[النمل : 27] قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
27 - (قال) سليمان للهدهد (سننظر أصدقت) فيما أخبرتنا به (أم كنت من الكاذبين) أي من هذا النوع فهو أبلغ من أم كذبت فيه ثم دلهم على الماء فاستخرج وارتووا وتوضئوا وصلوا ثم كتب كتابا صورته من عبد الله سبيمان ابن داوود إلى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الهدى أما بعد فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين ثم طبعه بالمسك وختمه بخاتمه ثم قال للهدهد
يقول تعالى ذكره "قال " سليمان للهدهد " سننظر " فميا اعتذرت به من العذر ، واحججت به من الحجة لغيبتك عنا ، وفيما جئتنا به من الخبر " أصدقت " في ذلك كله " أم كنت من الكاذبين " فيه " اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون " .
فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : اذهب بكتابي هذا ، فألقه إليهم ، فانظر ماذا يرجعون ، ثم تول عنهم منصرفا إلي ، فقال : هو من المؤخر الذي معناه التقديم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : فأجابه سليمان ، يعني أجاب الهدهد لما فرغ " قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين * اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم " وانظر ماذا يرجعون ، ثم تول عنهم منصرفا إلي . وقال : وكانت لهاكوة مسقبلة الشمس ، ساعة تطلع الشمس تطلع فيها فتسجد لها ، فجاء الهدهد حتى وقع فيها فسدها ، واستبطأت الشمس ، فقامت تنظر ، فرمى بالصحيفة إليها من تحت جناحه ، وطار حتى قامت تنظر الشمس .
قال أبو جعفر : فهذا القول من قول ابن زيد يدل على أن الهدهد تولى إلى سليمان راجعا ، بعد إلقائه الكتاب ، وأن نظره إلى المرأة ما الذي ترجع وتفعل ، كان قبل إلقائه كتاب سليمان إليها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ، ثم تول عنهم ، فكن قريبا ، وانظر ماذا يرجعون ، قالوا : وفعل الهدهد ، وسمع مراجعة المرأة أهل مملكتها ،وقولها لهم : " إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " وما بعد ذلك من مراجعة بعضهم بعضا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ،عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه ، قوله : " فألقه إليهم ثم تول عنهم " : أي كن قريبا " فانظر ماذا يرجعون " . وهذا القول أشبه بتأويل الآية ، لأن مراجعة المرأة قومها ، كانت بعد أن ألقي إليها الكتاب ، ولم يكن الهدهد لينصرف وقد أمر بأن ينظر إلى مراجعة القوم بينهم ما يتراجعونه قبل أن يفعل ما أمره به سليمان .
الرابعة عشرة : قوله تعالى : " سننظر " من النظر الذي هو التأمل والتصفح . " أصدقت أم كنت من الكاذبين " في مقالتك . و( كنت ) بمعنى أنت . وقال : ( سننظر أصدقت ) ولم يقل سننظر في أمرك ، لأن الهدهد لما صرح بفخر العلم في قوله : " أحطت بما لم تحط به " صرح له سليمان بقوله : سننظر أصدقت أم كذبت ، فكان ذلك كفاء لما قاله .
الخامسة عشرة : في قوله : " أصدقت أم كنت من الكاذبين " دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته ، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم ، لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه . وإنما صار صدق الهدهد عذراً لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد ، وكان سلميان عليه السلام حبب إليه الجهاد . وفي الصحيح : " ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل " . وقد قبل عمر عذر النعمان بن عدي ولم يعاقبه . ولكن الإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة . كما فعل سليمان ، فإنه لما قال الهدهد : " إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم " لم يستفزه الطمع ، ولا استجره حب الزيادة في الملك إلى أن يعرض له حتى قال : " وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله " فغاظه حينئذ ما سمع ، وطلب الانتهاء إلى ما أخبر ، وتحصيل علم ما غاب عنه من ذلك ، فقال : " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " ونحو منه ما رواه الصحيح عن المسور بن مخرمة ، حين استشارعمر الناس في إملاص المرأة وهي التي يضرب بطنها فتلقي جنينها ، فقال المغيرة بن شعبة :
شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة . قال فقال عمر : ايتني بمن يشهد معك ، قال : فشهد له محمد بن مسلمة وفي رواية فقال : لا تبرح حتى تأتي بالمخرج من ذلك ، فخرجت فوجدت محمد بن سلمة فجئت به فشهد . ونحوه حديث أبي موسى في الاستئذان وغيره .
