[النمل : 31] أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
31 - (ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين)
القول في تأويل قوله تعالى : " أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " .
قوله تعالى : " وأتوني مسلمين " أي مناقدين طائعين مؤمنين .
يقول تعالى مخبراً عن قيل سليمان للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم "قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين" أي صدقت في إخبارك هذا "أم كنت من الكاذبين" في مقالتك لتتخلص من الوعيد الذي أوعدتك ؟ "اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون" وذلك أن سليمان عليه السلام كتب كتاباً إلى بلقيس وقومها. وأعطاه ذلك الهدهد فحمله, قيل في جناحه كما هي عادة الطير, وقيل بمنقاره, وجاء إلى بلادهم فجاء إلى قصر بلقيس إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها, ثم تولى ناحية أدباً ورياسة, فتحيرت مما رأت وهالها ذلك, ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ففتحت ختمه وقرأته, فإذا فيه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها, ثم قالت لهم " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره كون طائر أتى به فألقاه إليها, ثم تولى عنها أدباً, وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك, ولا سبيل لهم إلى ذلك, ثم قرأته عليهم " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " فعرفوا أنه من نبي الله سليمان عليه السلام, وأنه لا قبل لهم به, وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة, فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها. قال العلماء: لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام. وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي , حدثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الخياط . حدثنا أبو يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود قلت: يا نبي الله أي آية ؟ قال : سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه, فقلت نسي ثم التفت إلي وقال: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" هذا حديث غريب, وإسناده ضعيف. وقال ميمون بن مهران : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الاية. فكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" وقوله: " أن لا تعلوا علي " قال قتادة : يقول لا تجبروا علي "وأتوني مسلمين" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لا تمتنعوا ولا تتكبروا علي وأتوني مسلمين. قال ابن عباس : موحدين, وقال غيره: مخلصين, وقال سفيان بن عيينة : طائعين.
31- " أن لا تعلوا علي " أي لا تتكبروا كما يفعله جبابرة الملوك، وأن هي المفسرة، وقيل مصدرية، ولا ناهية، وقيل نافية، ومحل الجملة الرفع على أنها بدل من كتاب أو خبر مبتدأ محذوف: أي هو أن لا تعلوا. قرأ الجمهور "إنه من سليمان وإنه" بكسرهما على الاستئناف، وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة بفتحها على إسقاط حرف الجر، وقرأ أبي إن من سليمان وإن بسم الله بحذف الضميرين وإسكان النونين على أنها مفسرتان، وقرأ عبد الله بن مسعود إنه لا تغلوا بالغين المعجمة من الغلو، وهو تجاوز الحد في الكبر "وأتوني مسلمين" أي مناقدين للدين مؤمنين بما جئت به.
31- " أن لا تعلوا علي "، قال ابن عباس: أي: لا تتكبروا علي. وقيل: لا تتعظموا ولا تترفعوا علي. معناه: لا تمتنعوا من الإجابة، فإن ترك الإجابة من العلو والتكبير، "وأتوني مسلمين"، مؤمنين طائعين. قيل: هو من الإسلام، وقيل: هو من الاستسلام.
31 -" أن لا تعلوا علي " أن مفسرة أو مصدرية فتكون بصلها خبر محذوف أي هو أو المقصود أن لا تعلوا أو بدل من " كتاب " . " وأتوني مسلمين " مؤمنين أو منقادين ، وهذا الكلام في غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود ، لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الصانع تعالى وصفاته صريحاً أو التزاماً ، والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والأمر بالإسلام الجامع لأمهات الفضائل ، وليس الأمر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد فإن الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الدلالة .
31. Exalt not yourselves against me, but come unto me as those who surrender.
31 - Be ye not arrogant against me, but come to me in submission (to the true religion).