[القصص : 7] وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
7 - (وأوحينا) وحي إلهام أو منام (إلى أم موسى) وهو المولود المذكور ولم يشعر بولادته غير أخته (أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) البحر أي النيل (ولا تخافي) غرقه (ولا تحزني) لفراقه (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) فأرضعته ثلاثة أشهر لا يبكي وخافت عليه فوضعته في تابوت مطلي بالقار من داخل ممهد له فيه وأغلقته وألقته في بحر النيل ليلا
يقول تعالى ذكره " وأوحينا إلى أم موسى " حين ولدت موسى " أن أرضعيه ".
وكان قتادة يقول، في معنى ذلك " وأوحينا إلى أم موسى " قذفنا في قلبها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وأوحينا إلى أم موسى " وحياً جاءها من الله، فقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة أن أرضعي موسى " فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني " ... الآية.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قوله " وأوحينا إلى أم موسى " قال: قذف في نفسها.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ، قال: أمر فرعون أن يذبح من ولد من بني إسرائيل سنة، ويتركوا سنة، فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى، فلما أرادت وضعه، حزنت من شأنه، فأوحى الله إليها " أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ".
واختلف أهل التأويل في الحال التي أمرت أم موسى أن تلقي موسى في اليم، فقال بعضهم: أمرت أن تلقيه في اليم بعد ميلاده بأربعة أشهر، وذلك حال طلبه من الرضاع أكثر مما يطلب الصبي بعد حال سقوطه من بطن أمه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله " أن أرضعيه فإذا خفت عليه " قال: إذا بلغ أربعة أشهر وصاح وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك " فألقيه " حينئذ " في اليم " فذلك قوله " فإذا خفت عليه ".
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: لم يقل لها: إذا ولدتيه فألقيه في اليم، إنما قال لها " أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم " بذلك أمرت، قال: جعلته في بستان، فكانت تأتيه كل يوم فترضعه، وتأتيه كل ليلة فترضعه، فيكفيه ذلك.
وقال آخرون: بل أمرت أن تلقيه في اليم بعد ولادها إياه، وبعد رضاعها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ، قال: لما وضعته أرضعته ثم دعت له نجاراً، فجعل له تابوتاً، وجعل مفتاح التابوت من داخل، وجعلته فيه، فألقته في اليم.
وأولى قول قيل في ذلك بالصواب، أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر أم موسى أن ترضعه، فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليم. وجائز أن تكون خافتهم عليه بعد أشهر من ولادها إياه، وأي ذلك كان، فقد فعلت ما أوحى الله إليها فيه، ولا خبر قامت به حجة، ولا فطرة في العقل لبيان أي ذلك كان من أي، فأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال جل ثناؤه. واليم الذي أمرت أن تلقيه فيه هو النيل.
كما حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي " فألقيه في اليم " قال: هو البحر، وهو النيل. وقد بينا ذلك بشواهده، وذكر الرواية فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وقوله " ولا تخافي ولا تحزني " يقول: لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه، ولا تحزني لفراقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد " ولا تخافي ولا تحزني " قال: لا تخافي عليه البحر، ولا تحزني لفراقه " إنا رادوه إليك ".
وقوله " إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " يقول: إنا رادو ولدك إليك للرضاع لتكوني أنت ترضعيه، وباعثوه رسولاً إلا من تخافينه على أن يقتله، وفعل الله ذلك بها وبه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق " إنا رادوه إليك " وباعثوه رسولاً إلى هذا الطاغية، وجاعلو هلاكه ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه.
