[النمل : 8] فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
8 - (فلما جاءها نودي أن) بأن (بورك) بارك الله (من في النار) موسى (ومن حولها) الملائكة أو العكس وبارك يتعدى بنفسه وبالحرف ويقدر بعد في مكان (وسبحان الله رب العالمين) من جملة ما نودي ومعناه تنزيه الله من السوء
القول في تأويل قوله تعالى : " فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين " .
قوله تعالى : " وسبحان الله رب العالمين " تنزيهاً وتقديساً لله رب العالمين . وقد تقدم في غير موضع ، والمعنى ، : أي ويقول من حولها : " وسبحان الله " فحذف . وقيل : إن موسى عليه السلام قاله حين فرغ من سماع النداء ، استعانة بالله تعالى وتنزيهاً لها ، قاله السدي . وقيل : هو من قول الله تعالى . ومعناه : وبورك فيمن سبح الله تعالى رب العالمين ، حكاه ابن شجرة .
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مذكراً له ما كان من أمر موسى عليه السلام, كيف اصطفاه الله وكلمه وناجاه أعطاه من الايات العظيمة الباهرة والأدلة القاهرة, وابتعثه إلى فرعون وملئه, فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والانقياد له, فقال تعالى: "إذ قال موسى لأهله" أي اذكر حين سار موسى بأهله فأضل الطريق, وذلك في ليل وظلام, فآنس من جانب الطور ناراً, أي رأى ناراً تتأجج وتضطرم, فقال "لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر" أي عن الطريق " أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون " أي تستدفئون به وكان كما قال. فإنه رجع منها بخبر عظيم, واقتبس منها نوراً عظيماً, ولهذا قال تعالى: "فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها" أي فلما أتاها ورأى منظراً هائلاً عظيماً حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء لا تزداد النار إلا توقداً, ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة, ثم رفع رأسه, فإذا نورها متصل بعنان السماء. قال ابن عباس وغيره: لم تكن ناراً, وإنما كانت نوراً يتوهج, وفي رواية عن ابن عباس : نور رب العالمين, فوقف موسى متعجباً مما رأى " نودي أن بورك من في النار ". قال ابن عباس : تقدس "ومن حولها" أي من الملائكة, قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب , حدثنا أبو داود هو الطيالسي , حدثنا شعبة والمسعودي عن عمرو بن مرة , سمع أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل", زاد المسعودي "وحجابه النور أو النار, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ثم قرأ أبو عبيدة "أن بورك من في النار ومن حولها" وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة به. وقوله تعالى: "وسبحان الله رب العالمين" الذي يفعل ما يشاء, ولا يشبهه شيء من مخلوقاته, ولا يحيط به شيء من مصنوعاته, وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات, ولا تكتنفه الأرض والسموات, بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات.
وقوله تعالى: "يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم" أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذي عز كل شيء وقهره وغلبه, الحكيم في أقواله وأفعاله, ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ليظهر له دليلاً واضحاً على أنه الفاعل المختار القادر على كل شيء, فلما ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة في غاية الكبر وسرعة الحركة مع ذلك, ولهذا قال تعالى: "فلما رآها تهتز كأنها جان" والجان ضرب من الحيات أسرعه حركة وأكثره اضطراباً. وفي الحديث نهي عن قتل جنان البيوت, فلما عاين موسى ذلك "ولى مدبراً ولم يعقب" أي لم يلتفت من شدة فرقه "يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون" أي لا تخف مما ترى, فإني أريد أن أصطفيك رسولاً وأجعلك نبياً وجيهاً.
وقوله تعالى: "إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم" هذا استنثاء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر, وذلك أن من كان على عمل سيء ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب, فإن الله يتوب عليه, كما قال تعالى: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" وقال تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, والايات في هذا كثيرة جداً. وقوله تعالى: "وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء" هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار, وصدق من جعل له معجزة, وذلك أن الله تعالى أمره أن يدخل يده في جيب درعه, فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف.
