[النمل : 25] أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
25 - (ألا يسجدوا لله) أي أن يسجدوا له فزيدت لا وادغم فيها نون أن كما في قوله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب والجملة في محل مفعول يهتدون بإسقاط إلى (الذي يخرج الخبء) مصدر بمعنى المخبوء من المطر والنبات (في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون) في قلوبهم (وما تعلنون) بألسنتهم
اختلفت القراء في قراءة قوله : " أن لا يسجدوا لله " فقرأ بعض المكيين وبعض المدنيين والكوفيين ألا بالتخفيف ، بمعنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ، فأضمروا هؤلاء اكتفاء بدلالة يا عليها . وذكر بعضهم سماعا من العرب : الا يا ارحمنا ، ألا تصدق علينا ، واستشهد أيضا ببيت الأخطل :
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر وإن كان حيانا عدا آخر الدهر
فعلى هذه القراءة اسجدوا في هذا الموضع جزم ، ولا موضع لقوله : ألا في الإعراب . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والبصرة " أن لا يسجدوا " بتشديد ألا ، يمعنى : وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا لله " ألا " في موضع نصب لما ذكرت من معناه أنه لئلا ، ويسجدوا في موضع نصب بأن .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء مع صحة معنييهما .
واختلف أهل العربية في وجه دخول يا في قراءة من قرأه على وجه الأمر ، فقال بعض نحويي البصرة : من قرأ ذلك كذلك فكأنه جعله أمرا ، كأنه قال لهم : اسجدوا ، وزاد يا بينهما التي تكون للتنبيه ، ثم أذهب ألف الوصل التي في اسجدوا ، وأذهب الألف التي في يا لأنها ساكنة لقيت السين ، فصار ألا يسجدوا . وقال بعض نحويي الكوفة : هذه يا التي تدخل للنداء يكتفي بها من الاسم ، ويكتفي بالاسم منها ، فتقول : يا أقبل ، وزيد أقبل ، وما سقط من السواكن فعلى هذا .
ويعني بقوله : " يخرج الخبء " يخرج المخبوء في السماوات والأرض من غيث في السماء ، ونبات في الأرض ونحو ذلك .
وبالذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، وإن اختلفت عبارتهم عنه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، قراءة عن مجاهد " يخرج الخبء في السماوات " قال : الغيث .
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " يخرج الخبء " قال : الغيث .
حدثني يونس ،قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض " قال : خبء السماء والأرض : ما جعل الله فيها من الأرزاق ، والمطر من السماء ، والنبات من الأرض ، كانتا رتقا لا تمطر هذه ولا تنبت هذه ، ففتق السماء ، وأنزل منها المطر ، وأخرج النبات .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر ، في قوله : " أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض " ويعلم كل خفية في السماوات والأرض .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا أسامة بن زيد ، عن معاذ بن عبدالله ، قال : رأيت ابن عباس على بغلة يسأل تبعا ابن امرأة كعب : هل سألت كعبا عن البذر تنبت الأرض العام لم يصب العام الآخر ؟ قال :سمعت كعبا يقول : البذر ينزل من السماء ويخرج من الأرض ، قال : صدقت .
قال أبو جعفر : إنما هو تبيع ، ولكن هكذا قال محمد . وقيل : يخرج الخبء في السماوات والأرض ، لأن العرب تضع من مكان في وفي مكان من الاستخراج " ويعلم ما تخفون وما تعلنون " يقول : ويعلم السر من أمرو خلقه هؤلاء الذين زين لهم الشيطان أعمالهم والعلانية منها ، وذلك على قراءة من قرأ ألا بالتشديد . وأما على قراءة من قرأ بالتخفيف فإن معناه : ويعلم ما يسره خلقه الذين أمرهم بالسجود بقوله : ألا يا هؤلاء اسجدوا . وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي ألا تسجدوا لله الذي يعلم سركم وما تعلنون .
وقوله : " الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " يقول تعالى ذكره : الله الذي لا تصلح العبادة إلا له ، لا إله إلا هو ، لا معبود سواه تصلح له العبادة ، فأخلصوا له العبادة ، وأفردوا بالطاعة ،ولا تشركوا به شيئا " رب العرش العظيم " يعني بذلك : مالك العرش العظيم الذي كل عرش وإن عظم فدونه ، لا يشبهه عرش ملكه سبأ ولا غيره .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " أحطت بما لم تحط به " إلى قوله " لا إله إلا هو رب العرش العظيم " هذا كله كلام الهدهد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق بنحوه .
