[آل عمران : 183] الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
(الذين) نعت للذين قبله (قالوا) لمحمد (إن الله) قد (عهد إلينا) في التوراة (ألا نؤمن لرسول) نصدقه (حتى يأتينا بقربان تأكله النار) فلا نؤمن لك حتى يأتينا به وهو ما يتقرب به إلى الله من نعم وغيرها فإن قبل جاءت نار بيضاء من السماء فأحرقته وإلا بقي مكانه ، وعهد إلى بني إسرائيل ذلك إلا في المسيح ومحمد قال تعالى: (قل) لهم توبيخا (قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات) بالمعجزات (وبالذي قلتم) كزكريا ويحيى فقتلتموهم والخطاب لمن في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان الفعل لأجدادهم لرضاهم به (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) في أنكم تؤمنون عند الإتيان به
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : لقد سمع الله قول الذين قالوا: " إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول ".
وقوله : "الذين قالوا إن الله"، في موضع خفض رداً على قوله : "الذين قالوا إن الله فقير".
ويعني بقوله : " قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول "، أوصانا، وتقدم إلينا في كتبه وعلى ألسن أنبيائه ، " أن لا نؤمن لرسول "، يقول : أن لا نصدق رسولاً فيما يقول إنه جاء به من عند الله من أمر ونهي وغير ذلك ، "حتى يأتينا بقربان تأكله النار"، يقول : حتى يجيئنا بقربان : وهو ما تقرب به العبد إلى ربه من صدقة.
وهو مصدر مثل العدوان و الخسران من قولك : قربت قرباناً. وإنما قال : "تأكله النار"، وإنما أكل النار ما قربه أحدهم لله في ذلك الزمان ، كان دليلاً على قبول الله منه ما قرب له ، ودلالة على صدق المقرب فيما ادعى أنه محق فيما نازع أو قال ، كما:
حدثنا محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "حتى يأتينا بقربان تأكله النار"، كان الرجل يتصدق ، فإذا تقبل منه ، أنزلت عليه نار من السماء فأكلته.
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "بقربان تأكله النار"، كان الرجل إذا تصدق بصدقة فتقبلت منه ، بعث الله ناراً من السماء فنزلت على القربان فأكلته.
فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد، للقائلين: " إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ": "قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات"، يعني : بالحجج الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة قولهم ، "وبالذي قلتم"، يعني : وبالذي ادعيتم أنه إذا جاء به لزمكم تصديقه والإقرار بنبوته ، من أكل النار قربانه إذا قرب لله دلالة على صدقه ، "فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين"، يقول له : قل لهم : قد جاءتكم الرسل الذين كانوا من قبلي بالذي زعمتم أنه حجة لهم عليكم ، فقتلتموهم ، فلم قتلتموهم وأنتم مقرون بأن الذي جاؤوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم ، "إن كنتم صادقين" في أن الله عهد إليكم أن تؤمنوا بمن أتاكم من رسله بقربان تأكله النار حجة له على نبوته؟
قال أبو جعفر: وإنما أعلم الله عباده بهده الآية : أن الذين ؟صف صفتهم من اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لن يعدوا أن يكونوا فيء كذبهم على- الله وافترائهم على ربهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم، وهم يعلمونه صادقاً محقاً، وجحودهم نبوته وهم يجدونه مكتوباً عندهم في عهد الله تعالى إليهم أنه رسوله إلى خلقه ، مفروضة طاعته ، إلا كمن مضى من أسلافهم الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد قطع عذرهم بالحجج التي أيدهم الله بها، والأدلة التي أبان صدقهم بها، افتراء على الله ، واستخفافاً بحقوقه.
