[القصص : 76] إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
76 - (إن قارون كان من قوم موسى) ابن عمه وابن خالته وآمن به (فبغى عليهم) بالكبر والعلو وكثرة المال (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء) تثقل (بالعصبة) الجماعة (أولي) أصحاب (القوة) أي تثقلهم فالباء للتعدية وعدتهم قيل سبعون وقيل أربعون وقيل عشرة وقيل غير ذلك اذكر (إذ قال له قومه) المؤمنون من بني إسرائيل (لا تفرح) بكثرة المال فرح بطر (إن الله لا يحب الفرحين) بذلك
يقول تعالى ذكره " إن قارون " وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب " كان من قوم موسى " يقول: كان من عشيرة موسى بن عمران النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عمه لأبيه وأمه وذلك أن قارون هو قارون بن يصهر بن قاهث، وموسى: هو موسى بن عمران بن قاهث، كذا نسبه ابن جريج.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله " إن قارون كان من قوم موسى " قال: ابن عمه ابن أخي أبيه، فإن قارون بن يصفر، هكذا قال القاسم، وإنما هويصهر بن قاهث، وموسى بن عومر بن قاهث، وعومر بالعربية: عمران.
وأما ابن إسحاق فإن -
ابن حميد حدثنا، قال: ثنا سلمة عنه، أن يصهر بن قاهث تزوج سميت بنت بتاويت بن بركنا بن بقشان بن إبراهيم، فولدت له عمران بن يصهر، وقارون بن يصهر، فنكح عمران بخنت بنت شمويل بن بركنا بن بقشان بن بركنا، فولدت له هارون بن عمران، وموسى بن عمران صفي الله ونبيه، فموسى على ما ذكر ابن إسحاق ابن أخي قارون، وقارون هو عمه أخو أبيه لأبيه ولأمه. وأكثر أهل العلم في ذلك على ما قاله ابن جريج.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن إبراهيم، في قوله " إن قارون كان من قوم موسى " قال: كان ابن عم موسى.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " إن قارون كان من قوم موسى " كنا نحدث أنه كان ابن عمه أخي أبيه، وكان يسمى المنور من حسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق، كما نافق السامري، فأهلكه البغي.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن سماك، عن إبراهيم " إن قارون كان من قوم موسى " قال كان ابن عمه فبغى عليه.
قال: ثنا يحيى القطان، عن سفيان، عن سماك، عن إبراهيم، قال: كان قارون ابن عم موسى.
قال: ثنا أبو معاوية، عن ابن أبي خالد، عن إبراهيم " إن قارون كان من قوم موسى " قال: كان ابن عمه.
حدثني بشر بن هلال الصواف، قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن مالك بن دينار، قال: بلغني أن موسى بن عمران كان ابن عم قارون.
وقوله " فبغى عليهم " يقول: فتجاوز حده في الكبر والتجبر عليهم.
وكان بعضهم يقول: كان بغيه عليهم زيادة شبر أخذها في طول ثيابه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن سعيد الكندي وأبو السائب وابن وكيع قالوا: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن شهر بن حوشب " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم " قال: زاد عليهم في الثياب شبراً.
وقال آخرون كان بغيه عليهم بكثرة ماله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: إنما بغى عليهم بكثرة ماله.
وقوله " وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة " يقول تعالى ذكره: وآتينا قارون من كنوز الأموال ما إن مفاتحه، وهي جمع مفتح، وهو الذي يفتح به الأبواب.
وقال بعضهم: عني بالمفاتح في هذا الموضع: الخزائن لتثقل العصبة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ما قلنا في معنى مفاتح:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا الأعمش عن خيثمة، قال: كانت مفاتح قارون تحمل على ستين بغلاً، كل مفتاح منها باب كنز معلوم مثل الأصبع من جلود.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الأعمش ، عن خيثمة، قال: كانت مفاتح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل الأصبع، كل مفتاح على خزانة على حدة، فإذا ركب حملت المفاتيح، على ستين بغلاً أغر محجل.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن خيثمة، في قوله " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة " قال: نجد مكتوباً في الإنجيل مفاتح قارون وقر ستين بغلاً غراً محجلة، ما يزيد كل مفتاح منها على أصبع، لكل مفتاح منها كنز.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهد، قال: كانت المفاتح من جلود الإبل.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهد، قال: كانت المفاتح من جلود الإبل.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد " وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة " قال: مفاتح من جلود كمفاتح العيدان. وقال قوم: عني بالمفاتح في هذا الموضع: خزائنه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة " قال: كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلاً.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي حجير، عن الضحاك " ما إن مفاتحه " قال: أوعيته.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله " لتنوء بالعصبة " قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا أبو روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس، في قوله " لتنوء بالعصبة " قال: لتثقل بالعصبة.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " لتنوء بالعصبة " يقول: تثقل. وأما العصبة فإنها الجماعة.
