[آل عمران : 178] وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
(ولا يحسبن) بالياء والتاء (الذين كفروا أنما نملي) أي إملاءنا (لهم) بتطويل الأعمار وتأخيرهم (خير لأنفسهم) وأن ومعمولاها سدت مسد المفعولين في قراءة التحتانية ومسد الثاني في الأخرى (إنما نملي) نمهل (لهم ليزدادوا إثما) بكثرة المعاصي (ولهم عذاب مهين) ذو إهانة في الآخرة
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره : ولا يظنن الذين كفروا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله ، أن إملاءنا لهم خير لأنفسهم .
ويعني ب الإملاء، الإطالة في العمر، والإنساء في الأجل ، ومنه قوله جل ثناؤه : "واهجرني مليا" [مريم : 46]، أي : حيناً طويلاً، ومنه قيل : عشت طويلاً وتمليت حبيباً، والملا نفسه الدهر، والملوان، الليل والنهار، ومنه قول تميم بن مقبل:
ألا يا ديار الحي بالسبعان أمل عليها بالبلى الملوان
يعني : ب الملوان ، الليل والنهار.
وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم.
فقرأ ذلك جماعة منهم : ولا يحسبن ، بالياء، وبفتح الألف من قوله : أنما ، على المعنى الذي وصفت من تأويله.
وقرأه آخرون : ولا تحسبن بالتاء و"أنما" أيضا بفتح الألف من "أنما" بمعنى : ولا تحسبن ، يا محمد، الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم .
فإن قال قائل : فما الذي من أجله فتحت الألف من قوله : "أنما" في قراءة من قرأ بالتاء، وقد علمت أن ذلك إذا قرىء بالتاء فقد أعملت تحسبن ، في "الذين كفروا"، وإذا أعملتها في ذلك ، لم يجزلها. أن تقع على "أنما"، لأن "أنما" إنما يعمل فيها عامل يعمل في شيئين نصباً؟.
قيل : أما الصواب في العربية ووجه الكلام المعروف من كلام العرب ، كسر إن إذا قرئت تحسبن بالتاء، لأن تحسبن إذا قرئت بالتاء فإنها قد نصبت "الذين كفروا"، فلا يجوز أن تعمل ، وفد نصبت اسماً، في "أن". ولكني أظن أن من قرأ ذلك بالتاء في تحسبن وفتح الألف من "أنما"، إنما أراد تكرير تحسبن على "أنما"، كأنه قصد إلى أن معنى الكلام : ولا تحسبن ، يا محمد أنت ، الذين كفروا، لا تحسبن أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، كما قال جل ثناؤه : "فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة" [محمد : 18]، بتأويل : هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. وذلك لأن كان وجهاً جائزاً في العربية، فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأ: "ولا يحسبن الذين كفروا" بالياء من "يحسبن" وبفتح الألف من "أنما"، على معنى الحسبان للذين كفروا دون غيرهم ، ثم يعمل في "أنما" نصباً لأن "يحسبن" حينئذ لم يشغل بشيء عمل فيه ، وهي تطلب منصوبين.
وإنما اخترنا ذلك لإجماع القرأة على فتح الألف من "أنما"، الأولى ، فدل ذلك على أن القراءة الصحيحة في "يحسبن" بالياء لما وصفنا.
وأما ألف "إنما" الثانية ، فالكسر على الابتداء ، بإجماع من القرأة عليه.
وتأولي قوله : "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما"، إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثماً، يقول : ليكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر، "ولهم عذاب مهين"، يقول : ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة .
وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر:
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة، عن الأسود قال ، قال عبد الله : ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها. وقرأ: "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما"، وقرأ : "نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار" [آل عمران : 198].