وقوله تعالى: "في تسع آيات" أي هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن وأجعلهن برهاناً لك إلى فرعون وقومه "إنهم كانوا قوماً فاسقين" وهذه هي الايات التسع التي قال الله تعالى: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" كما تقدم تقرير ذلك هنالك. وقوله تعالى: " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة " أي بينة واضحة ظاهرة "قالوا هذا سحر مبين" وأرادوا معارضته بسحرهم, فغلبوا وانقلبوا صاغرين "وجحدوا بها" في ظاهر أمرهم "واستيقنتها أنفسهم" أي علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله, ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها "ظلماً وعلواً" أي ظلماً من أنفسهم سجية ملعونة, وعلواً أي استكباراً من اتباع الحق, ولهذا قال تعالى: "فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة أمرهم في إهلاك الله إياهم, وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة, وفحوى الخطاب يقول: احذروا أيها المكذبون لمحمد, الجاحدون لما جاء به من ربه, أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى, فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم من موسى, وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله, وما سبقه من البشارات من الأنبياء به, وأخذ المواثيق له, عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
8- "فلما جاءها" أي جاء النار موسى "نودي أن بورك من في النار ومن حولها" أن هي المفسرة لما في النداء من معنى القول، أو هي المصدرية: أي بأن بورك، وقيل هي المخففة من الثقيلة. قال الزجاج: أن في موضع نصب أي بأن قال: ويجوز أن يكون في موضع رفع اسم ما لم يسم فاعله. والأولى أن النائب ضمير يعود إلى موسى. وقرأ أبي وابن عباس ومجاهد أن بوركت النار ومن حولها حكى ذلك أبو حاتم. وحكى الكسائي عن العرب: باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك، وبارك لك، وكذلك حكى هذا الفراء. قال ابن جرير: قال بورك من في النار، ولم يقل بورك على النار على لغة من يقول باركك الله: أي بورك على من في النار، وهو موسى، أو على من في قرب النار لا أنه كان في وسطها. وقال السدي: كان في النار ملائكة، والنار هنا هي مجرد نور، ولكنه ظن موسى أنها نار، فلما وصل إليها وجدها نوراً. وحكي عن الحسن وسعيد بن جبير أن المراد بمن في النار هو الله سبحانه: أي نوره. وقيل بورك ما في النار من أمر الله سبحانه الذي جعلها على تلك الصفة. قال الواحدي: ومذهب المفسرين أن المراد بالنار النور، ثم نزه سبحانه نفسه فقال: "وسبحان الله رب العالمين" وفيه تعجب لموسى من ذلك.
8- "فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها"، أي: بورك على من في النار أو في من في النار، والعرب تقول: باركه الله وبارك فيه، وبارك عليه، بمعنى واحد.
وقال قوم: البركة راجعة إلى موسى والملائكة، معناه: بورك في من طلب النار، وهو موسى عليه السلام، "ومن حولها" وهم الملائكة/ الذين حول النار، ومعناه: بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار، وهذا تحية من عند الله عز وجل لموسى بالبركة، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت.
ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً، ومن في النار هم الملائكة، وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح، ومن حولها هو موسى لأنه كان بالقرب منها، ولم يكن فيها. وقيل: من في النار ومن حولها جميعاً الملائكة. وقيل: من في النار موسى ومن حولها الملائكة، وموسى وإن لم يكن في النار كان قريباً منها، كما يقال: بلغ فلان المنزل، إذا قرب منه، وإن لم يبلغه بعد.
وذهب بعضهم إلى أن البركة راجعة إلى النار. وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: معناه بوركت النار. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سمعت أبياً يقرأ: أن بوركت النار ومن حولها، ومن قد تأتي بمعنى ما، كقوله تعالى: "فمنهم من يمشي على بطنه" (النور-45)، وما قد يكون صلة في الكلام، كقوله "جند ما هنالك" (ص-11)، ومعناه: بورك في النار وفيمن حولها، وهم الملائكة وموسى عليهم السلام، وسمى النار مباركة كما سمى البقعة مباركة فقال: في البقعة المباركة.
وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله: "بورك من في النار"، يعني قدس من في النار، وهو الله، عنى به نفسه، على معنى أنه نادى موسى منها وأسمعه كلامه من جهتها، كما روي: أنه مكتوب في التوراة: جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعتين، واستعلى من جبال فاران، فمجيئه من سيناء: بعثة موسى منها، ومن ساعين بعثة المسيح منها، ومن جبال فاران بعثة المصطفى منها، وفاران مكة.
قيل: كان ذلك نوره عز وجل. قال سعيد بن جبير: كانت النار بعينها، والنار إحدى حجب الله تعالى، كما جاء في الحديث: "حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"، ثم نزه الله نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب، فقال جل ذكره. "وسبحان الله رب العالمين".
8 -" فلما جاءها نودي أن بورك " أي " بورك " فإن النداء فيه معنى القول ، أو بـ " أن بورك " على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة ، والتخفيف وإن اقتضى التعويض بلا أو قد أو السين أو سوف لكنه دعاء وهو يخالف غيره في أحكام كثيرة . " من في النار ومن حولها " " من " في مكان " النار " وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى : " نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة " ومن حول مكانها والظاهر أنه عام في كل من تلك الأرض ، وفي ذلك الواد وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتاً وخصوصاً تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى . وقيل المراد موسى والملائكة الحاضرون ، وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنه قد قضى له أمر عظيم تنتشر بركته في أقطار الشأم . " وسبحان الله رب العالمين " من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيهاً وللتعجيب من عظمة ذلك الأمر ، أو تعجب من موسى لما دهاه من عظمته .
8. But when he reached it, he was called, saying: Blessed is whosoever is in the fire and whosoever is round about it! And glorified be Allah, the Lord of the Worlds!
8 - But when he came to the (Fire), a voice was heard: Blessed are those in the Fire and those around: and Glory to God, the Lord of the Worlds.