[النمل : 30] إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
30 - (إنه من سليمان وإنه) مصمونه (بسم الله الرحمن الرحيم)
القول في تأويل قوله تعالى : " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " .
السادسة : قوله تعالى : " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " ( وإنه ) بالكسر فيهما أي وإن الكلام ، أو إن مبتدأ الكلام " بسم الله الرحمن الرحيم " . وأجاز الفراء أنه من سليمان وأنه بفتحهما جميعاً على أن يكونا في موضع رفع بدل من الكتاب ، بمعنى ألقى إلى أنه من سليمان . وأجاز أن يكونا في موضع نصب على حذف الخافض ، أي لأنه من سليمان ولأنه ، كأنها عللت كرمه بكونه من سليمان وتصديره بسم الله . وقرأ الأشهب العقيلي و محمد بن السميقع : ألا تغلوا بالغين المعجيمة ، وروي عن وهب بن منببه ، ومن غلا يغلوا إذا تجاوز وتكبر . وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة .
يقول تعالى مخبراً عن قيل سليمان للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم "قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين" أي صدقت في إخبارك هذا "أم كنت من الكاذبين" في مقالتك لتتخلص من الوعيد الذي أوعدتك ؟ "اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون" وذلك أن سليمان عليه السلام كتب كتاباً إلى بلقيس وقومها. وأعطاه ذلك الهدهد فحمله, قيل في جناحه كما هي عادة الطير, وقيل بمنقاره, وجاء إلى بلادهم فجاء إلى قصر بلقيس إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها, ثم تولى ناحية أدباً ورياسة, فتحيرت مما رأت وهالها ذلك, ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ففتحت ختمه وقرأته, فإذا فيه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها, ثم قالت لهم " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره كون طائر أتى به فألقاه إليها, ثم تولى عنها أدباً, وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك, ولا سبيل لهم إلى ذلك, ثم قرأته عليهم " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " فعرفوا أنه من نبي الله سليمان عليه السلام, وأنه لا قبل لهم به, وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة, فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها. قال العلماء: لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام. وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي , حدثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الخياط . حدثنا أبو يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود قلت: يا نبي الله أي آية ؟ قال : سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه, فقلت نسي ثم التفت إلي وقال: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" هذا حديث غريب, وإسناده ضعيف. وقال ميمون بن مهران : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الاية. فكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" وقوله: " أن لا تعلوا علي " قال قتادة : يقول لا تجبروا علي "وأتوني مسلمين" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لا تمتنعوا ولا تتكبروا علي وأتوني مسلمين. قال ابن عباس : موحدين, وقال غيره: مخلصين, وقال سفيان بن عيينة : طائعين.
فقالت: 30- "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" أي وإن ما اشتمل عليه من الكلام وتضمنه من القول مفتتح بالتسمية وبعد التسمية.
ثم بينت ممن الكتاب فقالت:
30- "إنه من سليمان"، وبينت المكتوب فقالت: "وإنه بسم الله الرحمن الرحيم".
30 -" إنه من سليمان " استئناف كأنه قيل لها ممن هو وما هو فقالت إنه ، أي إن الكتاب أو العنوان من سليمان " وإنه " أي وإن المكتوب أو المضمون . وقرئ بالفتح على الإبدال من " كتاب " أو التعليل لكرمه . " بسم الله الرحمن الرحيم " .
30. Lo! it is from Solomon, and lo! it is: In the name of Allah the Beneficent, the Merciful;
30 - It is from Solomon, and is (as follows): In the name of God, Most Gracious, Most Merciful: