوا وقتلوا" ، قرأ ابن عامر وابن كثير "قتلوا" ، بالتشديد، وقال الحسن: يعني أنهم قطعوا في المعركة ، والآخرون بالتخفيف ، وقرأ أكثر القراء:"وقاتلوا وقتلوا" يريد أنهم قاتلوا العدو ثم انهم قتلوا ، وقرأ حمزة والكسائي " وقاتلوا وقتلوا " وله وجهان، أحدهما : معناه وقاتل من بقي منهم ، ومعنى قوله "وقتلوا" أي: قتل بعضهم ، تقول العرب قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم ، والوجه الآخر"وقتلوا" وقد قاتلوا،"لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله" ، نصب على القطع قاله الكسائي ، وقال المبرد : مصدر ،أي : لأثيبنهم ثواباً،"والله عنده حسن الثواب".
195" فاستجاب لهم ربهم " إلى طلبتهم، وهو أخص من أجاب ويعدي بنفسه وباللام. " أني لا أضيع عمل عامل منكم " أي بأني لا أضيع. وقرىء بالكسر على إرادة القول. "من ذكر أو أنثى" بيان عامل. "بعضكم من بعض" لأن الذكر من الأنثى و الأنثى من الذكر، أ, لأنهما من أصل واحد، أو لفرط الاتصال والاتحاد، أو للاجتماع في والاتفاق الدين. وهي جملة معترضة بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال. روي "أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساءفنزلت". " فالذين هاجروا " إلخ، وتفصيل لأعمال العمال وما أعد لهم من الثواب على سبيل المدح والتعظيم، والمعنى فالذين هاجروا الشرك أو الأوطان والعشائر للدين. "وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي" بسبب إيمانهم بالله ومن أجله "وقاتلوا" الكفار. "وقتلوا" في الجهاد. وقرأ حمزة والكسائي بالعكس لأن الواو لا توجب ترتيباً والثاني أفضل. أو لأن المراد لما قتل منهم قوم قاتل الباقون ولم يضعفوا. وشدد ابن كثير وابن عامر "قتلوا" للتكثير. " لأكفرن عنهم سيئاتهم " لأمحونها. " ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله " أي أثيبهم بذلك إثابة من عند الله تفضلاً منه، فهو مصدر مؤكد. " والله عنده حسن الثواب " على الطاعات قادر عليه.
195. And their Lord hath heard them (and He saith): Lo! I suffer not the work of any worker, male or female, to be lost. Ye proceed one from another. So those who fled and were driven forth from their homes and suffered damage for My cause, and fought and were slain, verity I shall remit their evil deeds from them and verily I shall bring them into Gardens underneath which rivers flow. A reward from Allah. And with Allah is the fairest of rewards.
195 - And their lord hath accepted of them, and answered them: never will i suffer to be lost the work of any of you, be he male or female: ye are members, one of another; those who have left their homes, or been driven out therefrom, or suffered harm in my cause, or fought or been slain, verily, i will blot out from them their iniquities, and admit them into gardens with rivers flowing beneath; a reward from the presence of God, and from his presence is the best of rewards.