واختلف أهل التأويل في مبلغ عددها الذي أريد في هذا الموضع، فأما مبلغ عدد العصبة في كلام العرب فقد ذكرناه فيما مضى باختلاف المختلفين فيه، والرواية في ذلك، والشواهد على الصحيح من قولهم في ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، فقال بعضهم: كانت مفاتحه تنوء بعصبة، مبلغ عددها أربعون رجلاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، قوله " لتنوء بالعصبة " قال: أربعون رجلاً.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " لتنوء بالعصبة " قال: ذكر لنا أن العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين.
حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " لتنوء بالعصبة أولي القوة " يزعمون أن العصبة: أربعون رجلاً، ينقلون مفاتحه من كثرة عددها.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة " قال: أربعون رجلاً.
وقال آخرون: ستون، وقال: كانت مفاتحه تحمل على ستين بغلاً.
حدثنا كذلك ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الأعمش ، عن خيثمة.
وقال آخرون: كانت تحمل على ما بين ثلاثة إلى عشرة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس " لتنوء بالعصبة " قال: العصبة: ثلاثة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا أبو روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس " لتنوء بالعصبة " قال: العصبة: ما بين الثلاثة إلى العشرة.
وقال آخرون: كانت تحمل ما بين عشرة إلى خمسة عشر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة " قال: العصبة: ما بين العشرة إلى الخمسة عشر.
حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد " لتنوء بالعصبة " قال العصبة: خمسة عشر رجلاً.
وقوله " أولي القوة " يعني: أولي الشدة.
وقال مجاهد في ذلك ما:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " أولي القوة " قال: خمسة عشر.
فإن قال قائل: وكيف قيل " وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة " وكيف تنوء المفاتح بالعصبة، وإنما العصبة هي التي تنوء بها. قيل: اختلف في ذلك أهل العلم بكلام العرب، فقال بعض أهل البصرة: مجاز ذلك: ما إن العصبة ذوي القوة لتنوء بمفاتح نعمه. قال: ويقال في الكلام: إنها لتنوء بها عجيزتها، وإنما هو تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله، قال: والعرب قد تفعل مثل هذا، قال الشاعر:
فديت بنفسه نفسي ومالي وما آلوك إلا ما أطيق
والمعني: فديت بنفسي وبمالي نفسي.
وقال آخر:
وتركب خيلاً لا هوادة بينها وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
وإنما تشقى الضياطرة بالرماح. قال: والخيل ها هنا: الرجال.
وقال آخر منهم " ما إن مفاتحه " قال: وهذا موضع لا يكاد يبتدأ فيه ( إن)، وقد قال: إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم. وقوله " لتنوء بالعصبة " إنما العصبة تنوء بها، وفي الشعر:
تنوء بها فتثقلها عجيزتها
وليست العجيزة تنوء بها، ولكنها هي تنوء بالعجيزة، وقال الأعشى:
ما كنت في الحرب العوان مغمراً إذ شب حر وقودها أجذالها
وكان بعض أهل العربية من الكوفيين ينكر هذا الذي قاله هذا القائل، وابتداء إن بعد ما، ويقول ذلك جائز مع ما ومن، وهو مع ما ومن أجود منه مع الذي، لأن الذي لا يعمل في صلته، ولا تعمل صلته فيه، فلذلك جاز، وصارت الجملة عائد ما، إذ كانت لا تعمل في ( ما)، ولا تعمل ( ما) فيها، قال: وحسن مع ( ما ) و ( من)، لأنهما يكونان بتأويل النكرة إن شئت، والمعرفة إن شئت، فتقول: ضربت رجلاً ليقومن، وضربت رجلاً إنه لمحسن، فتكون ( من وما) تأويل هذا، ومع الذي أقبح، لأنه لا يكون بتأويل النكرة.