يقول تعالى مخبراً عن قيل سليمان للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم "قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين" أي صدقت في إخبارك هذا "أم كنت من الكاذبين" في مقالتك لتتخلص من الوعيد الذي أوعدتك ؟ "اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون" وذلك أن سليمان عليه السلام كتب كتاباً إلى بلقيس وقومها. وأعطاه ذلك الهدهد فحمله, قيل في جناحه كما هي عادة الطير, وقيل بمنقاره, وجاء إلى بلادهم فجاء إلى قصر بلقيس إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها, ثم تولى ناحية أدباً ورياسة, فتحيرت مما رأت وهالها ذلك, ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ففتحت ختمه وقرأته, فإذا فيه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها, ثم قالت لهم " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره كون طائر أتى به فألقاه إليها, ثم تولى عنها أدباً, وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك, ولا سبيل لهم إلى ذلك, ثم قرأته عليهم " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " فعرفوا أنه من نبي الله سليمان عليه السلام, وأنه لا قبل لهم به, وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة, فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها. قال العلماء: لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام. وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي , حدثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الخياط . حدثنا أبو يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود قلت: يا نبي الله أي آية ؟ قال : سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه, فقلت نسي ثم التفت إلي وقال: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" هذا حديث غريب, وإسناده ضعيف. وقال ميمون بن مهران : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الاية. فكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" وقوله: " أن لا تعلوا علي " قال قتادة : يقول لا تجبروا علي "وأتوني مسلمين" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لا تمتنعوا ولا تتكبروا علي وأتوني مسلمين. قال ابن عباس : موحدين, وقال غيره: مخلصين, وقال سفيان بن عيينة : طائعين.
جملة 27- "قال سننظر" مستأنفة جواب سؤال مقدر: أي قال سليمان للهدهد: سننظر فيما أخبرتنا به من هذه القصة "أصدقت" فيما قلت "أم كنت من الكاذبين" هذه الجملة الاستفهامية في محل نصب على أنها مفعول سننظر، وأم هي المتصلة، وقوله: "أم كنت من الكاذبين" أبلغ من قوله أم كذبت، لأن المعنى: من الذين اتصفوا بالكذب وصار خلقاً لهم. والنظر هو التأمل والتصفح، وفيه إرشاد إلى البحث عن الأخبار والكشف عن الحقائق، وعدم قبول خبر المخبرين تقليداً لهم واعتماداً عليهم إذا تمكن من ذلك بوجه من الوجوه. ثم بين سليمان هذا النظر الذي وعد به.
فلما فرغ الهدهد من كلامه.
27- "قال"، سليمان للهدهد: "سننظر أصدقت"، فيما أخبرت، "أم كنت من الكاذبين"؟ فدلهم الهدهد على الماء، فاحتفروا الركايا، وروي الناس والدواب، ثم كتب سليمان كتاباً: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فلا تعلوا علي واتوني مسلمين. قال ابن جريج لم يزد سليمان على ما قص الله في كتابه. وقال قتادة: وكذلك الأنبياء كانت تكتب جملاً لا يطيلون ولا يكثرون. فلما كتب الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه.
27 -" قال سننظر " سنعرف من النظر بمعنى التأمل . " أصدقت أم كنت من الكاذبين " أي أم كذبت والتغيير للمبالغة ومحافظة الفواصل .
27. (Solomon) said: We shall see whether thou speakest truth or whether thou art of the liars.
27 - (Solomon) said: Soon shall we see whether thou hast told the truth or lied!