قوله تعالى : " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه " قد تقدم معنى الوحي ومحالمه واختلف في هذا النحي إلى أم موسى ، فقالت فرقةة :كان قولاً فيمنامها . وقال قتادة : كان إلهاماً . وقالت فرقة : كان بملك يمثل لها . قال مقاتل : أتاها جبريل بذلك ، فعلى هذا هو وحي إعلام لا إلهام .وأجمع الكل على أنهها لم تكن نبية ، وإنما إرسال الملك إليها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى في الحديث المشهور ، خرجه البخاري و مسلم ، وقد ذكرناه في سورة ( براءة ) . غير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة ، وقد سلمت على عمران بن حصين فلم يكن بذلك نبياً . واسمها أيارخا وقيل أيا خت فيما ذكر السهيلي . وقال الثعلبي : وأم موسى لوحا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب . " أن أرضعيه " وقرأ عمر بن عبد العزيز : أن ارضعيه بكسر النون وألف وصل ، وحذف همزة أرضع تخفيفاً ثم كسر النون لالتقاء الساكنين . قال مجاهد : كان الوحي بالرضاع قبل الولادة . وقال غيره بعدها . قال السدي : لما ولدت أم موسى موسى أمرت أن ترضعه عقيب الولادة وتصنع به بما في الآية ، لأن الخوف كان عقيب الولا دة. وقال ابن جريج : أمرت بإرضاعه أربعة أشهر في بستان ، فإذا خافت أن يصيح _ لأن لبنها لا يكفيه _ صنعت به هذا . والأول أظهر إلا أن الآخر يعضده قوله : " فإذا خفت عليه " (( إذا )) لما يستقبل من الزمان ، فيروى أنها اتخذت له تابوتاً من بؤدى وقيرته بالقار من داخله ، ووضعت فيه موسى وألقته في نيل مصر . وقد مضى خبره في (( طه )) . قال ابن عباس : إن بني إسرائيل لماكثروا بمصر . استطالوا على الناس ، وعلموا بالمعاصي ، فسلط الله عليهم القبط ، وساموهم سوء العذاب ، إلى أن ينجاهم الله على يد موسى . قال وهب : بلغني أن فرعون ذبح في طلب موسى سبعين ألف وليد ، ويقال : تسعون ألفاً ويروى أنها حين اقتربت وضربها الطلق ، وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصافية لها ، فقالت : لينفعني حبك اليوم ، فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عبينيه ، وارتعش كل مفصل منها ، ودخل حبه قلبها ، ثم قالت : ما جئتك إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون ، ولكني وجدت لابنك حباً ما وجدت مثله قط ، فاحفظيه ، فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور ناراً لم تعلم ما تصنع لما طاش عقلها ، فطلبوا فلم يلفوا شيئاً ، فخرجوا وهي لا تدي مكانه ، فسمعت بكاءه من التنور ، وقد جعل الله عليه النار برداً وسلاماً .
قوله تعالى : " ولا تخافي " فيه وجهان : أحدهما : لا تخافي عليه الغرق ، قاله ابن زيد . الثاني : لا تخافي عليه الضيعة ، قاله يحيى بن سلام . " ولا تحزني " فيه أيضاً وجهان : أحدهما : لا تحزني لفراقه ، قاله ابن زيد . الثاني : لا تحزني أن يقتل ، قاله يحيى بن سلام . فقيل : إنها جعلته في تابوت طلوه خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار ، وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في اليم بعد أن أرضعته أربعة أشهر . وقال آخرون : ثلاثة أشهر . وقال آخرون ثمانية أشهر ، وفي حكاية الكلبي . وحكي أنه لما فرغ النجار فمن حنعة التابوت نم إلى فرعون بخبره ، فعث معه من يأخذه ، فطمس الله عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق ، فايقن أنه المولود الذي يخاف منه فرعون ، فآمن من ذلك الوقت ، وهو مؤمن آل عرعون ، ذكره الماوردي . وقال ابن عباس : فلما توارى عنها ندمها الشيطان وقالت في نفسها : لوذبح عندي فكفنته وواريته لكان أحب إلي من إلقائه في البحر ، فقال الله تعالى : " إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " أي إلى أهل مصر . حكى الأصمعي قال : سمعت جارية أعرابية تنشد وتقول :
استغفر الله لذنبي كله قبلت إنساناً بغيير حله
مثل الغزال ناعماً في دله فانتصف الليل ولم أصله فقلت : قالتلك الله ما أفصحك ! فقالت : أو يعد هذا فصاحة مع قوله تعالى : " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه " الآية ، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين .
ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل, خافت القبط أن يفني بني إسرائيل, فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة, فقالوا لفرعون: إنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم وغلمانهم يقتلون. ونساؤهم لا يمكن أن تقمن بما تقوم به رجالهم من الأعمال, فيخلص إلينا ذلك, فأمر بقتل الولدان عاماً وتركهم عاماً, فولد هارون عليه السلام في السنة التي يتركون فيها الولدان, وولد موسى في السنة التي يقتلون فيها الولدان, وكان لفرعون ناس موكلون بذلك, وقوابل يدرن على النساء, فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها, فإذا كان وقت ولادتها لايقبلها إلا نساء القبط, فإن ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن, وإن ولدت غلاماً دخل أولئك الذباحون بأيديهم الشفار المرهفة فقتلوه ومضوا, قبحهم الله تعالى.
