[النمل : 34] قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
34 - (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها) بالتخريب (وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) مرسلو الكتاب
يقول تعالى ذكره : قالت صاحبة سبأ للملأ من قومها ، إذ عرضوا عليها أنفسهم لقتال سليمان إن أمرتهم بذلك " إن الملوك إذا دخلوا قرية " عنة وغلبة " أفسدوها " يقول : خربوها " وجعلوا أعزة أهلها أذلة " وذلك باستعبادهم الأحرار ، واسترقاقهم إياهم . وتناهى الخبر منها عن الملوك في هذا الموضع ، فقال الله " وكذلك يفعلون " يقول تعالى ذكره : وكما قالت صاحبة سبأ تفعل الملوك ، إذا دخلوا قرية عنوة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر ، في قوله " وجعلوا أعزة أهلها أذلة " قال أبو بكر : هذه عنوة .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا أبو بكر ، قال : ثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، في قوله " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها " قال : إذا دخلوها عنوة خربوها .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس " قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة " قال ابن عباس : يقول الله " وكذلك يفعلون " .
قوله تعالى : " وكذلك يفعلون " قيل : هو من قول بلقيس تأكيداً للمعنى الذي أرادته . وقال ابن عباس : هو من قول الله عز وجل معرفاً لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته بذلك ومخبرأً به . وقال وهب : لما قرأت عليهم الكتاب لم تعرف اسم الله ، فقالت : ما هذا ؟ فقال بعض القوم : ما نظن هذا إلا عفريتاً عظيماً من الجن يقتدر به هذا الملك على ما يريده ، فسكتوه . وقال الآخر : أراهم ثلاثة من العفاريت ، فسكتوه ، فقال شاب قد علم : يا سيدة الملوك ! إن سليمان ملك قد أعطاه ملك السماء ملكاً عطيماً فهو لا يتكلم بكلمة إلا بدأ فيها بتسمية إليهه ، والله اسم مليك السماء والرحمن الرحيم نعوته ، فعندها قالت : ( أفتوني في يأمري ) فقالوا : نحن أولوا قوة في القتال وأولوا بأس شديد [ قوة ] في الحرب واللقاء والأمر إليك ردوا أمرهم إليها لما جربوا على رأيها من البركة فانظري ماذا تأمرين فـ" قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة " أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور ، فصدق الله قولها . " وكذلك يفعلون " قال ابن الأنباري : " وجعلوا أعزة أهلها أذلة " هذا وقف تام ، فقال الله عز وجل تحقيقاً لقولها : " وكذلك يفعلون " وشبيه به في سورة ( الأعراف ) " قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم " تم الكلام ، فقال فرعون : " فماذا تأمرون " .وقال ابن شجرة : هو قول ليقيس فالوقف " كذلك يفعلون " أي وكذلك يفعل سليمان إذا دخل للادنا .
لما قرأت عليهم كتاب سليمان, استشارتهم في أمرها وما قد نزل بها, ولهذا قالت "يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون" أي حتى تحضرون وتشيرون "قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد" أي منوا إليها بعددهم وعددهم وقوتهم, ثم فوضوا إليها بعد ذلك الأمر فقالوا: "والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين" أي نحن ليس لنا عاقة ولا بنا بأس إن شئت أن تقصديه وتحاربيه, فما لنا عاقة عنه. وبعد هذا فالأمر إليك مري فينا رأيك نمتثله ونطيعه. قال الحسن البصري رحمه الله: فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها, فلما قالوا لها ما قالوا, كانت هي أحزم رأياً منهم وأعلم بأمر سليمان, وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير. وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمراً عجيباً بديعاً, فقالت لهم: إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. ولهذا قالت "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" قال ابن عباس : أي إذا دخلوا بلداً عنوة أفسدوه أي خربوه "وجعلوا أعزة أهلها أذلة" أي وقصدوا من فيها من الولاة والجنود فأهانوهم غاية الهوان إما بالقتل أو بالأسر. قال ابن عباس : قالت بلقيس "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة" قال الرب عز وجل: "وكذلك يفعلون" ثم عدلت إلى المصالحة والمهادنة والمسالمة والمخادعة والمصانعة, فقالت "وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون" أي سأبعث إليه بهدية تليق بمثله وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك, فلعله يقبل ذلك منا ويكف عنا, أو يضرب علينا خراجاً نحمله إليه في كل عام ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا. قال قتادة رحمه الله: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها, علمت أن الهدية تقع موقعاً من الناس. وقال ابن عباس وغير واحد: قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه, وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه.
فلما سمعت تفويضهم الأمر إليها 34- "قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" أي إذا دخلوا قرية من القرى خربوا مبانيها، وغيروا مغانيها، وأتلفوا أموالها، وفرقوا شمل أهلها "وجعلوا أعزة أهلها أذلة" أي أهانوا أشرافها وحطوا مراتبهم، فصاروا عند ذلك أذلة وإنما يفعلون ذلك لأجل أن يتم لهم الملك وتستحكم لهم الوطأة وتقرر لهم في قلوبهم المهابة. قال الزجاج: أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة، والمقصود من قولها هذا تحذير قومها من مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم، وقد صدقها الله سبحانه فيما قالت فقال سبحانه: "وكذلك يفعلون" أي مثل ذلك الفعل يفعلون. قال ابن الأنباري: الوقف على قوله: "وجعلوا أعزة أهلها أذلة" وقف تام، فقال الله عز وجل تحقيقاً لقولها: "وكذلك يفعلون" وقيل هذه الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ثم لما قدمت لهم هذه المقدمة، وبينت لهم ما في دخول الملوك إلى أرضهم من المفسدة، أوضحت لهم وجه الرأي عندها وصرحت لهم بصوابه.
34- "قالت"، بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال: "إن الملوك إذا دخلوا قرية"، عنوة، "أفسدوها"، خربوها، "وجعلوا أعزة أهلها أذلة"، أي: أهانوا أشرافها وكبراءها، كي يستقيم لهم الأمر، تحذرهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم، وتناهى الخبر عنها ها هنا، فصدق الله قولها فقال: "وكذلك يفعلون"، أي: كما قالت هي يفعلون.
34 -" قالت إن الملوك إذا دخلوا قريةً " عنوة وغلبة . " أفسدوها " تزييف لما أحسنت منهم من الميل إلى المقاتلة بادعائهم القوى الذاتية والعرضية ، وأشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم ، ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها . " وجعلوا أعزة أهلها أذلةً " بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير ذلك من الإهانة والأسر . " وكذلك يفعلون " تأكيد لما وصفت من حالهم وتقرير بأن ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرة ، أو تصديق لها من الله عز وجل .
34. She said: Lo! kings, when they enter a township, ruin it and make the honor of its people shame. Thus will they do.
34 - She said: Kings, when they enter a country, despoil it, and make the noblest of its people its meanest thus do they behave.