[النمل : 9] يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
9 - (يا موسى إنه) الشأن (أنا الله العزيز الحكيم)
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله لموسى " إنه أنا الله العزيز " في نقمته من أعدائه " الحكيم " في تدبيره في خلقه ، والهاء التي في قوله "إنه " هاء عماد ، وهو اسم لا يظهر في قول بعض أهل العربية . وقال بعض نحويي الكوفة : يقول هي الهاء المجهولة ، ومعناها : أن الأمر والشأن : أنا الله . وقوله " وألق عصاك فلما رآها تهتز " في الكلام محذوف ترك ذكره ، استغناء بما ذكر عما حذف ، وهو فألقاها فصارت حية تهتز " فلما رآها تهتز كأنها جان " يقول : كأنها حية عظيمة ، والجان : جنس من الحيات معروف .
وقال ابن جريج في ذلك ما :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج " وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان " قال : حين تحولت حية تسعى ، وهذا الجنس من الحيات عنى الراجز بقوله :
يرفعن بالليل إذا ما أسدفا أعناق جنان وهاما رجفا
وعنقا بعد الرسيم خيطفا
وقوله " ولى مدبرا " يقول تعالى ذكره : ولى موسى هاربا خوفا منها " ولم يعقب " يقول : ولم يرجع من قولهم : عقب فلان : إذا رجع على عقبه إلى حيث بدأ .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال :ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " ولم يعقب " قال : لم يرجع .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال :ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان عن معمر ، عن قتادة ، قال : لم يلتفت .
حدثني يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولم يعقب " قال : لم يرجع " يا موسى " قال : لما ألقى العصا صارت حية ، فرعب منها وجزع ، فقال الله " إني لا يخاف لدي المرسلون " قال : فلم يرعو لذلك ، قال : فقال له " أقبل ولا تخف إنك من الآمنين " القصص : 31 قال : فلم يقف أيضا على شيء من هذا حتى قال " سنعيدها سيرتها الأولى " طه : 21 قال : فالتفت فإذا هي عصا كما كانت ، فرجع فأخذها ، ثم قوي بعد ذلك حتى صار يرسلها على فرعون ويأخذها .
وقوله " يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم " يقول تعالى ذكره : فناداه ربه : يا موسى لا تخف من هذه الحية ، إني لا يخاف لدي المرسلون : يقول : إني لا يخاف عندي رسلي وأنبيائي الذي أختصهم بالنبوة ، إلا من ظلم منهم ، فعمل بغير الذي أذن له في العمل به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قوله " يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون " قال : لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يأخذه منه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عبدالله الفزاري ، عن عبدالله بن المبارك ، عن أبي بكر ، عن الحسن ، قال : قوله " يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم " قال : إني إنما أخفتك لقتلك النفس ، قال : وقال الحسن : كانت الأنبياء تذنب فتعاقب .
واختلف أهل العربية في وجه دخول إلا في هذا الموضع ، وهو استثناء مع وعد الله الغفران المستثنى من قوله " إني لا يخاف لدي المرسلون " بقوله " فإني غفور رحيم " . وحكم الاستثناء أن يكون ما بعده بخلاف معنى ما قبله ، وذلك أن يكون ما بعده إن كان ما قبله منفيا مثبتا كقوله : ما قام إلا زيد ، فزيد مثبت له القيام ، لأنه مستثنى مما قبل إلا ، وما قبل إلا منفي عنه القيام ، وأن يكون مابعده إن كان ما قبله مثبتا منفيا كقولهم : قام القوم إلا زيدا ، فزيد منفي عنه القيام ، ومعناه : إن زيدا لم يقم ، والقوم مثبت لهم القيام ، وإلا من ظلم ، ثم بدل حسنا بعد سوء ، فقد أمنه الله بوعده الغفران والرحمة ، وأدخله في عداد من لا يخاف لديه من المرسلين ، فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت إلا في هذا الموضع ، لأن إلا تدخل في مثل هذا الكلام ، كمثل قول العرب : ما أشتكي إلا خيرا ، فلم يجعل قوله : إلا خيرا على الشكوى ، ولكنه علم أنه إذا قال : ما أشتكي شيئا أنه يذكر عن نفسه خيرا ، كأنه قال : ما أذكر إلا خيرا .