قوله تعالى : " ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم " الإملاء طول العمر ورغد العيش ، والمعنى : لا يحسبن هؤلاء الذين يخوفون المسلمين ، فإن الله قادر على إهلاكهم ، وإنما يطول أعمارهم ليعملوا بالمعاصي ، لا لأنه خير لهم ،ويقال : " أنما نملي لهم " بما أصابوا من الظفر يوم أحد لم يكن ذلك خيراً لأنفسهم ، وإنما كان ذلك ليزدادوا عقوبة ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : ما من أحد بر ولا فاجر إلا والموت خير له ، لأنه إن كان براً فقد قال الله تعالى : " وما عند الله خير للأبرار " وإن كان فاجراً فقد قال الله : " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " وقرأ ابن عامر و عاصم " ولا يحسبن " بالياء ونصب السين ، وقرأ حمزة : بالتاء ونصب السين ، والباقون : بالياء وكسر السين ، فمن قرأ بالياء فالذين فاعلون ، أي فلا يحسبن الكفار ، " أنما نملي لهم خير لأنفسهم " تسد مسد المفعولين ، و( ما ) بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، و( خير ) خبر ( أن ) ويجوز أ، تقدر ( ما ) والفعل مصدراً ، والتقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن إملاءنا لهم خير لأنفسهم ، ومن قرأ بالتاء فالفاعل هو المخاطب ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، و( الذين ) نصب على المفعول الأول لتحسب ، وأن وما بعدها بدل من الذين ، وهي تسد المفعولين ، كما تسد لو لم تكن بدلاً ، ولا يصلح أن تكون ( أن ) وما بعدها مفعولاً ثانياً لتحسب ، لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى : لأن حسب وأخواتها داخلة لى المبتدأ والخبر ، فيكون التقدير : ولا تحسبن أنما نملي لهم خير ، هذا قول الزجاج وقال أبو علي : لو صح هذا لقال ( خيراً ) بالنصب ، لأن ( أن ) تصير بدلاً من " الذين كفروا " فكأنه قال : لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيراً ، فقوله : ( خبراً ) هو المفعول الثاني لحسب ، فإذاً لا يجوز أن يقرأ ( لا تحسبن ) بالتاء إلا أن الكسر ( إن ) في ( أنما ) وتنصب خيراً ، ولم يرو ذلك عن حمزة ، والقراءة عن حمزة بالتاء ، فلا تصح هذه القراءة إذاً ، وقال الفراء و الكسائي : قراءة حمزة جائزة على التكرير ، تقديره ولا تحسبن الذين كفروا ، ولا تحسبن أنما نملي لهم خير ، فسدت ( أن ) مسد المفعولين لتحسب الثاني ، وهي وما عملت مفعول ثان لتحسب الأول قال القشيري ، وهذا قريب مما ذكره الزجاج في دعوى البدل ، والقراءة صحيحة ، فإذاً غرض أبي علي تغليط الزجاج ، قال النحاس : وزعم أبو حاتم أن قراءة حمزة بالتاء هنا ، وقوله : " ولا يحسبن الذين يبخلون " لحن لا يجوز ، وتبعه على ذلك جماعة .
قلت : وهذا ليس بشيء ، لما تقدم بيانه من الإعراب ، ولصحة القراءة وثبوتها نقلاً ، وقرأ يحيى بن وثاب ( إنما نملي لهم ) بكسر إن فيهما جميعاً ، قال أبو جعفر : وقراءة يحيى حسنة ، كما تقول : حسبت عمراً أبوه خالد ، قال أبو حاتم : وسمعت الأخفش يذكر كسر ( إن ) يحتج به لأهل القدر ، لأنه كان منهم ، ويجعل على التقديم والتأخير ( ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً إنما نملي لهم خير لأنفسهم ) قال : ورأيت في مصحف في المسجد الجامع قد زادوا فيه حرفاً فصار ( إنما نملي لهم إيماناً ) فنظر إليه يعقوب القارئ فتبين اللحن فحكه ، والآية نص في بطلان مذهب القدرية ، لأنه أخبر أنه يطيل أعمارهم ليزدادوا الكفر بعمل المعاصي ، وتوالي أمثاله على القلب ، كما تقدم بيانه في ضده وهو الإيمان ، وعن ابن عباس قال : ما من بر ولا فاجر إلا والموت خير له ثم تلا : " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " وتلا " ما عند الله خير للأبرار " أخرجه رزين .
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" وذلك من شدة حرصه على الناس, كان يحزنه مبادرة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق, فقال تعالى: لا يحزنك ذلك " إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة " أي حكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته أن لا يجعل لهم نصيباً في الاخرة "ولهم عذاب عظيم", ثم قال تعالى مخبراً عن ذلك إخباراً مقرراً: "إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان" أي استبدلوا هذا بهذا "لن يضروا الله شيئاً" أي ولكن يضرون أنفسهم "ولهم عذاب أليم", ثم قال تعالى, " ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين " كقوله " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وكقوله "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" وكقوله "ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون" ثم قال تعالى: "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" أي لا بد أن يعقد سبباً من المحنة, يظهر فيه وليه ويفضح به عدوه, يعرف به المؤمن الصابر, والمنافق الفاجر, يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين, فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, وهتك به ستر المنافقين. فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, ولهذا قال تعالى: "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد, وقال قتادة : ميز بينهم بالجهاد والهجرة, وقال السدي : قالوا: إن كان محمد صادقاً فليخبرنا عمن يؤمن به منا ومن يكفر, فأنزل الله تعالى: "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" أي حتى يخرج المؤمن من الكافر, روى ذلك كله ابن جرير ـ ثم قال تعالى: "وما كان الله ليطلعكم على الغيب" أي أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك. ثم قال تعالى: "ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء" كقوله تعالى: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً" ثم قال تعالى: "فآمنوا بالله ورسله" أي أطيعوا الله ورسوله واتبعوه فيما شرع لكم "وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم". وقوله تعالى: " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم " أي لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه بل هو مضرة عليه في دينه, وربما كان في دنياه. ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة, فقال "سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة", قال البخاري : حدثنا عبد الله بن منير , سمع أبا النضر , حدثنا عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه , عن أبي صالح , عن أبي هريرة , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة, يأخذ بلهزمتيه ـ يعني بشدقيه ـ ثم يقول: أنا مالك, أنا كنزك " ثم تلا هذه الاية "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم" إلى آخر الاية, تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه, وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق الليث بن سعد عن محمد بن عجلان , عن القعقاع بن حكيم , عن أبي صالح به .
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا حجين بن المثنى , حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار , عن ابن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم, " قال إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل الله له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان, ثم يلزمه يطوقه يقول: أنا كنزك أنا كنزك" وهكذا رواه النسائي عن الفضل بن سهل عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة به. ثم قال النسائي : ورواية عبد العزيز عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أثبت من رواية عبد الرحمن عن أبيه عبد الله بن دينار , عن أبي صالح عن أبي هريرة (قلت) ولا منافاة بين الروايتين, فقد يكون عند عبد الله بن دينار من الوجهين, والله أعلم, وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجه عن أبي صالح , عن أبي هريرة . ومن حديث محمد بن أبي حميد عن زياد الخطمي عن أبي هريرة به .
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن جامع , عن أبي وائل , عن عبد الله , عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه, يفر منه وهو يتبعه, فيقول: أنا كنزك" ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله "سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة", وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد , زاد الترمذي : و عبد الملك بن أعين , كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود به, وقال الترمذي : حسن صحيح. وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي بكر بن عياش وسفيان الثوري , كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي , عن أبي وائل , عن ابن مسعود به, ورواه ابن جرير من غير وجه عن ابن مسعود موقوفاً.
(حديث آخر) قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أمية بن بسطام , حدثنا يزيد بن زريع , حدثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد , عن معدان بن أبي طلحة , عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال من ترك بعده كنزاً مثل له شجاعاً أقرع يوم القيامة له زبيبتان يتبعه, ويقول: من أنت ؟ ويلك, فيقول: أنا كنزك الذي خلفت بعدك, فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها, ثم يتبع سائر جسده" إسناده جيد قوي, ولم يخرجوه. وقد رواه الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي , ورواه ابن جرير وابن مردويه من حديث بهز بن حكيم عن أبيه, عن جده, عن النبي صلى الله عليه وسلم, " قال لا يأتي الرجل مولاه فيسأله من فضل ماله عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع" لفظ ابن جرير , وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى , حدثنا عبد الأعلى , حدثنا داود عن أبي قزعة , عن رجل, عن النبي صلى الله عليه وسلم, " قال ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل جعله الله عنده, فيبخل به عليه, إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه" ثم رواه من طريق أخرى عن أبي قزعة واسمه حجير بن بيان , عن أبي مالك العبدي موقوفاً, ورواه من وجه آخر عن أبي قزعة مرسلاً. وقال العوفي عن ابن عباس : نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها, رواه ابن جرير , والصحيح الأول وإن دخل هذا في معناه, وقد يقال:إن هذا أولى بالدخول, والله سبحانه وتعالى أعلم, وقوله تعالى "ولله ميراث السموات والأرض" أي " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عز وجل. فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم "والله بما تعملون خبير" أي بنياتكم وضمائركم.