قوله تعالى : " الذين " في موضع خفض بدلاً من ( الذين ) في قوله عز وجل " لقد سمع الله قول الذين قالوا " أو نعت ( للعبيد ) أو خبر ابتداء ، أي هم الذين قالوا . وقال الكلبي وغيره : نزلت في كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، ووهب بن يهوذا ، وفنحاص بن عازورا وجماعة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : أتزعم أن الله أرسلك إلينا ، وأنه أنزل علينا كتاباً عهد إلينا فيه ألا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن جئتنا به صدقناك ، فأنزل الله هذه الآية فقيل : كان هذا في التوراة ، ولكن كان تمام الكلام : حتى يأتيكم المسيح ومحمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما من غير قربان وقيل : كان أمر القرابين ثابتاً إلى أن نسخت على لسان عيسى ابن مريم ، وكان النبي منهم يذبح ويدعو فتنزل نار بيضاء لها دوي وحفيف لا دخان لها ، فتأكل القربان ، فكان هذا القول دعوى من اليهود ، إذ كان ثم استثناء فأخفوه ، أو نسخ ، فكانوا في تمسكهم بذلك متعنتين ، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم دليل قاطع في إبطال دعواهم ، وكذلك معجزات عيسى ، ومن وجب صدقه وجب تصديقه ، ثم قال تعالى إقامة للحجة عليهم : " قل " يا محمد " قد جاءكم " يا معشر اليهود : " رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم " من القربان " فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " يعني زكريا ويحيى وشعيا ، وسائر من قتلوا من الأنبياء عليهم السلام ولم تؤمنوا بهم ، أراد بذلك أسلافهم ، وهذه الآية هي التي تلاها عامر الشعبي رضي الله عنه ، فاحتج بها على الذي حسن قتل عثمان رضي الله عنه كما بيناه ، وأن الله تعالى سمى اليهود قتلة لرضاهم بفعل أسلافهم ، وإن كان بينهم نحو من سبعمائة سنة ، والقربان ما يتقرب به إلى الله تعالى من نسك وصدقة وعمل صالح ، وهو فعلان من القربة ،ويكون اسماً ومصدراً ، فمثال الاسم السلطان والبرهان ، والمصدر العدوان والخسران ، وكان عيسى بن عمر يقرأ ( بقربان ) بضم الراء إتباعاً لضمة القاف ، كما قيل في جمع ظلمة : ظلمات وفي حجرة حجرات .
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما نزل قوله تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" قالت اليهود: يا محمد, افتقر ربك فسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" الاية, رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم . وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس فوجد من يهود أناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص, وكان من علمائهم وأحبارهم, ومعه حبر يقال له أشيع, فقال له أبو بكر : ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم, فو الله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عنده, تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقر, وإنه إلينا لفقير, ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا, وإنا عنه لأغنياء, ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم, ينهاكم عن الربا ويعطينا, ولو كان غنياً ما أعطانا الربا, فغضب أبو بكر رضي الله عنه فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً, وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله, فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : "ما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول الله, إن عدو الله قد قال قولاً عظيماً, زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء, فلما قال ذلك, غضبت لله مما قال, فضربت وجهه, فجحد فنحاص ذلك, وقال: ما قلت ذلك, فأنزل الله فيما قال فنحاص رداً عليه وتصديقاً لأبي بكر "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" الاية " , رواه ابن أبي حاتم . وقوله "سنكتب ما قالوا" تهديد ووعيد, ولهذا قرنه تعالى بقوله: "وقتلهم الأنبياء بغير حق" أي هذا قولهم في الله وهذه معاملتهم لرسل الله وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء, ولهذا قال تعالى: "ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً وتصغيراً, وقوله تعالى: " الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار " يقول تعالى تكذيياً أيضاً لهؤلاء الذين زعموا أن الله عهد إليهم في كتبهم, أن لا يؤمنوا لرسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته, فتقبلت منه, أن تنزل نار من السماء تأكلها, قاله ابن عباس والحسن وغيرهما. قال الله عز وجل: "قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات" أي بالحجج والبراهين, "وبالذي قلتم" أي وبنار تأكل القرابين المتقبلة, "فلم قتلتموهم" أي فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم "إن كنتم صادقين" أنكم تتبعون الحق وتنقادون للرسل. ثم قال تعالى مسلياً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير " أي لا يوهنك تكذيب هؤلاء لك, فلك أسوة بمن قبلك من الرسل الذين كذبوا مع ما جاءوا به من البينات وهي الحجج والبراهين القاطعة, "والزبر" وهي الكتب المتلقاة من السماء كالصحف المنزلة على المرسلين, "والكتاب المنير" أي البين الواضح الجلي.