وقال بعض نحويي الكوفة : يقول القائل : كيف من ظلم ، ثم بدل حسنا بعد سوء ، وهو مغفور له ؟ فأقول لك : في هذه الآية وجهان: أحدهما أن يقول : إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة بوم القيامة ، ومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا فهو يخاف ويرجو ، فهذا وجه ، والآخر : أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة ، لأن المعنى : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على من سواهم ، ثم استثنى فقال " إلا من ظلم ثم بدل حسنا " يقول : كان مشركا ، فتاب من الشرك ، وعمل حسنا ، فذلك مغفور له ، وليس يخاف . قال : وقد قال بعض النحويين : إن إلا في اللغة بمنزلة الواو ، وإنما معنى هذه الآية : لا يخاف لدي المرسلون ، ولا من ظلم ثم بدل حسنا ، قال :وجعلوا مثله كقول الله " لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " البقرة : 15 قال : ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا ، لأني لا أجيز قيام الناس إلا عبدالله ، وعبدالله قائم ، إنما معنى الاستثناء أن يخرج الاسم الذين بعد إلا من معنى الأسماء التي قبل إلا ، وقد أراه جائزا أن يقول : لي عليك ألف سوى ألف آخر ، فإن وضعت إلا في هذا الموضع صلحت ، وكانت إلا في تأويل ما قالوا ، فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا ، ولكن مثله مما يكون معنى إلا كمعنى الواو ، وليست بها قوله " خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك " هود :17 هو في المعنى ، والذي شاء ربك من الزيادة ، فلا تجعل إلا بمنزلة الواو ، ولكن بمنزلة سوى ، فإذا كانت سوى في موضع إلا صلحت بمعنى الواو ، لأنك تقول : عندي مال كثير سوى هذا : أي وهذا عندي ، كأنك قلت : عندي مال كثير وهذا أيضا عندي ، وهو في سوى أبعد منه في إلا ، لأنك تقول : عندي سوى هذا ، ولا تقول : عندي إلا هذا .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في قوله " إلا من ظلم ثم بدل " عندي غير ما قاله هؤلاء الذين حكينا قولهم من أهل العربية ، بل هوالقول الذي قاله الحسن البصري و ابن جريج ومن قال قولهما ، وهو أن قوله " إلا من ظلم " استثناء صحيح من قوله " لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم " منهم فأتى ذنبا ، فإنه خائف لديه من عقوبته ، وقد بين الحسن رحمه الله معنى قيل الله لموسى ذلك ، وهو قوله قال : إني إنما أخفتك لقتلك النفس .
قإن قال قائل : فما وجه قيله إن كان قوله " إلا من ظلم " استثناء صحيحا ، وخارجا من عداد من لا يخاف لديه من المرسلين ، وكيف يكون خائفا من كان قد وعد الغفران والرحمة ؟ قيل : إن قوله " ثم بدل حسنا بعد سوء " كلام آخر بعد الأول ، وقد تناهى الخبر عن الرسل من ظلم منهم ومن لم يظلم ، عند قوله " إلا من ظلم " ثم ابتدأ الخبر عمن ظلم من الرسل ، وسائر الناس غيرهم . وقيل : فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني له غفور رحيم .
فإن قال قائل : فعلام تعطف إن كان الأمر كما قلت بثم إن لم يكن عطفا على قوله " ظلم " ؟ قيل : على متروك استغني بدلالة قوله " ثم بدل حسنا بعد سوء " عليه عن إظهاره ، إذ كان قد جرى قبل ذلك من الكلام نظيره ، وهو فمن ظلم من الخلق . وأما الذين ذكرنا قولهم من أهل العربية ، فقد قالوا على مذهب العربية ، غير أنهم أغفلوا معنى الكلمة وحملوها على غير وجهها من التأويل . وإنما ينبغي أن يحمل الكلام على وجهه من التأويل ، ويلتمس له على ذلك الوجه للإعراب في الصحة مخرج لا على إحالة الكلمة عن معناها ووجهها الصحيح في التأويل .