وقال آخر منهم في قوله " لتنوء بالعصبة ": نوءها بالعصبة: أن تثقلهم، وقال المعني: إن مفاتحه لتنيء العصبة: تميلهن من ثقلها، فإذا أدخلت الباء قلت تنوء بهم، كما قال ( آتوني أفرغ عليه قطرا) ( الكهف: 96) وقال والمعنى: آتوني بقطر أفرغ عليه، فإذا حذفت الباء، زدت على الفعل ألفاً في أوله، ومثله ( فأجاءها المخاض) ( مريم: 23) معناه: فجاء بها المخاض، وقال: قد قال رجل من أهل العربية: ما إن العصبة تنوء بمفاتحه، فحول الفعل إلى المفاتح، كما قال الشاعر:
إن سراجاً لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تهجره
وهو الذي يحلى بالعين، قال: فإن كان سمع أثراً بهذا، فهو وجه، وإلا فإن الرجل جهل المعنى، قال: وأنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما التأمت مواصله وناء في شق الشمال كاهله
يعني: الرامي لما أخذ القوس، ونزع مال عليها. قال: ونرى أن قول العرب: ما ساءك وناءك من ذلك، ومعناه: ما ساءك وأناءك من ذلك، إلا أنه ألقى الألف لأنه متبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعاماً فهنأني ومرأني، ومعناه: إذا أفردت وأمرأني فحذفت منه الأف لما أتبع ما ليس فيه ألف.
وهذا القول الآخر في تأويل قوله " لتنوء بالعصبة ": أولى بالصواب من الأقوال الأخر، لمعنيين: أحدهما: أنه تأويل موافق لظاهر التنزيل. والثاني: أن الآثار التي ذكرنا عن أهل التأويل بنحو هذا المعنى جاءت، وأن قول من قال: معنى ذلك: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه، إنما هو توجيه منهم إلى أن معناه: ما إن العصبة لتنهض بمفاتحه، وإذا وجه إلى ذلك لم يكن فيه من الدلالة على أنه أريد به الخبر عن كثرة كنوزه، على نحو ما فيه، إذا وجه إلى أن معناه: إن مفاتحه تثقل العصبة وتميلها، لأنه قد تنهض العصبة بالقليل من المفاتح وبالكثير، وإنما قصد جل ثناؤه الخبر عن كثرة ذلك، وإذا أريد به الخبر عن كثرته، كان لا شك أن الذي قاله من ذكرنا قوله، من أن معناه: لتنوء العصبة بمفاتحه، قول لا معنى له، هذا مع خلافه تأويل السلف في ذلك.
وقوله " إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " يقول: إذ قال قومه لا تبغ ولا تبطر فرحاً، إن الله لا يحب من خلقه الأشرين البطرين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " إن الله لا يحب الفرحين " يقول: المرحين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله " لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " قال: المتبذخين الأشرين البطرين، الذين لا يشركون الله على ما أعطاهم.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن جابر، قال: سمعت مجاهداً يقول في هذه الآية " إن الله لا يحب الفرحين " قال: الأشرين البطرين البذخين.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام، عن مجاهد، في قوله " لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " قال: يعني به البغي.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاسم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله " لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " قال: المتبذخين الأشرين، الذي لا يشكرون الله فيما أعطاهم.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: المتبذخين.
حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: ثني شبابة، قال: ثني ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " قال: الأشرين البطرين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، إذ قال له قومه " لا تفرح ": أي لا تمرح " إن الله لا يحب الفرحين ": أي إن الله لا يحب المرحين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجن عن ابن جريج، عن مجاهد " لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " قال: الأشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله فيما أعطاهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام، عن مجاهد، في قوله " إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " قال: هو فرح البغي.