الثالثة عشرة : قوله تعالى : " أن لا يسجدوا لله " قرأ أبو عمرو و نافع و عاصم و حمزة : " أن لا يسجدوا لله " بتشديد (ألا ) قال ابن الأنباري : " فهم لا يهتدون " غير تام لمن شدد ( ألا ) لأن المعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا . قال النحاس : هي ( أن ) دخلت عليها ( لا ) و( أن ) في موضع نصب ، قال الأخفش : ب( زين ) أي وزين لهم لئلا يسجدوا لله . وقال الكسائي : بـ( فصدهم ) أي فصدهم ألا يسجدوا . وهو في الوجهين مفعول له . وقال اليزيدي و علي بن سليمان : ( أن ) بدل من ( أعمالهم ) في موضع نصب . وقال أبو عمرو : و(أن ) في موضع خفض على البدل من السبيل . وقيل العامل فيها " لا يهتدون " أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله ، أي لا يعلمون أن ذلك واجب عليهم . وعلى هذا القول ( لا ) زائدة ، كقوله : " ما منعك أن لا تسجد " [ الأعراف : 12] أي ما منعك أن تسجد . وعلى هذه القرءة فليس بموضع سجدة ، لأن ذلك واجب عليهم . وعلى هذا القول ( لا ) زائدة ، كقوله : " ما منعك أن لا تسجد " [ الأعراف 12] أي ما منعك أن تسجد . على هذه القراءة فليس بموضع سجدة ، لأن ذلك خبر عنهم بترك السجود ، إما بالتزيين ، وأو بالصد ، أو بمنع الاهتداء . وقرأ الزهري و الكسائي وغيرهما : ألا يسجدوا لله بمعنى ألا يا هؤلا ء اسجدوا ، لأن ( يا ) ينادى بها الأسماء ، دون الأفعال . وأنشد سيبويه :
يا لعنة الله والأقوام كلهم والصالحين على سمعان من جار
قال سيبويه : ( يا ) لغير اللعنة ، لأنه لو كان للعنة لنصبها ، لأنه كان يصير منادى مضافاً ، ولكن تقديره يا هؤلاء لعنة الله والأقوام على سمعان وحكى بعضهم سماعاً عن العرب : ألا يا ارحموا ألا يا اصدقوا . يريدون ألا ياقوم ارحموا اصدقوا ، فعلى هذه القراءة ( اسجدوا ) في موضع جزم بالأمر والوقف على ( ألا يا ) ثم تبتدئ فتقول : ( اسجدوا ) . قال الكسائي : ماكنت أسمع الأشياخ يقرؤونها إلا بالتخفيف على نية الأمر . وفي قراءة عبد الله : ( ألا هل تسجدون لله ) بالتاء والنون . وفي قراءة أبي ( ألا تسجدون لله ) فهاتان القراءتان القراءتان حجة لمن خفف . الزجاج : وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون التشديد . واختار أبو حاتم وأبو عبيدة قراءة التشديد وقال . التخفيف وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الخبر عن أمر سبأ ، ثم رجع بعد إلى ذكرهم ، والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضاً لا انقطاع في وسطه . ونحوه قال النحاس ، قال : قراءة التخفيف بعيدة ، لأن الكلام يكون معترضاً ، وقراءة التشديد يكون الكلام بها متسقاً ، وأيضاً فإن السواد على غير هذه القراءة ، لأنه قد حذف منها ألفان ، وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو يا عيس ابن مريم . ابن الأنباري : وسقطت ألف ( اسجدوا ) كما تسقط مع هؤلاء إذا ظهر ، ولما سقطت ألف ( يا ) واتصلت بها ألف ( اسجدوا ) سقطت ، فعد سقوطها دلالة على الاختصار وإيثاراً لما يخف وتقل ألفاظه . وقال الجوهري في آخر كتابه : قال بعضهم : إن ( يا ) في هذا الموضع إنما هو للتنبيه كأنه قال: ألا اسجدوا لله ، فلما أدخل عليه ( يا ) في هذا الموضع إنما هو للتنبيه كأنه قال : ألا اسجدوا لله ، فلما أدخل عليه ( يا ) للتنبيه سقطت الألف التي في ( اسجدوا ) لأنها ألف وصل ، وذهبت الألف التي في ( يا ) لاجتماع الساكنين ، لأنها والسين ساكنتان. قال ذو الرمة :