قوله 183- "الذين قالوا" هو خبر مبتدأ محذوف أي: هم الذين قالوا: وقيل: نعت للعبيد وقيل: منصوب على الذم، وقيل: هو في محل جر بدل من "لقد سمع الله قول الذين قالوا" وهو ضعيف، لأن البدل هو المقصود دون المبدل منه، وليس الأمر كذلك هنا، والقائلون هؤلاء هم جماعة من اليهود كما سيأتي، وهذا المقول وهو أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يأتيهم بالقربان هو من جملة دعاويهم الباطلة. وقد كان دأب بني إسرائيل أنهم كانوا يقربون القربان. فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرقه، ولم يتعبد الله بذلك كل أنبيائه ولا جعله دليلاً على صدق دعوى النبوة، ولهذا رد الله عليهم فقال "قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم" من القربان " فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " كيحيى بن زكريا وشعياء وسائر من قتلوا من الأنبياء. والقربان: ما يتقرب به إلى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح، وهو فعلان من القربة.
183-قوله تعالى:" الذين قالوا إن الله عهد إلينا" الآية، قال الكلبي: نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن التابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن اخطب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يامحمد تزعم ان الله تعالى بعثك إلينا رسولاً وانزل عليك الكتاب وأن الله تعالى قد عهد إلينا في التوراة " أن لا نؤمن لرسول "، يزعم أنه جاء من عند الله ، "حتى يأتينا بقربان تأكله النار" ، فإن جئتنا به صدقناك، قال فانزل الله تعالى:" الذين قالوا" أي: سمع الله قول الذين قالوا ومحل " الذين " خفض ردا على " الذين " الأول " إن الله عهد إلينا " أي : أمرنا وأوصانا في كتبه ان لا نؤمن برسول ، أي: لا نصدق رسولاً يزعم انه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تاكله النار فيكون دليلاً على صدقه، والقربان : كل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من نسيكة وصدق وعمل صالح، فعلان من القربة ، وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل ، وكانوا إذا قربوا قرباناً أو غنموا غنيمة جاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها، ولها دوي وحفيف، فتأكله وتحرق ذلك القربان وتلك الغنيمة فيكون ذلك علامة القبول، وإذا لم يقبل بقيت على حالها.
وقال السدي: عن الله تعالى أمر بني إسرائيل من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد، فإذا أتياكم فآمنوا بهما، فإنهما يأتيان بغير قربان ، قال الله تعالى إقامة للحجة عليهم ، "قل" يا محمد" قد جاءكم" يا معشر اليهود" رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم"، من القربان"فلم قتلتموهم"؟ يعني: زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء، وأراد بذلك أسلافهم فخاطبهم بذلك لأنهم رضوا بفعل أسلافهم " إن كنتم صادقين"، معناه تكذيبهم مع علمهم بصدقك ، كقتل آبائهم الأنبياء، مع الإتيان بالقربان والمعجزات ، ثم قال معزياً لنبيه صلى الله عليه وسلم :
183" الذين قالوا " هم كعب بن الأشرف ومالك وحيي وفنحاص ووهب بن يهوذا. " إن الله عهد إلينا " أمرنا في التوراة وأوصانا. " أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار " بأن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لأنبياء بني إسرائيل وهو أن يقرب بقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار سماوية فتأكله، أي تحيله إلى طبعها بالإحراق. وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم لأن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزة فهو وسائر المعجزات شرع في ذلك. " قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " تكذيب وإلزام بأن رسلاً جاؤهم قبله كزكريا ويحيى بمعجزات أخر موجبة للتصديق وبما اقترحوه فقتلوهم، فلو كان الموجب للتصديق هو الإتيان به وكان توقفهم وامتناعهم عن الإيمان لأجله فما لهم لم يؤمنوا بمن جاء به في معجزات أخر واجترؤا على قتله.
183. (The same are) those who say: Lo! Allah hath charged us that we believe not in any messenger until he bring us an offering which fire (from heaven) shall devour. Say (unto them, O Muhammad): Messengers came unto you before me with miracles, and with that (very miracle) which ye describe. Why then did ye slay them? (Answer that) if ye are truthful
183 - They (also) said: God took our promise not to believe in an apostle unless he showed us a sacrifice consumed by fire (from heaven). say: there came to you apostles before me, with clear signs and even with what ye ask for: why then did ye slay them, if ye speak the truth?