قوله تعالى : " إن قارون كان من قوم موسى " لما قال تعالى : " وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها " [ القصص : 60] بين أن قارون أوتيها واغتر بها ولم تعصمه من عذاب الله كما لم تعصم فرعون ، ولستم أيها المشركون بأكثر عدداً ومالاً من قارون وفرعون ، فلم ينفع فرعون جنوده وأمواله ، ولم ينفع قارون قرابته من موسى ولاكنوزه قال النخعي و قتادة وغيرهما : كان ابن عم موسى لحا ، وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ، ومويى بن عمران بن قاهب . وقال ابن إسحاق : كان عم موسى لأب وأم . وقيل : كان ابنخالته . ولم ينصرف للعجمة والتعريف . وما كان علىوزن فاعول أعجمياً لا يحسن فيه الألف واللام لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة ، فإن حسنت فيه الألف واللام انصرف إن كان اسماً لمذكر نحو طاوس و راقود . قال الزجاج : ولو كان قاررون من قرنت الشيء لانصرف . " فبغى عليهم " بغيه أنه زاد في طول ثوبه شبراً قاله شهر بن حوشب وفي الحديث : " لا ينظر الله إلى من جز إزاره بطراً " وقيل : بغيه كفره بالله عز وجل ، قاله الضحاك . وقيل : بغيه استخفافه بهم بكثرة ماله وولده ، قاله قتادة : وقيل : بغيه نسبته ما أتاه الله من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته ، قال ابن بحر ، وقيل : بغيه قوله إذا كانت النبوة لموسى والمذبح والقربابن في هارون فما لي ! فروى أنه لما جاوز بهم موسى البحر وصارت الرسالة لموسى والحبورة لهارون في نفسه وحسهما . فقال لموسى الأمر لكما وليس لي شيء إلى متى أصبر . قال موسى : هذا صنع الله . قال : والله لا أصدقنك حتى تأتي بآية ، فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كل واحد منهم بعصاه ، فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها ، وكانوا يحرسون عصيهم بالليل ، وفأصبحوا وإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر _ وكانت من شجر اللوز _ فقال قارون : ما هو بأعجب مما تصنع من السحر . " فبغى عليهم " بمن البغي وهو الظلم . وقال يحيى بن سلام و ابن المسيب : كان قارون غنياً عاملاً لفرعون على بني إسرائيبل فتعدى عليهم وظلمهم وكان منهم . وقال سابع : روي عن ابن عباس قال : لما أمر الله تعالى برجم الزاني عند قارون إلى امرأة بغي وأعطاها مالاً ، وحملها على أن ادعت على موسى أنه زنى بها وأنه أحبلها ، فعظم على موسى ذلك وأحلفها بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل ، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت . فتداركها الله فقالت : اشهد أنك بريء ،وأن قرون أعطاني مالاً ، وحملني علىأن قلت ما قلت ، وأنت الصادق وقارون الكاذب فجعل الله أمر قارون إلى موسى وأمر الأرض أن تطيعه . فجاءه وهو يقول للأرض : يا أرض خذيه ، يا أرض خذيه وهي تأخذه شيئاً فشيئاً وهو يستغيث يا موسى ! إلى أن ساخ في الأرض هو وداره وجلساؤه الذين كانوا على مذهبه . وروي أن الله تعالى أوحى إلى مو سى : استغاق بك عبادي فلم ترحمهم ، أما أنهم لو دعوني لوجدوني قريباً مجيباً . ابن جريج : بلغنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة ، فلا يبلغون إلى أسفل الأرض إلى يوم القيامة . وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج حدثني إبراهيم بن راشد قال : حدثني داود بن مهران ، عن الوليد بن مسلم ، عن مروان بن جناح ، عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال : لقى قارون يونس في ظلماات البحر ، فنادى قارون يونس ، فقال : يا يونس تب إ لى الله فإنك تجده عند أول قدم ترجع بها إليه ز فقال يونس : ما منعك من التوبة فقال : إن توبتي جعلت إلى ابن عمي فأبى أن يقبل مني. وفي الخبر : إذا وصل قارون إلى قرار الأرض السابعة نفخ إسرافيل في الصور ت. والله أعلم . قال السدي : وكان اسم البغي سبرتا ، وبذل لها قارون ألفي درهم . قتادة : وكان قطع البحر مع موسى وكان يسمى المنور من حسن صوته في التوراة ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري .