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وقال الجرجاني : هو كلام معتررض من الهدهد أو سليمان أومن الله . أي إلا ليسجدوا كقوله تعالى :" قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " [ الجائية: 14] قيل : إنه أمر أي ليغفروا . وتنتظم على هذا كتابة المصحف ، أي ليس هاهنا نداء . قال ابن عطية : قيل هو من كلام الهدهد إلى قوله ( العظيم ) وهو قول ابن زيد و ابن إسحاق ، ويعترض بأنه غير مخاطب فكيف يتكلم في معنى شرع . ويحتمل أن يكون من قول سليمان لما أخبره الهدهد عن القوم . ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى فهو اعتراض بين الكلامين وهو الثابت مع التأمل ، وقراءة التشديد في ( ألا ) تعطي أن الكلام للهدهد ، وقراءة التخفيف تمنعه ، والتخفيف يقتضي الأمر بالسجود لله عز وجل للأمر على ما بيناه . وقال الزمخشري : فإن قلت أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعاً أم في إحداهما ؟ قلت هي واجبة فيهما جميعاً ، لأن موضع السجدة إما أمر بها ، أو مدح لمن أتى بها ، أو ذم لمن تركها ، وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك . قلت : وقد أخبر الله عن الكفار بأنهم لا يسجدون كما في ( الانشقاق ) وسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، كما ثبت في البخاري وغيره فكذلك ( النمل ) . والله أعلم . الزمخشري : وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد فغير مرجوع إليه . " الذي يخرج الخبء " خبئ السماء قطرها ، وخبئ الأرض كنوزها ونباتها . وقال قتادة : الخبء السر . النحاس : وهذا عكرمة و مالك بن دينار : ( الخب ) بفتح الباء من غير همز . قال المهدوي : وهو التخفيف القياسي ، وذكر من يترك الهمز في الوقت . وقال النحاس : وحكى أبو حاتم أن عكرمة قرأ : ( الذي يخرج الخبا ) بألف غير مهموزة ، وزعم أن هذا لا يجوز في العربية ، واعتل بأنه إن خفف الهمزة ألقى حركتها على الباء فقال . ( الخب في السموات والأرض ) وأنه إن حول الهمزة قال : الخبي بإسكان الباء وبعدها ياء . قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد ين يزيد يقول : كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ولم يلحق بهم إلا أنه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه . وحكى سيبويه عن العرب أنها تبدل من الهمزة ألفاً إذا كان قبلها ساكن وكانت مكسورة ، فتقول : هذا الوثو وعجبت من الوثي ورأيت الوثا ، وهذا من وثئت يده ، وكذلك هذا الخبو وعجبت من الخبي ، ورأيت الخبا ، وإنما فعل هذا لأن الهممزة خفيفة فأبدل منها هذه الحروف . وحكى سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد أنهم يقولون : هذا الخبؤ ، يضمون الساكن إذا كانت الهمزة مضمومة ، ويثبتون الهمزة ويكسرون الساكن إذا كانت الهمزة مكسورة ، ويفتحون الساكن إذا كانت الهمزة مفتوحة . وحكى سيبويه أيضاً أنهم يكسرون وإن كانت الهمزة مضمومة ، إلا أن هذا عن بني تميم ، فيقولون : الرديء ، وزعم أنهم لم يضموا الدال لأنهم كرهوا ضمة قبلها كسرة ، لأنه ليس في الكلام فعل . وهذه كلها لغات داخلة على اللغة التي قرأ بها الجماعة ، وفي قراءة عبد الله ( والذي يخرج الخبا من السموات ) و( من ) و( في ) يتعاقبان ، تقول العرب : لأستخرجن العلم فيكم يريد منكم ، قاله الفراء . ( ويعلم ما يخفون وما يعلنون ) قراءة العامة فيهما بياء الغائب ، وهذه القراءة تعطي أن الآية من كلام الهدهد ت، وأن الله تعالى خصه من المعرفة بتوحيد ووجوب السجود له ، وإنكار سجودهم للشمس ، وإضافته للشيطان ، وتزيينه لهم ، ما خص به غيره من الطيور وسائر الحيوان ، من المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقول الراجحة تهتدي لها . وقرأ الجحدري و عيسى بن عمر و حفص و الكسائي : ( تخفون ) و( تعلنون ) بالتاء على الخطاب ، وهذه القراءة تعطي أن الآية من خطاب الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