وقوله " ثم بدل حسنا بعد سوء " يقول تعالى ذكره : فمن أتى ظلما من خلق الله ، وركب مأثما ، ثم بدل حسنا ،يقول : ثم تاب من ظلمه ذلك وركوبه المأثم ، " فإني غفور " يقول : فإني ساتر على ذنبه وظلمه ذلك بعفوي عنه ، وترك عقوبته عليه " رحيم " به أن أعاقبه بعد تبديله الحسن بضده .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء " ثم تاب من بعد إسائته " فإني غفور رحيم " .
قوله تعالى : " يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم " الهاء عماد وليست بكناية في قول الكوفيين . والصحيح أنها كناية عن الأمر والشأن . " أنا الله العزيز " الغالب الذي ليس كمثله شيء ( الحكيم ) في أمره وفعله . وقيل : قال موسى يا رب من الذي نادى ؟ فقال له : ( إنه ) أي أني أنا المنادي لك ( أنا الله ) .
قوله تعالى : " وألق عصاك " قال وهب بن منبه : ظن موسى أن الله أمر أن يرفضها فرفضها . وقيل : إنما قال له ذلك ليعلم موسى أن المكلم له هو الله ، وأن موسى رسوله ، وكل نبي لا بد له من آية في نفسه يعلم بها نبوته . وفي الآية حذف : أي وألق عصاك فألقاها من يده فصارت حية تهتز كأنها جان ، وهي الحية الخفيفة الصغرة الجسم . وقال الكلبي : لا صغيرة ولا كبيررة . وقيل : إنها قلبت له أولاً حية صغيرة فلما أنس منها قلبت حية كبيرة . وقيل : انقلبت مرة حية صغيرة ، ومرة حية تسعبى وهي الأنثى ، ومرة ثعباناً وهو الذكر الكبير نم الحيات . وقيل : المعنى انقلبت ثعباناً تهنز كأنها جان لها عظم الثعبان وخفة واهتزازه وهي حية تسعى . وجمع الجان جنان ومنه الحديث : " نهى عن قتل الجنان التي في البيوت " . " ولى مدبرا " خائفاً على عادة البشر " ولم يعقب " أي لم يرجع ، قاله مجاهد . وقال قتادة : لم يلفت . " يا موسى لا تخف " أي من الحية وضررها .
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مذكراً له ما كان من أمر موسى عليه السلام, كيف اصطفاه الله وكلمه وناجاه أعطاه من الايات العظيمة الباهرة والأدلة القاهرة, وابتعثه إلى فرعون وملئه, فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والانقياد له, فقال تعالى: "إذ قال موسى لأهله" أي اذكر حين سار موسى بأهله فأضل الطريق, وذلك في ليل وظلام, فآنس من جانب الطور ناراً, أي رأى ناراً تتأجج وتضطرم, فقال "لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر" أي عن الطريق " أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون " أي تستدفئون به وكان كما قال. فإنه رجع منها بخبر عظيم, واقتبس منها نوراً عظيماً, ولهذا قال تعالى: "فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها" أي فلما أتاها ورأى منظراً هائلاً عظيماً حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء لا تزداد النار إلا توقداً, ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة, ثم رفع رأسه, فإذا نورها متصل بعنان السماء. قال ابن عباس وغيره: لم تكن ناراً, وإنما كانت نوراً يتوهج, وفي رواية عن ابن عباس : نور رب العالمين, فوقف موسى متعجباً مما رأى " نودي أن بورك من في النار ". قال ابن عباس : تقدس "ومن حولها" أي من الملائكة, قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب , حدثنا أبو داود هو الطيالسي , حدثنا شعبة والمسعودي عن عمرو بن مرة , سمع أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل", زاد المسعودي "وحجابه النور أو النار, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ثم قرأ أبو عبيدة "أن بورك من في النار ومن حولها" وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة به. وقوله تعالى: "وسبحان الله رب العالمين" الذي يفعل ما يشاء, ولا يشبهه شيء من مخلوقاته, ولا يحيط به شيء من مصنوعاته, وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات, ولا تكتنفه الأرض والسموات, بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات.