قوله تعالى : " وآتيناه من الكنوز " قال عطاء : أصحاب كثيراً من كنوز يوسف عليه السلام . وقال الوليد بن مروان : إنه كان بعمل الكيمياء . " ما إن مفاتحه " ( إن ) واسمها وخبرها في صلة ( ما ) و( ما) مفعولة ( آتينا) قال النحاس : وسمعت علي بن سلمان يقلول ما أقبح ما يقول الكوفيون في الصلات ، إنه لا يجوز أن تكون صلة الذي وأخواته ( إن ) وما عملت فيه ، وفي القرآن ( ما إن مفاتحه ) . وهو جمع مفتح بالكسر وهو مايفتح به ومن قال مفتاح قال مفاتيح . ومن قال هي الخزان فواحدها مفتح بالفتح . " لتنوء بالعصبة " أحسن ما قيل فيه أنالمعنى لتنيء العصبة أي تميلهم بثقلها ، فلما انفتحت التاء دخلت بالباء . كما قالوا هو يذهب بالبؤس ويذهب البؤس . فصال ( لتنوء بالعصبه ) فجعل العصبة تنوء أي تنهض متثاقلة ، كقولة ، كقولك قم بنا أي اجعلنا نقوم . ويقال : ناء ينوء نوءاً إذا نهض بثقل قال الشاعر :
تنوء بأخراها فلايا قيامها وتمشي الهوينى عن قريب فتبهر
وقال آخر :
أخذت فلم أملك ونوت فلم أهم كأني من طول الزمان مقيد وأناءني إذا أثقاني ، عن أبي زيد . وقال عبيدة : قوله (لتنوء بالعصبة ) مقلوب ، والمعنى لتنوء بها العصببة أي تنهض بها . أبو زيد : نؤت بالحمل إذا نهضت . قال الشاعر :
إنا وجدنا حلفا بئس الخلف عبداً إذا ما ناء بالحمل وقف
والأول معنى قوله ابن عباس و أبي صالح و السدي . وهو قول الفراء واختاره النحاس . كما يقال : ذهبت به وأذهبته وجئت به وأجأته ونؤت به وأناته ، فأما قولهم : له عندي ما ساءه وناءه فهو إتباع كان يجب أن يقال وأناءه . ومثله هنأني الطعام ومرأني ، وأخذه ما قدم وما حدث . و قيل : هو مأخوذ من النأي وهو العبد . ومنه قول الشاعر :
ينأون عنا وما تنأى مودتهم فالقلب فيهم رهين حيثما كانوا
وقرأ بديل بن ميسرة : ( لينوء ) بالياء ، أي لينوء الواحد منها أو المذكور فحمل على المعنى . وقال أبو عبيدة : قلت لرؤبة بن العجاج في قوله :
فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق
إن كنت أردت الخطوط فقل كأنها ، وإن كنت أردت السواد ولبلق فقل كأنهما . وفقال : أردت كل ذلك . واختلف في العصبة وهي الجماعة التي يتعصب بعضهم لبعض على أحد عشر قولاً : الأول : ثلاثة رجال ، قاله ابن عباس . وعنه أيضاً من الثلاثة إلى العشرة . وقال مجاهد : العصبة هنا ما بين العشرين إلى خمسة عشر . وعنه أيضاً : ما بين العشرة إلى الخمسة عشر . وعنه أيضاً : من عشرة إلى خمسة . ذكر الأول الثعلبي ، والثاني القشيري و المواردي ، والثالث المهدوي . وقال أبو صالح و الحكم بن عتيبة و قتادة و الضحاك : أربعون رجلاً . السدي ما بين العشرة إلى الأربعين . وقاله قتادة أيضاً . وقال عكرمة : منهم من يقول أربعون ، ومنهم من يقول سبعون . وهو قول أبي صالح إن العصبة سبعون رجلاً ، ذكره الماوردي . والأول ذكره عنه الثعلبي . وقيل : ستون رجلاً . وقال سعيد بن جيبر : ست أو سبع . وقال عبد الرحمن بن زيد : ما بين الثلاثة والتسعة وهو النفر . وقال الكلبي : عششرة لقول إخوة يوسف " ونحن عصبة " [ يوسف : 8] وقاله مقاتل . وقال خيثمة : وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلا غراء محجلة ، وأنها لتنوء بها من ثقلها ، ما يزيد مفتح منها على إصبع ، لكل مفتح منها كنز مال ، لو قسم ذلك الكنز على أهل البصرة لكفارهم . قال مجاهد : كانت المفاتيح من جلود الإبل . وقيل : من جلود البقر لتخف عليه ، وكانت تحمل معه إذ ركب على سبعين بغلاً فيما ذكر القشيري . وقيل : على أربعين بغلاً . وهو قول الضحاك . وعنه أيضاً : إن مفاتحه أوعيته . وكذا قال أبو صالح : إن المراد بالمفاتح الخزائن ، فالله أعلم . " إذ قال له قومه " أي المؤمنون من بني إسرائيل ، قاله السدي . وقال يحيى بن سلام : القوم هنا موسى وقال الفراء : وهو جمع أريد به واحد كقوله : " الذين قال لهم الناس" [ آل عمران : 173] وإنما هو نعيم بن مسعود على ما تقدم . " لا تفرح " أي لا تأشر ولا تبطر . " إن الله لا يحب الفرحين " أي البطرين ، قاله مجاهد و السدي . قال الشاعر :