يقول تعالى: "فمكث" الهدهد "غير بعيد" أي غاب زماناً يسيراً, ثم جاء فقال لسليمان: "أحطت بما لم تحط به" أي اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك " وجئتك من سبإ بنبإ يقين " أي بخبر صدق حق يقين, وسبأ هم حمير وهم ملوك اليمن, ثم قال: "إني وجدت امرأة تملكهم" قال الحسن البصري : وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ, وقال قتادة : كانت أمها جنية, وكان مؤخر قدميها مثل حافر الدابة من بيت مملكة, وقال زهير بن محمد : هي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان, وأمها فارعة الجنية, وقال ابن جريج : بلقيس بنت ذي شرخ وأمها بلتعة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا مسدد , حدثنا سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان مع صاحبة سليمان ألف قيل, تحت كل قيل مائة ألف مقاتل, وقال الأعمش : عن مجاهد كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: "إني وجدت امرأة تملكهم" كانت من بيت مملكة, وكان أولو مشورتها ثلثمائة واثني عشر رجلاً, كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل, وكانت بأرض يقال لها مأرب على ثلاثة أميال من صنعاء, وهذا القول هو أقرب على أنه كثير على مملكة اليمن, والله أعلم.
وقوله: "وأوتيت من كل شيء" أي من متاع الدنيا مما يحتاج إليه الملك المتمكن "ولها عرش عظيم" يعني سرير تجلس عليه عظيم هائل مزخرف بالذهب وأنواع الجواهر واللالىء. قال زهير بن محمد : كان من ذهب وصفحاته مرمولة بالياقوت والزبرجد طوله ثمانون ذراعاً, وعرضه أربعون ذراعاً, وقال محمد بن إسحاق : كان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ, وكان إنما يخدمها النساء, ولها ستمائة امرأة تلي الخدمة, قال علماء التاريخ: وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد رفيع البناء محكم, وكان فيه ثلثمائة وستون طاقة من مشرقه ومثلها من مغربه, قد وضع بناؤه على أن تدخل الشمس كل يوم من طاقة ,وتغرب من مقابلتها فيسجدون لها صباحاً ومساء, ولهذا قال: "وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل" أي عن طريق الحق "فهم لا يهتدون".
وقوله: " أن لا يسجدوا لله " معناه " وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * أن لا يسجدوا لله " أي لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده دون ما خلق من الكواكب وغيرها, كما قال تعالى: "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون" وقرأ بعض القراء " أن لا يسجدوا لله " جعلها ألا الإستفتاحية, ويا للنداء, وحذف المنادى تقديره عنده ألا يا قوم اسجدوا لله.
وقوله: "الذي يخرج الخبء في السموات والأرض" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعلم كل خبيئة في السماء والأرض, وكذا قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد, وقال سعيد بن المسيب : الخبء الماء, وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : خبء السموات والأرض ما جعل فيهما من الأرزاق, المطر من السماء والنبات من الأرض. وهذا مناسب من كلام الهدهد الذي جعل الله فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره من أنه يرى الماء يجري في تخوم الأرض وداخلها.
وقوله: "ويعلم ما تخفون وما تعلنون" أي يعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال, وهذا كقوله تعالى: "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار" وقوله: "الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم" أي هو المدعو وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم, الذي ليس في المخلوقات أعظم منه. ولما كان الهدهد داعياً إلى الخير, وعبادة الله وحده والسجود له نهي عن قتله, كما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد " , وإسناده صحيح.