فلما حملت أم موسى به عليه السلام لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها, ولم تفطن لها الدايات ولكن لما وضعته ذكراً ضاقت به ذرعاً, وخافت عليه خوفاً شديداً, وأحبته حباً زائداً, وكان موسى عليه السلام لا يراه أحد إلا أحبه, فالسعيد من أحبه طبعاً وشرعاً, قال الله تعالى: "وألقيت عليك محبة مني" فلما ضاقت به ذرعاً, ألهمت في سرها, وألقي في خلدها, ونفث في روعها, كما قال تعالى: "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين" وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل, فاتخذت تابوتاً ومهدت فيه مهداً, وجعلت ترضع ولدها, فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه ذهبت فوضعته في ذلك التابوت, وسيرته في البحر وربطته بحبل عندها, فلما كانت ذات يوم دخل عليها من تخافه, فذهبت فوضعته في ذلك التابوت وأرسلته في البحر, وذهلت عن أن تربطه, فذهب مع الماء واحتمله حتى مر به على دار فرعون, فالتقطه الجواري فاحتملنه فذهبن به إلى امرأة فرعون, ولا يدرين ما فيه, وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها, فلما كشف عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه, فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه, وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها, ولهذا قال: "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً" الاية, قال محمد بن إسحاق وغيره: اللام هنا لام العاقبة, لا لام التعليل, لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك, ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه, ولكن إذا نظر إلى معنى السياق, فإنه تبقى اللام للتعليل, لأن معناه أن الله تعالى قيضهم لالتقاطه ليجعله عدواً لهم وحزناً فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه, ولهذا قال تعالى: "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين" وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كتب كتاباً إلى قوم من القدرية في تكذيبهم بكتاب الله وبأقداره النافذة في علمه السابق وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن, قال الله تعالى: "ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون" وقلتم أنتم لو شاء فرعون أن يكون لموسى ولياً وناصراً, والله تعالى يقول: "ليكون لهم عدواً وحزناً" الاية.
وقوله تعالى: "وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك" الاية, يعني أن فرعون لما رآه هم بقتله خوفاً من أن يكون من بني إسرائيل, فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عنه وتذب دونه وتحببه إلى فرعون, فقالت: "قرة عين لي ولك" فقال فرعون: أما لك فنعم, وأما لي فلا, فكان كذلك, وهداها الله بسببه وأهلكه الله على يديه, وقد تقدم في حديث الفتون في سورة طه هذه القصة بطولها من رواية ابن عباس مرفوعاً عند النسائي وغيره. وقوله: "عسى أن ينفعنا" وقد حصل لها ذلك, وهداها الله به وأسكنها الجنة بسببه. وقوله: "أو نتخذه ولداً" أي أرادت أن تتخذه ولداً وتتبناه, وذلك أنه لم يكن لها ولد منه. وقوله تعالى: "وهم لا يشعرون" أي لا يدرون ما أراد الله منه بالتقاطهم إياه من الحكمة العظيمة البالغة والحجة القاطعة.
7- "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه" أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس ذلك هو الوحي الذي يوحى إلى الرسل، وقيل: كان ذلك رؤيا في منامها، وقيل: كان ذلك بملك أرسله الله يعلمها بذلك.
وقد أجمع العلماء على أنها لم تكن نبية، وإنما كان إرسال الملك إليها عند من قال به على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى كما في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما، وقد سلمت على عمران بن حصين الملائكة كما في الحديث الثابت في الصحيح فلم يكن بذلك نبياً، وأن في أن أرضعيههي المفسرة، لأن في الوحي معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية: أي بأن أرضعيه، وقرأ عمر بن عبد العزيز بكسر نون أن، ووصل همزة أرضعيه فالكسر لالتقاء الساكنين، وحذف همزة الوصل على غير القياس "فإذا خفت عليه" من فرعون بأن يبلغ خبره إليه "فألقيه في اليم" وهو بحر النيل، وقد تقدم بيان الكيفية التي ألقته في اليم عليها في سورة طه "ولا تخافي ولا تحزني" أي لا تخافي عليه الغرق أو الضيعة، ولا تحزني لفراقه "إنا رادوه إليك" عن قريب على وجه تكون به نجاته "وجاعلوه من المرسلين" الذين نرسلهم إلى العباد،
7- "وأوحينا إلى أم موسى". وهو وحي إلهام لا وحي نبوة، قال قتادة: قذفنا في قلبها، وأم موسى يوخابذينت لاوى بن يعقوب، "أن أرضعيه"، واختلفوا في مدة الرضاع، قيل ثمانية أشهر، وقيل: أربعة أشهر. وقيل: ثلاثة أشهر كانت ترضعه في حجرها، وهو يبكي ولا يتحرك، "فإذا خفت عليه"، يعني: من الذبح، "فألقيه في اليم"، واليم: البحر، وأراد هاهنا النيل، "ولا تخافي"، قيل: لا تخافي عليه من الغرق، وقيل: من الضبعة، "ولا تحزني"، على فراقه، "إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين"، روى عطاء عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال.إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر، استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم الله على يدي نبيه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن أم موسى لما تقاربت ولادتها، وكانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى،فلما ضرب بها الطلق أرسلت إليها فقالت: قد نزل بي ما نزل، فلينفعني حبك إياي اليوم، قالت: فعالجت قبالتها، فلما أن وقع موسى بالأرض هالها نور بين عيني موسى، فارتعش كل مفصل منها، ودخل حب موسى قلبها. ثم قالت لها: يا هذا ما جئت إليك حين دعوتني إلا ومن رأبي قتل مولودك، ولكن وجدت لابنك هذا حباً ما وجدت حب شيء مثل حبه، فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا، فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون، فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا على أم موسى، فقالت أخته يا اماه هذا الحرس بالباب، فلفت موسى في خرقة، فوضعته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها، فلم تعقل ما تصنع. قال: فدخلوا فإذا التنور مسجور، ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن، فقالوا لها: ما أدخل عليك القابلة؟ قالت: هي مصافية لي فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها، فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى: فأين الصبي؟ قالت لا أدري، فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله سبحانه وتعالى النار عليه برداً وسلاماً فاحتملته.