ولست بمفارح إذا الدهر سرني ولا ضارع في صرفه المتقلب
وقال الزجاج : المعنى لا تفرح بالمال فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه . وقال مبشر بن عبد الله : لا تفرح لا تفسد . قال الشاعر :
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة وتحل أخرى أفرحتك الودائع أي أفسدتك . وقال أبو عمرو : أفرحه الدين أثقله . وأيشده : إذا أنت ... البيت . وأفرحه سره فهو مشترك . وقال الزجاج : والفرحين والفارحين سواء .وفرق بينهما الفراء فقال : معنى الفرحين الذين هم في حال فرح والفارحين الذين يفرحون في المستقبل . وزعم أن مثله طمع وطامع ومييت ومائت . ويدل على خلاف ما قال قول الله عز وجل : " إنك ميت وإنهم ميتون " [ الزمر : 30] ولم يقل مائت . وقال مجاهد أيضاً : معنى ( لا تفرح ) لا تبغ ( إن الله لا يحب الفرحين ) أي الباغين . وقال ابن بحر : لا تبخل إن الله لا يحب التجبر والغي .
قال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال "إن قارون كان من قوم موسى" قال: كان ابن عمه, وهكذا قال إبراهيم النخعي وعبد الله بن الحارث بن نوفل وسماك بن حرب وقتادة ومالك بن دينار وابن جريج وغيرهم أنه كان ابن عم موسى عليه السلام. قال ابن جريج : هو قارون بن يصهر بن قاهث وموسى بن عمران بن قاهث. وزعم محمد بن إسحاق بن يسار أن قارون كان عم موسى بن عمران عليه السلام, قال ابن جريج : وأكثر أهل العلم على أنه كان ابن عمه, والله أعلم. وقال قتادة بن دعامة : كنا نحدث أنه كان ابن عم موسى, وكان يسمى المنور لحسن صوته بالتوراة, ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري, فأهلكه البغي لكثرة ماله. وقال شهر بن حوشب : زاد في ثيابه شبراً طولاً ترفعاً على قومه.
وقوله: "وآتيناه من الكنوز" أي الأموال "ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة" أي ليثقل حملها الفئام من الناس لكثرتها. قال الأعمش عن خيثمة : كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود, كل مفتاح مثل الإصبع, كل مفتاح على خزانة على حدته, فإذا ركب حملت على ستين بغلاً أغر محجلاً, وقيل غير ذلك, والله أعلم. وقوله: "إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين" أي وعظه فيما هو فيه صالحو قومه, فقالوا على سبيل النصح والإرشاد: لا تفرح بما أنت فيه, يعنون لا تبطر بما أنت فيه من المال, "إن الله لا يحب الفرحين" قال ابن عباس : يعني المرحين. وقال مجاهد : يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.
وقوله: " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا " أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات, التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والاخرة "ولا تنس نصيبك من الدنيا" أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح, فإن لربك عليك حقاً, ولنفسك عليك حقاً, ولأهلك عليك حقاً, ولزورك عليك حقاً, فآت كل ذي حق حقه "وأحسن كما أحسن الله إليك" أي أحسن إلى خلقه, كما أحسن هو إليك "ولا تبغ الفساد في الأرض" أي لا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض, وتسيء إلى خلق الله "إن الله لا يحب المفسدين".