25- " أن لا يسجدوا " قرأ الجمهور بتشديد "ألا". قال ابن الأنباري: الوقف على فهم لا يهتدون غير تام عند من شدد ألا، لأن المعنى: وزين لهم الشيطان الا يسجدوا. قال النحاس: هي أن دخلت عليها لا، وهي في موضع نصب. قال الأخفش: أي زين لهم أن لا يسجدوا لله بمعنى لئلا يسجدوا لله. وقال الكسائي: هي في موضع نصب بصدهم: أي فصدهم ألا يسجدوا بمعنى لئلا يسجدوا، فهو على الوجهين مفعول له. وقال اليزيدي: إنه بدل من أعمالهم في موضع نصب. وقال أبو عمرو: في موضع خفض على البدل من السبيل. وقيل العامل فيها لا يهتدون: أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله، وتكون لا على هذا زائدة كقوله: " ما منعك أن لا تسجد " وعلى قراءة الجمهور ليس هذه الآية موضع سجدة، لأن ذلك إخبار عنهم بترك السجود: إما بالتزيين أو بالصد، أو بمنع الاهتداء، وقد رجح كونه علة للصد الزجاج، ورجح الفراء كونه علة لزين، قال: زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا، ثم حذفت اللام. وقرأ الزهري والكسائي بتخفيف "ألا". قال الكسائي: ما كنت أسمع الأشياخ يقرأونها إلا بالتخفيف على نية الأمر، فتكون "ألا" على هذه القراءة حرف تنبيه واستفتاح وما بعدها حرف نداء، واسجدوا فعل أمر، وكان حق الخط على هذه القراءة أن يكون هكذا ألا يا اسجدوا، ولكن الصحابة رضي الله عنهم أسقطوا الألف من يا وهمزة الوصل من اسجدوا خطأ ووصلوا الياء بسين اسجدوا، فصارت صورة الخط ألا يسجدوا، والمنادى محذوف، وتقديره: ألا يا هؤلاء اسجدوا، وقد حذفت العرب المنادى كثيراً في كلامها، ومنه قول الشاعر:
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وقول الآخر:
ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي ثلاث. تحيات وإن لم تكلم
وقول الآخر أيضاً:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر
وهو كثير في أشعارهم. قال الزجاج: وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون قراءة التشديد، واختار أبو حاتم وأبو عبيد قراءة التشديد. قال الزجاج: ولقراءة التخفيف وجه حسن إلا أن فيها انقطاع الخبر عن أمر سبأ ثم الرجوع بعد ذلك إلى ذكرهم. والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضاً لا انقطاع في وسطه، وكذا قال النحاس: وعلى هذه القراءة تكون جملة ألا يسجدوا معترضة من كلام الهدهد، أو من كلام سليمان، أو من كلام الله سبحانه. وفي هذه قراءة عبد الله بن مسعود هل لا تسجدوا بالفوقية، وفي قراءة أبي " لا تسجدوا " بالفوقية أيضاً "الذي يخرج الخبء في السموات والأرض" أي يظهر ما هو مخبوء ومخفي فيهما، يقال: خبأت الشيء أخبؤه خبأً، والخبء ما خبأته. قال الزجاج: جاء في التفسي أن الخبء ها هنا بمعنى القطر من السماء والنبات من الأرض. وقيل خبء الأرض كنوزها ونباتها. وقال قتادة: الخبء السر. قال النحاس، أي ما غاب في السموات والأرض. وقرأ أبي وعيسى بن عمر الخب بفتح الباء من غير همز تخفيفاً، وقرأ عبد الله وعكرمة ومالك بن دينار الخبا بالألف قال أبو حاتم: وهذا لا يجوز في العربية. ورد عليه بأن سيبويه حكى عن العرب أن الألف تبدل من الهمزة إذا كان قبلها ساكن. وفي قراءة عبد الله يخرج الخب من السموات والأرض. قال الفراء: ومن وفي يتعاقبان، والموصول يجوز أن يكون في محل جر نعتاً لله سبحانه، أو بدلاً منه، أو بياناً له. ويجوز أن تكون في محل نصب على المدح، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجملة "ويعلم ما تخفون وما تعلنون" معطوفة على يخرج، قرأ الجمهور بالتحتية في الفعلين، وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي بالفوقية للخطاب، أما القراءة الأولى فلكون الضمائر المتقدمة ضمائر غيبة، وأما القراءة الثانية فلكون قراءة الزهري والكسائي فيها الأمر بالسجود والخطاب لهم بذلك، فهذا عندهم من تمام ذلك الخطاب. والمعنى: أن الله سبحانه يخرج ما في هذا العالم الإنساني من الخفاء بعلمه له كما يخرج ما خفي في السموات والأرض، ثم بعد ما وصف الرب سبحانه بما تقدم مما يدل على عظيم قدرته وجليل سلطانه ووجوب توحيده وتخصيصه بالعبادة.