وقوله تعالى: "يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم" أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذي عز كل شيء وقهره وغلبه, الحكيم في أقواله وأفعاله, ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ليظهر له دليلاً واضحاً على أنه الفاعل المختار القادر على كل شيء, فلما ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة في غاية الكبر وسرعة الحركة مع ذلك, ولهذا قال تعالى: "فلما رآها تهتز كأنها جان" والجان ضرب من الحيات أسرعه حركة وأكثره اضطراباً. وفي الحديث نهي عن قتل جنان البيوت, فلما عاين موسى ذلك "ولى مدبراً ولم يعقب" أي لم يلتفت من شدة فرقه "يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون" أي لا تخف مما ترى, فإني أريد أن أصطفيك رسولاً وأجعلك نبياً وجيهاً.
وقوله تعالى: "إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم" هذا استنثاء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر, وذلك أن من كان على عمل سيء ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب, فإن الله يتوب عليه, كما قال تعالى: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" وقال تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, والايات في هذا كثيرة جداً. وقوله تعالى: "وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء" هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار, وصدق من جعل له معجزة, وذلك أن الله تعالى أمره أن يدخل يده في جيب درعه, فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف.
وقوله تعالى: "في تسع آيات" أي هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن وأجعلهن برهاناً لك إلى فرعون وقومه "إنهم كانوا قوماً فاسقين" وهذه هي الايات التسع التي قال الله تعالى: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" كما تقدم تقرير ذلك هنالك. وقوله تعالى: " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة " أي بينة واضحة ظاهرة "قالوا هذا سحر مبين" وأرادوا معارضته بسحرهم, فغلبوا وانقلبوا صاغرين "وجحدوا بها" في ظاهر أمرهم "واستيقنتها أنفسهم" أي علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله, ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها "ظلماً وعلواً" أي ظلماً من أنفسهم سجية ملعونة, وعلواً أي استكباراً من اتباع الحق, ولهذا قال تعالى: "فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة أمرهم في إهلاك الله إياهم, وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة, وفحوى الخطاب يقول: احذروا أيها المكذبون لمحمد, الجاحدون لما جاء به من ربه, أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى, فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم من موسى, وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله, وما سبقه من البشارات من الأنبياء به, وأخذ المواثيق له, عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
9- "يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم" الضمير للشأن، أنا الله العزيز الغالب القاهر الحكيم في أمره وفعله. وقيل إن موسى قال: يا رب من الذي ناداني؟ فأجابه الله سبحانه بقوله: إنه أنا الله، ثم أمره سبحانه بأن يلقي عصاه ليعرف ما أجراه الله سبحانه على يده من المعجزة الخارقة.
ثم تعرف إلى موسى بصفاته، فقال:
9- "يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم"، والهاء في قوله "إنه" عماد، وليس بكناية، وقيل: هي كناية عن الأمر والشأن، أي: الأمر والشأن، أي: المعبود أنا.
9 -" يا موسى إنه أنا الله " الهاء للشأن و " أنا الله " جملة مفسرة له ، أو للمتكلم و " أنا " خبره و " الله " بيان له . " العزيز الحكيم " صفتان لله ممهدتان لما أراد أن يظهره ، يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير .
9. O Moses! Lo! it is I, Allah, the Mighty, the Wise.
9 - O Moses! Verily I am God, the Exalted in Might, the Wise!.