ثم عقب سبحانه حديث أهل الضلال بقصة قارون لما اشتملت عليه من بديع القدرة وعجيب الصنع فقال: 76- "إن قارون كان من قوم موسى" قارون على وزن فاعول اسم أعجمي ممتنع للعجمة والعلمية، وليس بعربي مشتق من قرنت. قال الزجاج: لو كان قارون من قرنت الشيء لانصرف. قال النخعي وقتادة وغيرهما: كان ابن عمران بن قاهث. وقال ابن إسحاق: كان عم موسى لأب وأم فجعله أخاً لعمران، وهما ابنا السامري وخرج عن طاعة موسى، وهو معنى قوله: "فبغى عليهم" أي جاوز الحد في التجبر والتكبر عليهم وخرج عليهم وخرج عن طاعة موسى وكفر بالله. قال الضحاك: بغيه على بني إسرائيل استخفافه بهم لكثرة ماله وولده. وقال قتادة: بغيه بنسبته ما آتاه الله من المال إلى نفسه لعلمه وحيلته. وقيل كان عاملاً لفرعون على بني إسرائيل فتعدى عليهم وظلمهم، وقيل كان بغيه بغير ذلك مما لا يناسب معنى الآية "وآتيناه من الكنوز" جمع كنز وهو المال المدخر. قال عطاء: أصاب كنزاً من كنوز يوسف، وقيل كان يعمل الكيمياء، و ما في قوله "ما إن مفاتحه" موصولة صلتها إن وما في حيزها، ولهذا كسرت. ونقل الأخفش الصغير عن الكوفيين منع جعل المكسورة وما في حيزها صلة الذين، واستقبح ذلك منهم لوروده في الكتاب العزيز في هذا الموضع، والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به، وقيل المراد بالمفاتح: الخزائن، فيكون واحدها مفتح بفتح الميم. قال الواحدي: إن المفاتح الخزائن في قول أكثر المفسرين كقوله: "وعنده مفاتح الغيب" قال: وهو اختيار الزجاج فإنه قال: الأشبه في التفسير أن مفاتحه خزائن ماله. وقال آخرون: هي جمع مفتاح، وهو ما يفتح به الباب، وهذا قول قتادة ومجاهد " لتنوء بالعصبة أولي القوة " هذه الجملة خبر إن وهي واسمها وخبرها صلة ما الموصولة، يقال ناء بحمله: إذا نهض به مثقلاً، ويقال ناء بي الحمل: إذا أثقلني، والمعنى: يثقلهم حمل المفاتح. قال أبو عبيدة: هذا من المقلوب، والمعنى: لنتوء بها العصبة: أي تنهض بها. قال أبو زيد: نؤت بالحمل: إذا نهضت به. قال الشاعر:
إنا وجدنا خلفاً بئس الخلف عبداً إذا ما ناء بالحمل وقف
وقال الفراء: معنى نتوء بالعصبة: تميلهم بثقلها كما يقال: يذهب بالبؤس ويذهب البؤس وذهبت به وأذهبته وجئت به وأجأته ونؤت به وأنأته، واختار هذا النحاس، وبه قال كثير من السلف. وقيل هو مأخوذ من النأي، وهو البعد وهو بعيد. وقرأ بديل بن ميسرة لينوء بالياء: أي لينوء الواحد منها أو المذكور، فحمل على المعنى والمراد بالعصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض. قيل هي من الثلاثة إلى العشرة، وقيل من العشرة إلى الخمسة عشرة، وقيل ما بين العشرة إلى العشرين، وقيل من الخمسة إلى العشرة، وقيل أربعون، وقيل سبعون، وقيل غير ذلك "إذ قال له قومه لا تفرح" الظرف منصوب بتنوء، وقيل بآتيناه، وقيل ببغي. وردهما أبو حبان بأن الإيتاء والبغي لم يكونا ذلك الوقت. وقال ابن جرير: هو متعلق بمحذوف وهو اذكر، والمراد بقومه هنا: هم المؤمنون من بني إسرائيل. وقال الفراء: هو موسى وهو جمع أريد به الواحد، ومعنى لا تفرح: لا تبطر ولا تأشر "إن الله لا يحب الفرحين" البطرين الأشرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم. قال الزجاج: المعنى لا تفرح بالمال، فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه، وقيل المعنى: لا تفسد كقول الشاعر:
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
أي أفسدتك. قال الزجاج: الفرحين والفارحين سواء. وقال الفراء: معنى الفرحين الذين هم في حال الفرح، والفارحين الذين يفرحون في المستقبل. وقال مجاهد: معنى لا تفرح لا تبغ إن الله لا يحب الفرحين الباغين. وقيل معناه: لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين.