قوله 178- "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم" قرأ ابن عامر وعاصم وغيرهما "يحسبن" بالياء التحتية وقرأ حمزة بالفوقية، والمعنى على الأولى: لا يحسبن الكافرون أنما نملي لهم بطول العمر ورغد العيش أو بما أصابوا من الظفر يوم أحد "خير لأنفسهم" فليس الأمر كذلك بل إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين. وعلى القراءة الثانية: لا تحسبن يا محمد أن الإملاء للذين كفروا بما ذكر خير لأنفسهم، بل هو شر واقع عليهم ونازل بهم، وهو أن الإملاء للذين كفروا بما ذكر خير لأنفسهم، بل هو شر واقع عليهم ونازل بهم، وهو أن الإملاء الذي نمليه لهم ليزدادوا إثماً. فالموصول على القراءة الأولى فاعل الفعل، وأنما نملي وما بعده ساد مسد مفعولي الحسبان عند سيبويه أو ساد مسد أحدهما، والآخر محذوف عند الأخفش. وأما على القراءة الثانية عند سيبويه أو ساد مسد أحدهما، والآخر محذوف عند الأخفش. وأما على القراءة الثانية فقال الزجاج: إن الموصول هو المفعول الأول، وأنما وما بعدها بدل من الموصول ساد مسد المفعولين، ولا يصح أن يكون أنما وما بعده هو المفعول الثاني، لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى. وقال أبو علي الفارسي: لو صح هذا لكان خيراً بالنصب لأنه بصير بدلاً من الذين كفروا، فكأنه قال: لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيراً. وقال الكسائي والفراء: إنه يقدر تكرير الفعل كأنه قال: ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن أنما نملي لهم فسدت مسد المفعولين. وقال في الكشاف: فإن قلت كيف صح مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد؟ قلت: صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحي، ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع سكوتك على متاعك انتهى. وقرأ يحيى بن وثاب "إنما نملي" بكسر إن فيهما وهي قراءة ضعيفة باعتبار العربية. وقوله: "إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً" جملة مستأنفة مبينة لوجه الإملاء للكافرين. وقد احتج الجمهور بهذه الآية على بطلان ما تقوله المعتزلة، لأنه سبحانه أخبر بأنه يطيل أعمار الكفار ويجعل عيشهم رغداً ليزدادوا إثماً. قال أبو حاتم: وسمعت الأخفش يذكر كسر "إنما نملي" الأولى وفتح الثانية، ويحتج بذلك لأهل القدر لأنه منهم ويجعله على هذا التقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثماً إنما نملي لهم خير لأنفسهم. وقال في الكشاف: إن ازدياد الإثم علة، وما كل علة بعرض ألا تراك تقول: قعدت عن الغزو للعجز والفاقة، وخرجت من البلد لمخافة الشر وليس شيء يعرض لك وإنما هي علل وأسباب.
178-"ولا يحسبن الذين كفروا " ، قرأ حمزة هذا والذي بعده بالتاء فيهما ، وقرأ الآخرون بالياء، فمن قرأ بالياء"فالذين" في محل الرفع على الفاعل تقديره: ولا يحسبن الكفار إملاءنا لهم خيراً ، ومن قرأ بالتاء يعني: ولا تحسبن يامحمد الذين كفروا ، وإنما نصب على البدل من الذين،" أنما نملي لهم خير لأنفسهم "، والإملاء الإمهال والتأخير، يقال: عشت طويلاً حميداً وتمليت حيناً ، ومنه قوله تعالى: " واهجرني مليا"(مريم -46) أي : حيناً طويلاً، ثم ابتدأ فقال:" إنما نملي لهم"، نمهلهم" ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين".
قال مقاتل : نزلت في مشركي مكة ، وقالعطاء: في قريظة والنضير .
أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله القفال أنا أبو منصور احمد بن الفضل البرونجردي انا أبو أحمد بكر بن محمد حمدان الصيرفي أنا محمد بن يونس انا أبو داود الطيالسي انا شعبة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن ابيه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله قيل: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله".
178" ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم " خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، أو لكل من يحسب. والذين مفعول و " أنما نملي " لهم بدل منه، وإنما اقتصر على مفعول واحد لأن التعويل على البدل وهو ينوب عن المفعولين كقوله تعالى: " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون ". أو المفعول الثاني على تقدير مضاف مثل: ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب الإملاء خير لأنفسهم، أو ولا تحسبن حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم، وما مصدرية وكان حقها أن تفصل في الخط ولكنها وقعت متصلة في الإمام فاتبع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي ويعقوب بالياء على " إن الذين " فاعل وان مع ما في حيزه مفعول وفتح سينه في جميع القرآن ابن عامر وحمزة وعاصم. والإملاء الإمهال وإطالة العمر. وقيل تخليتهم وشأنهم، من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعي كيف يشاء. " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " استئناف بما هو العلة للحكم قبلها، وما كافة واللام لام الإرادة. وعند المعتزلة لام العاقبة. وقرىء " إنما " بالفتح هنا وبكسر الأولى ولا يحسبن بالياء على معنى " ولا يحسبن الذين كفروا " أن إملاءنا لهم لازدياد الإثم بل للتوبة والدخول في الإيمان، و " أنما نملي لهم خير " اعتراض. معناه أن إملاءنا خير لهم أن انتبهوا وتداركوا فيه ما فرط منكم. " ولهم عذاب مهين " على هذا يجوز أن يكون حالاً من واو أي ليزدادوا إثماً معداً لهم عذاب مهين.
178. And let not those who disbelieve imagine that the rein We give them bodeth good unto their souls. We only give them rein that they may grow in sinfulness. And theirs will be a shameful doom.
178 - Let not the unbelievers think that our respite to them is good for themselves: we grant them respite that they may grow in their iniquity: but they will have a shameful punishment.