25- " أن لا يسجدوا "، قرأ أبو جعفر والكسائي: ألا يسجدوا بالتخفيف، وإذا وقفوا يقفون ألا يا: ألا يأثم ثم يبتدئون: اسجدوا على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، وجعلوه أمراً من عند الله مستأنفاً، وحذفوا هؤلاء اكتفاءً بدلالة يا عليها، وذكر بعضهم سماعاً من العرب: ألا يا ارحمونا، يريدون ألا يا قوم، وقال الأخطل:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر وإن كان حيانا عداً آخر الدهر
يريد: ألا يا اسلمي يا هند، وعلى هذا يكون قوله ألا كلاماً معترضاً من غير القصة، إما من الهدهد، وإما من سليمان. قال أبو عبيدة: هذا أمر من الله مستأنف يعني: يا أيها الناس اسجدوا.
وقرأ الآخرون: ألا يسجدوا بالتشديد، بمعنى: وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا، "لله الذي يخرج الخبء"، أي: الخفي المخبأ، "في السموات والأرض"، أي: ما خبأت.
قال أكثر المفسرين: خبء السماء: المطر، وخبء الأرض: النبات.
وفي قراءة عبد الله: يخرج الخبء من السموات والأرض، ومن وفي يتعاقبان، تقول العرب: لأستخرجن العلم فيكم، يريد: منكم.
وقيل: معنى الخبء الغيب، يريد: يعلم غيب السموات والأرض.
"ويعلم ما تخفون وما تعلنون"، قرأ الكسائي، وحفص، عن عاصم: بالتاء فيهما، لأن أول الآية خطاب على قراءة الكسائي بتخفيف ألا، وقرأ الآخرون بالياء.
25 -" أن لا يسجدوا لله " فصدهم لئلا يسجدوا أو زين لهم أن لا يسجدوا على أنه بدل من " أعمالهم " ، أو " لا يهتدون " إلى أن يسجدوا بزيادة " لا " . وقرأ الكسائي و يعقوب " إلا " بالتخفيف على أنها للتنبيه ويا للنداء ومناداه محذوف أي : ألا يا قوم اسجدوا كقوله :
وقالت ألا يا اسمع أعظك بخطة فقلت سميعاً فانطقي وأصيبي
وعلى هذا صح أن يكون استئنافاً من الله أو من سليمان والوقف على " لا يهتدون " ، فيكون أمراً بالسجود وعلى الأول ذماً على تركه وعلى الوجهين يقتضي وجوب السجود في الجملة لا عند قراءتها ، وقرئ (( هلا )) و (( هلا )) بقلب الهمزة هاء و (( ألا تسجودن )) و (( هلا تسجدون )) على الخطاب . " الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون " وصف له تعالى بما يوجب اختصاصه باستحقاق السجود من التفرد بكمال القدرة والعلم حثاً على سجوده ورداً على من يسجد لغيره ، و" الخبء " ما خفي في غيره وإخراجه إظهار ، وهو يعم إشراق الكواكب وإنزال الأمطار وإنبات النبات بل الإنشاء فإنه إخراج ما في الشيء بالقوة إلى الفعل والإبداع ، فإنه إخراج ما في الإمكان والعدم إلى الوجوب والوجود ومعلوم أنه يختص بالواجب لذاته . وقرأ حفص و الكسائي (( ما تخفون وما تعلنون )) بالتاء .
25. So that they worship not Allah, Who bringeth forth the hidden in the heavens and the earth, and knoweth what ye hide and what ye proclaim,
25 - (Kept them away from the Path), that they should not worship God, Who brings to light what is hidden in the heavens and the earth, and knows what ye hide and what ye reveal.