قوله عز وجل: 76- "إن قارون كان من قوم موسى"، كان ابن عمه، لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب عليه السلام، وموسى بن عمران بن قاهث، وقال ابن إسحاق: كان قارون عم موسى، كان أخا عمران، وهما ابنا يصهر، ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة من قارون، ولكنه نافق كما نافق السامري، "فبغى عليهم"، قيل: كان عاملاً لفرعون على بني إسرائيل، فكان يبغي عليهم ويظلمهم، وقال قتادة: بغى عليهم بكثرة المال.
وقال الضحاك: بغى عليهم بالشرك.
وقال شهر بن حوشب: زاد طول ثيابه شبراً، وروينا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء".
وقيل: بغى عليهم بالكبر والعلو.
"وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه"، هي جمع مفتح وهو الذي يفتح به الباب، هذا قول قتادة ومجاهد وجماعة، وقيل: مفاتحه، خزائنه، كما قال: "وعنده مفاتح الغيب" (الأنعام-59)، أي: خزائنه، "لتنوء بالعصبة أولي القوة"، أي: لتثقلهم، وتميل بهم إذا حملوها لثقلها، قال أبو عبيدة: هذا من المقلوب، تقديره: ما إن العصبة لتنوء بها، يقال: ناء فلان بكذا إذا نهض به مثقلاً.
واختلفوا في عدد العصبة، قال مجاهد: ما بين العشرة إلى خمسة عشر، وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما بين الثلاثة إلى العشرة. وقال قتادة: ما بين العشرة إلى الأربعين. وقيل: أربعون رجلاً. وقيل: سبعون.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان يحمل مفاتحه أربعون رجلاً أقوى ما يكون من الرجال.
وقال جرير عن منصور عن خيثمة، قال: وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلاً ما يزيد منها مفتاح على أصبع لكل مفتاح كنز.
ويقال: كان قارون أينما ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه، وكانت من حديد، فلما ثقلت عليه جعلها من خشب، فثقلت فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع، وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلاً.
"إذ قال له قومه"، قال لقارون قومه من بني إسرائيل: "لا تفرح"، لا تبطر ولا تأشر ولا تمرح، "إن الله لا يحب الفرحين"، الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.
76 -" إن قارون كان من قوم موسى " كان ابن عمه يصهر بن قاهث بن لاوي وكان ممن آمن به . " فبغى عليهم " فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره ، أو تكبر عليهم أو ظلمهم . قيل وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل ، أو حسدهم لما روي أنه قال لموسى عليه السلام : لك الرسالة ولهارون الحبورة وأنا في غير شيء إلى متى أصبر قال موسى هذا صنع الله . " وآتيناه من الكنوز " من الأموال المدخرة . " ما إن مفاتحه " مفاتيح صناديقه جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به ، وقيل خزائنه وقياس واحدها المفتح . " لتنوء بالعصبة أولي القوة " خبر إن والجملة صلة وهو ثاني مفعولي آتى ، ونائبه الحمل إذا أثقله حتى أماله ، والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة واعصوصبوا اجتمعوا . وقرئ (( لينوء )) بالياء على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه . " إذ قال له قومه " منصوب بـ (( تنوء )) . " لا تفرح " لا تبطر والفرح بالدنيا مذموم مطلقاً لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها ، فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح كما قيل :
‌ أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا
ولذلك قال تعالى : " ولا تفرحوا بما آتاكم " ، وعلل النهي ها هنا بكونه مانعاً من محبة الله تعالى فقال : " إن الله لا يحب الفرحين " أي بزخارف الدنيا .
76. Now Korah was of Moses folk, but he oppressed them and We gave him so much treasure that the stores thereof would verily have been a burden for a troop of mighty men. When his own folk said unto him: Exult not; lo! Allah loveth not the exultant;
76 - Qarun was doubtless, of the people of Moses; but he acted insolently towards them: such were the treasures We had bestowed on him, that their very keys would have been a burden to a body of strong men. Behold, his people said to him: Exult not, for God loveth not those who exult (in riches).