قال: ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها، فقذف الله في نفسها أن تتخذ له تابوتاً ثم تقذف التابوت في اليم وهو النيل، قانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتاً صغيراً، فقال لها النجار: ما تصتعين بهذا التابوت، قالت: ابن لي أخبئه في التابوت، وكرهت الكذب، قال ولم تقل: أخشى عليه كيد فرعون، فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى، فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه فلم يطق الكلام، وجعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوه فضربوه وأخرجوه، فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم، فانطلق أيضاً يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئاً، فضربوه وأخرجوه، فوقع في واد يهوي فيه حيران، فجعل لله عليه إن رد لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه يحفظه حيث/ ما كان، فعرف الله منه الصدق فرد عليه لسانه وبصره فخر لله ساجداً، فقال: يا رب دلني على هذا العبد الصالح، فدله الله عليه، فخرج من الوادي فآمن به وصدقه، وعلم أن ذلك من الله عز وجل.وقال وهب بن منبه: لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس، فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله، وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل، فلما كانت السنة التي يولد فيها بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن ففتشن النساء تفتيشاً لم يفتشن قبل ذلك مثله، وحملت أم موسى بموسى فلم ينتأ بطنها، ولم يتغير لونها، ولم يظهر لبنها، وكانت القوابل لا تتعرض لها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة، ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم، فأوحى الله إليها :أن أرضعيه ، فإذا خفت عليه الآية، فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها، لا يبكي ولا يتحرك، فلما خافت عليه عملت تابوتاً له مطبقاً ثم ألقته في البحر ليلاً.
قال ابن عباس وغيره: وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن لهولد غيرها، وكانت من أكرم الناس عليه، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون، وكان بها برص شديد، وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة فنظروا في أمرها، فقالوا له: أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر، يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس، فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم، وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطىء النيل مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج، فقال فرعون: إن هذا لشيء في البحر قد تعلق بالشجرة ايتوني به، فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نوراً لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في مهده، وإذا نور بن عينيه، وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمصه لبناً، فألقى الله لموسى المحبة في قلب آسية، وأحبه فرعون وعطف عليه، وأقبلت بنت فرعون، فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت، فقبلته وضمته إلى صدرها، فقال الغواة من قوم فرعون: أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه بني إسرائيل هو هذا، رمي به في البحر فرقاً منك فاقتله، فهم فرعون بقتله، قالت آسية:قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، وكانت لا تلد، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها، وقال فرعون أما أنا فلا حاجة لي فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو قال فرعون يومئذ هو قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها"، فقبل لآسية سميه فقالت: سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر فمو هو الماء، وسى هو الشجر،.
7 -" وأوحينا إلى أم موسى " بإلهام أو رؤيا . " أن أرضعيه " ما أمكنك إخفاؤه . " فإذا خفت عليه " بأن يحس به . " فألقيه في اليم " في البحر يريد النيل . " ولا تخافي " عليه ضيعه ولا شدة . " ولا تحزني " لفراقه . " إنا رادوه إليك " عن قريب بحيث تأمنين عليه . " وجاعلوه من المرسلين " روي أنها لما ضر بها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها ، فلما وقع موسى على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعشت مفاصلها ودخل حبه في قلبها بحيث منها من السعاية ، فأرضعته ثلاثة أشهر ثم ألح فرعون في طلب المواليد واجتهد العيون في تفحصها فأخذت له تابوتاً فقذفته في النيل .
7. And We inspired the mother of Moses, saying: Suckle him and, when thou fearest for him, then cast him into the river and fear not nor grieve. Lo! We shall bring him back unto thee and shall make him (one) of Our messengers.
7 - So We sent this inspiration to the mother of Moses: Suckle (thy child), but when thou hast fears about him, cast him into the river, but fear not nor grieve: for We shall restore him to thee, and We shall make him one of Our apostles.